كافور اخشيدي(الخادم الحبشي الأسود الخصي)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كافور اخشيدي(الخادم الحبشي الأسود الخصي)

    كافور اخشيدي Kafur al-Ikhshidi - Kafur al-Ikhchidi
    كافور الإخشيدي

    (292 ـ 357هـ/905 ـ 968م)



    الأستاذ السلطان أبو المسك بن عبد الله كافور الإخشيدي، الخادم الحبشي الأسود الخصي صاحب مصر والشام والمدينتين المقدستين مكة والمدينة، اشتراه سيده مؤسس الدولة الإخشيدية بمصر أبو بكر محمد بن طفج عام 312هـ بثمانية عشر ديناراً، ربّاه واعتقه ثم رقّاه حتى جعله من كبار القادة وأتابك ولديه، لمّا رأى منه الحزم والعقل وحسن التدبير. أطلق عليه اسم أبو المسك لأنه من أسماء الأضداد فالمسك أسود والكافور أبيض.

    استمرت الدولة الإخشيدية أربعاً وثلاثين سنة، وكانت إمارته ثلاثاً وعشرين سنة استقل منها بالحكم سنتين وأربعة أشهر. ولما شعر الإخشيد بدنو أجله عهد إلى كافور بالوصاية على ولديه أبي القاسم أنوجور (319ـ349هـ) وأبي الحسن علي (326ـ355هـ). مات الإخشيد في دمشق في 24ذي القعدة 334هـ ونقل رفاته إلى بيت المقدس. فانتهز سيف الدولة الحمداني الفرصة ونقض العهد الذي عقده مع محمد الإخشيد وقائده كافور سنة 334هـ، واتجه على رأس قوة عسكرية إلى دمشق فدخلها عنوة بعد أن استسلم حاكمها الإخشيدي في صفر 335هـ واتجه إلى مدينة الرملة وامتلكها، والتقى معه كافور في منطقة عذرا قرب دمشق وانتصر عليه وتبعه إلى الرقة ثم ترددت الرسل بينهما حتى توصلوا إلى عقد معاهدة تقضي أن يترك كافور حلب ومايليها من بلاد الشام شمالاً للحمدانيين وبشروط المعاهدة السابقة نفسها، ولكن من دون دفع جزية مقابل احتفاظه بدمشق، وذلك ليتفرغ للتصدي للخطر الفاطمي الذي يهدده من ناحية غرب مصر، ولإبقاء الدولة الحمدانية حصناً منيعاً يكفيه محاربة البيزنطيين.

    توجه بعدها كافور بابن الإخشيد أبي القاسم أنوجور إلى الخليفة العباسي المطيع لله في بغداد زمن النفوذ البويهي (334ـ447هـ) وأصلح أمره معه، لأن صلة الوفاق بين الإخشيد والخلافة العباسية قد ساءت بمسير محمد بن رائق الخزري إلى الشام سنة 328هـ يريد مصر بتقليد من الخليفة فهزمه الإخشيد، وأوقف الدعوة للخليفة العباسي. والتزم أمر بلاد مصر والشام والمدينتين المقدستين، كان أنوجور صبياً في الرابعة عشرة من عمره، فغلب كافور على الأمر، وبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور والرياسة لكافور، وأجرى له راتباً سنوياً قدره 400ألف دينار.

    كان كافور شجاعاً مقداماً حاد البصر والذكاء فطناً داهية شديد الساعد مغرماً بالرمي والصيد، يداوم الجلوس في الغداة والعشي لقضاء حوائج الناس، يتهجد ممرغاً وجهه ساجداً داعياً الله أن لايسلط عليه أحد، كانت تُقرأ عنده في كل ليلة السّير وأخبار الدولة الأموية والعباسية، وله ندماء، عظيم الحرمة له حجاب يمتنع عن الأمراء، وجوار مغنيات وغلمان من الروم والسود، كما كان جواداً سخياً كثير الخلع والهبات خبيراً بالسياسة شغوفاً بالإمارة ولوعاً بالسلطة يهادي المعز الفاطمي صاحب المغرب، ويظهر ميله إليه، وكذلك يذعن بالطاعة لبني العباس ويداري ويخادع هؤلاء وهؤلاء حتى تم له الأمر. وأتيح له بما أغدقه من العطايا والهبات أن يكتسب محبة الجند وكبار الموظفين.

    كان وزيره أبا الفضل جعفر بن الفرات، وممن كان في خدمته أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله البُجيرمي النحوي صاحب الزجّاج، والقاضي أبو بكر بن الحداد وتلميذه محمد بن موسى المعروف بسيبويه المصري، وأبو عمر الكندي، والحسن بن زولاق.

    توفي أبو القاسم أنوجور في 8 ذي العقدة 349هـ وتولى بعده أخوه أبو الحسن علي، وبقي كافور يباشر الأمر بنفسه مع أن الوالي الجديد ناهز الثالثة والعشرين من عمره، وحرمه كل عمل ومنع الناس من الاجتماع به، فأصبح أسيراً في قصره لاعمل له إلى أن توفي في 11محرم 355هـ. لم يترك كافور لولدي الإخشيد الفرصة لإظهار كفاءتهما، وماتا في ظروف غامضة، ولم يشعر بولايتهما أحد.

    وكان الوارث للحكم حفيد الإخشيد أحمد بن أبي الحسن، فحال كافور دون تعينيه لصغر سنه، وفي محرم 355هـ حصل على كتاب من الخليفة العباسي بتقليده الولاية، مقابل الدفاع عن سورية ومصر من هجمات الفاطميين والحمدانيين.

    خاطبه علية القوم بالأستاذ وذكر اسمه في الخطبة ودعي له بعد الخليفة على المنابر أيام الجمع والأعياد. وظل مستقلاً بالحكم سنتين وأربعة أشهر (من 10صفر 355 إلى 20جمادى الأولى 357هـ)، واجهته في بداية حكمه مشكلات داخلية وخارجية، ونجح بالقضاء على ثورة قام بها أهل مصر، وأصلح أحوالهم، فارتفع شأنه عند الناس.

    كان يدني الشعراء ويجيزهم. قصده المتنبي ومدحه سنة 346هـ فأعطاه أمولاً كثيرة، ومما قاله فيه:

    وأخلاق كافور إذا شئت مدحه وإن لم أشأ تُملى عليّ فأكتب

    إذا ترك الإنسان أهلاً وراءه ويمم كافوراً فما يتغرب

    فإن لم يكن إلا أبو المسك أوهُم فإنك أحلى في فؤادي وأعذب

    ولما لم ينل من كافور ما كان يطمح إليه من منصب أو ولاية خرج مغاضباً يوم عرفة 350هـ هارباً بعد أن هجاه بقوله:

    من علّم الأسود المخصّي مكرمةً أقومه البيض أم آباؤه الصيد

    أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود

    قاصداً عضد الدولة ابن الحسن بن بويه أمير الأمراء في بغداد.

    في السنة الأولى من حكمه تعرض ركب بلاد الشام ومصر والمغرب من الحجاج لغارات القرامطة، وكان ركباً عظيماً يزيد على الألف جمل معهم الأمتعة والذهب، ووقعت بمصر زلازل مروعة، وأغار ملك النوبة على مصر وعاث فساداً في البلاد الواقعة بين الشلال الأول وأخميم، وحاول المعز لدين الله رابع الخلفاء الفاطميين غزو مصر وسار بجيشه نحو الواحات، فتصدى له كافور وأوقف تقدمه ورده مدحوراً.

    استغل كافور الظروف السياسية التي كانت قائمة في أيامه لمصلحته، واستفاد من ضعف الخلافة في بغداد، ومن الخلاف الناشب بين أمراء الدويلات المجاورة، وتمكن من المحافظة على التوازن في الصراع القائم بين الدولة العباسية المتداعية والدولة الفاطمية النامية في تونس.

    توفي كافور في جمادى الأولى 357هـ ودفن بالقرافة الصغرى بالفسطاط، وقبته مشهورة، هناك وكتب على قبره:

    مابال قبرك ياكافور منفرداً بالصَحْصَحِ المَرْتِ بعد العسكر اللّجبِ

    يدوس قبرك آحاد الرجال وقد كانت أسود الشّرى تخشاك في الكتب

    (الصَحْصَحِ المَرْتِ: الصحراء الجرداء)

    ونودي بحفيد الإخشيد أبو الفوارس أحمد بن علي حاكماً، فانتهز المعز الفرصة، وأرسل قائده جوهر الصقلي وقضى على الدولة الإخشيدية سنة 358هـ.

    فايز الحموي
يعمل...
X