بينما يواصل الروائي جيمس إلروي الحط من قدر فيلم "إل أي سري للغاية" المقتبس من روايته الناجحة، نستعرض تاريخ هوليوود الطويل مع الكتاب الذين وافقوا على تحويل أعمالهم إلى أفلام، لتكون النتائج مخزية
جيفري ماكناب
قال كاتب الجريمة الأميركي جيمس إلروي مؤخراً عن فيلم "إل أي سري للغاية" LA Confidential الصادر عام 1997 للمخرج كيرتس هانسون والمقتبس من روايته المنشورة بالعنوان نفسه عام 1980: "أعتقد بأنه إخفاق على أعلى مستوى". قرر إلروي أنه يستطيع الآن التحدث بصراحة لأن مخرج الفيلم توفي منذ مدة طويلة.
من السهل فهم سبب عدم إعجاب الروائي بالفيلم، إذ إن كتب إلروي تنطلق من أماكن مظلمة للغاية، وهي مهووسة وعنيفة ومليئة بالجنس القذر والمتلصص. على النقيض من ذلك، تم تصوير فيلم هانسون - الذي أحبه معظم النقاد وفاز بترشيحات عدة في سباق الأوسكار - بألوان مشرقة وكان متفائلاً بشكل غريب على رغم قصته التي تتطرق إلى المخدرات والابتزاز والدعارة وفساد الشرطة الشديد. بدا الفيلم وكأنه يأخذ إيقاعه من التعليق الصوتي المبهج للراوي داني دي فيتو، الممثل الذي يلعب دور رئيس تحرير صحيفة شعبية تافهة للغاية على غرار صحيفة "ناشيونال إنكوايرر".
لم يعجب إلروي أيضاً باثنين من أبطال الفيلم، إذ اشتكى من أن راسل كرو كان "ضعيفاً" في دور الشرطي الشديد ويندل "بَد" وايت، كما أن رأيه لم يكن أفضل في كيم باسنجر بدور بائعة الهوى لين براكن التي تقدم خدماتها عبر الهاتف لرجال من مستويات رفيعة. لكن المشكلة الحقيقية على كل حال كانت أن هانسون جعل الشخصيات الرئيسة الثلاث - الضابط وايت والمحققان اللذان أداهما غاي بيرس وكيفن سبيسي - محبوبة للغاية لدرجة أن الجماهير تعاملت معها في نهاية المطاف على أنها شخصيات أبطال سينمائيين تقليديين، في حين أن إلروي ابتكرها كشخصيات فيها عيوب شديدة، ومن المؤكد أنه لم يردها أن تكون محبوبة.
هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها إلروي الفيلم. قال عام 2019: "إنه بعمق رغيف خبز رقيق... ليس له معنى من الناحية الدرامية". لكن في الأقل كان كريماً بما يكفي ليعترف بأنه "تقاضى مبلغاً جيداً" مقابل حصول الفيلم على الحقوق الفكرية لروايته. عند التوقيع على الحقوق، كان يخوض غمار اتفاق مع هوليوود على غرار ذلك الذي وقعه فاوست مع الشيطان والذي أبرمه عدد من المؤلفين الآخرين أيضاً قبله وبعده. من شبه المؤكد أن المؤلفين يعرفون أنه سيتم تكييف أعمالهم بطريقة تثير غضبهم، لكنهم يتغاضون عن ذلك، ويتجاوزون كبرياءهم، ويأخذون المال ويديرون ظهورهم. فهم لا يحصلون على أجرهم فقط، بل غالباً ما يعاد إصدار رواياتهم بالتزامن مع صدور الأفلام، ما يولد مزيداً من العائدات لهم. ما يتعين عليهم التخلي عنه في المقابل هو قليل من كمالهم وكل أحكامهم الفنية.
اشتكى الكاتب ترومان كابوت ذات مرة قائلاً: "في اليوم الذي وقعت على العقد بالضبط، غيروا موقفهم وفعلوا العكس تماماً"، بعدما قامت شركة "باراماونت بيكتشرز" بإنتاج نسختها المبهرجة من روايته القصيرة "إفطار عند تيفاني" Breakfast at Tiffany’s. يضيف: "لقد عينوا مخرجاً رديئاً مثل بليك إدواردز الذي يمكنني البصق عليه. كان الفيلم ذا أسوأ اختيارات للممثلين أراه في حياتي. جعلني أرغب في التقيؤ". وكما يشرح تايسون بيو في كتابه "ترومان كابوت: حياة أدبية في السينما" Truman Capote: A Literary Life at the Movies، ضغط كابوت بشدة من أجل إسناد دور بطلته هولي غولايتي إلى مارلين مونرو، لكن اختيرت أودري هيبورن بدلاً منها.
أضاف كابوت: "يبدو أن تحويل أحد أشكال الفن إلى شكل آخر هو مشروع فاسد ومبتذل إلى حد ما... نظراً إلى ماهية الطبيعة، فإن حالات المزاوجة التجريبية هذه يجب أن تفضي منطقياً إلى ذرية مشوهة. لماذا لا يمكن أن تكون الرواية مجرد رواية، والقصيدة قصيدة؟". وخلص إلى أن المعالجات السينمائية للروايات الأدبية كانت فكرة سيئة من جميع النواحي. لا يعني ذلك أنه منعه من تعريض قصصه لسياط هوليوود مجدداً أو كتابة سيناريوهات لأفلام تستند إلى كتب مؤلفين آخرين، على سبيل المثال، كتابته سيناريو فيلم "الأبرياء" The Innocents الذي أخرجه جاك كلايتون عام 1961 والمستند إلى رواية هنري جيمس القصيرة "دورة اللولب" The Turn of the Screw.
ستيفن كينغ هو مؤلف آخر تحدث بصراحة عن النسخ السينمائية من رواياته - حتى بعد منح صانعي الأفلام حقوق تحويلها. لم يعجبه النهج الذي اتبعه ستانلي كوبريك في فيلم "البريق" The Shining (1980)، إذ أخبر الصحافيين أن المخرج كان يحاول صنع فيلم رعب "من دون فهم واضح لهذا النوع السينمائي". اعترف بأن فيلم كوبريك كان مصنوعاً بشكل رائع لكنه شبهه بـ "سيارة كاديلاك كبيرة وجميلة لكنها لا تحتوي على محرك بداخلها".
كما أنه لم يكن معجباً بفيلم "مُشعلة النار" Firestarter (1984)، وهو اقتباس آخر لإحدى رواياته، إذ لعبت درو باريمور دور فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات لديها القدرة على إشعال النار. قال متذمراً: "إنه مثل البطاطا المسلوقة التي تحصل عليها في الكافتيريا" في تعبيره عن حيرته من بدء شعر باريمور بالالتفاف في كل مرة تستخدم قواها النارية الخارقة.
في فئة الأفلام العائلية، كانت بي إل ترافيرز متشككة بشدة في التحول الذي أجراه والت ديزني على أشهر شخصياتها الأدبية، ماري بوبينز Mary Poppins. جعلت "ديزني" ترافيرز غنية جداً، لكنها سلبتها ابتكارها بهذه العملية. كما كتبت فاليري لوسون في سيرتها الذاتية عن الروائية، فإن قطب هوليوود "لم يشتر قصة ماري بوبينز فحسب، بل ابتلعها بالكامل، كما تبتلع سمكة قرش سمكة صغيرة. أصبحت تعرف رسمياً بـ ’ماري بوبينز من والت ديزني‘".
كلفت الكاتبة مهمة "مستشارة" وتم تجاهل معظم اقتراحاتها للفيلم تماماً. تكتب لوسون: "الشرطان اللذان لم تتراجع عنهما أبداً هما أن تدور أحداث الفيلم في الفترة الإدواردية، وألا توجد علاقة غرامية بين ماري وبيرت، فنان الشارع". احترمت ديزني رغباتها، ومع ذلك كانت العلاقة بين المربية التي لعبتها جولي أندروز ومنظف المداخن الذي جسده ديك فان دايك "أقرب كثيراً مما كانت تحب".
حقق الفيلم نجاحاً كبيراً، واستفادت ترافيرز من نجاحه المالي، لكنها أسرّت لناشرها اللندني أن "ديزني بكل ما للكلمة من معنى، مذهل بصرياً ومليء بالألوان ورائع، لكنه مبني حول فهم بسيط [و] رؤية ضعيفة". كما أنها لم تحب رسوم البطاريق المتحركة ولا الأغنيات.
يتم سرد قصة العلاقة المتوترة بين ديزني وترافيرز على الشاشة في فيلم "إنقاذ السيد بانكس" Saving Mr Banks (2013) من بطولة توم هانكس وإيما طومسون. كان الفيلم مدعوماً من ديزني، بالتالي هو نسخة مفلترة إلى حد ما من الحكاية، لكنه لا يزال يمثل نموذجاً للآلام التي يتحملها المؤلفون عندما يرون أعمالهم يتم التلاعب بها بين أيدي منتجي الأفلام الكبار السيئين مثل العم والت.
في حالات قليلة جداً، يتستطيع الروائيون بطريقة ما التحكم بزمام الأمور. واحدة من أبرز الأمثلة وأكثرها إثارة للدهشة هي جيه كيه رولينغ مع أفلام "هاري بوتر" Harry Potter. كانت تلك الأم العازبة الفقيرة التي كتبت المسودات الأولى الطويلة وغير المنظمة لأول رواية من سلسلة هاري بوتر في مقاهي إدنبره، لكن عندما حولت "وورنر بروس" هاري بوتر إلى أفلام ظلت مخلصة بشكل ملحوظ لرؤية الكاتبة. أدرك المخرجون أن محبي كتب رولينغ سينفرون إذا انحرفت الأفلام كثيراً عن رؤيتها الأصلية. لم تكن لديها حقوق تعاقدية على الفيلم، لكن المنتجين كانوا ملتزمين بها أكثر مما فعلت ديزني مع بي إل ترافيرز.
تمت استشارة رولينغ تقريباً في كل جانب من جوانب النسخة السينمائية من عالم هوغورتس. قامت الكاتبة بمراقبة الجودة، ما ضمن للأفلام أن ترقى إلى مستوى توقعات أولئك الذين أحبوا الكتب. أخبرني أحد التنفيذيين السابقين في وورنر بروس عن اهتمام رولينغ بأدق التفاصيل: "ما يجعلها استثنائية هي معرفتها المباشرة بهذا العالم، هذا الكون الذي أنشأته في الكتب... في لحظة ما هي شخص طبيعي تماماً يمشي في الشارع ويذهب إلى التسوق، لكن عندما تتحدث عن الكتب، يمكنها الانتقال بلمح البصر إلى ذلك العالم، مثلما كان يفعل [تشارلز] ديكنز على ما أظن".
من المعروف أنه يصعب تحويل الأدب المتخيل إلى الشاشة، كما أشار بريت إيستون إليس عن تحويل روايته "مختل أميركي" American Psycho: "هذا الكتاب غير قابل للتحويل لأنه يتناول موضوع الوعي، ولا يمكنك حقاً تصوير ذلك الإحساس". عام 2000، حُولت رواية "مختل أميركي" إلى عمل سينمائي ناجح على يد المخرجة ماري هاريسون التي أسندت دور المختل المترف باتريك بيتمان إلى كريستيان بيل. لكن المؤلف شعر بأن النسخة السينمائية كانت مجرد مقاربة خام من كتابه. قال ذات مرة: "إنك تحصل على نسخة مخففة ومستهلكة منه بطريقة ما... إذا كنت قد كتبت رواية، فقد كتبت رواية لأنها رواية".اعترف كاتب أو اثنان آخران بأن المعالجات السينمائية تأخذ عمله إلى عالم جديد حيث لا يستطيع الأدب اقتحام غماره ببساطة. قال كاتب الخيال العلمي جيه جي بالارد ذات مرة، عند مناقشة القوة النفسية الجماعية للسينما: "ربما لا تزال الكتب تقرأ بأعداد كبيرة، لكن الأفلام تتغلغل في الأحلام".
يتحدث النقاد عن بديهية أن "الروايات العظيمة تنتج أفلاماً سيئة". هناك أمثلة كثيرة تدعم هذه الفرضية. اعتُبر كتاب "نار الغرور" The Bonfire of the Vanities لـتوم وولف الرواية المثالية في ثمانينيات القرن الماضي، إذ إنها تكشف عن العنصرية والغطرسة والجشع بين تجار السندات والمصرفيين في وول ستريت. فيلم المخرج بريان دي بالما الذي جاء بعد ذلك بالعنوان نفسه عام 1990، كان كارثة في شباك التذاكر ومكروهاً من قبل النقاد. كان تحويل كتاب وولف المتشعب إلى فيلم مدته ساعتان أمراً يفوق قدرات صانعي الأفلام. هناك أمثلة كثيرة على ذلك. "عمل فاشل لكل العصور"، كان حكم مجلة "رولينغ ستون" على النسخة السينمائية التي قدمها المخرج جون كراولي عام 2019 من رواية "الحسون" The Goldfinch الحائزة على جائزة "بوليتزر" للكاتبة دونا تارت، حول حياة صبي مراهق يخرجها الإرهاب عن مسارها.
بمجرد إلقاء نظرة على قائمة الأعمال الفائزة بجائزة "بوكر" على مدى الـ40 عاماً الماضية ستجدون عدداً قليلاً نسبياً من الكتب التي أفرزت أفلاماً ناجحة. الاستثناءات هي "المريض الإنجليزي" The English Patient و"حياة باي" Life of Pi و"بقايا اليوم" The Remains of the Day و"لائحة شندلر" Schindler’s List. تم تحويل بعضها الآخر إلى مسلسلات تلفزيونية ناجحة، على سبيل المثال رواية "قصر الذئاب" Wolf Hall لـ هيلاري مانتل، لكن عدداً منها إما قوبل بتجاهل صناع الأفلام أو تم تحويله إلى نسخ سينمائية غير ناجحة اختفت من دون أن تترك أثراً.
لا يعني ذلك أن المؤلفين يعانون عندما تتخبط الأفلام، فهم نادراً ما يتحملون اللوم. ما حدث مع إلروي في رواية "إل أي سري للغاية" جعله واحداً من القلائل المحظوظين الذين كتبوا رواية ناجحة ولّدت فيلماً ناجحاً. قال ذات مرة: "لقد اعتقدنا بأن هذه الرواية اللعينة كانت عصية على التحويل... كانت ضخمة، كانت سيئة، كانت مجردة من الشخصيات التي تثير التعاطف". عندما تم تحويل الرواية بالفعل، كره الفيلم على رغم استفادته المادية منه. بعد ربع قرن، لا يزال الفيلم الذي يبغضه كثيراً يجذب قراء جدداً إلى روايته. كلما اشتكى من الفيلم، كلما صب ذلك في مصلحته أكثر.