عندما تنفجر قنبلة، تنتشر الطاقة عشوائيًا في جميع الاتجاهات، فلماذا تفضي التفجيرات النووية إلى ما يُعرف باسم سحابة عيش الغراب ، بدلًا من كرة النار المتوسعة؟
على الرغم من أن انفجار الطاقة يشكّل مجالًا من الهواء الساخن على نحو أولي، وفقًا لما ذكرته كاتي لوندكويست، باحثة الهندسة الحاسوبية في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا، فإن هذه بداية فقط، ويعزى ذلك إلى اندفاع الهواء الساخن إلى الأعلى؛ فتشهد الغالبية العظمى من الكرة المتمثلة في العمود المتوسط -التي تشبه لب التفاحة- طفوًا أكبر من الحواف.
وقالت لوندكويست: «تتشكل الكرة عبر تموضع أكبر عمود من المائع منخفض الكثافة في المنتصف؛ فترتفع الجزيئات الأسرع حركة، تمامًا مثل منتصف الكاب كيك (الكعك المكوّب) الذي يرتفع في الفرن. وتشير لوندكويست أيضًا إلى أن الموائع تشمل الغازات والسوائل، إذ إن كليهما يتمتع بانسيابية وليس لهما شكل ثابت وتصف خصائصهما المجموعة نفسها من المعادلات الرياضية».
وعلى الرغم من ارتفاع الكرة بأكملها، إلا أن ارتفاع العمود الأوسط أكثر إلحاحًا، فإن الهواء الأكثر برودة خارج الكرة يبدأ في «الاندفاع إلى أسفل الفقاعة الصاعدة»، كما قالت لوندكويست.
ويؤدي هذا إلى تشويه الفقاعة الصاعدة لتتحول إلى شكل الطارة الهندسي، وتتحرك جزيئات الهواء الساخن بسرعة في حالتها النشطة، وترتد عن بعضها بسرعات عالية؛ فينتهي بها المطاف إلى صنع مساحة كبيرة بين الجزيئات؛ فتخلق المساحة الخاوية أقرب ما يكون إلى فراغ فيزيائي.
علقت لوندكويست: «يُمتص تيار من الموائع في الفراغ الذي يدفع بدوره الموائع إلى الأعلى، ما يشكل سحابة عيش الغراب في الأعلى والمنطقة المسطحة في الأسفل. يمتص التيار أيضًا غبار وحطام ما يشكل جذع سحابة عيش الغراب آنيًا مع إمداد التيار لرأس سحابة عيش الغراب».
وتوضح القنابل النووية والتجارب العلمية أن سحابة فطر عيش الغراب يمكن أن تتكون على الأرض، ولكن ماذا عن الفضاء؟
مثلًا، إذا فُجّرت القنبلة على القمر، فهل ستحدث سحابة عيش الغراب؟، تجيب لوندكويست على هذا الاستفسار بـ«لا».
وتضيف: «تحتاج سحابة عيش الغراب إلى غلاف جوي يحوي مائعًا كالغازات في الهواء حتى تتشكل، فلن تحدث السحابة من جراء نفسها في الفراغ. فضلًا عن كون بيئة القمر الخالية من الهواء غير قادرة على تشويه الكرة الأولية إلى طارة، إضافةً إلى عدم وجود اختلاف في كثافة الهواء لامتصاص عمود المادة هذا لتكوين السحابة».
وتمامًا مثلما توجد أنواع مختلفة من عيش الغراب، توجد أيضًا أنواع مختلفة من سحب عيش الغراب.
ستكتسب سحابة عيش الغراب خواص مختلفة تبعًا للعائد المتفجر من القنبلة النووية والارتفاع الذي تنفجر عنده، ومثال على ذلك، الانفجارات التي وقعت في مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان، مكونة من جزأين رئيسيين. ويتكون أحد الأجزاء من السحب البيضاء المتصاعدة، المؤلفة من النواتج المتبخرة للقنبلة نفسها والمياه المتكثفة من هواء المحيط. أما الجزء الآخر، هو جذع السحابة المتكون من مادة بنية اللون وحطام يمتد من الأرض، لكن الجزأين ليسا في اتصال تام كما توضح الصورة أدناه:
توضح لوندكويست قائلة: «ثمة سحابة غاية في البياض المميز في الأعلى تليها أخرى بنية أسفلها، لم يلتقِ رأس سحابة عيش الغراب مع جذعها جراء انفجار القنابل انفجارًا صاعقًا على علو شاهق، إذ انفجرت على ارتفاع 610 متر فوق سطح الأرض.
وعلى الرغم مما أفضت إليه القنابل النووية من كوارث، فإنها تُعد ضعيفة مقارنة بأسلحة نووية صُنعت فيما بعد، إذ بلغت قوتها قرابة 20 كيلو طن تي إن تي أو أقل، وفق ما صرحت به وزارة الطاقة الأمريكية، أما من الناحية الأخرى، فتبلغ قوة انفجار قنبلة القيصر النووية السوفييتية 50 كيلو طن تي إن تي».
تقول لوندكويست: «اندمج الجذع والرأس ليكونا شكل عيش الغراب التقليدي، ما يخالف القنابل النووية المختبرة التي كانت قوية وانفجرت قرب سطح الأرض».
وتدرس لوندكويست وزملاؤها في المختبر هذه التأثيرات حتى يتمكنوا -في حالة حدوث أزمة نووية- من تحديد مكان الجسيمات الإشعاعية للتنبؤ على نحو صائب بمقدار الغبار النووي المتساقط، ومن ثم تقديم إرشادات حول كيفية إدارة العواقب التي من شأنها حماية الصحة العامة».
بينما يلوح خطر نهاية نووية للعالم في الأفق، تحتوي الترسانة النووية اليوم لدول العالم مجتمعة على 10 آلاف قنبلة نووية، وهو أقل مما كانت عليه، إذ كانت 60 ألفًا في ثمانينيات القرن المنصرم، كما أوضحت نشرة علماء الذرة.