كوينيتليانوس (ماركوس فابيوس) عالم بلاغة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كوينيتليانوس (ماركوس فابيوس) عالم بلاغة

    كوينتيليانوس (ماركوس فابيوس) Quintilianus (Marcus Fabius-) - Quintilianus (Marcus Fabius-)
    كوينيتليانوس (ماركوس فابيوس ـ)

    (نحو 35 ـ 96م)



    ماركوس فابيوس كوينيتليانوس Marcus Fabius Quintilianus أشهر علماء البلاغة عند الرومان. وُلد في بلدة كَلاغورِّيس Calagurris في إسبانيا التي ظهر فيها عدد من الأدباء والشعراء مثل الفيلسوف سينيكا[ر] والشاعرين لوكان Lucan ومارتيال Martial، كما أنجبت اثنين من كبار الأباطرة الرومان وهما ترايانوس[ر] وهادريانوس[ر]. نشأ وتثقف في روما وتلقى تعليمه الأساسي على يد والده، الذي يبدو أنه كان معلماً مدرسياً، ثم تتلمذ على يد الخطيب الكبير دوميتيوس أفر Domitius Afer وسرڤيليوس نونيانوس Servilius Nonianus، الذي كان معلمه ومثله الأعلى. وبعد انتهاء تعليمه عاد إلى موطنه مجدَّداً وعاش تحت رعاية والي إسبانيا غالبا Galba الذي سعى إلى الوصول إلى سدَّة الامبراطورية الرومانية، ورافقه كذلك بعد موت الامبراطور نيرون[ر]. وبعد موت حاميه عمل في المحاماة وافتتح مدرسة خاصة لتدريس البلاغة في روما، حوّلها الامبراطور فسباسيان[ر]عام74 م إلى مدرسة رسمية عليا. وكان كوينيتليانوس أول أستاذ للبلاغة والخطابة عيَّنته الدولة الرومانية، ومن أشهر طلابه المؤرخ تاكيتوس[ر] والأديب بلينيوس[ر] الأصغر. عهد إليه الامبراطور دوميسيان[ر] بتربية اثنين من أبناء عمومته اختارهما لخلافته، وانهالت عليه مظاهر التكريم فمنح رتبة قنصل Consularis. علَّم ومارس المحاماة نحو عشرين سنة وجنى ثروة كبيرة. وصفه الشاعر يوفينال[ر] أنه كان في أيام شبابه «وسيماً، نبيلاً، حكيماً، حسن التربية، ذا صوت رخيم وإلقاء جميل ومهابة كمهابة أعضاء مجلس الشيوخ». تزوج متأخراً لكن زوجته ماتت في ريعان الشباب تاركة له طفلين توفي أصغرهما في الخامسة والأكبر في التاسعة من عمره؛ فسبب ذلك له حزناً مقيماً، وآثر العزلة في شيخوخته ليؤلف كتابه الشهير عن الخطابة.

    لم يبق كثير من الخطب التي ألقاها كوينيتليانوس أمام المحاكم دفاعاً عن موكليه، كما فُقد مؤلفه الأول عن «أسباب انحطاط الخطابة» وقد وضع كتابين حاول فيهما تعليل انحدار الخطابة بأسباب تقنية أسلوبية بخلاف المؤرخ تاكيتوس الذي يردُّها في كتابه «حوار حول الخطباء» Dialogus de oratoribus إلى انعدام الحرية السياسية بعد سقوط الجمهورية وقيام النظام الامبراطوري.

    أما المؤلَّف الذي أسس لشهرة كوينيتليانوس فكان كتابه الموسوم: «تعليم الخطابة» De institutione Oratoria الذي أراد منه ليس فقط تقديم المعارف الأساسية المتعلقة بالخطابة وإنما تثقيف الإنسان وتعليمه ليكون الخطيب الكامل والرجل الصالح. وقد كتبه بعد انسحابه من الحياة العامة ليرشد فيه ولده إلى الطريقة المثلى للتعامل مع فن الخطابة. وقد أعاد النظر فيه ونقّحه وأخرجه في اثني عشر كتاباً، وناقش فيه تربية الأولاد في البيت والمدرسة ودور الأستاذ الصالح، وطبيعة البلاغة وأقسامها ووظائفها، والبنية التفصيلية للخطاب وترتيب أقسامه وأسلوبه، ونماذج الخطباء، ودور الذاكرة والمظهر الخارجي وصولاً إلى الخطيب الكامل الذي يتحلى بأسمى الطبائع والمثل. ويتضمن الكتاب العاشر مختصراً عن تاريخ الأدب الإغريقي والروماني مع تقويم متوازن لكل واحد من الأدباء، وهو خير نقد أدبي من العصور القديمة. ورأى كوينيتليانوس أن أسلوب شيشرون[ر] هو الأسلوب الأمثل الذي ينبغي أن يحتذيه الخطباء؛ ذلك لأنه «الكاتب الروماني الوحيد الذي فاق اليونان في مجال الخطابة». وللخطابة في رأي كوينيتليانوس خمسة أوجه هي التفكير والتنظيم والأسلوب والذاكرة والإلقاء. فإذا ما اختار الخطيب موضوعه وحدَّد غرضه بوضوح وجب عليه أن يجمع مادته بالمشاهدة والبحث inventio، ثم ينظمها منطقياً ونفسياً disposition. وتتألف كل خطبة oratio من مقدمة exordium وقضية وبرهان ودحض وختام. كما أن الوضوح والإيجاز والتنويع وجمال اللغة من ألزم الأمور للخطب. وينبغي أن يلامس الإلقاء أوتار القلوب والعواطف، ولكن على الخطيب ألا يسرف في الحركات والإشارات كيلا يصبح مهرجاً.

    أما لغة كوينيتليانوس فهي كلاسيكية، ولكنه لم يبتعد كثيراً عن تأثير الأسلوب السائد في عصره، وقد وصفه أحد الباحثين بأنه «أسلوب شيشروني» من عصر اللغة اللاتينية الفضي. وقد صار كتابه- منذ اكتشافه كاملاً عام 1415 حتى القرن الثامن عشر- أساس تعليم البلاغة في المدارس الأوربية، كما أثر بعمق في كتّاب العصور الوسطى وعصر النهضة.

    محمد الزين
يعمل...
X