كليماخوس Callimachus - Callimaque
كَليماخوس
(نحو 350 ـ 240ق.م)
كَليماخوس Kallimachos القوريني، أشهر شعراء الإسكندرية في العصر الهلنستي، ومن كبار الأدباء الإغريق في العصور القديمة. ولد في مدينة قورينه Kyrene (في منطقة برقة الليبية) التي أنجبت عدداً من الفلاسفة والعلماء. كان على ما يبدو من أسرة عريقة تعود بأصولها إلى باتوس Battus مؤسس قورينه، ولعل والده قد نفي على أثر نزاع سياسي أدى إلى فقده ثروته ومعاناة أفراد أسرته. هاجر كَليماخوس إلى الإسكندرية، مركز الثقافة والعلوم الهلنستية، حيث عمل بالتدريس في ضاحيتها إليوزيس Eleusis بعض الوقت، ثم ضمه الملك بطلميوس الثاني إلى بلاطه، وما لبث أن تربع على عرش إمارة الشعر، وظل يحتل المكانة الأولى بين شعراء وأدباء عصره حتى توفي إبان حكم بطلميوس الثالث نحو عام 240ق.م.
عمل كَليماخوس في مكتبة الإسكندرية وألَّف فهرساً موسوعياً لها في 120 لفافة بردي. ويروى عن خلاف قام بينه وبين تلميذه أبولونيوس الرودسي[ر] Apollonios، يبدو أنه كان أحد فصول الصراع الأدبي بين القديم والجديد، بين كتّاب الملاحم الطويلة وأصحاب المليحمات والأشعار القصيرة المنمقة، وخرج كَليماخوس منه منتصراً، واضطر أبولونيوس إلى الانسحاب إلى جزيرة رودس تاركاً رئاسة المكتبة للعالم إراتوسْتينِس القوريني Eratosthenes، الذي كان أيضاً من تلامذة كَليماخوس، وكذلك أرسطوفانيس Aristophanes البيزنطي.
كان كَليماخوس غزير الإنتاج في شتى ميادين الأدب والشعر، وينسب له قاموس «سودا» Suda أكثر من 800 مؤلف، ولكن لم يبق من هذا الكم الهائل إلا النزر اليسير. وقد كان له تأثير كبير في الحركة العلمية والأدبية من خلال مؤلفاته النثرية، وعلى رأسها الفهارس (Pinakes= اللوحات)، حيث لم يكتف بعنوانات المؤلفات؛ وإنما تحرى عن زمن تأليفها وحجمها وعرَّف بها بأسلوب انتقادي مع سيرة مؤلفيها، فكانت بذلك أول تاريخ للأدب الإغريقي. شملت مؤلفاته الفيلسوف ديموقريطُس[ر] Demokritos وكتّاب الدراما الأثينيين، وألّف أيضاً أبحاثاً علمية وثقافية في الطبيعة والفن والتاريخ والجغرافيا. لكن شهرته قامت على شعره، وأشهر مؤلفاته ديوانه المسمى «الأسباب» Aitia، وهو قصيدة روائية مطولة من سبعة آلاف بيت منظومة على البحر الإليجي Elegie ومقسمة إلى أربعة كتب، يسرد فيها سلسلة من الأساطير التي تفسر أو توضح سبب تسميات كثيرة في التراث الإغريقي كالعادات والأعياد والطقوس الدينية وأسماء الآلهة والأماكن. ويتخيل الشاعر نفسه وقد انتقل في الحلم من مسقط رأسه إلى جبل هليكون Helikon موطن ربات الفنون اللواتي قمن بتثقيفه. ولم يصل من هذه الملحمة ذات الموضوعات المتنوعة سوى شذرات تحكي أطولها قصة حب بين شاب وفتاة تحولت إلى قصيدة شيقة. ويبدو أن الشاعر أصدر طبعة ثانية منقحة من «الأسباب» وضع لها مقدمة بعنوان «الحدادين» Telahines يشرح فيها آراءه في فن الشعر ويهاجم خصومه، وقد شبههم بالحدادين الذين يُحدِثون بقصائدهم الطنانة جلبة تصم الآذان ويضرمون ناراً يتصاعد منها الدخان. ومن قصائد هذا الديوان قصيدة بعنوان «جديلة برنيقي» Berenikes Plokamos التي تدور حول خصلة الشعر التي أهدتها الملكة برنيقي للإلهة أفروديت بمناسبة عودة زوجها بطلميوس الثالث سالماً مظفراً. كما نظم كَليماخوس مليحمة بعنوان هيكالِه Hekale في ألف بيت من البحر السداسي لم يبقَ منها إلا أبيات قليلة، يحكي فيها قصة البطل الأثيني المشهور ثِسيوس Theseos بعد قضائه على ثور ماراتون واستضافة هيكالِه له، وقد ألّفها للرد على انتقادات معاصريه بأنه غير قادر على نظم الملاحم وصارت أشهر الملاحم القصيرة في الأدب الإغريقي.
لم يبق من إنتاج كَليماخوس الشعري الغزير سوى كتابين يتضمنان ستة أناشيد وثلاث وستون حكمةً (إبيغرام). وتُظهر أناشيده علمه الغزير وشيئاً من السخرية بالمرويات القديمة، وتنم على إحساس عميق بجمال الأساطير. وتعد قصائده الإبيغرامية Epigrammata، بتنوع موضوعاتها وغناها بالطرف والأشكال الفنية، أسمى ما وصل إليه هذا الفن الشعري الهلنستي، وعبّر بإبداع فريد عن ملكته الشعرية وصدق إحساسه وقدرته على التجديد، فعُرف بأمير القصيدة الإليجية، والمثل الأعلى لشعر الحب والغزل.
نادى كَليماخوس بنبذ التقليد وارتياد دروب جديدة، وتوجه بأشعاره إلى دائرة مختارة من المثقفين ونخبة المجتمع في البلاط البطلمي، وكان له تأثير كبير في الشعراء الرومان الذين ترجموا أشعاره وأعادوا صياغتها ومعارضتها، مثل كاتولّوس[ر] Catullus وبروبرتيوس Propertius وأوفيد[ر] Ovidius. كان شاعراً ذا موهبة فذة وأصالة وصنعة فنية متميزة، وفاقت شهرته وشعبيته شهرة أي شاعر هلنستي آخر، وهذا لايرجع فقط إلى موهبته الشعرية والأدبية وإنما إلى ما يمثله من أفكار، إذ كان شاهداً على عصره، ولهذا صار المثل الأعلى لشعراء التجديد في العصر الهلنستي والروماني.
محمد الزين
كَليماخوس
(نحو 350 ـ 240ق.م)
كَليماخوس Kallimachos القوريني، أشهر شعراء الإسكندرية في العصر الهلنستي، ومن كبار الأدباء الإغريق في العصور القديمة. ولد في مدينة قورينه Kyrene (في منطقة برقة الليبية) التي أنجبت عدداً من الفلاسفة والعلماء. كان على ما يبدو من أسرة عريقة تعود بأصولها إلى باتوس Battus مؤسس قورينه، ولعل والده قد نفي على أثر نزاع سياسي أدى إلى فقده ثروته ومعاناة أفراد أسرته. هاجر كَليماخوس إلى الإسكندرية، مركز الثقافة والعلوم الهلنستية، حيث عمل بالتدريس في ضاحيتها إليوزيس Eleusis بعض الوقت، ثم ضمه الملك بطلميوس الثاني إلى بلاطه، وما لبث أن تربع على عرش إمارة الشعر، وظل يحتل المكانة الأولى بين شعراء وأدباء عصره حتى توفي إبان حكم بطلميوس الثالث نحو عام 240ق.م.
عمل كَليماخوس في مكتبة الإسكندرية وألَّف فهرساً موسوعياً لها في 120 لفافة بردي. ويروى عن خلاف قام بينه وبين تلميذه أبولونيوس الرودسي[ر] Apollonios، يبدو أنه كان أحد فصول الصراع الأدبي بين القديم والجديد، بين كتّاب الملاحم الطويلة وأصحاب المليحمات والأشعار القصيرة المنمقة، وخرج كَليماخوس منه منتصراً، واضطر أبولونيوس إلى الانسحاب إلى جزيرة رودس تاركاً رئاسة المكتبة للعالم إراتوسْتينِس القوريني Eratosthenes، الذي كان أيضاً من تلامذة كَليماخوس، وكذلك أرسطوفانيس Aristophanes البيزنطي.
كان كَليماخوس غزير الإنتاج في شتى ميادين الأدب والشعر، وينسب له قاموس «سودا» Suda أكثر من 800 مؤلف، ولكن لم يبق من هذا الكم الهائل إلا النزر اليسير. وقد كان له تأثير كبير في الحركة العلمية والأدبية من خلال مؤلفاته النثرية، وعلى رأسها الفهارس (Pinakes= اللوحات)، حيث لم يكتف بعنوانات المؤلفات؛ وإنما تحرى عن زمن تأليفها وحجمها وعرَّف بها بأسلوب انتقادي مع سيرة مؤلفيها، فكانت بذلك أول تاريخ للأدب الإغريقي. شملت مؤلفاته الفيلسوف ديموقريطُس[ر] Demokritos وكتّاب الدراما الأثينيين، وألّف أيضاً أبحاثاً علمية وثقافية في الطبيعة والفن والتاريخ والجغرافيا. لكن شهرته قامت على شعره، وأشهر مؤلفاته ديوانه المسمى «الأسباب» Aitia، وهو قصيدة روائية مطولة من سبعة آلاف بيت منظومة على البحر الإليجي Elegie ومقسمة إلى أربعة كتب، يسرد فيها سلسلة من الأساطير التي تفسر أو توضح سبب تسميات كثيرة في التراث الإغريقي كالعادات والأعياد والطقوس الدينية وأسماء الآلهة والأماكن. ويتخيل الشاعر نفسه وقد انتقل في الحلم من مسقط رأسه إلى جبل هليكون Helikon موطن ربات الفنون اللواتي قمن بتثقيفه. ولم يصل من هذه الملحمة ذات الموضوعات المتنوعة سوى شذرات تحكي أطولها قصة حب بين شاب وفتاة تحولت إلى قصيدة شيقة. ويبدو أن الشاعر أصدر طبعة ثانية منقحة من «الأسباب» وضع لها مقدمة بعنوان «الحدادين» Telahines يشرح فيها آراءه في فن الشعر ويهاجم خصومه، وقد شبههم بالحدادين الذين يُحدِثون بقصائدهم الطنانة جلبة تصم الآذان ويضرمون ناراً يتصاعد منها الدخان. ومن قصائد هذا الديوان قصيدة بعنوان «جديلة برنيقي» Berenikes Plokamos التي تدور حول خصلة الشعر التي أهدتها الملكة برنيقي للإلهة أفروديت بمناسبة عودة زوجها بطلميوس الثالث سالماً مظفراً. كما نظم كَليماخوس مليحمة بعنوان هيكالِه Hekale في ألف بيت من البحر السداسي لم يبقَ منها إلا أبيات قليلة، يحكي فيها قصة البطل الأثيني المشهور ثِسيوس Theseos بعد قضائه على ثور ماراتون واستضافة هيكالِه له، وقد ألّفها للرد على انتقادات معاصريه بأنه غير قادر على نظم الملاحم وصارت أشهر الملاحم القصيرة في الأدب الإغريقي.
لم يبق من إنتاج كَليماخوس الشعري الغزير سوى كتابين يتضمنان ستة أناشيد وثلاث وستون حكمةً (إبيغرام). وتُظهر أناشيده علمه الغزير وشيئاً من السخرية بالمرويات القديمة، وتنم على إحساس عميق بجمال الأساطير. وتعد قصائده الإبيغرامية Epigrammata، بتنوع موضوعاتها وغناها بالطرف والأشكال الفنية، أسمى ما وصل إليه هذا الفن الشعري الهلنستي، وعبّر بإبداع فريد عن ملكته الشعرية وصدق إحساسه وقدرته على التجديد، فعُرف بأمير القصيدة الإليجية، والمثل الأعلى لشعر الحب والغزل.
نادى كَليماخوس بنبذ التقليد وارتياد دروب جديدة، وتوجه بأشعاره إلى دائرة مختارة من المثقفين ونخبة المجتمع في البلاط البطلمي، وكان له تأثير كبير في الشعراء الرومان الذين ترجموا أشعاره وأعادوا صياغتها ومعارضتها، مثل كاتولّوس[ر] Catullus وبروبرتيوس Propertius وأوفيد[ر] Ovidius. كان شاعراً ذا موهبة فذة وأصالة وصنعة فنية متميزة، وفاقت شهرته وشعبيته شهرة أي شاعر هلنستي آخر، وهذا لايرجع فقط إلى موهبته الشعرية والأدبية وإنما إلى ما يمثله من أفكار، إذ كان شاهداً على عصره، ولهذا صار المثل الأعلى لشعراء التجديد في العصر الهلنستي والروماني.
محمد الزين