عكاشه عمي
Ukasha al-Ammi - Ukasha al-Ammi
عُكَّاشة العَمِّي
(…ـ نحو 157هـ/ … ـ نحو 791م)
عكاشة بن عبد الصمد العَمِّي (بتشديد الكاف أو تخفيفها، ومعنى عكاشة: بيت العنكبوت) من أهل البصرة نشأ بها أيام المهدي (158ـ 169هـ) وهو من بني العم، وهم الذين نزلوا ببني تميم بالبصرة أيام عمر بن الخطابt فأسلموا وغَزَوا مع المسلمين وحسن بلاؤهم، فقال لهم الناس:
«أنتم وإن لم تكونوا من العرب إخواننا وأهلنا، وأنتم الأنصار والإخوان وبنو العم» فلقبوا بذلك وصاروا في عداد العرب، كما يذكر الأصفهاني الذي يصف عكاشة بأنه شاعر مقل من شعراء الدولة العباسية، ليس ممن شهر وشاع شعره عند الناس، ولا ممن خدم الخلفاء ومدحهم. وهذا يعني أن الشاعر لم يتجه في الغالب إلى أي غرض شعري آخر، بل اقتصر على الغزل والخمرة فشغله الحب عن أنواع الشعر الأخرى.
وعكاشة شاعر فحل يعبر عن أحاسيسه بصدق ومن دون تكلف، وكان يكثر القول في جارية هَوِيَها اسمها «نُعيم» وفي شعره تبدو لهفته ويتقد وجده ويستعر هُيامه بها، يقول:
أَنُعَيْمُ حبُّكِ سـالَّني وبـراني
وإلى الأمَرِّ من الأمور دعاني
أنعَيمُ لو تجدين وَجْديْ والذي
ألقى بَكَيْتِ من الذي أبكـاني
أَنُعَيْمُ سيدتي عليكِ تقطـَّعَتْ
نفسي من الحسراتِ والأحزانِ
أنُعيم قد رحم الهوى قلبي وقد
بكت الثياب أسىً على جثماني
أنُعيم مَثَّلكِ الهُيام لمقلتي
فكأنني ألقاك كـلَّ مكـــان
أنُعيم: اِشفي أودعي مَنْ داؤه
ودواؤه بيديــك مقتــرنان
أما خمرياته التي تضارع ما قاله أبو نواس فمنها، قوله يصف مجلساً ضم حبيبته «نُعيم»:
إذا نحن نُسقاها شَمولاً قَرْقَفاً
تَدَعُ الصَّحيحَ بعقله مُرتابا
حمراءُ مثلُ دم الغزال وتارةً
بعد المزاج تخالها زريابا
من كفّ جارية كأنّ بنانـها
من فضة قد قُمِّعَتْ عُنّابا
وهو واحد من خمسة شعراء معدودين في اتجاه الغزل العفيف في العصر العباسي الأول الذي تزعمه في هذا الاتجاه العباس بن الأحنف وعلى خلاف العباس لم يُحَط عكاشة بهالات التهويل والتعظيم والتزيّد، لقلة شعره وندرة أخباره، فقد ذكر صاحب «الفهرست» أن محمد بن داود صاحب كتاب «الورقة» قد جمع شعر العمي وجاء في ثلاثين ورقة. إلا أن ديوانه ضاع، ولم يصل إلينا إلا متفرقات منه.
اتصف غزل عكاشة بالعفة والتوحّد، أي الاقتصار على حبيبة واحدة، والديمومة وصدق المودة والإخلاص في المشاعر، ويُفتقد في أخباره الضياع في الفلوات والنهاية العجيبة الغريبة مما أضافه الرواة، كما حدث لأسلافه من الشعراء العذريين في العصر الأموي.
أما حبيبته (نُعيم) فكانت جارية لبعض الهاشميين، وكان أمرها مستعصياً عليه، إذ تواعده الزيارة ولا تفي إلا قليلاً. فكان حبل الصفاء بينهما منصرماً، وكانت تَعِدُ وتصمّ حتى عِيْل صبره، لكن مدة الوصل لم تدم أكثر من عامين، إذ اشتراها بغدادي ورحل بها من البصرة إلى بغداد فاستحالت صورته وطبعه، فمضى عكاشة عمره يقول فيها الشعر ويذكرها ويحن إليها، ويتحسر على ما كان من أمره معها.
امتاز شعره عموماً بالرّقة المتأتية من سهولة اللفظ وعذوبته، والبعد عن المبالغة والغلو في وصف جمال الحبيبة وصدودها. وعكاشة أخو الشاعر أبي العُذَافِر ورد بن الصمد البصري الرشيدي، وكان أبوهما يعمل التنانير في بغداد بعد أن صار إليها.
من جميل شعره قوله شاكياً:
طَرْفي يذوبُ وماء طرْفك جامد
وعلّي من سِيما هواكِ شواهدُ
هذا هواك قسمـته بين الورى
ومنحتني أرقاً وطـرفك راقد
فعليّ منه اليوم تسعةُ أسـهم
وعلى جميع الناس سَهَمٌ واحدُ
توفي في بغداد، وذكر صاحب «فوات الوفيات» أن وفاته كانت بعد المئتين للهجرة.
أحمد دهمان
Ukasha al-Ammi - Ukasha al-Ammi
عُكَّاشة العَمِّي
(…ـ نحو 157هـ/ … ـ نحو 791م)
عكاشة بن عبد الصمد العَمِّي (بتشديد الكاف أو تخفيفها، ومعنى عكاشة: بيت العنكبوت) من أهل البصرة نشأ بها أيام المهدي (158ـ 169هـ) وهو من بني العم، وهم الذين نزلوا ببني تميم بالبصرة أيام عمر بن الخطابt فأسلموا وغَزَوا مع المسلمين وحسن بلاؤهم، فقال لهم الناس:
«أنتم وإن لم تكونوا من العرب إخواننا وأهلنا، وأنتم الأنصار والإخوان وبنو العم» فلقبوا بذلك وصاروا في عداد العرب، كما يذكر الأصفهاني الذي يصف عكاشة بأنه شاعر مقل من شعراء الدولة العباسية، ليس ممن شهر وشاع شعره عند الناس، ولا ممن خدم الخلفاء ومدحهم. وهذا يعني أن الشاعر لم يتجه في الغالب إلى أي غرض شعري آخر، بل اقتصر على الغزل والخمرة فشغله الحب عن أنواع الشعر الأخرى.
وعكاشة شاعر فحل يعبر عن أحاسيسه بصدق ومن دون تكلف، وكان يكثر القول في جارية هَوِيَها اسمها «نُعيم» وفي شعره تبدو لهفته ويتقد وجده ويستعر هُيامه بها، يقول:
أَنُعَيْمُ حبُّكِ سـالَّني وبـراني
وإلى الأمَرِّ من الأمور دعاني
أنعَيمُ لو تجدين وَجْديْ والذي
ألقى بَكَيْتِ من الذي أبكـاني
أَنُعَيْمُ سيدتي عليكِ تقطـَّعَتْ
نفسي من الحسراتِ والأحزانِ
أنُعيم قد رحم الهوى قلبي وقد
بكت الثياب أسىً على جثماني
أنُعيم مَثَّلكِ الهُيام لمقلتي
فكأنني ألقاك كـلَّ مكـــان
أنُعيم: اِشفي أودعي مَنْ داؤه
ودواؤه بيديــك مقتــرنان
أما خمرياته التي تضارع ما قاله أبو نواس فمنها، قوله يصف مجلساً ضم حبيبته «نُعيم»:
إذا نحن نُسقاها شَمولاً قَرْقَفاً
تَدَعُ الصَّحيحَ بعقله مُرتابا
حمراءُ مثلُ دم الغزال وتارةً
بعد المزاج تخالها زريابا
من كفّ جارية كأنّ بنانـها
من فضة قد قُمِّعَتْ عُنّابا
وهو واحد من خمسة شعراء معدودين في اتجاه الغزل العفيف في العصر العباسي الأول الذي تزعمه في هذا الاتجاه العباس بن الأحنف وعلى خلاف العباس لم يُحَط عكاشة بهالات التهويل والتعظيم والتزيّد، لقلة شعره وندرة أخباره، فقد ذكر صاحب «الفهرست» أن محمد بن داود صاحب كتاب «الورقة» قد جمع شعر العمي وجاء في ثلاثين ورقة. إلا أن ديوانه ضاع، ولم يصل إلينا إلا متفرقات منه.
اتصف غزل عكاشة بالعفة والتوحّد، أي الاقتصار على حبيبة واحدة، والديمومة وصدق المودة والإخلاص في المشاعر، ويُفتقد في أخباره الضياع في الفلوات والنهاية العجيبة الغريبة مما أضافه الرواة، كما حدث لأسلافه من الشعراء العذريين في العصر الأموي.
أما حبيبته (نُعيم) فكانت جارية لبعض الهاشميين، وكان أمرها مستعصياً عليه، إذ تواعده الزيارة ولا تفي إلا قليلاً. فكان حبل الصفاء بينهما منصرماً، وكانت تَعِدُ وتصمّ حتى عِيْل صبره، لكن مدة الوصل لم تدم أكثر من عامين، إذ اشتراها بغدادي ورحل بها من البصرة إلى بغداد فاستحالت صورته وطبعه، فمضى عكاشة عمره يقول فيها الشعر ويذكرها ويحن إليها، ويتحسر على ما كان من أمره معها.
امتاز شعره عموماً بالرّقة المتأتية من سهولة اللفظ وعذوبته، والبعد عن المبالغة والغلو في وصف جمال الحبيبة وصدودها. وعكاشة أخو الشاعر أبي العُذَافِر ورد بن الصمد البصري الرشيدي، وكان أبوهما يعمل التنانير في بغداد بعد أن صار إليها.
من جميل شعره قوله شاكياً:
طَرْفي يذوبُ وماء طرْفك جامد
وعلّي من سِيما هواكِ شواهدُ
هذا هواك قسمـته بين الورى
ومنحتني أرقاً وطـرفك راقد
فعليّ منه اليوم تسعةُ أسـهم
وعلى جميع الناس سَهَمٌ واحدُ
توفي في بغداد، وذكر صاحب «فوات الوفيات» أن وفاته كانت بعد المئتين للهجرة.
أحمد دهمان