عراق عصور ما قبل تاريخ
Iraq - Iraq
العراق (التاريخ القديم)
عصور ما قبل التأريخ
تعود أقدم آثار الاستيطان البشري في العراق إلى العصر الحجري القديم الأدنى، ولكن الاستيطان الأهم هو منذ العصر الحجري القديم الأوسط الذي وجدت أدواته الحجرية أول مرة في عام 1928م، وذلك في أدنى طبقات كهف هزار مرد وفي كهوف زرزي، شانيدار وبيخال، وجميعها في شمالي العراق. ويعد كهف شانيدار، في السفح الجنوبي من جبال برادرست المطلة على نهر الزاب الأعلى، أهم هذه المواقع فيه، حيث اكتشف في الطبقة الرابعة D من هذا الموقع أقدم هياكل عظمية في العراق، وهي تعود إلى نوع إنسان النياندرتال، وتؤرخ بين 50 ـ60 ألف سنة خلت. وعثر مع هذه الهياكل على أدوات حجرية من الدور الموستيريMousterian.
وجدت آثار العصر الحجري القديم الأعلى في عدد من الكهوف الجبلية في شمالي العراق، وأهمها كهف شانيدار ـ الطبقة الثالثة C التي أرخت إلى فيما 34 و25 ألف سنة قبل الوقت الحاضر. وفيما بعد العصر الحجري القديم epipaleolithic انتشرت الأدوات الحجرية الدقيقة microlithic التي ميزت هذا الدور في عدد من الكهوف والملاجئ الجبلية، وكذلك بعض المواقع المكشوفة في شمالي العراق، ومنها كهوف زرزي، باولي ـ كورا، وشانيدار ـ الطبقة الثانية B، التي أرخت نهايتها إلى ما قبل 10000 سنة. وإلى أواخر هذا الدور تعود أقدم قرية اكتشفت في العراق، وهي قرية «زاوي جمي» على الضفة اليسرى لنهر الزاب الأعلى، وعلى بعد نحو أربعة كيلومترات إلى الغرب من كهف شانيدار. وتلت قرية زاوي جمي قرى مبكرة، تظهر مراحل الانتقال إلى العصر الحجري الحديث. وهذه القرى المبكرة هي: كريم شهر (في منطقة السليمانية)، ملفعات (على نهر الخازر)، كردي جاي (على نهر الزاب الأعلى)، نمريك (إلى الشمال من الموصل).
يمكن تتبع التطورات التي شهدها العصر الحديث في العراق مما كشفت عنه التنقيبات في موقع جرمو، على بعد 35كم إلى الشرق من كركوك، التي قامت بها بعثة جامعة شيكاغو برئاسة روبرت بريدوود R.Braidwood فيما بين عامي 1948 و1955. وقد كشف في هذا الموقع عن ست عشرة طبقة تؤرخ إلى نحو 7500 ـ 6500ق.م، وتعود الطبقات الإحدى عشرة الأولى منها إلى طور ما قبل الفخار، إذ لم يتوصل سكان الموقع إلى صنع الفخار سوى في الطبقات الخمس العليا من الموقع. وقد مارس سكان موقع جرمو القدماء الزراعة الأولى لبعض الحبوب، ودجنوا لأول مرة الماعز والغنم، وشيدوا بيوتهم من الطين بشكل مستطيل.
في فترة ما بين العصر الحجري الحديث وبداية العصور التأريخية، التي اقترنت بالتوصل إلى اختراع الكتابة، مر العراق بما يطلق عليه «العصر الحجري ـ المعدني» chalcolithic الذي يقسم إلى ثلاثة أدوار رئيسة، هي:
1ـ العصر الحجري ـ المعدني المبكر: يؤرخ نحو 5600 ـ 5000 ق.م، ويشمل دوري حسونة وسامراء.
2ـ العصر الحجري ـ المعدني الوسيط: استمر طوال الألف الخامسة قبل الميلاد، ويشمل دور حلف وطوري العبيد الأول والثاني. ومنذ طور العبيد الأول امتدت السكنى إلى الجنوب بعد أن كانت مقتصرة على القسم الشمالي من العراق في جميع العصور السابقة.
3ـ العصر الحجري ـ المعدني الأخير: يؤرخ نحو 4000 ـ 3500ق.م، ويشمل طوري العبيد الثالث والرابع وطوري الوركاء المبكر والوسيط.
أما طور الوركاء الأخير، الذي ظهرت فيه بوادر اختراع الكتابة نحو 3500ق.م، فيعد مع دور جمدة نصر والدور الأول من عصر فجر السلالات ما يصطلح عليه بـ «العصر الشبيه بالكتابي» proto - literate الذي انتهى نحو 2800ق.م، لتبدأ العصور التأريخية الموثقة كتابياً بدءاً من عصر فجر السلالات الثاني.
عصر فجر السلالات (2800 ـ 2334 ق.م)
يقسم الباحثون عصر فجر السلالات الذي شهد بداية ظهور السلالات الحاكمة في العراق، إلى ثلاثة أدوار مستندين إلى الاختلافات التي لاحظوها في طائفة من العناصر الحضارية المادية مثل الأختام الأسطوانية والفخار والعمارة والنحت من دور إلى آخر. ويميل عدد من الباحثين إلى أن الطوفان الذي ذكرته إثبات الملوك السومرية حصل مابين الدورين الأول والثاني من عصر فجر السلالات، وان سلالات «ما قبل الطوفان» بحسب التعبير السومري هي سلالات الدور الأول من هذا العصر.
إن معظم النصوص المسمارية وأسماء الحكام من عصر فجر السلالات هي باللغة السومرية، ومن أشهر حكام «ما قبل الطوفان» الذين وردت أسماؤهم في إثبات الملوك السومرية «دموزي الراعي» ملك مدينة باد ـ تبيرا واوبار ـ توتوا ملك شروباك الذي عدّ أوتا ـ نبشتم، بطل قصة الطوفان في ملحمة غلغامش، ابناً له، أما ملوك «ما بعد الطوفان» فمن أشهرهم إيتانا، ملك مدينة كيش، وغلغامش ملك أوروك. ومن ملوك عصر فجر السلالات الثالث المشهورين أوروكاجينا ملك مدينة لغش، وصاحب أقدم لائحة إصلاحات قانونية في تاريخ بلاد الرافدين. أما أشهر مدن عصر فجر السلالات، فَيُذكر منها العاصمة القديمة أور التي اكتشفت فيها «المقبرة الملكية» الشهيرة العائدة لهذا العصر، وكذلك مدن نفر وكيش وأوروك ولغش في الجنوب، وأشنونا في منطقة ديالى في الشرق، وآشور ونينوى في الشمال.
اتصف عصر فجر السلالات في العراق القديم بظهور دويلات مدن مستقلة عن بعضها. وقد تكررت النزاعات والحروب بين تلك الدويلات بسبب تضارب مصالحها، وخصوصاً حول شؤون الري في الجنوب. وعلى الرغم من هذا الانقسام السياسي أخذت تبرز في أواخر العصر ميول نحو توحيد البلاد في دولة واحدة، وكان أكثر الملوك اندفاعاً في هذا الاتجاه لوغال ـ زاغيزي، ملك مدينة أومّا في الجنوب، الذي ضم دويلة لغش إلى مملكته وكذلك فعل مع مدن أور وأوروك ونفر وكيش، ولكن هذه الأعمال مهدت الطريق لملك آخر، وهو سرجون الأكدي، لينتزع الحكم من لوغال ـ زاغيزي، ويكمل توحيد البلاد كلها ناقلاً إياها إلى عصر تأريخي جديد، وهو عصر الامبراطورية الأكدية.
الامبراطورية الأكدية (2334 ـ 2154 ق.م)
اشتق اسم الأكديين[ر] واللغة الأكدية من اسم العاصمة أكد أو أكاد Akkade التي أسسها سرجون الأكدي، ولكن وجود هؤلاء القوم في العراق يعود إلى عصور أقدم، ويستدل على هذا الوجود من ظهور تأثيرهم اللغوي في نصوص عصر فجر السلالات وفي الأسماء الجغرافية الأقدم تأريخاً، وعلى الرغم من أن تسلسل الأحداث في بداية حكم سرجون غير واضح، إلا أنه يمكن القول: إنه بعد أن انتصر على منافسه القوي لوغال ـ زاغيزي استطاع أن يضم مدن الجنوب الرئيسة، مثل أوروك وأور ولغش وأومّا وسواهن، إلى مملكته الفتية، وكذلك فعل مع مدن الشمال المشهورة مثل آشور ونينوى. وقد واصل خلفاء سرجون من أبنائه وأحفاده سياسته في توطيد حكم الامبراطورية، وكان أشهرهم حفيده نارام ـ سين. ولكن الضعف بدأ يسري في كيان هذه الإمبراطورية من بعد حكم نارام ـ سين وأصبحت تواجه مخاطر تهدد بإسقاطها. وكان أشد تلك المخاطر متمثلاً بموجات من الأقوام الجبلية البربرية، عرفوا في المآثر الكتابية القديمة باسم الكوتيين. وبعد أن ألحق هؤلاء الكوتيون الخراب بالبلاد نجحوا في إسقاط السلالة الأكدية، ولكن سلطتهم لم تترسخ في الجنوب، وإنما في الشمال الشرقي حيث مدينة أرابخا، وهي كركوك الحالية. وهذا ما سمح بقيام حكم وطني في أكثر من واحدة من العواصم القديمة حيث حكمت سلالات جديدة، ومن أشهر هذه السلالات الجديدة سلالة الأمير غوديا التي اتخذت من مدينة لغش عاصمة لها.
سلالة أور الثالثة (2112 ـ 2004 ق.م)
بدأت الحرب ضد الكوتيين من مدينة أوروك بقيادة حاكمها اوتو ـ خيجال Utu - khegal الذي نجح في إلحاق الهزيمة بالملك الكوتي تريقان، ولكن اوتوـ خيجال لم يستمر في الحكم بعدها سوى أقل من ثماني سنوات؛ إذ ثار ضده تابعه أور ـ نمو حاكم مدينة أور. وكان نجاح أور ـ نمو في تمرده بداية لتأسيس سلالة أور الثالثة التي أسست امبراطورية جديدة، يعد عصرها الانبعاث الأخير للغة والثقافة السومريتين، وقد حكم من هذه السلالة خمسة ملوك ورث كل منهم العرش من أبيه.
تميز عصر سلالة أور الثالثة بالاستقرار السياسي وقوة التنظيمات الإدراية والقانونية والاهتمام بمشروعات الري. وكانت القوانين التي أصدرها أور ـ نمو أول قوانين معروفة في تأريخ حضارة بلاد الرافدين، ورافق ذلك تطور واضح في الفنون والآداب وغزارة في النصوص المدونة باللغة السومرية، فضلاً عن تطور العمارة وظهور الزقورة[ر] بأبنيتها الشاهقة. وقد انتهى حكم هذه السلالة بهجوم عيلامي سقطت على أثره العاصمة أور، وأسر ملكها الأخير ابي ـ سين.
ـ العصران البابلي القديم (2004 ـ 1595ق.م) والبابلي الوسيط (1595ـ 1162ق.م)
يطلق الباحثون على المرحلة الأولى من العصر البابلي القديم اسم عصر ايسن ـ لارسا، ذلك أنها شهدت انقسام البلاد إلى عدد من دويلات المدن المتنافسة، وأشهرها ايسن ولارسا. وحين تولى حمورابي (1792ـ 1750ق.م) الحكم في مدينة بابل بدأ مشروعه الكبير في إعادة توحيد البلاد، وأنجزه في العام الثامن والثلاثين من حكمه، وأعقب ذلك إصداره لشريعته المشهورة. واشتهر هذا العصر بإنجازاته الكبيرة في مجال القانون والأدب والرياضيات، وعرفت نصوصه بكثرتها وبالتنوع الكبير في موضوعاتها. وقد حلت نهاية هذا العصر على يد الحثيين الذين أسقطوا العاصمة بابل وانسحبوا منها تاركين المجال للكاشيين، القادمين من الجهات الشمالية ـ الشرقية، ليدخلوا بلاد بابل ويحكمونها طوال العصر الذي يعرف باسم العصر البابلي الوسيط.
من الناحية الحضارية، واصلت بلاد بابل تطورها تحت حكم الكاشيين الذين اندمجوا مع حضارة البلاد واستعملوا لغتها، وشهدت المدن القديمة في هذا العصر نشاطاً عمرانياً واسعاً واستقراراً سياسياً، وكانت العلاقة مع بلاد آشور، في الشمال، تراوح بين المنافسة والصراع أحياناً والمصالحة أو الخضوع في أحيان أخرى. انتهى هذا العصر بهجوم عيلامي قاده شيلاك ـ انشو شناك في عام 1162ق.م، ولم يدم احتلال العيلاميين للبلاد طويلاً، فقد نجحت سلالة حاكمة جديدة من مدينة ايسن في التخلص منه، ودخلت بلاد بابل بعد ذلك تحت حكم عدد من السلالات في عدة مدن مختلفة، وتخلل ذلك فترات خضعت فيها للحكم الآشوري، واستمرت الأحوال هكذا حتى قيام السلالة الكلدانية في العصر البابلي الحديث عام 626 ق.م.
ـ الدولة الآشورية (2000 ـ 612 ق.م)
يقسم الباحثون تأريخ الدولة الآشورية إلى ثلاثة عصور، أولها العصر الآشـوري القديـم(2000ـ 1365ق.م)، وفيه حكم الدولة الآشورية اثنان وسبعون ملكاً، وكانت العاصمة آنذاك في مدينة آشور، قلعة الشرقاط حالياً. وعلى الرغم من أن الدولة الآشورية لم تكن على جانب كبير من القوة والاتساع في عصرها القديم، إلا أنها استطاعت أن تقيم مستوطنات تجارية تابعة لها في بلاد الأناضول، مما ساعد على ازدهارها اقتصادياً. ومع ارتقاء آشور ـ اوبالط الأول العرش الآشوري في عام 1365ق.م، بدأ العصر الآشوري الوسيط الذي شهد توسعاً كبيراً للدولة وتزايداً في قوتها، حتى وصلت إلى مصاف الدول الكبرى في العالم القديم. ولكن الآشوريين دخلوا في مرحلة ضعف منذ عام 1077ق.م حتى نهاية العصر الوسيط في عام 911 ق.م، وقد عانوا في تلك المرحلة من ضغوط الآراميين عليهم. وفي عام 911 ق.م، بدأ العصر الآشوري الحديث بتولي أدد ـ نيراري الثاني الحكم وإنشائه دولة قوية، سرعان ما أصبحت امبراطورية ذات نفوذ قوي في العالم القديم الذي سيطرت، في بعض الأحيان، على معظم أرجائه بما في ذلك مصر القديمة. واشتهر من هذا العصر ملوك مثل، آشور ـ ناصر بال الثاني وشلمنصر الثالث وسرجون الثاني وسنحاريب وآشور ـ بانيبال، وظهرت حينذاك مدن آشورية تليق بتلك الامبراطورية مثل، كالخ ونينوى وخرسباد، ولكن نهاية تلك الامبراطورية حلت في عام 612ق.م حين سقطت نينوى بوساطة حلف من البابليين والميديين، ولم تقم للآشوريين بعدها قائمة.
ـ الدولة البابلية الحديثة (626ـ 539 ق.م)
قامت في عام 626 ق.م سلالة حاكمة تتحدر من قبيلة كلده الآرامية، ومؤسسها نبو ـ بلاصر الذي أسهم في إسقاط نينوى. وفي عهد ابنه وخليفته نبوخذنصر الثاني وصلت هذه الامبراطورية الفتية إلى أوج قوتها وسيطرت على مناطق شاسعة، وقد اشتهر هذا الملك بأعماله العمرانية، إذ أصبحت بابل في عهده أكبر عواصم العالم القديم وأكثرها غنى وفخامة، ولكن هذه الدولة بدأت تعاني الضعف في عهود خلفاء نبوخذنصر الثاني، حتى حلت نهايتها في عام 539 ق.م حين هاجمها الأخمينيون بقيادة ملكهم كورش الكبير في عهد ملكها الأخير نابونيد، ومنذ ذلك التأريخ دخل العراق القديم تحت حكم قوى أجنبية تعاقبت على احتلاله حتى الفتح العربي الإسلامي بين عامي 12ـ 16هـ/633ـ 637م.
ـ عصور الحكم الأجنبي (539 ق.م ـ 633م)
العصر الأخميني (539 ـ 331 ق.م): حاولت بابل التخلص من الاحتلال الأخميني، ولكن محاولاتها أخمدت بقوة، وبذلك أصبح العراق إحدى الولايات العشرين التي قسمت إليها الامبراطورية الأخمينية، وفي هذا العصر كانت اللغة الأكدية، بلهجتها البابلية، هي لغة التدوين، في حين استعملت الآرامية في التخاطب على نطاق واسع.
ـ العصر الهلنستي (331ـ 126ق.م): انتهى العصر الأخميني بفتح الإسكندر المقدوني للشرق والعراق؛ وقد بدأ الإسكندر فتحه للعراق بانتصاره على جيش دار الثالث الأخميني في معركة كبرى بالقرب من أربيل، ثم استولى على بابل، وبعد أن غزا الهند عاد ذلك العاهل المقدوني إلى بابل حيث توفي في عام 323 ق.م. حين قسمت امبراطورية الإسكندر بين قواده أصبح العراق جزءاً من حصة سلوقس وحدد عام 311 ق.م تأريخاً رسمياً لبداية العهد السلوقي في العراق، وأسست مدينة سلوقية على نهر دجلة لتكون عاصمة للعراق في ذلك العهد.
ـ العصر الفرثي (126ق.م ـ 227م): انفصلت بلاد فارس عن المملكة السلوقية، وقامت فيها سلالة فرثية عام 250ق.م تقريباً، وقد انتزعت هذه السلالة العراق من أيدي السلوقيين نحو عام 126ق.م، وتميز هذا العصر بكثرة الحروب بين الفرثيين والسلوقيين أولاً ثم الرومان لاحقاً.
ـ العصر الساساني (277ـ 637م): انتهى العصر الفرثي بقيام سلالة فارسية جديدة هي السلالة الساسانية التي مدت سلطتها إلى العراق، وكانت طيسفون[ر] عاصمة لتلك السلالة في العراق الذي شهد في هذا العصر استمرار الحروب الفارسية مع الرومان. وقد استمر الحكم الساساني في العراق حتى الفتح العربي الإسلامي.
نائل حنون
Iraq - Iraq
العراق (التاريخ القديم)
عصور ما قبل التأريخ
تعود أقدم آثار الاستيطان البشري في العراق إلى العصر الحجري القديم الأدنى، ولكن الاستيطان الأهم هو منذ العصر الحجري القديم الأوسط الذي وجدت أدواته الحجرية أول مرة في عام 1928م، وذلك في أدنى طبقات كهف هزار مرد وفي كهوف زرزي، شانيدار وبيخال، وجميعها في شمالي العراق. ويعد كهف شانيدار، في السفح الجنوبي من جبال برادرست المطلة على نهر الزاب الأعلى، أهم هذه المواقع فيه، حيث اكتشف في الطبقة الرابعة D من هذا الموقع أقدم هياكل عظمية في العراق، وهي تعود إلى نوع إنسان النياندرتال، وتؤرخ بين 50 ـ60 ألف سنة خلت. وعثر مع هذه الهياكل على أدوات حجرية من الدور الموستيريMousterian.
وجدت آثار العصر الحجري القديم الأعلى في عدد من الكهوف الجبلية في شمالي العراق، وأهمها كهف شانيدار ـ الطبقة الثالثة C التي أرخت إلى فيما 34 و25 ألف سنة قبل الوقت الحاضر. وفيما بعد العصر الحجري القديم epipaleolithic انتشرت الأدوات الحجرية الدقيقة microlithic التي ميزت هذا الدور في عدد من الكهوف والملاجئ الجبلية، وكذلك بعض المواقع المكشوفة في شمالي العراق، ومنها كهوف زرزي، باولي ـ كورا، وشانيدار ـ الطبقة الثانية B، التي أرخت نهايتها إلى ما قبل 10000 سنة. وإلى أواخر هذا الدور تعود أقدم قرية اكتشفت في العراق، وهي قرية «زاوي جمي» على الضفة اليسرى لنهر الزاب الأعلى، وعلى بعد نحو أربعة كيلومترات إلى الغرب من كهف شانيدار. وتلت قرية زاوي جمي قرى مبكرة، تظهر مراحل الانتقال إلى العصر الحجري الحديث. وهذه القرى المبكرة هي: كريم شهر (في منطقة السليمانية)، ملفعات (على نهر الخازر)، كردي جاي (على نهر الزاب الأعلى)، نمريك (إلى الشمال من الموصل).
يمكن تتبع التطورات التي شهدها العصر الحديث في العراق مما كشفت عنه التنقيبات في موقع جرمو، على بعد 35كم إلى الشرق من كركوك، التي قامت بها بعثة جامعة شيكاغو برئاسة روبرت بريدوود R.Braidwood فيما بين عامي 1948 و1955. وقد كشف في هذا الموقع عن ست عشرة طبقة تؤرخ إلى نحو 7500 ـ 6500ق.م، وتعود الطبقات الإحدى عشرة الأولى منها إلى طور ما قبل الفخار، إذ لم يتوصل سكان الموقع إلى صنع الفخار سوى في الطبقات الخمس العليا من الموقع. وقد مارس سكان موقع جرمو القدماء الزراعة الأولى لبعض الحبوب، ودجنوا لأول مرة الماعز والغنم، وشيدوا بيوتهم من الطين بشكل مستطيل.
في فترة ما بين العصر الحجري الحديث وبداية العصور التأريخية، التي اقترنت بالتوصل إلى اختراع الكتابة، مر العراق بما يطلق عليه «العصر الحجري ـ المعدني» chalcolithic الذي يقسم إلى ثلاثة أدوار رئيسة، هي:
1ـ العصر الحجري ـ المعدني المبكر: يؤرخ نحو 5600 ـ 5000 ق.م، ويشمل دوري حسونة وسامراء.
2ـ العصر الحجري ـ المعدني الوسيط: استمر طوال الألف الخامسة قبل الميلاد، ويشمل دور حلف وطوري العبيد الأول والثاني. ومنذ طور العبيد الأول امتدت السكنى إلى الجنوب بعد أن كانت مقتصرة على القسم الشمالي من العراق في جميع العصور السابقة.
3ـ العصر الحجري ـ المعدني الأخير: يؤرخ نحو 4000 ـ 3500ق.م، ويشمل طوري العبيد الثالث والرابع وطوري الوركاء المبكر والوسيط.
أما طور الوركاء الأخير، الذي ظهرت فيه بوادر اختراع الكتابة نحو 3500ق.م، فيعد مع دور جمدة نصر والدور الأول من عصر فجر السلالات ما يصطلح عليه بـ «العصر الشبيه بالكتابي» proto - literate الذي انتهى نحو 2800ق.م، لتبدأ العصور التأريخية الموثقة كتابياً بدءاً من عصر فجر السلالات الثاني.
عصر فجر السلالات (2800 ـ 2334 ق.م)
يقسم الباحثون عصر فجر السلالات الذي شهد بداية ظهور السلالات الحاكمة في العراق، إلى ثلاثة أدوار مستندين إلى الاختلافات التي لاحظوها في طائفة من العناصر الحضارية المادية مثل الأختام الأسطوانية والفخار والعمارة والنحت من دور إلى آخر. ويميل عدد من الباحثين إلى أن الطوفان الذي ذكرته إثبات الملوك السومرية حصل مابين الدورين الأول والثاني من عصر فجر السلالات، وان سلالات «ما قبل الطوفان» بحسب التعبير السومري هي سلالات الدور الأول من هذا العصر.
إن معظم النصوص المسمارية وأسماء الحكام من عصر فجر السلالات هي باللغة السومرية، ومن أشهر حكام «ما قبل الطوفان» الذين وردت أسماؤهم في إثبات الملوك السومرية «دموزي الراعي» ملك مدينة باد ـ تبيرا واوبار ـ توتوا ملك شروباك الذي عدّ أوتا ـ نبشتم، بطل قصة الطوفان في ملحمة غلغامش، ابناً له، أما ملوك «ما بعد الطوفان» فمن أشهرهم إيتانا، ملك مدينة كيش، وغلغامش ملك أوروك. ومن ملوك عصر فجر السلالات الثالث المشهورين أوروكاجينا ملك مدينة لغش، وصاحب أقدم لائحة إصلاحات قانونية في تاريخ بلاد الرافدين. أما أشهر مدن عصر فجر السلالات، فَيُذكر منها العاصمة القديمة أور التي اكتشفت فيها «المقبرة الملكية» الشهيرة العائدة لهذا العصر، وكذلك مدن نفر وكيش وأوروك ولغش في الجنوب، وأشنونا في منطقة ديالى في الشرق، وآشور ونينوى في الشمال.
اتصف عصر فجر السلالات في العراق القديم بظهور دويلات مدن مستقلة عن بعضها. وقد تكررت النزاعات والحروب بين تلك الدويلات بسبب تضارب مصالحها، وخصوصاً حول شؤون الري في الجنوب. وعلى الرغم من هذا الانقسام السياسي أخذت تبرز في أواخر العصر ميول نحو توحيد البلاد في دولة واحدة، وكان أكثر الملوك اندفاعاً في هذا الاتجاه لوغال ـ زاغيزي، ملك مدينة أومّا في الجنوب، الذي ضم دويلة لغش إلى مملكته وكذلك فعل مع مدن أور وأوروك ونفر وكيش، ولكن هذه الأعمال مهدت الطريق لملك آخر، وهو سرجون الأكدي، لينتزع الحكم من لوغال ـ زاغيزي، ويكمل توحيد البلاد كلها ناقلاً إياها إلى عصر تأريخي جديد، وهو عصر الامبراطورية الأكدية.
الامبراطورية الأكدية (2334 ـ 2154 ق.م)
اشتق اسم الأكديين[ر] واللغة الأكدية من اسم العاصمة أكد أو أكاد Akkade التي أسسها سرجون الأكدي، ولكن وجود هؤلاء القوم في العراق يعود إلى عصور أقدم، ويستدل على هذا الوجود من ظهور تأثيرهم اللغوي في نصوص عصر فجر السلالات وفي الأسماء الجغرافية الأقدم تأريخاً، وعلى الرغم من أن تسلسل الأحداث في بداية حكم سرجون غير واضح، إلا أنه يمكن القول: إنه بعد أن انتصر على منافسه القوي لوغال ـ زاغيزي استطاع أن يضم مدن الجنوب الرئيسة، مثل أوروك وأور ولغش وأومّا وسواهن، إلى مملكته الفتية، وكذلك فعل مع مدن الشمال المشهورة مثل آشور ونينوى. وقد واصل خلفاء سرجون من أبنائه وأحفاده سياسته في توطيد حكم الامبراطورية، وكان أشهرهم حفيده نارام ـ سين. ولكن الضعف بدأ يسري في كيان هذه الإمبراطورية من بعد حكم نارام ـ سين وأصبحت تواجه مخاطر تهدد بإسقاطها. وكان أشد تلك المخاطر متمثلاً بموجات من الأقوام الجبلية البربرية، عرفوا في المآثر الكتابية القديمة باسم الكوتيين. وبعد أن ألحق هؤلاء الكوتيون الخراب بالبلاد نجحوا في إسقاط السلالة الأكدية، ولكن سلطتهم لم تترسخ في الجنوب، وإنما في الشمال الشرقي حيث مدينة أرابخا، وهي كركوك الحالية. وهذا ما سمح بقيام حكم وطني في أكثر من واحدة من العواصم القديمة حيث حكمت سلالات جديدة، ومن أشهر هذه السلالات الجديدة سلالة الأمير غوديا التي اتخذت من مدينة لغش عاصمة لها.
سلالة أور الثالثة (2112 ـ 2004 ق.م)
أوروك |
تميز عصر سلالة أور الثالثة بالاستقرار السياسي وقوة التنظيمات الإدراية والقانونية والاهتمام بمشروعات الري. وكانت القوانين التي أصدرها أور ـ نمو أول قوانين معروفة في تأريخ حضارة بلاد الرافدين، ورافق ذلك تطور واضح في الفنون والآداب وغزارة في النصوص المدونة باللغة السومرية، فضلاً عن تطور العمارة وظهور الزقورة[ر] بأبنيتها الشاهقة. وقد انتهى حكم هذه السلالة بهجوم عيلامي سقطت على أثره العاصمة أور، وأسر ملكها الأخير ابي ـ سين.
ـ العصران البابلي القديم (2004 ـ 1595ق.م) والبابلي الوسيط (1595ـ 1162ق.م)
بابل |
من الناحية الحضارية، واصلت بلاد بابل تطورها تحت حكم الكاشيين الذين اندمجوا مع حضارة البلاد واستعملوا لغتها، وشهدت المدن القديمة في هذا العصر نشاطاً عمرانياً واسعاً واستقراراً سياسياً، وكانت العلاقة مع بلاد آشور، في الشمال، تراوح بين المنافسة والصراع أحياناً والمصالحة أو الخضوع في أحيان أخرى. انتهى هذا العصر بهجوم عيلامي قاده شيلاك ـ انشو شناك في عام 1162ق.م، ولم يدم احتلال العيلاميين للبلاد طويلاً، فقد نجحت سلالة حاكمة جديدة من مدينة ايسن في التخلص منه، ودخلت بلاد بابل بعد ذلك تحت حكم عدد من السلالات في عدة مدن مختلفة، وتخلل ذلك فترات خضعت فيها للحكم الآشوري، واستمرت الأحوال هكذا حتى قيام السلالة الكلدانية في العصر البابلي الحديث عام 626 ق.م.
ـ الدولة الآشورية (2000 ـ 612 ق.م)
أضرحة لملوك من العصر الأشوري الوسيط |
ـ الدولة البابلية الحديثة (626ـ 539 ق.م)
قامت في عام 626 ق.م سلالة حاكمة تتحدر من قبيلة كلده الآرامية، ومؤسسها نبو ـ بلاصر الذي أسهم في إسقاط نينوى. وفي عهد ابنه وخليفته نبوخذنصر الثاني وصلت هذه الامبراطورية الفتية إلى أوج قوتها وسيطرت على مناطق شاسعة، وقد اشتهر هذا الملك بأعماله العمرانية، إذ أصبحت بابل في عهده أكبر عواصم العالم القديم وأكثرها غنى وفخامة، ولكن هذه الدولة بدأت تعاني الضعف في عهود خلفاء نبوخذنصر الثاني، حتى حلت نهايتها في عام 539 ق.م حين هاجمها الأخمينيون بقيادة ملكهم كورش الكبير في عهد ملكها الأخير نابونيد، ومنذ ذلك التأريخ دخل العراق القديم تحت حكم قوى أجنبية تعاقبت على احتلاله حتى الفتح العربي الإسلامي بين عامي 12ـ 16هـ/633ـ 637م.
ـ عصور الحكم الأجنبي (539 ق.م ـ 633م)
كانت الحضرة عاصمة الفرثيين |
ـ العصر الهلنستي (331ـ 126ق.م): انتهى العصر الأخميني بفتح الإسكندر المقدوني للشرق والعراق؛ وقد بدأ الإسكندر فتحه للعراق بانتصاره على جيش دار الثالث الأخميني في معركة كبرى بالقرب من أربيل، ثم استولى على بابل، وبعد أن غزا الهند عاد ذلك العاهل المقدوني إلى بابل حيث توفي في عام 323 ق.م. حين قسمت امبراطورية الإسكندر بين قواده أصبح العراق جزءاً من حصة سلوقس وحدد عام 311 ق.م تأريخاً رسمياً لبداية العهد السلوقي في العراق، وأسست مدينة سلوقية على نهر دجلة لتكون عاصمة للعراق في ذلك العهد.
ـ العصر الفرثي (126ق.م ـ 227م): انفصلت بلاد فارس عن المملكة السلوقية، وقامت فيها سلالة فرثية عام 250ق.م تقريباً، وقد انتزعت هذه السلالة العراق من أيدي السلوقيين نحو عام 126ق.م، وتميز هذا العصر بكثرة الحروب بين الفرثيين والسلوقيين أولاً ثم الرومان لاحقاً.
ـ العصر الساساني (277ـ 637م): انتهى العصر الفرثي بقيام سلالة فارسية جديدة هي السلالة الساسانية التي مدت سلطتها إلى العراق، وكانت طيسفون[ر] عاصمة لتلك السلالة في العراق الذي شهد في هذا العصر استمرار الحروب الفارسية مع الرومان. وقد استمر الحكم الساساني في العراق حتى الفتح العربي الإسلامي.
نائل حنون