ویرنر فورمان مصور يحفظ التاريخ
فن العمارة في الأيام الغابرة ، أو حضارات القرون الماضية هو المنهج الذي يتبعه ويرنر فورمان في أعماله الفوتوغرافية ، حيث استطاع من خلاله تحقيق شهرة عالمية عالية في هذا المجال .
وفي اللقاء معه عودة الى بداية اقتنائه للكاميرا قبل التعرف الى آخر الأخبار والآراء حوله .
حقق ويرنر فورمان الآن شهرة عالمية جاءت نتيجة تصويره الفوتوغرافي لكنوز فنية ، وهو الذي لم يبدأ العمل بالكاميرا الا لأنه شعر بكره شديد للمدارس ، بعدما ترك المدرسة في براغ وهو في الرابعة عشرة من العمر ، حيث قال لوالده أنه يريد التحول الي مصور فوتوغرافي ، الا انه لم يكن ناطقاً بالحقيقة .
وهو يقول :
اردت في حقيقة الأمر أن أصبح طياراً ، لكن علمت انني كنت اصـغـر من ان اتدرب على الطيران ، وقد أخذني والدي للتدرب في استديو فوتوغرافي طيلة ستة أسابيع تماماً .
وكان هذا الولد الموهوب قد ابتاع كاميرا اصـلا وتوصل الى سبل يخدع بها الحراس الأمنيين في مطار براغ ليتساهلوا في إجراءاتهم معه ، وهكذا بدا يلتقط صور اسطول طائرات شركة الطيران التشيكية الرسمية . ويبيع هذه الصور الى المصنعين .
وكـانـت كـامـيـرتـه الأولى هي ، كوداك غرافيكس ، ثابتة العدسة وهو يقول عنها ـ كانت شيئاً مخيفا يفلت من يدك بسهولة ويعمل عند أيـة سرعة تتخيلها وتنبعث منه رائحة الغراء ، ولم يكن في براغ الاثلاثة نماذج من هذه الكاميرا حينذاك .
أما اليوم ، وقد بلغ ويرتر الستين من عمره ، فهو ينتفض من ذكرى هذه المعدات التي لا تتميز بالكفاءة ، ولكنه في سن الخامسة عشرة ، كان يتميز بالشجاعة وسرعان ما اوجد لنفسه مكانة كمصور لشركة الطيران الرسمية ثم ظل محتفظاً بهذه الوظيفة الى حين حدث وهو في الثامنة عشرة من عمره ان شركة الطيران المعنية لم يعد لها وجود ، ذلك أن تشيكوسلوفاكيا تعرضت للغزو عام ١٩٣٩ ، وخلال السنوات الست من الاحتلال الألماني ، كـان ويـرنـر ومعـه والده وشقيقه قد أرسلوا الى معسكرات اعتقال .
ومن عجائب الأمور أن العائلة بكاملها ظلت على قيد الحياة ، إلا أن الذكريات تظل مؤلمة ويفضل فورمان ان لا يتذكر تفاصيل تلك الفترة التي سببت له الكثير من التعاسة .
كان تأثير ذلك كبيراً على حياته . وقد ادى به اولة الى دراسة في الحضارات القديمة في منه لبلوغ تفسير ما لعصره العنيف .
وهكذا ، مثله مثل شقيقه المصمم أصبح مهتما بالفن الصيني ، حيث لم يلبث حماسه المفعم بالبراءة ان دفعه الى انتاج كتاب حول الموضوع .
وقال يتذكر :
ـ كنا ماخوذين بتلك الثقافة وبكل العناصر الأساسية لثقافة واسعة جداً ظلت قائمة على مدى ٣٠٠٠ سنة ... غطسنا في أعماق هذه الثقافة وتوصلنا الى نتائجنا الذاتية .
ويتابع :
- عندما قررت مع شقيقي ان ننتج هذا الكتاب في تشيكوسلوفاكيا لقراء تشيكيين ، كنا على علم تـام بـان الكثير من الفن الصيني في المجموعات التشيكية هو من النوع قليـل الجودة ، الا أن بلادنا لم تحظ يوما بكتاب حول الفن الصيني ، فقررنا صنعه .
أثناء طبعهما لهذا الكتاب ، حدث ان ناشـراً شاباً من شمال لندن اسمه بول هاملين جاء الى براغ مستفسرا عن تسهيلات طبع للشركة التي اسسها ، هناك شاهد كتاب الفن الصيني خارجاً من المطابع وقرر شراءه على الفور ، فثارت اعصاب فورمان ، قال معلقا على ما حدث .
ـ كـان الكتـاب معنيـا بقـراء تشيكيين . لم تعتقده مناسباً لجمهور غربي ابدأ ، الا ان الرجل اراده وشعرنا بالفخر .
بلغت مبيعات الكتاب نصف مليون نسخة كانت تلك بداية مهنة خارقة مارسها فورمان لفترة تتجاوز الثلاثين سنة .
منتجاً خلالها أكثر من ستين كتـابـا لصـوره الفـوتـوغـرافيـة وبمواظبة تشبه مواظيـة العلماء على عملهم تحول الرجل الذي كان هدفه التدرب كطيار الى خبير في فنون الحضارات القديمة والثقافات البدائية كما يعتبر اليـوم واحـداً من أهم مصوري العالم الفوتوغرافيين للكنوز الفنية .
ظل يعمل على الكتب مع شقيقه الذي يدعي بیدریخ الى حين نقل ويرنر قاعدته من براغ الى لندن عام ١٩٧٠
كان يلتقط في الرحلة الواحدة ما يصل الى ٥٠٠٠ تعريض ضوئي بكاميرا عليها أن تصمد في مواجهة ظروف سيئة ذلك أن فورمان يواجه الرمـل والـغـبـار والملح والرطوبة دائـمـاً وباستطاعة كل منها أن تعرض الكاميرا للعطب من هنا وبعدما جرب كل النماذج الأكثر شهرة نجده وهو ينفر منها كلها تقريباً باستثناء الماميا ( 67 RB ) التي يقول عنها :
ـ انها قطعة معدات ثقيلة ضخمة غير معقدة تحتمل الكثير من المعاملات الفظة ... عندما تمسك الماميا هذه تشعر وكانـك تمسك حقيبـة بيدك ، ولكنها موثوقة فيها الكثير من الوسائل التي تذكرك إذا قمت بعمل أشياء غبية ، ولكنك تبقى قادراً على القيام بهذه الأعمال إذا أردت لأن الكاميرا ليست أوتوماتيكية كلياً .
في أيامه الأولى كان على فورمان ان يعمل بصعوبة حتى يقنع أمناء المتاحف والمعارض الفنية أنه لن يكون عامل ازعاج لهم . أما الآن فنجد بعض اهم متاحف العالم وهي تعطيه حقاً استثنائياً لتصوير مجموعاتها .
الا أنه يصرف النظر عن ميزة السماح له بالدخول ، فهو نادراً ما يحظى بمعاملة خاصة ذلك أن أنظمة الأمان تنص على ضرورة ممارسته العمل خلال فترات الافتتاح العادية بينما مصابيح الغاليري منارة كلها رغم أنه يستطيع في أحيان كثيرة أن يغير مواقع الكنوز الفنية أما إذا وجد نفسه أمام عملية تصوير قطعة منحوتات ضخمة هي أكبر من أن تتحرك قد يلجا الى استعمال المرشحات للتعويض على المسحة اللونية التي قد تنتجها أنوار المعرض لولا ذلك مع هذا ، وإذا كان عليه العمل تحت انوار « فلوریسنت » ، فحتى المرشحات تستطيع تصحيح المسحة اللونية الزرقاء القوية التي تنتج في هذه الظروف . يعمد فورمان الى المبالغة بتعريض صوره ضوئياً ثم يقلل من تظهير الفيلم بعد ذلك حتى يحقق التوازن اللوني الدقيق الذي يريده .
وهو يفضل استعمال أفلام إكتاكروم ويبرر ذلك بقوله :
ـ ليس لأنها تعطي أفضل النتائج ، بل لأنها الأفضل لتحريفها فعلى عكس الرأي الشائع نستطيع ان نقلل تظهيرها عما ينبغي بفعالية كبيرة ، كما أنني أجدها متميزة بالمقدرة الأكبر على احتمال تحميض غير عادي .
نادرا ما يعمل فورمان بافلام سوداء بيضاء لأن الناشرين الذين يتعامل معهم يريدون الوانا ، كما أنه ليس متحمساً لنوعية انتاج طبعات الأسود والأبيض في كتب وهو يقول عن ذلك :
تاتي معظم هذه الطبعات سيئة لأن المطابع والورق مصممة للألوان في هذه الأيام ، وعندما تدخل صور الأسود والأبيض ذات العملية التي تدخلها التوضيحات الملونة ، فإن احتمالات
طبعها بشكل سليم تكون معدومة .
على أن الصفة المميزة في تصوير فـورمان الفوتوغرافي للمتاحف هي طريقته في إنارة الهدف كما لو كان هذا قطعة مصاغ دقيقة أو منحوتة هائلة الحجم .
والسر هنا يكمن في بساطة أسلوبه الذي يوضحه بالتالي :
- استعمل تعريضات ضوئية طويلة تصل حتى ستين ثانية ، واكتفي أحياناً بمجرد بطارية ضوئية عادية من النوع الذي يوضع في الجيب ولا استعمل النور القـوي ابـدأ لأن المواد العضوية التي أصورهـا قد تتعرض للخطر من الحرارة , وغالباً ما تكون القراءة الضوئية البسيطة كافية القوة .
يسافر فورمان مع منصتين لأكثر مصابيح الفيض الضوئي بساطة ، ومجموعة كاملة من مصابيح ال ۱۲۰ وال ۲۲۰ واط ، وبكرات لا حصر لها من أسلاك الوصل ، وسطوح انعکاس بيضاء ، ومجموعة من البطاريات الضوئية الصغيرة ، وهو يقول :
ـ أنا عبارة عن معرض رجل واحـد ، ولست أعجوبة هندية بدزينة من الايدي لذلك اضطر لسوء الحظ لأن التزم بمعدات خفيفة الوزن كثيراً ما تكون رديئة من حيث النوعية بالمقارنة مع اخرى اثقل وزناً .
القطع الوحيدة التي يبدي بها اهتماماً فعلياً هي العدسات التي يعطيها من الأهمية أكثر مما يعطي الكاميرات ، ولن يشتري العدسات بسبب إسم العدسة ، بل يقوم بتجربة اليابانية منها الى حين يعثر على واحدة تعطي نوع الوضوح الذي يناسبه وهـو عادة ما يصطحب معه مجموعة صغيرة من العدسات عندما يذهب لتنفيذ المهام ، وهذه تشمل عدسة ٣٠٠ ملم للماميا و ۱۸۰ ملم للبرونيكا ٦٤٥ . هذا ، وعندما يلتقط صوراً فوتوغرافية لكتبه المتعددة ، يجد فورمان ان ال ٦ × ٧ سنم هي البنية الأفضل من غيرها بكثير . وعلى الرغم من أنه يفضل بنيـة أكبر ، الا ان هذه تبقى ذات المقياس الأكبر الذي يمكن حمله والتنقـل بـه بشكل عملي ، حيث لا يمكن تغيير فيلم الشريحة الا في غرفة مظلمة ، وقد يحتاج لمـا يصل الى مائة حامل صفيحة في يوم العمل الواحد وهو لا يستطيع ان يحمل هذا القدر معه بالطبع .
أما البنية الأصغر فلها متاعبها من ناحية أخرى . وهو يقول عن ذلك :
- اجد في فيلم ال ٦ × ٦ سم المربـع عملية هـدر لأنه يفرض على المصور الفوتوغرافي طريقة غير متقنة لتشكيل صورته ، وانت تعرف ان عليك أن تجتزيء فيما بعد ، اما انا فأفضل الاجتزاء على الفور .
لما كانت كتبه تدور حول ثقافات قديمة عادة يحاول فورمـان إزالة الناس والسيارات واية اشارة اخرى للقرن العشرين في صوره وحيث أن معظم الأنصاب القـديمـة تـكـون محاطة بالسياح عادة ، يتجنب فورمـان هذه الحشود بالعمل إما باكراً جداً عند الصباح أو في وقت متأخر من المساء وهو يقول : « فـوقفاً على الموسم والمكـان ، قد يحدث هذا في وقت باكر دأ كالرابعة صباحاً ، ولكنني مهمـا بكرت بالذهاب ، يبقى على أن أواجه مشكلة إقناع الحراس ، وقد يكون ذلك عملية متعبة جدا إذا لم يكن هـؤلاء ودودين .
نشير كذلك إلى أن فـورمـان هـو المصور الفـوتـوغـرافي ورئيس التحـريـر لسلسلة منشورات بعنـوان ، أصداء العالم القديم ( Echoes of The Ancient World ) .
وتعمـل هـذه الكتب على استقصاء طرق الحيـاة وما يؤمن به الناس في العديد من الثقافات ثم تأتي الصور الفوتوغرافية للمناظر الطبيعية وطرق العمارة والفنون والصناعات اليدوية وقد جرى التخطيط لهـا حتى تكمل النص . لذلك يعمل فورمان مع المؤلف منذ بداية المشروع حيث يقضي الساعات والساعات باحثاً ومخططاً .
على ان فورمان هذا ليس مهتماً بالتصوير الفوتوغرافي تعلقاً بـه فقط ، بل وباستعماله كمجـال يعبر به عن حماسه للثقـافـات غير الأوروبية ، وتجده وقد انهمك كليا في الثقافة المعينة التي يحاول تسجيلها ، وغالباً ما تقوم اعماله بعرض تفسيره الذاتي الشخصي لتلك
الثقافة ، فبالنسبة لكتابيه عن ماركو بولو وكابت كوك ، تتبع فورمان مسار رحلتيهما ، وفي كتبه الأخرى كذلك ، تجده غالباً ما يعمل بدقة وعناية المناظر الطبيعية الكئيبـة المعتمـة لثقـافـة لاختيار وعرض مظهر مميـز لثقافـة ما ، أمثال الفايكنغ .
نذكر اخيـراً أنه في الـعـام ١٩٥٧ ، انتـج فورمان كتاباً يعتبره أكثر ما يشعره بالرضى من نواح عديدة . أطلق على هذا الكتاب اسم تطريز من مصر ، وهو يحتوي على مجموعة خارقة من مطرزات صنعها أطفال ، بعضهم في السنة الخامسة أو السادسة من العمر دون استفادتهم من اي تعليم رسمي ، مع ذلك يـرى فورمان ان هذه المطرزات تعبر عن - أكبـر مغامرة في مجال الابداع ، وجد فيها ما سعى اليه دائما : تعبير بسيط مبـاشـر عن الفكر والشعور ؛ اعمال جمالية يستسيغها كل انسان في كل العصور⏹
فن العمارة في الأيام الغابرة ، أو حضارات القرون الماضية هو المنهج الذي يتبعه ويرنر فورمان في أعماله الفوتوغرافية ، حيث استطاع من خلاله تحقيق شهرة عالمية عالية في هذا المجال .
وفي اللقاء معه عودة الى بداية اقتنائه للكاميرا قبل التعرف الى آخر الأخبار والآراء حوله .
حقق ويرنر فورمان الآن شهرة عالمية جاءت نتيجة تصويره الفوتوغرافي لكنوز فنية ، وهو الذي لم يبدأ العمل بالكاميرا الا لأنه شعر بكره شديد للمدارس ، بعدما ترك المدرسة في براغ وهو في الرابعة عشرة من العمر ، حيث قال لوالده أنه يريد التحول الي مصور فوتوغرافي ، الا انه لم يكن ناطقاً بالحقيقة .
وهو يقول :
اردت في حقيقة الأمر أن أصبح طياراً ، لكن علمت انني كنت اصـغـر من ان اتدرب على الطيران ، وقد أخذني والدي للتدرب في استديو فوتوغرافي طيلة ستة أسابيع تماماً .
وكان هذا الولد الموهوب قد ابتاع كاميرا اصـلا وتوصل الى سبل يخدع بها الحراس الأمنيين في مطار براغ ليتساهلوا في إجراءاتهم معه ، وهكذا بدا يلتقط صور اسطول طائرات شركة الطيران التشيكية الرسمية . ويبيع هذه الصور الى المصنعين .
وكـانـت كـامـيـرتـه الأولى هي ، كوداك غرافيكس ، ثابتة العدسة وهو يقول عنها ـ كانت شيئاً مخيفا يفلت من يدك بسهولة ويعمل عند أيـة سرعة تتخيلها وتنبعث منه رائحة الغراء ، ولم يكن في براغ الاثلاثة نماذج من هذه الكاميرا حينذاك .
أما اليوم ، وقد بلغ ويرتر الستين من عمره ، فهو ينتفض من ذكرى هذه المعدات التي لا تتميز بالكفاءة ، ولكنه في سن الخامسة عشرة ، كان يتميز بالشجاعة وسرعان ما اوجد لنفسه مكانة كمصور لشركة الطيران الرسمية ثم ظل محتفظاً بهذه الوظيفة الى حين حدث وهو في الثامنة عشرة من عمره ان شركة الطيران المعنية لم يعد لها وجود ، ذلك أن تشيكوسلوفاكيا تعرضت للغزو عام ١٩٣٩ ، وخلال السنوات الست من الاحتلال الألماني ، كـان ويـرنـر ومعـه والده وشقيقه قد أرسلوا الى معسكرات اعتقال .
ومن عجائب الأمور أن العائلة بكاملها ظلت على قيد الحياة ، إلا أن الذكريات تظل مؤلمة ويفضل فورمان ان لا يتذكر تفاصيل تلك الفترة التي سببت له الكثير من التعاسة .
كان تأثير ذلك كبيراً على حياته . وقد ادى به اولة الى دراسة في الحضارات القديمة في منه لبلوغ تفسير ما لعصره العنيف .
وهكذا ، مثله مثل شقيقه المصمم أصبح مهتما بالفن الصيني ، حيث لم يلبث حماسه المفعم بالبراءة ان دفعه الى انتاج كتاب حول الموضوع .
وقال يتذكر :
ـ كنا ماخوذين بتلك الثقافة وبكل العناصر الأساسية لثقافة واسعة جداً ظلت قائمة على مدى ٣٠٠٠ سنة ... غطسنا في أعماق هذه الثقافة وتوصلنا الى نتائجنا الذاتية .
ويتابع :
- عندما قررت مع شقيقي ان ننتج هذا الكتاب في تشيكوسلوفاكيا لقراء تشيكيين ، كنا على علم تـام بـان الكثير من الفن الصيني في المجموعات التشيكية هو من النوع قليـل الجودة ، الا أن بلادنا لم تحظ يوما بكتاب حول الفن الصيني ، فقررنا صنعه .
أثناء طبعهما لهذا الكتاب ، حدث ان ناشـراً شاباً من شمال لندن اسمه بول هاملين جاء الى براغ مستفسرا عن تسهيلات طبع للشركة التي اسسها ، هناك شاهد كتاب الفن الصيني خارجاً من المطابع وقرر شراءه على الفور ، فثارت اعصاب فورمان ، قال معلقا على ما حدث .
ـ كـان الكتـاب معنيـا بقـراء تشيكيين . لم تعتقده مناسباً لجمهور غربي ابدأ ، الا ان الرجل اراده وشعرنا بالفخر .
بلغت مبيعات الكتاب نصف مليون نسخة كانت تلك بداية مهنة خارقة مارسها فورمان لفترة تتجاوز الثلاثين سنة .
منتجاً خلالها أكثر من ستين كتـابـا لصـوره الفـوتـوغـرافيـة وبمواظبة تشبه مواظيـة العلماء على عملهم تحول الرجل الذي كان هدفه التدرب كطيار الى خبير في فنون الحضارات القديمة والثقافات البدائية كما يعتبر اليـوم واحـداً من أهم مصوري العالم الفوتوغرافيين للكنوز الفنية .
ظل يعمل على الكتب مع شقيقه الذي يدعي بیدریخ الى حين نقل ويرنر قاعدته من براغ الى لندن عام ١٩٧٠
كان يلتقط في الرحلة الواحدة ما يصل الى ٥٠٠٠ تعريض ضوئي بكاميرا عليها أن تصمد في مواجهة ظروف سيئة ذلك أن فورمان يواجه الرمـل والـغـبـار والملح والرطوبة دائـمـاً وباستطاعة كل منها أن تعرض الكاميرا للعطب من هنا وبعدما جرب كل النماذج الأكثر شهرة نجده وهو ينفر منها كلها تقريباً باستثناء الماميا ( 67 RB ) التي يقول عنها :
ـ انها قطعة معدات ثقيلة ضخمة غير معقدة تحتمل الكثير من المعاملات الفظة ... عندما تمسك الماميا هذه تشعر وكانـك تمسك حقيبـة بيدك ، ولكنها موثوقة فيها الكثير من الوسائل التي تذكرك إذا قمت بعمل أشياء غبية ، ولكنك تبقى قادراً على القيام بهذه الأعمال إذا أردت لأن الكاميرا ليست أوتوماتيكية كلياً .
في أيامه الأولى كان على فورمان ان يعمل بصعوبة حتى يقنع أمناء المتاحف والمعارض الفنية أنه لن يكون عامل ازعاج لهم . أما الآن فنجد بعض اهم متاحف العالم وهي تعطيه حقاً استثنائياً لتصوير مجموعاتها .
الا أنه يصرف النظر عن ميزة السماح له بالدخول ، فهو نادراً ما يحظى بمعاملة خاصة ذلك أن أنظمة الأمان تنص على ضرورة ممارسته العمل خلال فترات الافتتاح العادية بينما مصابيح الغاليري منارة كلها رغم أنه يستطيع في أحيان كثيرة أن يغير مواقع الكنوز الفنية أما إذا وجد نفسه أمام عملية تصوير قطعة منحوتات ضخمة هي أكبر من أن تتحرك قد يلجا الى استعمال المرشحات للتعويض على المسحة اللونية التي قد تنتجها أنوار المعرض لولا ذلك مع هذا ، وإذا كان عليه العمل تحت انوار « فلوریسنت » ، فحتى المرشحات تستطيع تصحيح المسحة اللونية الزرقاء القوية التي تنتج في هذه الظروف . يعمد فورمان الى المبالغة بتعريض صوره ضوئياً ثم يقلل من تظهير الفيلم بعد ذلك حتى يحقق التوازن اللوني الدقيق الذي يريده .
وهو يفضل استعمال أفلام إكتاكروم ويبرر ذلك بقوله :
ـ ليس لأنها تعطي أفضل النتائج ، بل لأنها الأفضل لتحريفها فعلى عكس الرأي الشائع نستطيع ان نقلل تظهيرها عما ينبغي بفعالية كبيرة ، كما أنني أجدها متميزة بالمقدرة الأكبر على احتمال تحميض غير عادي .
نادرا ما يعمل فورمان بافلام سوداء بيضاء لأن الناشرين الذين يتعامل معهم يريدون الوانا ، كما أنه ليس متحمساً لنوعية انتاج طبعات الأسود والأبيض في كتب وهو يقول عن ذلك :
تاتي معظم هذه الطبعات سيئة لأن المطابع والورق مصممة للألوان في هذه الأيام ، وعندما تدخل صور الأسود والأبيض ذات العملية التي تدخلها التوضيحات الملونة ، فإن احتمالات
طبعها بشكل سليم تكون معدومة .
على أن الصفة المميزة في تصوير فـورمان الفوتوغرافي للمتاحف هي طريقته في إنارة الهدف كما لو كان هذا قطعة مصاغ دقيقة أو منحوتة هائلة الحجم .
والسر هنا يكمن في بساطة أسلوبه الذي يوضحه بالتالي :
- استعمل تعريضات ضوئية طويلة تصل حتى ستين ثانية ، واكتفي أحياناً بمجرد بطارية ضوئية عادية من النوع الذي يوضع في الجيب ولا استعمل النور القـوي ابـدأ لأن المواد العضوية التي أصورهـا قد تتعرض للخطر من الحرارة , وغالباً ما تكون القراءة الضوئية البسيطة كافية القوة .
يسافر فورمان مع منصتين لأكثر مصابيح الفيض الضوئي بساطة ، ومجموعة كاملة من مصابيح ال ۱۲۰ وال ۲۲۰ واط ، وبكرات لا حصر لها من أسلاك الوصل ، وسطوح انعکاس بيضاء ، ومجموعة من البطاريات الضوئية الصغيرة ، وهو يقول :
ـ أنا عبارة عن معرض رجل واحـد ، ولست أعجوبة هندية بدزينة من الايدي لذلك اضطر لسوء الحظ لأن التزم بمعدات خفيفة الوزن كثيراً ما تكون رديئة من حيث النوعية بالمقارنة مع اخرى اثقل وزناً .
القطع الوحيدة التي يبدي بها اهتماماً فعلياً هي العدسات التي يعطيها من الأهمية أكثر مما يعطي الكاميرات ، ولن يشتري العدسات بسبب إسم العدسة ، بل يقوم بتجربة اليابانية منها الى حين يعثر على واحدة تعطي نوع الوضوح الذي يناسبه وهـو عادة ما يصطحب معه مجموعة صغيرة من العدسات عندما يذهب لتنفيذ المهام ، وهذه تشمل عدسة ٣٠٠ ملم للماميا و ۱۸۰ ملم للبرونيكا ٦٤٥ . هذا ، وعندما يلتقط صوراً فوتوغرافية لكتبه المتعددة ، يجد فورمان ان ال ٦ × ٧ سنم هي البنية الأفضل من غيرها بكثير . وعلى الرغم من أنه يفضل بنيـة أكبر ، الا ان هذه تبقى ذات المقياس الأكبر الذي يمكن حمله والتنقـل بـه بشكل عملي ، حيث لا يمكن تغيير فيلم الشريحة الا في غرفة مظلمة ، وقد يحتاج لمـا يصل الى مائة حامل صفيحة في يوم العمل الواحد وهو لا يستطيع ان يحمل هذا القدر معه بالطبع .
أما البنية الأصغر فلها متاعبها من ناحية أخرى . وهو يقول عن ذلك :
- اجد في فيلم ال ٦ × ٦ سم المربـع عملية هـدر لأنه يفرض على المصور الفوتوغرافي طريقة غير متقنة لتشكيل صورته ، وانت تعرف ان عليك أن تجتزيء فيما بعد ، اما انا فأفضل الاجتزاء على الفور .
لما كانت كتبه تدور حول ثقافات قديمة عادة يحاول فورمـان إزالة الناس والسيارات واية اشارة اخرى للقرن العشرين في صوره وحيث أن معظم الأنصاب القـديمـة تـكـون محاطة بالسياح عادة ، يتجنب فورمـان هذه الحشود بالعمل إما باكراً جداً عند الصباح أو في وقت متأخر من المساء وهو يقول : « فـوقفاً على الموسم والمكـان ، قد يحدث هذا في وقت باكر دأ كالرابعة صباحاً ، ولكنني مهمـا بكرت بالذهاب ، يبقى على أن أواجه مشكلة إقناع الحراس ، وقد يكون ذلك عملية متعبة جدا إذا لم يكن هـؤلاء ودودين .
نشير كذلك إلى أن فـورمـان هـو المصور الفـوتـوغـرافي ورئيس التحـريـر لسلسلة منشورات بعنـوان ، أصداء العالم القديم ( Echoes of The Ancient World ) .
وتعمـل هـذه الكتب على استقصاء طرق الحيـاة وما يؤمن به الناس في العديد من الثقافات ثم تأتي الصور الفوتوغرافية للمناظر الطبيعية وطرق العمارة والفنون والصناعات اليدوية وقد جرى التخطيط لهـا حتى تكمل النص . لذلك يعمل فورمان مع المؤلف منذ بداية المشروع حيث يقضي الساعات والساعات باحثاً ومخططاً .
على ان فورمان هذا ليس مهتماً بالتصوير الفوتوغرافي تعلقاً بـه فقط ، بل وباستعماله كمجـال يعبر به عن حماسه للثقـافـات غير الأوروبية ، وتجده وقد انهمك كليا في الثقافة المعينة التي يحاول تسجيلها ، وغالباً ما تقوم اعماله بعرض تفسيره الذاتي الشخصي لتلك
الثقافة ، فبالنسبة لكتابيه عن ماركو بولو وكابت كوك ، تتبع فورمان مسار رحلتيهما ، وفي كتبه الأخرى كذلك ، تجده غالباً ما يعمل بدقة وعناية المناظر الطبيعية الكئيبـة المعتمـة لثقـافـة لاختيار وعرض مظهر مميـز لثقافـة ما ، أمثال الفايكنغ .
نذكر اخيـراً أنه في الـعـام ١٩٥٧ ، انتـج فورمان كتاباً يعتبره أكثر ما يشعره بالرضى من نواح عديدة . أطلق على هذا الكتاب اسم تطريز من مصر ، وهو يحتوي على مجموعة خارقة من مطرزات صنعها أطفال ، بعضهم في السنة الخامسة أو السادسة من العمر دون استفادتهم من اي تعليم رسمي ، مع ذلك يـرى فورمان ان هذه المطرزات تعبر عن - أكبـر مغامرة في مجال الابداع ، وجد فيها ما سعى اليه دائما : تعبير بسيط مبـاشـر عن الفكر والشعور ؛ اعمال جمالية يستسيغها كل انسان في كل العصور⏹
تعليق