هشام ساعي
في زمن الإنتداب الفرنسي، وخلال أربعينات القرن الماضي، صحوتُ وأنا في طفولتي المبكّرة، على جهود كبيرة من أجل نظافة وأناقة شوارع اللاذقية، وذلك برصف الطرق بالإسفلت ذو الرائحة النفاذة واللمعان المميز.. كما كان يلفت انتباهي أيضاً العناية الفائقة بأشجار الصنوبر و"الزرنزخت" التي كانت تظلل أرصفة الشوارع الهادئة في منطقة الكاملية وشارع بغداد..
وكثيراً ماكنت أعمد إلى التقاط ما يسقط من الأوراق الإبرية لأشجار الصنوبر وعناقيد بذور "الزنزلخت" الصفراء، والتي كان يدفعني فضولي أحياناً إلى فتح ثمارها التي تحوي بذرة صلبة يحيط بها سائل لزج ذو رائحة لم تكن غريبة عني، فهي نفس رائحة الشمع أو (الصملاخ) الذي تفرزه الأذنان، والذي كنا قد درسنا عنه وقتها في كتاب الأشياء (العلوم)، حيث تَعلَمنا بأن وظيفته هي منع الغبار والحشرات من دخول الأذن بسبب قوامه الدبق ورائحته النفاذة والمنفّرة للحشرات..
كنت أتساءل حينها : ما فائدة أشجار "الأزدرخت" هذه ولماذا يزرعونها وهي لا تعطي سوى وريقات خضراء متساقطة، وزهرات ليلكية باهتة، وثماراً برائحة مقززة و يمكننا استعماله لمكافحة الحشرات والهوامأشجار "الزنزلخت" تعتبر من أفضل الوسائل الطبيعية لمكافحة البعوض..
تلك حقيقة عرفها أجدادنا من زمن بعيد، وأظن أن هذا ما دفعهم إلى زرع أشجار "الزرنزخت" تلك في شوارعنا بهذه الكثرة .. رحم الله أجدادنا فقد كانوا في منتهى الحكمة.