كاتولوس (غايوس فاليريوس) Catullus (Gaius Valerius-) - Catulle
كاتولّوس (غايوس ڤاليريوس ـ)
(نحو 87 ـ 54 ق.م)
غايوس ڤاليريوس كاتولّوس Gaius Valerius Catullus من أشهر الشعراء الرومان، وزعيم شعراء التجديد والحداثة في الأدب الروماني. ولد في مدينة فيرونا Verona الإيطالية الواقعة في ولاية غاليا جنوبي الألب Gallia Cisalpina لأسرة ثرية مرموقة. كان والده صديقاً مقرباً ليوليوس قيصر[ر] الذي كان يحب الإقامة في بيت كاتولّوس كلما زار المنطقة. يذكر المؤرخ هيرونيموس Hieronymus في حولياته تاريخ مولده عام 87ق.م ووفاته في روما عام 57ق.م وأنه عاش 30سنة، ولكن ثمة إشارات في شعره تدل على أنه كان لايزال على قيد الحياة عام 55ق.م، ولهذا يرجح الباحثون وفاته عام 54ق.م، وفي كل الأحوال فإنه مات في ريعان الشباب. ذهب في مطلع شبابه إلى روما وعاش حياة لاهية في أجوائها الصاخبة، فبدأ يتردد إلى حلقات الأدباء الشباب المترفين من أمثال كائليوس M.Caelius وكالڤوس L.Calvus وكينا H.Cinna، الذين ملّوا الأدب القديم وتقاليد السلف الصارمة وتاقت نفوسهم لأن يعبروا عن عواطف الجيل الجديد في أوزان غنائية وألفاظ رقيقة عذبة على شاكلة شعراء الاسكندرية، وعلى رأسهم كليماخوس[ر] Kallimachos وسافو[ر] Sappho اللذين ترجم كاتولّوس بعض أشعارهما إلى اللاتينية، كما كانوا ناقمين على أوضاع عصرهم المليء بالحروب والصراعات السياسية والاجتماعية. وقد أطلق على هذه الحركة الشعرية الرومانية لقب «الشعراء الجدد» (Neoterici باللاتينية وNeoterioi بالإغريقية)، الذين جعلوا شعارهم «الفن للفن»، ورؤيتهم للشعر جمالية في المقام الأول. انغمس أولئك الشباب في حياة الترف والجري وراء إشباع رغباتهم وعواطفهم الجياشة، وكانت معظم أشعارهم تدور حول الحب ومغامرات العشق وتتغنى بكل امرأة تقدم لربات شعرهم حباً سهلاً عابراً.
التقى كاتولّوس إحدى تلك النساء، وكانت سيدة رومانية تدعى كلوديا Clodia، أخت نقيب العامة كلوديوس بولكر Clodius Pulcher وزوجة متِلّوس Q.C.Metellus حاكم بلاد الغال الإيطالية. وقد كانت من أشهر النساء في عصرها تحرراً من الأعراف والتقاليد الرومانية، وكان لها كثير من الأصدقاء والمعجبين والعشاق، افتتن كاتولّوس بها فسحرت لبه وعاش معها قصة حب عنيفة، فكان يدعوها «إلهتي المتألقة» ويتحدث عنها باسم مستعار هو لسبيا Lesbia إحياء لذكرى الشاعرة سافو المولودة في جزيرة لسبوس Lesbos. وكان جمال كلوديا وثقافتها من الشهرة والذيوع بقدر سوء سمعتها. وقد وضع هذا الشاعر الهائم تحت قدميها أجمل ما في اللغة اللاتينية من أشعار غنائية، ولكن حبيبته هذه لم تخلص له واتسعت دائرة عشاقها فأبغضها في الوقت الذي كانت نار الحب تلتهم فؤاده فكانت قصيدته الشهيرة «أكره وأحب» Odi er amo، واستحال هيامه بها حقداً عليها فبدأ يكيل لها التهم ولا يتورع عن ذم محبيها وعشاقها الجدد بأفحش الأقوال.
انتزع كاتولّوس نفسه من المأساة التي عاشها بالسفر والاغتراب فصحب صديقه مِمْيوس C.Memmius عام 57ق.م إلى ولايته بيثينيا Bithynia في غربي آسيا الصغرى على أمل أن يجد المال والعزاء والسلوان. وهناك زار قبر أخ له مات بجوار طروادة ورثاه بأبيات رقيقة أصبحت بعض عبارتها من الأقوال الخالدة. وقد بدّل مقامه في آسيا أحواله وأثّرت أديان الشرق القديمة في نفسه فأطلق في قصيدة «أتيس» Atys وهي من أهم قصائده وأعذبها تسمية «الأم الكبرى» على الإلهة سيبِلِه Cybele ووصف طقوسها وعبّادها وصفاً جميلاً.
أما أشهر قصائد كاتولّوس وأطولها (408بيتاً) وأكثرها صنعة فنية فهي ملحمته عن حفل زواج البطل الأسطوري بِليوس Peleus بأميرة ربات البحر ثِتيس Thetis التي ضمنها أسطورة أريادنِه Ariadne التي هجرها حبيبها البطل ثِسيوس Theseus. ويرى النقاد في هذه الملحمة القصيرة تعبيراً عن تجربة كاتولّوس الذاتية وقصة حبه مع لسبيا، أراد بها المقارنة بين الحب السعيد والحب التعيس المنكوب من جهة، وبين الوفاء والخيانة من جهة أخرى، وتعد من أفضل ما كتب الشاعر كما أنها تعبر عن الاتجاه الجديد وفن صناعة الشعر على طريقة مدرسة الاسكندرية. وقد تجسدت في قصائده كل سمات التجديد في الشعر اللاتيني بما في ذلك الموضوعات المفضلة لدى رواد هذه الحركة مثل الحب والصداقة ووصف الطبيعة والهجائيات وأغاني الزفاف والمراثي وأشعار المناسبات وقصص الحب الأسطورية. تبرز في أشعاره سمة الخصوصية والمباشرة وروح الدعابة، وتنم عن ثراء لغوي لاينضب عندما يتناول أرق الأحاسيس وأشد انفعالات السخط والكراهية. وتحفل قصائده بتنوع كبير في بحور الشعر والتركيبات اللغوية المستحدثة وصيغ التصغير والكلمات الإغريقية واللاتينية المستخدمة بناء على قيمتها الموسيقية. ويعد الشاعر أول روماني تتجلى أحداث حياته بقوة ووضوح في أشعاره.
يضم ديوان كاتولّوس مئة وست عشرة قصيدة في ألفين وثلاثمئة بيت، ولايزال الخلاف قائماً بين الباحثين فيما إذا كان هو الذي أصدره بنفسه، أم أنه صدر بعد موته تحت إشراف صديقه كورنيليوس نِبوس C.Nepos، الذي أهداه له. وقصائد هذا الديوان متنوعة الأغراض والأوزان وتجمع بين المقطوعة الشعرية القصيرة والقصيدة الملحمية، وقد تطورت هذا الأنواع المختلفة إلى فنون شعرية غنائية مستقلة.
حمل كاتولّوس لقب الشاعر العالم المثقف Poeta doctus وكان له تأثير كبير في هوراتيوس (هوراس) وفرجيليوس، ويعترف له الشاعر مارتياليس Martialis بأنه أستاذ في الفن.
محمد الزين
كاتولّوس (غايوس ڤاليريوس ـ)
(نحو 87 ـ 54 ق.م)
غايوس ڤاليريوس كاتولّوس Gaius Valerius Catullus من أشهر الشعراء الرومان، وزعيم شعراء التجديد والحداثة في الأدب الروماني. ولد في مدينة فيرونا Verona الإيطالية الواقعة في ولاية غاليا جنوبي الألب Gallia Cisalpina لأسرة ثرية مرموقة. كان والده صديقاً مقرباً ليوليوس قيصر[ر] الذي كان يحب الإقامة في بيت كاتولّوس كلما زار المنطقة. يذكر المؤرخ هيرونيموس Hieronymus في حولياته تاريخ مولده عام 87ق.م ووفاته في روما عام 57ق.م وأنه عاش 30سنة، ولكن ثمة إشارات في شعره تدل على أنه كان لايزال على قيد الحياة عام 55ق.م، ولهذا يرجح الباحثون وفاته عام 54ق.م، وفي كل الأحوال فإنه مات في ريعان الشباب. ذهب في مطلع شبابه إلى روما وعاش حياة لاهية في أجوائها الصاخبة، فبدأ يتردد إلى حلقات الأدباء الشباب المترفين من أمثال كائليوس M.Caelius وكالڤوس L.Calvus وكينا H.Cinna، الذين ملّوا الأدب القديم وتقاليد السلف الصارمة وتاقت نفوسهم لأن يعبروا عن عواطف الجيل الجديد في أوزان غنائية وألفاظ رقيقة عذبة على شاكلة شعراء الاسكندرية، وعلى رأسهم كليماخوس[ر] Kallimachos وسافو[ر] Sappho اللذين ترجم كاتولّوس بعض أشعارهما إلى اللاتينية، كما كانوا ناقمين على أوضاع عصرهم المليء بالحروب والصراعات السياسية والاجتماعية. وقد أطلق على هذه الحركة الشعرية الرومانية لقب «الشعراء الجدد» (Neoterici باللاتينية وNeoterioi بالإغريقية)، الذين جعلوا شعارهم «الفن للفن»، ورؤيتهم للشعر جمالية في المقام الأول. انغمس أولئك الشباب في حياة الترف والجري وراء إشباع رغباتهم وعواطفهم الجياشة، وكانت معظم أشعارهم تدور حول الحب ومغامرات العشق وتتغنى بكل امرأة تقدم لربات شعرهم حباً سهلاً عابراً.
التقى كاتولّوس إحدى تلك النساء، وكانت سيدة رومانية تدعى كلوديا Clodia، أخت نقيب العامة كلوديوس بولكر Clodius Pulcher وزوجة متِلّوس Q.C.Metellus حاكم بلاد الغال الإيطالية. وقد كانت من أشهر النساء في عصرها تحرراً من الأعراف والتقاليد الرومانية، وكان لها كثير من الأصدقاء والمعجبين والعشاق، افتتن كاتولّوس بها فسحرت لبه وعاش معها قصة حب عنيفة، فكان يدعوها «إلهتي المتألقة» ويتحدث عنها باسم مستعار هو لسبيا Lesbia إحياء لذكرى الشاعرة سافو المولودة في جزيرة لسبوس Lesbos. وكان جمال كلوديا وثقافتها من الشهرة والذيوع بقدر سوء سمعتها. وقد وضع هذا الشاعر الهائم تحت قدميها أجمل ما في اللغة اللاتينية من أشعار غنائية، ولكن حبيبته هذه لم تخلص له واتسعت دائرة عشاقها فأبغضها في الوقت الذي كانت نار الحب تلتهم فؤاده فكانت قصيدته الشهيرة «أكره وأحب» Odi er amo، واستحال هيامه بها حقداً عليها فبدأ يكيل لها التهم ولا يتورع عن ذم محبيها وعشاقها الجدد بأفحش الأقوال.
انتزع كاتولّوس نفسه من المأساة التي عاشها بالسفر والاغتراب فصحب صديقه مِمْيوس C.Memmius عام 57ق.م إلى ولايته بيثينيا Bithynia في غربي آسيا الصغرى على أمل أن يجد المال والعزاء والسلوان. وهناك زار قبر أخ له مات بجوار طروادة ورثاه بأبيات رقيقة أصبحت بعض عبارتها من الأقوال الخالدة. وقد بدّل مقامه في آسيا أحواله وأثّرت أديان الشرق القديمة في نفسه فأطلق في قصيدة «أتيس» Atys وهي من أهم قصائده وأعذبها تسمية «الأم الكبرى» على الإلهة سيبِلِه Cybele ووصف طقوسها وعبّادها وصفاً جميلاً.
أما أشهر قصائد كاتولّوس وأطولها (408بيتاً) وأكثرها صنعة فنية فهي ملحمته عن حفل زواج البطل الأسطوري بِليوس Peleus بأميرة ربات البحر ثِتيس Thetis التي ضمنها أسطورة أريادنِه Ariadne التي هجرها حبيبها البطل ثِسيوس Theseus. ويرى النقاد في هذه الملحمة القصيرة تعبيراً عن تجربة كاتولّوس الذاتية وقصة حبه مع لسبيا، أراد بها المقارنة بين الحب السعيد والحب التعيس المنكوب من جهة، وبين الوفاء والخيانة من جهة أخرى، وتعد من أفضل ما كتب الشاعر كما أنها تعبر عن الاتجاه الجديد وفن صناعة الشعر على طريقة مدرسة الاسكندرية. وقد تجسدت في قصائده كل سمات التجديد في الشعر اللاتيني بما في ذلك الموضوعات المفضلة لدى رواد هذه الحركة مثل الحب والصداقة ووصف الطبيعة والهجائيات وأغاني الزفاف والمراثي وأشعار المناسبات وقصص الحب الأسطورية. تبرز في أشعاره سمة الخصوصية والمباشرة وروح الدعابة، وتنم عن ثراء لغوي لاينضب عندما يتناول أرق الأحاسيس وأشد انفعالات السخط والكراهية. وتحفل قصائده بتنوع كبير في بحور الشعر والتركيبات اللغوية المستحدثة وصيغ التصغير والكلمات الإغريقية واللاتينية المستخدمة بناء على قيمتها الموسيقية. ويعد الشاعر أول روماني تتجلى أحداث حياته بقوة ووضوح في أشعاره.
يضم ديوان كاتولّوس مئة وست عشرة قصيدة في ألفين وثلاثمئة بيت، ولايزال الخلاف قائماً بين الباحثين فيما إذا كان هو الذي أصدره بنفسه، أم أنه صدر بعد موته تحت إشراف صديقه كورنيليوس نِبوس C.Nepos، الذي أهداه له. وقصائد هذا الديوان متنوعة الأغراض والأوزان وتجمع بين المقطوعة الشعرية القصيرة والقصيدة الملحمية، وقد تطورت هذا الأنواع المختلفة إلى فنون شعرية غنائية مستقلة.
حمل كاتولّوس لقب الشاعر العالم المثقف Poeta doctus وكان له تأثير كبير في هوراتيوس (هوراس) وفرجيليوس، ويعترف له الشاعر مارتياليس Martialis بأنه أستاذ في الفن.
محمد الزين