الفراغ نُضج التجريب التشكيلي لعناصر التجريد المعاصر في تجربة سامية حلبي Samia Halaby
بشرى بن فاطمة
تطوّرت التجربة التشكيلية العربية بالعموم بتطور الظروف الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمعرفية التعليمية التي هيّأت الانفتاح على الآخر ومسايرة حركة التقدم العلمي والتقني العالمية وخصوصا التطوّر المابعد حداثي في الفن بمفاهيمه التغييرية وعناصره وبالتالي كان للتبادل الثقافي الفني وحركة الهجرة دفع قوي في تطوير التصورات الفنية ومتابعتها لمسايرة الحركة التشكيلية العالمية وثوراتها التي تمرّدت على الفن وقواعده وتجدّدت في التجريب والحركة وعاينت كل عنصر في التشكيل في فلسفته البصرية، ولم تكن المرأة العربية بمعزل عن كل ولا عن واقعها بتفاصيله الاجتماعية والسياسية، فقد سايرته بدورها واستغلّت كل تفاصيله لخدمة ذاتها وحضورها ومواقفها فكريا فنيا وجماليا، وهو ما أنضج تجربتها ومفاهيمها أسلوبها ورموزها خاصة وأن لها خصوصياتها الشرقية الممتدّة بالحضارة والتاريخ بالأسطورة والملحمة والذاكرة.
فما يُلاحظ في التجارب التشكيلية النسائية العربية هو تنوع التجريب بين المدارس من التجريد الى التعبيرية التجريدية إلى المفاهيمية والسريالية والواقعية المفرطة إلى المعاصرة في نفس التجربة الواحدة، وهو ما كثّف حضورها مرحليا على اختلاف كل تجربة وتنوعها التجريبي ما جعلها تمتلك الأسلوب والتقنية وتتمكّن من عناصرها لتنضج مع مفاهيمها وهو ما تمكّنت من تثبيته الفنانة التشكيلية الفلسطينية الامريكية “سامية حلبي” في مراحل اعتمادها التعبير الفني والتشكيلي لتصل إلى قواعد جمالية ومواقف فنية إنسانية عتّقتها بأسلوب التجريد وتطويرها لعناصره خاصة وأن خصوصيتها الشرقية مكّنتها من التميّز عالميا لتكون أعمالها في متاحف الفنون الحديثة في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا اليابان الولايات المتحدة الأمريكية.
*جبل الزيتون Mountain Olives
وهذا التجريب في العناصر واللون والفكرة ومحاكاة الفراغ كعنصر تشكيلي حمّلها الجرأة والثقة في عرض تجربتها مع الحفاظ على الأداء المختلف بالمحتوى والخامة وفلسفتها البصرية، وهو ما فعّل عناصرها وجدّد مستوى الفهم الجمالي في أعمالها ما خلق عندها تفرّدا تعبيريا ناضجا، فكان عنصر الفراغ وإشكالياته الجمالية في أعمالها حاضرا ليس بتشكيله كعنصر مع الكتل والاشكال وإنما كطاقة.
بستان الزيتون Olive Orchard
فمن خلال هذه التصورات استطاعت أن تحقّق حضورها في الفعل الفني وتثبت قوّة ابتكارية صنعت من خلالها لذاتها مسارا تفرّدت فيه عناصرها، فكانت لها مشاركات مؤثّرة من خلال تصوراتها التي بدورها أثرَت التجارب الأخرى.
Abu Ayoub-2006
ساهم تحوّلها المفاهيمي المكثف من مسار إلى مسار في ضمان حكمة الاشتغال على مفهوم الفراغ باعتباره شغلها بفلسفته الوجودية وصداماته مع الواقع والمشاعر والحالات بمدى تركيز فكرة الصورة وتعبيرها خاصة وأن هذه التجارب تجاوبت في طرح فكرة الفراغ في الفن واعتبرته عنصرا مهما في تكثيف الدلالة وتركيز المفهوم.
*”الفراغ والتجريد علاقته ليست معي كذات ولكنه تحررّ للمفاهيم الذهنية في تصور الواقع لأن التجريد هو الطريق الأكثر تقدّما لتمثيل الواقع.”
سامية حلبي تشكيلية فلسطينية من مواليد القدس 1936 مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية حقّقت ثورة وبصمة عالمية في تصورات التجريد حلّلتها وكتبتها ونقدتها وانطلقت منها إلى أبعد من حضور اكتمل مع عناصر التكوين في المنجز لم تقف عند التقليد ولا على المألوف في التعبير بل فكّكت الحركة وجرّبت الصور والكتل والألوان لتصل عناصر تكوُّنها ولتستنطق منها حضورها وغيابها المعلن والخفي الظاهر والمتستّر، وقد كان الفراغ في تجربتها عنصرا حاور الفضاء بالكتل والكثافة بالتجريد والصور بالمفاهيم والأداء.
إذ يكمن خلف رصدها للفراغ عمق التصور التجريدي والتعبير عن الواقع من منظور متقدّم الملامح بتفاصيلها الذهنية التي لا تقف عند السطحي أو المادي كأشياء عابرة بل من خلال متابعة المفهوم والتنقل عبره إلى عوالم تفصّل الذاكرة وتنطلق بالواقع.
فهي لا تخنق نفسها في ضيق حدود المعنى والحواس ولا تعاني من المساحة حتى تخاطب الفراغ بل تستدرجه إليها ليكون عميقا وليحدث بدوره فراغا داخل الفراغ نفسه حتى تشعر أنها أمام مسار حر يُفهم بكل انطلاق وعبث واندفاع قادر على تعتيق الحواس بالحنين وترميزها بالذهن من خلال قراءاتها الماورائية والاستباقية، فالفراغ في حركتها هو تملّك عبقري لهندسة الكون في مدى فهمها للأرض والطبيعة في حركتها الدائرية المتسلسلة بين التوتر والانسجام.
*جبال فلسطين
تعتمد حلبي على العمق في الفراغ حيث تروّضه بصريا ليبدو في تداخلاته وتشكيلاته الدائرية أو الحلزونية وكأنه يغوص بالمتلقي ويتوغل به في المفهوم برشاقة التحوّل بين الأمكنة والملامح الطبيعية من الفراغ المسطح إلى الفراغ العميق إلى الفراغ ثلاثي الأبعاد وكأنها رحلة داخلية لا تستثني الذهن من التذكّر في محاورة الخطوط والألوان كما عبرت في حوار لها بقولها *”يضيف الشكل الحلزوني مزيداً من العمق إلى اللوحة، فيصبح الفراغ فيها معقداً وغير قابل للقياس، ويتحوّل التركيز من تركيز داخلي على مسطح الصورة إلى تركيز خارجي”.
Variable Motion
من خلال مفهوم الفراغ في تجربة سامية حلبي وتجريبها تُفتح منافذ جديدة لتكوين الفكرة في تقاطعها العنصري وتماس ما تثيره الحركة مع الفراغ ومن خلال هذه الجزئيات تحاور الأحجام وتستعيد اللون في التفكيك البصري وكأنها تُثقّف العين في تشريح الأشكال وهندستها أو تسايرها في التشييد والتعبير الداخلي، لتخبر عن ملامح من وطنها ومشاهد من الطبيعة ولكن بخلل ما أجادت فتحه بين الكتل كثقوب من نور وعتمة عميقة ونافرة تربط الألوان وتُفرّقها كتعبير يختار مفاهيمه منها كأنثى فنانة ولاجئة مهاجرة مزدوجة الانتماء والثقافة والهوية.
فالمقاطع اللونية ودورانها في الفراغ تثير الذاكرة بصورها وتستنطق التذكر بتجريد تلك الصور بحالات العبور من وإلى الذات.
يحمل الفراغ في تجربة سامية حلبي أبعاد التعمّق البصري بلغة رمزية وتفاعل تكويني بين مختلف العناصر الأساسية وهو ما ساهم في تنويع تجربتها واكساب حضورها الحركة والتحليق والنفاذ والانطلاق بأكثر جرأة في تطويع العناصر وتطويرها، إذ ساعدها ذلك النضج المرحلي في تطوير تجربتها من خلال مدى اقتناعها بذاتها ومدى مسايرتها للواقع وأحداثه، ما فرض الاحتكاك بالتجارب الأخرى واكتساب معارف تطبيقية في التعامل أكثر مع خصوصياتها، لتتجاوز فكرة الإقصاء من وطنها بالحضور والفعل والمشاركة والتنويع والتجلي في الفضاء نفسه وتحويل الفراغ من مجرد عنصر قابل للامتلاء إلى ضرورة قادرة على التعبير والدلالة والمنافسة.
بشرى بن فاطمة
تطوّرت التجربة التشكيلية العربية بالعموم بتطور الظروف الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمعرفية التعليمية التي هيّأت الانفتاح على الآخر ومسايرة حركة التقدم العلمي والتقني العالمية وخصوصا التطوّر المابعد حداثي في الفن بمفاهيمه التغييرية وعناصره وبالتالي كان للتبادل الثقافي الفني وحركة الهجرة دفع قوي في تطوير التصورات الفنية ومتابعتها لمسايرة الحركة التشكيلية العالمية وثوراتها التي تمرّدت على الفن وقواعده وتجدّدت في التجريب والحركة وعاينت كل عنصر في التشكيل في فلسفته البصرية، ولم تكن المرأة العربية بمعزل عن كل ولا عن واقعها بتفاصيله الاجتماعية والسياسية، فقد سايرته بدورها واستغلّت كل تفاصيله لخدمة ذاتها وحضورها ومواقفها فكريا فنيا وجماليا، وهو ما أنضج تجربتها ومفاهيمها أسلوبها ورموزها خاصة وأن لها خصوصياتها الشرقية الممتدّة بالحضارة والتاريخ بالأسطورة والملحمة والذاكرة.
فما يُلاحظ في التجارب التشكيلية النسائية العربية هو تنوع التجريب بين المدارس من التجريد الى التعبيرية التجريدية إلى المفاهيمية والسريالية والواقعية المفرطة إلى المعاصرة في نفس التجربة الواحدة، وهو ما كثّف حضورها مرحليا على اختلاف كل تجربة وتنوعها التجريبي ما جعلها تمتلك الأسلوب والتقنية وتتمكّن من عناصرها لتنضج مع مفاهيمها وهو ما تمكّنت من تثبيته الفنانة التشكيلية الفلسطينية الامريكية “سامية حلبي” في مراحل اعتمادها التعبير الفني والتشكيلي لتصل إلى قواعد جمالية ومواقف فنية إنسانية عتّقتها بأسلوب التجريد وتطويرها لعناصره خاصة وأن خصوصيتها الشرقية مكّنتها من التميّز عالميا لتكون أعمالها في متاحف الفنون الحديثة في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا اليابان الولايات المتحدة الأمريكية.
*جبل الزيتون Mountain Olives
وهذا التجريب في العناصر واللون والفكرة ومحاكاة الفراغ كعنصر تشكيلي حمّلها الجرأة والثقة في عرض تجربتها مع الحفاظ على الأداء المختلف بالمحتوى والخامة وفلسفتها البصرية، وهو ما فعّل عناصرها وجدّد مستوى الفهم الجمالي في أعمالها ما خلق عندها تفرّدا تعبيريا ناضجا، فكان عنصر الفراغ وإشكالياته الجمالية في أعمالها حاضرا ليس بتشكيله كعنصر مع الكتل والاشكال وإنما كطاقة.
بستان الزيتون Olive Orchard
فمن خلال هذه التصورات استطاعت أن تحقّق حضورها في الفعل الفني وتثبت قوّة ابتكارية صنعت من خلالها لذاتها مسارا تفرّدت فيه عناصرها، فكانت لها مشاركات مؤثّرة من خلال تصوراتها التي بدورها أثرَت التجارب الأخرى.
Abu Ayoub-2006
ساهم تحوّلها المفاهيمي المكثف من مسار إلى مسار في ضمان حكمة الاشتغال على مفهوم الفراغ باعتباره شغلها بفلسفته الوجودية وصداماته مع الواقع والمشاعر والحالات بمدى تركيز فكرة الصورة وتعبيرها خاصة وأن هذه التجارب تجاوبت في طرح فكرة الفراغ في الفن واعتبرته عنصرا مهما في تكثيف الدلالة وتركيز المفهوم.
*”الفراغ والتجريد علاقته ليست معي كذات ولكنه تحررّ للمفاهيم الذهنية في تصور الواقع لأن التجريد هو الطريق الأكثر تقدّما لتمثيل الواقع.”
سامية حلبي تشكيلية فلسطينية من مواليد القدس 1936 مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية حقّقت ثورة وبصمة عالمية في تصورات التجريد حلّلتها وكتبتها ونقدتها وانطلقت منها إلى أبعد من حضور اكتمل مع عناصر التكوين في المنجز لم تقف عند التقليد ولا على المألوف في التعبير بل فكّكت الحركة وجرّبت الصور والكتل والألوان لتصل عناصر تكوُّنها ولتستنطق منها حضورها وغيابها المعلن والخفي الظاهر والمتستّر، وقد كان الفراغ في تجربتها عنصرا حاور الفضاء بالكتل والكثافة بالتجريد والصور بالمفاهيم والأداء.
إذ يكمن خلف رصدها للفراغ عمق التصور التجريدي والتعبير عن الواقع من منظور متقدّم الملامح بتفاصيلها الذهنية التي لا تقف عند السطحي أو المادي كأشياء عابرة بل من خلال متابعة المفهوم والتنقل عبره إلى عوالم تفصّل الذاكرة وتنطلق بالواقع.
فهي لا تخنق نفسها في ضيق حدود المعنى والحواس ولا تعاني من المساحة حتى تخاطب الفراغ بل تستدرجه إليها ليكون عميقا وليحدث بدوره فراغا داخل الفراغ نفسه حتى تشعر أنها أمام مسار حر يُفهم بكل انطلاق وعبث واندفاع قادر على تعتيق الحواس بالحنين وترميزها بالذهن من خلال قراءاتها الماورائية والاستباقية، فالفراغ في حركتها هو تملّك عبقري لهندسة الكون في مدى فهمها للأرض والطبيعة في حركتها الدائرية المتسلسلة بين التوتر والانسجام.
*جبال فلسطين
تعتمد حلبي على العمق في الفراغ حيث تروّضه بصريا ليبدو في تداخلاته وتشكيلاته الدائرية أو الحلزونية وكأنه يغوص بالمتلقي ويتوغل به في المفهوم برشاقة التحوّل بين الأمكنة والملامح الطبيعية من الفراغ المسطح إلى الفراغ العميق إلى الفراغ ثلاثي الأبعاد وكأنها رحلة داخلية لا تستثني الذهن من التذكّر في محاورة الخطوط والألوان كما عبرت في حوار لها بقولها *”يضيف الشكل الحلزوني مزيداً من العمق إلى اللوحة، فيصبح الفراغ فيها معقداً وغير قابل للقياس، ويتحوّل التركيز من تركيز داخلي على مسطح الصورة إلى تركيز خارجي”.
Variable Motion
من خلال مفهوم الفراغ في تجربة سامية حلبي وتجريبها تُفتح منافذ جديدة لتكوين الفكرة في تقاطعها العنصري وتماس ما تثيره الحركة مع الفراغ ومن خلال هذه الجزئيات تحاور الأحجام وتستعيد اللون في التفكيك البصري وكأنها تُثقّف العين في تشريح الأشكال وهندستها أو تسايرها في التشييد والتعبير الداخلي، لتخبر عن ملامح من وطنها ومشاهد من الطبيعة ولكن بخلل ما أجادت فتحه بين الكتل كثقوب من نور وعتمة عميقة ونافرة تربط الألوان وتُفرّقها كتعبير يختار مفاهيمه منها كأنثى فنانة ولاجئة مهاجرة مزدوجة الانتماء والثقافة والهوية.
فالمقاطع اللونية ودورانها في الفراغ تثير الذاكرة بصورها وتستنطق التذكر بتجريد تلك الصور بحالات العبور من وإلى الذات.
يحمل الفراغ في تجربة سامية حلبي أبعاد التعمّق البصري بلغة رمزية وتفاعل تكويني بين مختلف العناصر الأساسية وهو ما ساهم في تنويع تجربتها واكساب حضورها الحركة والتحليق والنفاذ والانطلاق بأكثر جرأة في تطويع العناصر وتطويرها، إذ ساعدها ذلك النضج المرحلي في تطوير تجربتها من خلال مدى اقتناعها بذاتها ومدى مسايرتها للواقع وأحداثه، ما فرض الاحتكاك بالتجارب الأخرى واكتساب معارف تطبيقية في التعامل أكثر مع خصوصياتها، لتتجاوز فكرة الإقصاء من وطنها بالحضور والفعل والمشاركة والتنويع والتجلي في الفضاء نفسه وتحويل الفراغ من مجرد عنصر قابل للامتلاء إلى ضرورة قادرة على التعبير والدلالة والمنافسة.