Al-Ali (Salih-) - Al-Ali (Salih-)
العلي (صالح ـ)
(1303 ـ 1370هـ/1885 ـ 1950م
صالح العلي الثائر المجاهد، ولد في قرية «المريقب» التابعة لمحافظة طرطوس، وهو ابن الشيخ علي سليمان، وكان زعيماً يتمتع بحب عشيرته واحترامها. وعندما توفى هذا الأخير، أجمعت العشيرة على مبايعة ابنه صالح بالزعامة، لما كان يتحلى به من الشجاعة ورجاحة العقل.
في 15 كانون الأول 1918م، قام الشيخ صالح العلي بدعوة زعماء قرى جبل العلويين ووجهائها للاجتماع في قرية (الشيخ بدر) إحدى قرى منطقة طرطوس، فلبى الاجتماع منهم خلق كثير، وتحدث الشيخ إلى من حضروا الاجتماع، فشرح لهم أعمال الفرنسيين الخسيسة، من تمزيق أعلام الثورة العربية ودوسها بالأقدام وتنكيل بالمواطنين الذين أصروا على رفعها فوق بيوتهم، فقر رأيهم على مكاتبة الأمير فيصل في إشعال ثورة في جبل العلويين، لطرد الفرنسيين من الساحل السوري كله وتسليم قيادتهم الحربية للشيخ صالح العلي.
وحين علم الفرنسيون بأنباء هذا المؤتمر، دعوا صالح العلي للاجتماع بهم، فرفض لقاءهم. عند ذلك جهزوا عليه أولى حملاتهم، التي تحركت من بلدة القدموس، وهاجمته من الشرق. ولكنه انقض عليها برجاله وهزمها شر هزيمة، وقتل منها (35) جندياً وجرح وأسر عدداً آخر. وغنم منها أسلحة وعتاداً وذخيرة. وكرر الفرنسيون هجومهم على مقر الثورة في الثاني من شباط 1919، ثم في 15 حزيران، فوضع صالح العلي خطة محكمة، وكمن للجيش الزاحف بمرتفعات «وادي ورور» و«بيدر غَنَّام»، ولما توسط الفرنسيون الوادي، انقض الثوار عليهم من المرتفعات، ودارت معركة كبرى، أسفرت عن مقتل وجرح ثمانمئة ضابط وجندي فرنسي. كما أُسر ستة عشر جندياً. وفر من بقي تاركاً سلاحه غنيمة للثوار، واستشهد عدد من الثوار.
وعلى أثر انهيار الملكية في تموز 1920م، بدأت رقعة الثورة بالتضاؤل، وبدأ الثوار بالتزحزح من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال، نتيجة لتقدم قوات فرنسية ضخمة من الشرق والجنوب، مما جعل ثوار المنطقة ينحصرون في الشمال حيث جعل صالح العلي من قرية «بشراغي» مركزاً لثورته بعد أن اضطر لإخلاء مركزها السابق وهو قرية (الشيخ بدر).
وفي 10 شباط 1921م، أوفد الشيخ صالح العلي المجاهد المعروف حبيب محمود للاتصال بالثائر إبراهيم هنانو، وعرض حاجة الثورة إلى السلاح، وإلى ضباط فنيين يساعدون الشيخ في إدارة العمليات الحربية بعد عودة الضباط الذين كان قد أوفدهم الملك فيصل، عقب انهيار المقاومة في الشيخ بدر.
واستقبل الزعيم هنانو رسول الشيخ بالحفاوة والترحيب، وأظهر له كل استعداد للمساعدة بالمال والسلاح. وأرسل معه أربعة ضباط كان لهم أثر ملحوظ في إدارة العمليات الحربية التي دارت بعدئذ.
وكان تعاون الثورتين وثيقاً. وكانت ثورة هنانو أكثر غنى واستعداداً من ثورة الشيخ، بعد أن انتقلت إلى الشمال، وليس في حوزة قائدها إلا عدد محدود من البنادق الحربية، ذلك لأن ثورة هنانو كانت تمدها جهات مختلفة وتمولها. وكان إبراهيم هنانو يرسل كثيراً من الإمدادات إلى الشيخ. وكان قائدا الثورتين يعتبران ثورتيهما ثورة واحدة، تساند كل واحدة منهما الأخرى وتدعمها.
وهناك حقيقة واقعة يجب أن تذكر وأن تسجل وهي: أن استمرار الثورة في الشمال واحتدامها، وثباتها كل تلك المدة الطويلة، إنما يعود فضل كبير فيهما لإبراهيم هنانو.
وعلى الرغم من الانتصارات العظيمة التي حققها الوطنيون مع إشراقة العام الجديد، فإن بداية العام 1921م، كانت في الحقيقة بداية النهاية لثورات المنطقة الساحلية؛ فقد صمم الفرنسيون على إنهاء الثورة، فهاجموا مقر الثورة في «بشراغي»، فتوزع الثوار على الجبهة واستماتوا في الدفاع عنها، وظلوا يقاومون ويدافعون، حتى آخر رصاصة يملكونها، واضطروا في النهاية إلى التفرق.
وبحث الفرنسيون عن صالح العلي طويلاً، ورصدوا مكافأة لمن يلقي القبض عليه ، أو يدل على مخبئه، ولكن دون جدوى.
وأصدرت محكمتهم حكماً غيابياً بإعدامه، وألقت الطائرات صورة الحكم في مختلف قرى الجبل. وبقي صالح العلي مختبئاً عاماً كاملاً. ثم اصدر الفرنسيون قراراً بالعفو عنه وعن أنصاره في بداية عام 1922م بشرط عدم عودتهم للثورة فصمم عند ذلك على الاستسلام.
سأله الجنرال بيلوت، قائد حامية اللاذقية، عما أخره عن الاستسلام فأجاب: «والله لو بقي معي عشرة رجال مجهزين بالسلاح والعتاد الكافيين لمتابعة الثورة لما تركت ساحة القتال».
بعد مقابلة الشيخ الجنرال (بيلوت)، قائد القوات العسكرية الفرنسية، عاد لعرينه في الجبل، واعتكف فيه فارضاً على نفسه عزلة شديدة.
وفي أول عيد للجلاء عن سورية كان الشيخ من كبار المدعوين المحتفى بهم حيث ألقى خطاباً وطنياً رائعاً بهذا الاحتفال، ثم عاد إلى مسقط رأسه ليقضي آخر سني حياته في عزلة روحية كاملة.
أحمد هواش