اشتوريش (مملكه)
Kingdom of Asturies - Royaume d’Asturies
أشتوريش (مملكة ـ)
اشتوريش Asturies اسم منطقة وشعب ودولة في شبه جزيرة إيبرية، ورد عند الكتاب اليونان والرومان منذ أيام استرابون في صيغة ستورس Stoures أو ستيرس Styres، لذا تكون التسمية العربية «أشتوريش» أقرب لفظاً إلى التسمية القديمة من التسمية الإسبانية الحديثة «أستورية» التي تطلق اليوم على منطقة صغيرة لاتتعدى النصف الشمالي من ولاية أوفيدو (أوبيدو) Oviedo إحدى ولايات إسبانية. أما أشتوريش القديمة فكانت دويلة تمتد حدودها على شواطئ الأطلسي من غربي ولاية أوفيدو الحالية حتى نهر سيلاّ Sella شرقاً، ويتجاوز امتدادها في الجنوب ولايتي ليون وأشتورقة Astorga الحالية ليقترب من وادي دويرة في بعض النقاط. ولعل أبرز تضاريسها جبال الكانتابريك التي تخترقها في الوسط من الشرق إلى الغرب وفيها مايعرف باسم «قُنَّة أوربة» أو «مناقير أوربة» Pieos Europa التي ترتفع نحو 2438م وسط منطقة وعرة للغاية فيها قمم شاهقة ووديان سحيقة، وقد وفرت لها أمطارها الغزيرة الغنى بالغابات والمراعي، وفي كل ذلك ما يجعلها معقلاً منيعاً. تقسم هذه الجبال دويلة «أشتوريش» إلى قسمين: قسم شمالي ساحلي عرف بقسم ماوراء الجبال وأهم مدنه لوكوس Locus، وقسم جنوبي يسمى أشتوريش الأوغسطية Astoria Augustana وفيها «أشتورقة» أهم مدن أشتوريش.
يرجع سكان أشتوريش في أصولهم إلى السلت (الكلتيين)، وقد قامت في أشتوريش مابين سنتي97-299هـ/ 716-910م دويلة فرنجية على تخوم الدولة العربية الإسلامية في الأندلس، وكانت نواتها جيب مقاومة استفاد من ضعف العرب المسلمين ليتطور إلى دولة.
قيام الدولة
إثر الفتح الإسلامي للأندلس لجأ قسم من نبلاء إسبانية من مدنيين وكنسيين ومَنْ تحالف معهم إلى مرتفعات أشتوريش، كما لجأ إليها عدد من سكان السهول المجاورة، وتألفت من هذه الجماعات بؤرة لم تخضع قط للفاتحين العرب، وتزعمها في زمن والي الأندلس الحر بن عبد الرحمن الثقفي (97 - 100هـ/716 - 719م) رجل يدعى بيلايو Pelayo (وهو بلاي عند ابن حيان وبلاية عند ابن الخطيب) حرض المستقرين في مرتفعات أشتوريش على العصيان فانتخبوه أميراً عليهم، واتخذ من مغارة كابادونغا Cavadonga (ويسميها ابن حيان صخرة بلاي) مقراً له. ثبت مركز العصيان هذا لحملتين أندلسيتين: وجه الأولى عنبسة بن سحيم (103 - 107هـ /721 - 726م)، إلا أنها تراجعت إثر كمين اعترضها في واد ضيق بجوار الصخرة، وسدت عليها طريق العودة انهيارات صخرية جبلية. وكانت هذه أول مواجهة ناجحة للإسبان في وجه العرب المسلمين منذ الفتح. ووجه الحملة الثانية عقبة بن الحجاج السلولي (116 - 123هـ/ 734 - 741م)، فطهّرت مناطق الشمال وأقامت حاميات عربية في منطقة «بنبلونة» المتاخمة لبؤرة العصيان من الشرق، وفي «جليقية» المتاخمة لها من الغرب. ولم يستعص على التطهير سوى المغارة أو صخرة بلاي وفيها ثلاثمئة رجل، بقي منهم ثلاثون بعد أن ضيق عليهم المسلمون الخناق، وكانوا يتغذون من عسل النحل في شقوق الصخر، وقد استخف المسلمون بأمرهم فتركوهم وشأنهم مع حلول الشتاء.
مكن هذا الثبات ألفونسو الأول (123 - 141هـ/739 - 757م) من اتخاذ موطئ قدم له في تلك المنطقة، ولعل وضع العرب المسلمين آنئذ ساعده في مسعاه هذا، إذ غرق العرب في حمأة منازعات داخلية ما يزيد على عقدين من الزمن بدءاً من عام 122هـ/739م، وتلا ذلك قحط شديد بين 131 - 136هـ/748 - 753م. واستغل ألفونسو الأول الموقف فاحتل المناطق الجبلية وأتبعها بالمناطق الساحلية وراءها حتى مدينة بلباه شرقاً، وأقصى جليقية في الغرب. كما أجلى المسلمين في الجنوب حتى خط أشتورقة، ووصلت غاراته إلى نهر دويره. ومنذ ذلك الحين صار ألفونسو يحمل لقب «الملك».
مرحلة التبعية
حصل الانتقال من مرحلة التوسع والقوة إلى مرحلة الانكماش والتبعية في عهد Fruela فرويلة الأول (141-151هـ/757-768م) الذي استفاد من انشغال عبد الرحمن الداخل ببسط سلطانه ليقوم هو بغارات ناجحة على المناطق المجاورة. ثم مالبثت المصاعب أن توالت عليه فاضطر إلى إخماد ثورات البشكنش في شرقي دولته والجلالقة في غربيها. كما انهزم أمام بدر مولى عبد الرحمن الداخل سنة 149هـ/ 766م وأجبر على دفع الجزية. وتتابع الانهيار في مملكة أشتوريش إثر ذلك، فاغتيل فرويلة وجاء بعده ملوك كانوا أتباعاً لعبد الرحمن منهم: أريليو Aurelio بين (151-158هـ/768- 774م) ثم شِيُله Silo بين (158-167هـ/774-783م). وعند وفاة شيله هذا حاول الحزب المعادي للعرب المسلمين إيصال ألفونسو الثاني إلى العرش فأخفقوا، واعتلى العرش موريغاطه Mauregato بين (167 و171هـ/783 و788 م)، مما جعل الروايات الإسبانية تعد حكمه طغياناً واغتصاباً. ومن مظاهر تبعية هؤلاء الملوك لعبد الرحمن الداخل دفعهم جزية سنوية قدرت بعشرة آلاف أوقية من الذهب وعشرة آلاف رطل من الفضة وعشرة آلاف رأس من الخيل ومثلها من البغال، ومعها ألف درع وألف بيضة ومثلها من رماح الدردار، وألاّ يأسروا أحداً من المسلمين، أو يغدروا به. ورافق هذه الهيمنة السياسية روابط أسرية داخل الأسرة المالكة، إذ كانت أم الملك شيله مسلمة كما كان موريغاطه ابن أسيرة مسلمة، حتى إن بعض المؤرخين يذهب إلى أن اسمه المعروف به ليس إلا لقباً مأخوذاً من صفة أمه ويعني الأسيرة المسلمة Maure Captae.
انتهت مرحلة التبعية هذه بانتخاب برمودة الأول Vermudo بين (172 - 175 هـ/788 - 791م) ملكاً. وهو قسيس قريب لألفونسو المخلوع، أي إنه كان من الحزب المعادي للمسلمين، وربما دفع هذا الأمر هشام بن عبد الرحمن (172 - 180هـ/788 - 796م) لتجريد حملتين عليه هاجمتا بلاده من الشرق ومن الغرب فهزم وعاد لوضعه الكنسي في القصر الملكي، وقام على رأس الحكم ألفنش المخلوع (ألفونسو الثاني) الملقب بالصالح (175 - 228هـ /791 - 842م) وهو ألفنش بن فرويله عند ابن الخطيب.
توسع دولة أشتوريش
تمكن ألفونسو الثاني من توسيع دولته وتوفير المقومات الضرورية لها، وقد تيسر له ذلك بطول مدة حكمه وتعدد مشاكل الأمراء الأمويين ومشاغلهم التي نجمت عن أسباب كثيرة أهمها ظهور بؤرة المقاومة المسيحية في الشمال ومنها البشكنش في بنبلونة (182هـ/798م) والثغر الإسباني الكارولنجي في برشلونة (185هـ/801م)، وكذلك ثورات المولدين والبربر في الثغور المتاخمة لأشتوريش، والتي تمادت إلى حد التعاطف مع ملوكها المسيحيين، كما فعل محمد بن عبد الجبار بعد أن أخفقت ثورته بماردة سنة 219هـ/834م فلجأ إلى ألفونسو الثاني فأقطعه حصناً على الحدود.
وفي ظل هذا الوضع كان الأمراء الأمويون عند تفرغهم يوجهون حملاتهم إلى أراضي الفرنج كما فعل هشام بن عبد الرحمن في حملته سنة 179هـ/ 795م التي دخل فيها حاضرة ألفونسو وأسر الكثير من كبار رجاله واستنجد ألفونسو حينئذ بالكارولنجيين في غالية (فرنسة)، ومثل ذلك مافعله عبد الرحمن بن الحكم في غزوات 224 و225هـ/ 838 و839م التي لم يستطع ألفونسو مواجهتها واكتفى بتوجيه الضربات إلى جيش المسلمين في الخوانق الجبلية على طريق العودة. أما عند انشغال الأمراء المسلمين بأمور أخرى فكان ألفونسو يوغل في الأراضي الأندلسية بغاراته، ومثال ذلك تجاوزه سنة 182هـ/ 798م وادي دويرة إلى وادي التاجة واحتلاله الأشبونة عند مصبه، ولم يستطع المسلمون تحريرها حتى سنة 193هـ/ 808-809م. ويبدو أن ألفونسو شعر بشيء من الأمان في هذه الحقبة ولاسيما في أشتوريش الساحلية وراء الجبال فأقام مدينة «أوبيدو» على مرتفع تحيط به الهضاب ويشرف على الطريق التي تمر بأشتوريش واتخذها حاضرة له. وشيد فيها «كنيسة المخلّص» وقصراً حوت إحدى غرفه ذخائر مقدسة زعم أنها حُملت من طليطلة عند فتحها. ولم يقتصر الإعمار على العاصمة بل ارتقت الحياة المدنية
Kingdom of Asturies - Royaume d’Asturies
أشتوريش (مملكة ـ)
اشتوريش Asturies اسم منطقة وشعب ودولة في شبه جزيرة إيبرية، ورد عند الكتاب اليونان والرومان منذ أيام استرابون في صيغة ستورس Stoures أو ستيرس Styres، لذا تكون التسمية العربية «أشتوريش» أقرب لفظاً إلى التسمية القديمة من التسمية الإسبانية الحديثة «أستورية» التي تطلق اليوم على منطقة صغيرة لاتتعدى النصف الشمالي من ولاية أوفيدو (أوبيدو) Oviedo إحدى ولايات إسبانية. أما أشتوريش القديمة فكانت دويلة تمتد حدودها على شواطئ الأطلسي من غربي ولاية أوفيدو الحالية حتى نهر سيلاّ Sella شرقاً، ويتجاوز امتدادها في الجنوب ولايتي ليون وأشتورقة Astorga الحالية ليقترب من وادي دويرة في بعض النقاط. ولعل أبرز تضاريسها جبال الكانتابريك التي تخترقها في الوسط من الشرق إلى الغرب وفيها مايعرف باسم «قُنَّة أوربة» أو «مناقير أوربة» Pieos Europa التي ترتفع نحو 2438م وسط منطقة وعرة للغاية فيها قمم شاهقة ووديان سحيقة، وقد وفرت لها أمطارها الغزيرة الغنى بالغابات والمراعي، وفي كل ذلك ما يجعلها معقلاً منيعاً. تقسم هذه الجبال دويلة «أشتوريش» إلى قسمين: قسم شمالي ساحلي عرف بقسم ماوراء الجبال وأهم مدنه لوكوس Locus، وقسم جنوبي يسمى أشتوريش الأوغسطية Astoria Augustana وفيها «أشتورقة» أهم مدن أشتوريش.
قيام الدولة
إثر الفتح الإسلامي للأندلس لجأ قسم من نبلاء إسبانية من مدنيين وكنسيين ومَنْ تحالف معهم إلى مرتفعات أشتوريش، كما لجأ إليها عدد من سكان السهول المجاورة، وتألفت من هذه الجماعات بؤرة لم تخضع قط للفاتحين العرب، وتزعمها في زمن والي الأندلس الحر بن عبد الرحمن الثقفي (97 - 100هـ/716 - 719م) رجل يدعى بيلايو Pelayo (وهو بلاي عند ابن حيان وبلاية عند ابن الخطيب) حرض المستقرين في مرتفعات أشتوريش على العصيان فانتخبوه أميراً عليهم، واتخذ من مغارة كابادونغا Cavadonga (ويسميها ابن حيان صخرة بلاي) مقراً له. ثبت مركز العصيان هذا لحملتين أندلسيتين: وجه الأولى عنبسة بن سحيم (103 - 107هـ /721 - 726م)، إلا أنها تراجعت إثر كمين اعترضها في واد ضيق بجوار الصخرة، وسدت عليها طريق العودة انهيارات صخرية جبلية. وكانت هذه أول مواجهة ناجحة للإسبان في وجه العرب المسلمين منذ الفتح. ووجه الحملة الثانية عقبة بن الحجاج السلولي (116 - 123هـ/ 734 - 741م)، فطهّرت مناطق الشمال وأقامت حاميات عربية في منطقة «بنبلونة» المتاخمة لبؤرة العصيان من الشرق، وفي «جليقية» المتاخمة لها من الغرب. ولم يستعص على التطهير سوى المغارة أو صخرة بلاي وفيها ثلاثمئة رجل، بقي منهم ثلاثون بعد أن ضيق عليهم المسلمون الخناق، وكانوا يتغذون من عسل النحل في شقوق الصخر، وقد استخف المسلمون بأمرهم فتركوهم وشأنهم مع حلول الشتاء.
مكن هذا الثبات ألفونسو الأول (123 - 141هـ/739 - 757م) من اتخاذ موطئ قدم له في تلك المنطقة، ولعل وضع العرب المسلمين آنئذ ساعده في مسعاه هذا، إذ غرق العرب في حمأة منازعات داخلية ما يزيد على عقدين من الزمن بدءاً من عام 122هـ/739م، وتلا ذلك قحط شديد بين 131 - 136هـ/748 - 753م. واستغل ألفونسو الأول الموقف فاحتل المناطق الجبلية وأتبعها بالمناطق الساحلية وراءها حتى مدينة بلباه شرقاً، وأقصى جليقية في الغرب. كما أجلى المسلمين في الجنوب حتى خط أشتورقة، ووصلت غاراته إلى نهر دويره. ومنذ ذلك الحين صار ألفونسو يحمل لقب «الملك».
مرحلة التبعية
حصل الانتقال من مرحلة التوسع والقوة إلى مرحلة الانكماش والتبعية في عهد Fruela فرويلة الأول (141-151هـ/757-768م) الذي استفاد من انشغال عبد الرحمن الداخل ببسط سلطانه ليقوم هو بغارات ناجحة على المناطق المجاورة. ثم مالبثت المصاعب أن توالت عليه فاضطر إلى إخماد ثورات البشكنش في شرقي دولته والجلالقة في غربيها. كما انهزم أمام بدر مولى عبد الرحمن الداخل سنة 149هـ/ 766م وأجبر على دفع الجزية. وتتابع الانهيار في مملكة أشتوريش إثر ذلك، فاغتيل فرويلة وجاء بعده ملوك كانوا أتباعاً لعبد الرحمن منهم: أريليو Aurelio بين (151-158هـ/768- 774م) ثم شِيُله Silo بين (158-167هـ/774-783م). وعند وفاة شيله هذا حاول الحزب المعادي للعرب المسلمين إيصال ألفونسو الثاني إلى العرش فأخفقوا، واعتلى العرش موريغاطه Mauregato بين (167 و171هـ/783 و788 م)، مما جعل الروايات الإسبانية تعد حكمه طغياناً واغتصاباً. ومن مظاهر تبعية هؤلاء الملوك لعبد الرحمن الداخل دفعهم جزية سنوية قدرت بعشرة آلاف أوقية من الذهب وعشرة آلاف رطل من الفضة وعشرة آلاف رأس من الخيل ومثلها من البغال، ومعها ألف درع وألف بيضة ومثلها من رماح الدردار، وألاّ يأسروا أحداً من المسلمين، أو يغدروا به. ورافق هذه الهيمنة السياسية روابط أسرية داخل الأسرة المالكة، إذ كانت أم الملك شيله مسلمة كما كان موريغاطه ابن أسيرة مسلمة، حتى إن بعض المؤرخين يذهب إلى أن اسمه المعروف به ليس إلا لقباً مأخوذاً من صفة أمه ويعني الأسيرة المسلمة Maure Captae.
انتهت مرحلة التبعية هذه بانتخاب برمودة الأول Vermudo بين (172 - 175 هـ/788 - 791م) ملكاً. وهو قسيس قريب لألفونسو المخلوع، أي إنه كان من الحزب المعادي للمسلمين، وربما دفع هذا الأمر هشام بن عبد الرحمن (172 - 180هـ/788 - 796م) لتجريد حملتين عليه هاجمتا بلاده من الشرق ومن الغرب فهزم وعاد لوضعه الكنسي في القصر الملكي، وقام على رأس الحكم ألفنش المخلوع (ألفونسو الثاني) الملقب بالصالح (175 - 228هـ /791 - 842م) وهو ألفنش بن فرويله عند ابن الخطيب.
توسع دولة أشتوريش
تمكن ألفونسو الثاني من توسيع دولته وتوفير المقومات الضرورية لها، وقد تيسر له ذلك بطول مدة حكمه وتعدد مشاكل الأمراء الأمويين ومشاغلهم التي نجمت عن أسباب كثيرة أهمها ظهور بؤرة المقاومة المسيحية في الشمال ومنها البشكنش في بنبلونة (182هـ/798م) والثغر الإسباني الكارولنجي في برشلونة (185هـ/801م)، وكذلك ثورات المولدين والبربر في الثغور المتاخمة لأشتوريش، والتي تمادت إلى حد التعاطف مع ملوكها المسيحيين، كما فعل محمد بن عبد الجبار بعد أن أخفقت ثورته بماردة سنة 219هـ/834م فلجأ إلى ألفونسو الثاني فأقطعه حصناً على الحدود.
وفي ظل هذا الوضع كان الأمراء الأمويون عند تفرغهم يوجهون حملاتهم إلى أراضي الفرنج كما فعل هشام بن عبد الرحمن في حملته سنة 179هـ/ 795م التي دخل فيها حاضرة ألفونسو وأسر الكثير من كبار رجاله واستنجد ألفونسو حينئذ بالكارولنجيين في غالية (فرنسة)، ومثل ذلك مافعله عبد الرحمن بن الحكم في غزوات 224 و225هـ/ 838 و839م التي لم يستطع ألفونسو مواجهتها واكتفى بتوجيه الضربات إلى جيش المسلمين في الخوانق الجبلية على طريق العودة. أما عند انشغال الأمراء المسلمين بأمور أخرى فكان ألفونسو يوغل في الأراضي الأندلسية بغاراته، ومثال ذلك تجاوزه سنة 182هـ/ 798م وادي دويرة إلى وادي التاجة واحتلاله الأشبونة عند مصبه، ولم يستطع المسلمون تحريرها حتى سنة 193هـ/ 808-809م. ويبدو أن ألفونسو شعر بشيء من الأمان في هذه الحقبة ولاسيما في أشتوريش الساحلية وراء الجبال فأقام مدينة «أوبيدو» على مرتفع تحيط به الهضاب ويشرف على الطريق التي تمر بأشتوريش واتخذها حاضرة له. وشيد فيها «كنيسة المخلّص» وقصراً حوت إحدى غرفه ذخائر مقدسة زعم أنها حُملت من طليطلة عند فتحها. ولم يقتصر الإعمار على العاصمة بل ارتقت الحياة المدنية