Despotism - استبدادية التفرد بالشيء والغلبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Despotism - استبدادية التفرد بالشيء والغلبة

    استبداديه

    Despotism - Despotisme

    الاستبدادية

    الاستبداد لغة: التفرد بالشيء، والغَلَبَة،والمستبدَ هو الذي ينفرد برأيه فيما تنبغي المشورة فيه. لكن تعبير الاستبدادية despotism انصرف مع مألوف الاستعمال إلى نعت من نعوت الحكم المطلق المشوب بالظلم الذي لا يرعى فيه القائمون عليه وازعاً أخلاقياً أو قيوداً قانونية، ويتبع المستبد أو المستبدون الأهواء الخاصة بدلاً من تحكيم مقتضيات المصلحة العامة. ويتبع ذلك أن يخلو حكم المستبد من أجهزة الرقابة على الحكم ومحاسبته أو أن تكون هذه الأجهزة معطلة بالفعل.
    أما في أصول اليونانية فلم يكن اصطلاح despotes ليتضمن حتماً معاني الظلم والتفرد الأرعن بالرأي، بل كانت كلمة المستبد تعني سيّد البيت أو رئيس الجماعة، وأطلق أباطرة بيزنطة هذا الاسم على من كانوا يولّونهم من أبنائهم وأصهارهم حكّاماً لمقاطعات الامبراطورية. ويعزى في هذا الصدد إلى آليكسيوس الثالث آنجلوس البيزنطي الذي حكم من سنة 1195 إلى 1205م، إدخال هذا اللقب في مفردات تسلسل السلطة، وإضفاء رتبة عليه تأتي مباشرة بعد رتبة الامبراطور نفسه. ثم تطور مصطلح الاستبدادية فلازمته صفة التعسف والافتقار إلى الشرعية فأصبح يشير إلى نظام لا يستند إلى تقليد متبع أو أعراف وراثية، أو دستور مبرم، ويميل فيه القائمون عليه إلى الظلم والتحلل من القيود. وهذا ما حدا بأرسطو أن ينعته بأنه أسوأ أنظمة الحكم وأكثرها فساداً يدور فيه اهتمام الحاكم حول تأمين رفاهيته الشخصية من دون المصلحة العامة.
    الاستبدادية والاصطلاحات المقاربة
    الاستبداد قد يصبح المظهر الأبرز في نظام الدكتاتورية وتصرّف الدكتاتورـ والدكتاتورية اصطلاح لاتيني يعني الفرد الذي اقتنص السلطة وأملى إرادته على الجميع، ويتجسد معناه بظهور حاكم يعطى سلطة ممتدة خارجة عن حدود المألوف في أحوال طارئة ولمدة محددة يقتضيها تدارك هذه الأحوال بالعلاج، على أن هذا الاصطلاح قد تطور هو أيضاً فأصبح يدل على تركز السلطة في شخص واحد في أثر ثورة أو انقلاب أو نجاح هذا الشخص في إزاحة مزاحميه عن دائرة النفوذ والسيطرة، وعدم اشتراط وجود أحوال طارئة أو مدة مؤقتة لحكمه. وللديكتاتورية أشكال وأسباب يتداخل الاستبداد في ثناياها من دون أن يكون مرادفاً مطابقاً لها.
    كذلك تعبير الكُلِّيانية [ر] totalitarianism فإن الاستبدادية قد تتجلى في مظاهرها من دون أن تكون مرادفاً تاماً لها، فالكليانية إنما تطلق في مدلولها على حكم يُخضع كل المنظمات رسمية كانت أم شعبية لهيمنة الدولة، مع تبديد لروح المعارضة، واستعمال مفرط للرقابة والدعاية، وإشاعةٍ لعبادة الشخصية، واستخدام للإرهاب في سبيل إحكام السيطرة التامة على شؤون الأمة وتسيير اقتصادها وسياستها وثقافتها في وجهة مفروضة شاملة لا تجوّز الانحراف عنها.
    ويختلف كل من الدكتاتورية والكليانية عن الملكية المطلقة. فالاستبدادية قد تطبع بطابعها تصرفات الملك المطلق من دون أن تكون محتوية لكل معانيها وفروقها. والحق أن الملكية المطلقة على ما في دعاواها في الحق الإلهي والوراثة من محتوى يقوم على الوهم، أو فرض أمر واقع بالقوة، لم تكن، بسبب التراكيب الاجتماعية التي تضع الكثير من قيود السلطة المكتوبة أو المتعارف عليها، مطلقة الحرية تماماً فيما تفعل، ولا مستأثرة لنفسها حصراً بتسيير حياة الأمة وفق مخطط موضوع. وكانت تُراوح بين مواجهة مصالح الأرستقراطية وطبقة الإكليروس وبين التفاهم معها وتَشَاطُرِ السيطرة والنفوذ والامتيازات على حساب العامة. فالاستبدادية لون من التصرف قد تتلّون به هذه الأنظمة وأمثالها أكثر من كونها نظاماً قائماً بنفسه جعل له الواقع التاريخي ملامح خاصة بيِّنة وأساليب متبعة دارجة. وأكثر ما يتجلّى هذا اللون التعسفي للاستبدادية في الاستعمار وما يحمله من غزو بالقوة وإملاء لشروط الفاتحين، وتسخير للمستعمرات وأهلها ومواردها لمدّ سيطرة الدول الاستعمارية سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً مع استلاب حق تقرير المصير لسكانها الأصليين.
    الأبعاد النظرية والفكرية للاستبدادية
    كتب الكثيرون من العرب قديماً وحديثاً في الاستبدادية أو حولها، فمن المعاصرين كتب خير الدين باشا التونسي، وأحمد فارس الشدياق، وسليم البستاني. لكن عبد الرحمن الكواكبي (1849-1902) هو الذي أورد في مؤلّفه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» ما يشبه نظرية متكاملة عن حكم الاستبداد، وقد جاء الكتاب جمعاً لمقالات كان ينشرها الكاتب باسم مستعار، وهو تارةً الرّحالة ك، أو الكاتب الفراتي، خشية أن يلاحق وتحتجز حريته على أيدي السلطات العثمانية عقاباً على نشره آراءه.
    وجعل الكواكبي الاستبداد من أهم مباحث السياسة وعرّفه بأنه «التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى» سواء كان التصرف صادراً عن فرد أو جمع «في حقوق قوم بلا خوف ولا تبعة». لذلك أمكن إطلاق صفة الاستبداد على «الحكومات المطلقة التي لا تتصرف بموجب شريعة أو وفقاً لإرادة الأمة»، أو أنها تملك من النفوذ والسيطرة ما تبطل معه قيود الرقابة والمحاسبة. ومن السهل ملاحظة العناصر التي يوردها الكاتب لإغناء تعريف الاستبداد، كإمكان صدوره عن فرد أو عن «جمع» مشيراً بذلك إلى استبداد المجموعات التي تستأثر بالحكم وتقمع المعارضة كالحزب الواحد، أو المجالس الثورية أو العسكرية، وكإشارته إلى غياب التعبير عن إرادة الأمة في الحكم الاستبدادي، وتعطيل أجهزة الرقابة والمحاسبة كالمجالس التمثيلية المنتخبة انتخاباً حراً، والمحاكم الدستورية والقضائية المستقلة المتمتعة بالحصانة، وخلص من ذلك إلى ملاحظة أن ما يساعد على قيام حكم الاستبداد هو «جهل الأمة» وامتلاك القائمين على الحكم لأداة القمع من «الجنود المنظمة»، واستغلالهم العواطف الدينية، ومقولة التسليم بالقضاء والقدر، ليحرّفوها عن مغزاها الأصلي، ويثبتوا بفضل الدعاية القائمة على الباطل، في روع أفراد الأمة، أن الحكم الذي يرزحون تحت ثقله هو من إرادة الله، وينصرف همّ المستبدين إلى محاربة انتشار العلم، لأن «العلم يوسع الأذهان، ويبدد الأوهام، ويعرّف الإنسان بمكانته وحقوقه» مما ينبّه جمهور الأمة للمطالبة بهذه الحقوق والدفاع عن حرمتها.
    ويرد الكواكبي على القائلين إن الشرق مريض لفقد التمسك بالدين، فيعزو المرض إلى الاستبداد الذي هو مصدر التهاون في الدين الحق، وتحريفه عن مهمته الأخلاقية الإصلاحية، «فالمفتقد حقاً هو الحرية السياسية».
    ثم يدعو إلى وجوب مناهضة الاستبداد مستبعداً وسائل العنف خشية تشتت الأمة وانقسامها إلى فرق وشيع، أي يدعو إلى الإصلاح التدريجي لما فسد في العقيدة وفي أساليب الحكم، والتربية، ولا يجد طريقاً إلى النهوض من العثار إلا في «الترقي» ويقصد به الأخذ بأسباب الحضارة والتقدم الإنساني والعلمي.
    وهو وإن كان يعني في بحثه استبداد الامبراطورية العثمانية في البلاد التي فرضت سيطرتها عليها بالقوة، فإن نظرته إلى الاستبدادية تتصف بنوع من الشمول، وفيها أصداء لما كتب في الغرب عن الاستبداد، ولها هي بحد ذاتها أصداء في الفكر العالمي.
    أما عن الشرق عامة، الآسيوي والروسي، فيذهب كارل آ.ووتيفوغل Karl A.Wittfogel المؤلف الألماني لكتاب «الاستبداد الشرقي» (الترجمة الإنكليزية) إلى أن مظاهر الاستبداد في هذا المجال القاري الواسع إنما تُعزى إلى كون غالبية المجتمع الشرقي القديم قد قامت في الأصل على حضارة الريّ والتنظيم المائي hydraulic للمساحات الشاسعة من هذه الأراضي التي يجب إرواؤها لإنتاج الأغذية لهذه المجموعات الكبيرة من البشر، مما يتعذر على الجهد الفردي أداؤه، فيحتاج بذلك إلى تركز للسلطة الفاعلة في يد حكام أقوياء، ما يلبث أن يغريهم صَلَفُ السلطة بممارسة الاستبداد. ويفسّر ووتيفوغل كيف تنشأ في هذا المعرض بيروقراطية طيّعة للمستبدين، ولكنها جائرة على حقوق العامة، مندفعة وراء مصالح مكتسبة تكوّنها لطبقتها، وتنمو عندها القوة والتحكم في التملك والاستثمار وفرض الأتاوى غير متعففة عن ارتكاب المظالم بحق سواد الشعوب. وقد كان من أهم مظاهرها البعيدة عن الإنسانية عبودية عمال الأرض sezfdom والسخرة.
    على أن بعضاً من مثل هذه الظواهر والتراكيب الاجتماعية لم تخل منها كل من رومة واليونان في العهد القديم، لارتباطها بحسب أطروحة ووتيفوغل بالنظام الاقتصادي السائد في أي عصر ومصر.
يعمل...
X