هل تتذكر تلك المرة التي كنت تستمتع فيها بتصفح الإنترنت مع كوب من الشاي عندما انزلق هاتفك وسقط في كوب الشاي مدمرًا بذلك متعتك؟
تُعلمنا معرفتنا التقليدية بعدم توافق الإلكترونيات والسوائل معًا، ولكن هل تعرف بالضبط ما فعله الشاي بهاتفك؟ وهل ستكون النتيجة ذاتها لو حل الكحول محل الشاي؟
يعد اختلاف الخواص الكيميائية والفيزيائية للماء والكحول جوابًا على هذا السؤال.
كيمياء الماء:
يحتوي جزيء الماء على ذرتين من الهيدروجين مرتبطتين بذرة أكسجين واحدة، ويُشار إليه بالصيغة الكيميائية H2O. يشكل الأكسجين والهيدروجين رابطًا عبر مشاركة زوج من الإلكترونات حيث يتبرع كل منهما بإلكترون لكل منهما على التوالي بما يدعى الرابطة التساهمية. من نتائج مشاركة الإلكترونات هذه أنه لا يبقى إلكترونات حرة لتوصيل الكهرباء. في الواقع فإن الماء النقي منزوع الأيونات ليس موصلًا للكهرباء.
يتفوق الأكسجين على الهيدروجين في جذبه الإلكترونات نحو نفسه (الكهرسلبية أو السلبية الكهربائية). في جزيء الماء يرتبط زوج الإلكترونات بإحكام أكثر بالأكسجين والهيدروجين وبالتالي تتطور شحنة سالبة جزئية على ذرات الأكسجين O وشحنة موجبة جزئية على ذرات الهيدروجين H. وبسبب هندسة جزيئات الماء فإن هناك فصل بين الشحنات (مراكز الشحنات الموجبة والسالبة لا تتطابق).
قد يحتوي الجزيء على عناصر ذات كهرسلبية مختلفة ومع ذلك يكون غير قطبي، مثل الميثان CH4. يجعل هذا من الماء جزئيًا قطبيًا (له أقطاب ذات شحنة متعاكسة). نتيجة لذلك تتحلل معادن مثل الكالسيوم Ca2+ والمغنيسيوم Mg2+ والصوديوم Na+ والكلور Cl- وما إلى ذلك (يجذب القطب السالب لجزيء الماء الأيونات المعدنية موجبة الشحنة، والعكس صحيح). يمكن لهذه الأيونات توصيل الكهرباء عند وجود فرق محتمل.
بالإضافة، فإن الترابط بين الجزيئات في الماء يكون قويًا بسبب الترابط بين جزيئات الهيدروجين، هذا هو سبب ارتفاع درجة غليان الماء مقارنة بالكحول.
كيمياء الكحول:
في اللغة الشائعة، يشير الكحول إلى الخمور أو السائل المخصص للأغراض الطبية. مع ذلك، فالكحول علميًا ليس سائلًا منفردًا، بل فئة من المركبات العضوية (أي المحتوية على الكربون) والتي لديها المجموعة الوظيفية (-OH). المجموعة الوظيفية هي مجموعة من الذرات ترتبط بعض خصائصها المميزة مع المركب العضوي المتعلقة به.
وكما كان الحال مع الماء، فإن الروابط المتكونة بين العناصر هي روابط تساهمية (مشاركة الإلكترونات)، الأمر الذي يُترجم إلى نقص في الإلكترونات والأيونات الحرة لتوصيل الكهرباء، وبالتالي فإن الكحول النقي هو أيضًا عازل.
إن إذابة الأيونات المعدنية في الكحول تصبح أكثر صعوبة من إذابتها في الماء، حيث يوجد إعاقة فراغية (صعوبة في استيعاب الأنواع الجديدة بسبب التنافر بين العناصر الموجودة) بين سلسلة الكربون والأيونات المعدنية، إذ إن حجم الشحنة في الكحول قليل أيضًا.
نظرًا لاتصال الأكسجين O عالي الكهرسلبية في أحد طرفيه فإنه يجذب أزواج الإلكترونات نحو نفسه مكتسبًا شحنة سالبة جزئية ومعطيًا شحنة موجبة جزئية للذرات الأخرى. يمكن تصوير الكحوليات على أنها ذات طرف قطبي-OH وآخر غير قطبي (سلسلة الكربون). يجعل هذا من الكحول مركبًا متقابل الزُمر (مناسبًا للترابط مع كل من المركبات القطبية وغير القطبية) مانحًا إياه تطبيقات في التعقيم والتطهير.
بالإضافة، فإن التجاذب بين جزيئات الكحول أضعف منه في الماء (عائق فراغي ناتج عن وجود سلسلة كربون ضخمة) وبالتالي يكون تبخر الكحول أسهل من تبخر الماء.
تأثير الماء في الأجهزة الإلكترونية:
يمكن تقسيم عواقب تماس الماء مع الإلكترونيات إلى جزأين، قصيرة الأجل وطويلة الأجل.
بما أن الماء يحتوي على أيونات معدنية مُذابة فهو قادر على إيصال الكهرباء. عندما يلامس الماء جهازًا قيد التشغيل فإن نهايات متعددة داخل الجهاز تتلامس في الوقت ذاته مع الموصل، أي الماء. ينشأ مسار بديل لتدفق التيار وتبدأ الكهرباء بالتدفق في مسارات لم يكن يجب أن تتدفق بها، وهذا ما يسمى بالماس الكهربائي. يحدث تدفق لكمية كبيرة من التيار عبر الماس الكهربائي خلال فترة زمنية قصيرة مؤديًا إلى التسخين، وفي أسوأ الحالات يسبب اشتعالًا للنار.
بما أن معظم الأجهزة الإلكترونية تستخدم بطاريات التيار المستمر مصدرًا للطاقة، فإن اتصال الماء بمصعد ومهبط البطارية سيؤدي إلى التحليل الكهربائي منتجًا غازي الهيدروجين H2 والأكسجين O2 القابلين للاشتعال.
يحتوي الماء أيضًا على جزيئات الأكسجين المُذاب O2. تحتوي جميع الأجهزة الإلكترونية على لوحات الدوائر المطبوعة PCBs التي تحتوي على معادن مثل النحاس والذهب والبلاديوم كموصلات، عندما تتعرض للماء يحدث تفاعل أكسدة حيث يفقد المعدن الإلكترونات مُشكلًا طبقة أكسيد معدني. مع مرور الوقت ينتج عن هذا التفاعل انخفاض في حجم المعدن الموصل في تلك النهاية (التحلل)، وفي الحالات القصوى يصبح المعدن ضعيفًا هيكليًا وينكسر.
تحتوي شاشات العرض من نوع LED/LCD على لوحة إضاءة خلفية تؤمن الإضاءة، عندما يدخل الماء إليها يحدث انكسار غير سليم للضوء ويتشوه العرض (مظهر ضبابي أو بقع سوداء، إلخ). إضافة إلى ذلك يمكن لجزيئات الماء أن تسد مكبرات الصوت ما يكتم تلك المُخرجات.
تأثير الكحول في الإلكترونيات:
لا تحتوي الكحوليات على شوائب إيونية ذائبة بتركيزات عالية كتلك الموجودة في الماء. عندما يلامس الكحول الأجهزة الإلكترونية فإن النقص في الأنواع المشحونة (الأيونات والإلكترونات الحرة) لا يؤدي إلى أي توصيل وبالتالي لا يحدث قصر في الدارة.
نظرًا لكون الكحول يتبخر أسرع من الماء، يُستبعد احتمال بقاء الكحول على الإلكترونيات مدة كافية لإحداث ضرر فيها وبالتالي تقل احتمالية تلف الشاشة ومكبرات الصوت.
إضافة إلى ذلك، وكون الكحول قد يرتبط بكل من المركبات القطبية وغير القطبية، فإن الكحول يرتبط بأغشية الخلايا الدهنية للجراثيم المحبة للدهون ويُفسد البروتينات في الميكروبات أيضًا مؤديًا إلى قتلها بطريقة فعالة، وبالتالي تُستخدم الكحوليات (خاصةً كحول الأيزوبروبيل-IPA) كثيرًا كعامل تنظيف.
متى يكون الكحول سيئًا؟
مع ذلك، هناك حالات تُخرب فيها الكحوليات الأجهزة الإلكترونية. تُحدد نقطة الوميض (أدنى درجة حرارة يُكون فيها المركب أبخرة قابلة للاحتراق بوجود مصدر اشتعال مثل الأكسجين) للكحول خطر القابلية للاشتعال. إذا ارتفعت درجة حرارة الجهاز فوق نقطة الوميض، فقد يكون تلامس الكحول مع الجهاز أمرًا مزعجًا للغاية (يُشكل الكحول أبخرة قد تشتعل) وبالتالي يجب استخدام الكحوليات فقط عندما يكون الجهاز مطفأً وباردًا.
إذا لامس الكحول مصعد ومهبط البطارية فقد يتحلل كهربائيًا منتجًا غاز الهيدروجين H2، وهو غاز قابل للاشتعال حتى عندما يكون تركيزه أقل من 4% في الهواء.
يمكن للكحوليات منخفضة الوزن الجزيئي مثل الإيثانول وكحول الأيزوبروبيل إذابة كميات صغيرة جدًا من الشوائب الأيونية، في حال وجود كمية كافية من الكحول (على سبيل المثال، غمس الجهاز في حمّام كحول) فقد يحدث قصر في الدارة.
كلمة أخيرة:
دارت المناقشة أعلاه بالأساس حول مياه الشرب والكحول منخفض الوزن الجزيئي (الإيثانول، كحول الأيزوبروبيل، إلخ) نادرًا ما يتسبب الماء النقي والكحول النقي في إتلاف الإلكترونيات، ولكن الشوائب الذائبة والروابط بين الجزيئات هي السبب الرئيسي في تدهور الأمور. بالأساس، نظرًا لكون الماء يستطيع أن يُذيب المزيد من الشوائب ويتبخر أبطأ من الكحول، فإنه يميل إلى تدمير الإلكترونيات بسهولة أكبر من الكحول.