عيسي دينار
Isa ibn Dinar - Isa ibn Dinar
عيسى بن دينار
(…ـ 212هـ/… ـ 827م)
أبو عبد الله، عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، فقيه الأندلس في عصره، وأحد علمائها المشهورين. لم تشر كتب التراجم إلى سنة ولادته، إلاّ أنها ذكرت أن أصله من طُلَيطُلة، وأنه انتقل بعد ذلك إلى قرطبة وسكن فيها.
عاصر عيسى بن دينار أربعة من أمراء الأندلس الأمويين في القرن الثاني من الهجرة ومطلع القرن الثالث، وشهد تطور الحياة الفكرية والعلمية والسياسية آنذاك، ففي عهد عبد الرحمن الداخل قام برحلة في طلب الحديث، رافقه فيها عدد من الفقهاء الذين غـادروا الأندلس إلى المشـرق الإسلامي، فدرسوا على الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة ونقلـوا عنه كتابه «الموطَّأ»، فلما رجعوا إلى الأندلس أخذوا يبشرون بالمذهب المالكي، بعد أن كـان مذهب الأوزاعي إمام أهل الشام هو السائد في الأندلس.
كان الفقيه عبد الرحمن بن القاسم العُتَقي المصري من أهم تلاميذ الإمام مالك ورواته، فقد صحبه زهاء عشرين سنة وألّف بعدها «المدوَّنة» الشهيرة في الفقه المالكي، فلما كان عيسى بن دينار في مصر لازم ابنَ القاسم وتفقه عليه، فكان ابن القاسم يجل تلميذه عيسى بن دينار ويكرمه ويعوِّل عليه.
وبعد وفاة عبد الرحمن الداخل سنة 172هـ/788م تولى الحكم ابنه هشام بن عبد الرحمن، فكان حسن السيرة، يؤثر مجالس العلم والأدب والفقه والحديث، وكان الإمام مالك على بعد المزار يعجب بسيرته وخلاله، ويشيد بعدله وتقواه. فما لبث المذهب المالكي أن توطدت أصوله وترسخت قواعده بجهود عيسى بن دينار وغيره من الفقهاء الذين كان هشام يجلهم ويقربهم إليه، ولا يرى بأساً في أن يكون لهم شأن واسع في أمور الدولة ونفوذ عريض.
إلاّ أن هذا الوئام بين السلطة السياسية وجماعة علماء الدين لم يدم طويلاً، فما إن توفي هشام سنة 180هـ/796م حتى برز ابنه الحكم بن هشام، فمال إلى مجالس الشعراء والندماء، وانصرف عن مجالس العلماء والفقهاء، فعمل على الحد من مكانتهم، ومنعهم من التدخل في شؤون الدولة، حتى أوغر صدورهم، وجعلهم ينقمون عليه ويناصبونه العداء.
وفي سنة 189هـ تناهت إلى سمع الحكم بن هشام أخبار مؤامرة تحاك لخلعه وإقصائه عن الحكم، وكان من وراء هذه المؤامرة ثلة من الفقهاء الذين أحسوا بتصدع نفوذهم، فأخذوا يعرِّضون به ويتهمونه من فوق المنابر بالبذخ والشغف باللهو والشراب والخروج على أحكام الدين، إلاّ أن الحَكَم تمكَّن من قمعهم ونجح في البطش بهم والقبض على بعضهم، فأعدم منهم من أعدم، وفر منهم من فر حتى بلغت فلولهم شواطئ الإسكندرية. أما عيسى بن دينار الذي كان من بين المتهمين بإثارة هذه القلاقل؛ فقد استطاع أن ينجو من هذه المحنة ويستخفي مدة بعيداً عن مواقـع الخطر، إلى أن رأى الحكم بن هشام أن من الحكمة أن يؤمِّنه وأن يعفو عنه، فرجع وأقام في قرطبة.
ولما توفي الحكم سنة 206هـ/822م خلفه ابنه عبد الرحمن (الثاني) بن الحكم، فهدأت في عهده الفتن، ومالت الأمور إلى الاستقرار، وكان عبد الرحمن عالماً واسع الثقافة، محباً للعمران، مكرماً للعلماء، فعاش في كنفه عيسى بن دينار مطمئن البال، مقبلاً على نشر علوم الفقه والحديث.
وقد ذكرت كتب التراجم أن عيسى بن دينار كان إماماً عالماً يتقن عرض المسائل الفقهية ويفتِّقها ويعلِّمها أهل عصره، فكانت أمور الإفتاء في الأندلس تدور عليه لا يتقدمه في وقته أحد. ولعل هذا الانشغال الدائب جعله لايتفرغ لتأليف كتاب يقرؤه الناس فيما بعد وينتفعون به.
وكان مع هذه المنزلة في العلم فاضلاً ورعاً وعلى طريقة عالية من الزهد والعبادة.
حدَّث ابنه أبان أن أباه قد أجمع في آخر أيامه على أن يدع الفتيا بالرأي، ويحمل الناس على الأخذ بالحديث، إلاّ أن المنية أعجلته عن ذلك. توفي عيسى بن دينار في طليطلة.
محمد كمال
Isa ibn Dinar - Isa ibn Dinar
عيسى بن دينار
(…ـ 212هـ/… ـ 827م)
أبو عبد الله، عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، فقيه الأندلس في عصره، وأحد علمائها المشهورين. لم تشر كتب التراجم إلى سنة ولادته، إلاّ أنها ذكرت أن أصله من طُلَيطُلة، وأنه انتقل بعد ذلك إلى قرطبة وسكن فيها.
عاصر عيسى بن دينار أربعة من أمراء الأندلس الأمويين في القرن الثاني من الهجرة ومطلع القرن الثالث، وشهد تطور الحياة الفكرية والعلمية والسياسية آنذاك، ففي عهد عبد الرحمن الداخل قام برحلة في طلب الحديث، رافقه فيها عدد من الفقهاء الذين غـادروا الأندلس إلى المشـرق الإسلامي، فدرسوا على الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة ونقلـوا عنه كتابه «الموطَّأ»، فلما رجعوا إلى الأندلس أخذوا يبشرون بالمذهب المالكي، بعد أن كـان مذهب الأوزاعي إمام أهل الشام هو السائد في الأندلس.
كان الفقيه عبد الرحمن بن القاسم العُتَقي المصري من أهم تلاميذ الإمام مالك ورواته، فقد صحبه زهاء عشرين سنة وألّف بعدها «المدوَّنة» الشهيرة في الفقه المالكي، فلما كان عيسى بن دينار في مصر لازم ابنَ القاسم وتفقه عليه، فكان ابن القاسم يجل تلميذه عيسى بن دينار ويكرمه ويعوِّل عليه.
وبعد وفاة عبد الرحمن الداخل سنة 172هـ/788م تولى الحكم ابنه هشام بن عبد الرحمن، فكان حسن السيرة، يؤثر مجالس العلم والأدب والفقه والحديث، وكان الإمام مالك على بعد المزار يعجب بسيرته وخلاله، ويشيد بعدله وتقواه. فما لبث المذهب المالكي أن توطدت أصوله وترسخت قواعده بجهود عيسى بن دينار وغيره من الفقهاء الذين كان هشام يجلهم ويقربهم إليه، ولا يرى بأساً في أن يكون لهم شأن واسع في أمور الدولة ونفوذ عريض.
إلاّ أن هذا الوئام بين السلطة السياسية وجماعة علماء الدين لم يدم طويلاً، فما إن توفي هشام سنة 180هـ/796م حتى برز ابنه الحكم بن هشام، فمال إلى مجالس الشعراء والندماء، وانصرف عن مجالس العلماء والفقهاء، فعمل على الحد من مكانتهم، ومنعهم من التدخل في شؤون الدولة، حتى أوغر صدورهم، وجعلهم ينقمون عليه ويناصبونه العداء.
وفي سنة 189هـ تناهت إلى سمع الحكم بن هشام أخبار مؤامرة تحاك لخلعه وإقصائه عن الحكم، وكان من وراء هذه المؤامرة ثلة من الفقهاء الذين أحسوا بتصدع نفوذهم، فأخذوا يعرِّضون به ويتهمونه من فوق المنابر بالبذخ والشغف باللهو والشراب والخروج على أحكام الدين، إلاّ أن الحَكَم تمكَّن من قمعهم ونجح في البطش بهم والقبض على بعضهم، فأعدم منهم من أعدم، وفر منهم من فر حتى بلغت فلولهم شواطئ الإسكندرية. أما عيسى بن دينار الذي كان من بين المتهمين بإثارة هذه القلاقل؛ فقد استطاع أن ينجو من هذه المحنة ويستخفي مدة بعيداً عن مواقـع الخطر، إلى أن رأى الحكم بن هشام أن من الحكمة أن يؤمِّنه وأن يعفو عنه، فرجع وأقام في قرطبة.
ولما توفي الحكم سنة 206هـ/822م خلفه ابنه عبد الرحمن (الثاني) بن الحكم، فهدأت في عهده الفتن، ومالت الأمور إلى الاستقرار، وكان عبد الرحمن عالماً واسع الثقافة، محباً للعمران، مكرماً للعلماء، فعاش في كنفه عيسى بن دينار مطمئن البال، مقبلاً على نشر علوم الفقه والحديث.
وقد ذكرت كتب التراجم أن عيسى بن دينار كان إماماً عالماً يتقن عرض المسائل الفقهية ويفتِّقها ويعلِّمها أهل عصره، فكانت أمور الإفتاء في الأندلس تدور عليه لا يتقدمه في وقته أحد. ولعل هذا الانشغال الدائب جعله لايتفرغ لتأليف كتاب يقرؤه الناس فيما بعد وينتفعون به.
وكان مع هذه المنزلة في العلم فاضلاً ورعاً وعلى طريقة عالية من الزهد والعبادة.
حدَّث ابنه أبان أن أباه قد أجمع في آخر أيامه على أن يدع الفتيا بالرأي، ويحمل الناس على الأخذ بالحديث، إلاّ أن المنية أعجلته عن ذلك. توفي عيسى بن دينار في طليطلة.
محمد كمال