م يكن العالم الذي نعرفه ليوجد لولا الماء، ولكن مقارنةً بالسوائل الأخرى يُعَد الماء غريبًا جدًّا، وكما اتضح الآن فإنه حتى أغرب مما كنا نعتقد. فقد أثبت علماء يابانيون أن للماء تركيبين جزيئيين مختلفين في حالته السائلة، أحدهما بنية رباعية الأسطح والآخر ليس كذلك.
قد يكون لهذا الاكتشاف أثر على معرفتنا بالأنظمة الحيوية المعتمدة على الماء السائل.
يوجد الماء في كل مكان على الأرض، فكوكبنا رطب جدًّا مقارنةً بباقي كواكب المجموعة الشمسية. إننا نستحم به، ونشربه، ونسرف في استهلاكه هنا وهناك خاصةً صيفًا. وتعتمد الحياة بأسرها عليه.
يتمتع الماء بخاصية كثافة غريبة، إذ تزداد كثافة جميع السوائل عندما تبرد، وتصبح في حالتها المتجمدة أكثر كثافةً من السائل. على عكس الماء الذي يصل إلى أقصى كثافة له عند درجة حرارة 4 مئوية.
وكلما انخفضت درجة الحرارة عن ذلك تقل الكثافة، وعند درجة التجمد (صفر مئوية) يصبح أقل كثافةً من الماء السائل، لذلك يطفو الجليد فوق سطح الماء.
إضافةً إلى ذلك، يتمتع الماء بتوتر سطحي مرتفع (يأتي في المرتبة الثانية بعد الزئبق). وله درجتا انصهار وغليان مرتفعتان للغاية. ويُعَد ذوبان العديد من المواد الكيميائية في الماء خاصيةً غريبةً أيضًا.
سنة 2018، أثبت علماء من المملكة المتحدة واليابان أن لهذه الظواهر الغريبة علاقة بالتنسيق رباعي الأسطح tetrahedral arrangementلجزيئات الماء في حالته السائلة. ما يعني أن كل جزيء ماء يرتبط بروابط هيدروجينية مع 4 جزيئات أخرى في شكل هرمي.
التركيب الهرمي رباعي الأسطح لجزيء الماء في الحالة السائلة
ما زالت بنية الماء محل نقاش. يقترح أحد النماذج أن بنية جزيئات الماء أحادية النسق، فهي رباعية الأسطح دائمًا، في حين يقترح نموذج آخر أن بنية الماء ثنائية النسق bimodal، إذ يوجد في بنيتين، إحداها فقط رباعية الأسطح tetrahedrons.
لحل هذه المعضلة، أجرى علماء من جامعة طوكيو محاكاةً حاسوبيةً، إضافةً إلى تجارب على السيلكا السائلة، المعروفة بامتلاكها تنسيقًا جزيئيًّا رباعي الأسطح أيضًا.
اعتمدت هذه التجارب على حيود الأشعة السينية. واستخدام طريقة تبعثر الذرات في جزيئات السائل بفعل الأطوال الموجية القصيرة في توقع تنسيق هذه الجزيئات.
نظر العلماء تحديدًا إلى قمم الانحراف peaks in the diffraction. ووجدوا أن اثنتين من القمم المتداخلة كانتا مختفيتين ضمن ما بدت أنها أول قمة انحراف.
إحدي هذه القمم كانت متسقةً مع المسافة بين ذرات الأكسجين في السائل العادي. والأخرى كانت متسقةً مع وجود مسافات بين ذرات الأكسجين أطول مما هو موجود في التنسيق الجزيئي رباعي الأسطح.
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «لقد أظهرنا أول دليل واضح في عامل البنية على الوجود الديناميكي لنوعين من البُنى المحلية، ويدعم ذلك وصف حالة الماء ثنائي البنية».
قد يكون لهذه النتائج تطبيقات في البيولوجيا الجزيئية والكيمياء والأدوية، إضافةً إلى التطبيقات الصناعية.