محمد سلطان (حيوس)
Mohammad ibn Sultan (Ibn Hayous-) - Mohammad ibn Sultan (Ibn Hayous-)
محمد بن سلطان (ابن حَيُّوس ـ)
(349 ـ 473هـ/1003ـ 1081م)
محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس الغَنَوي الدمشقي، الأمير أبو الفِتْيان مصطفى الدولة، الأديب الشاعر المشهور، دُعي بالأمير لأن أباه كان من أمراء العرب، يرجع نسبه إلى قبيلة «غَنِي بن أَعْصر» النجدية التي نزح بعضها إلى العراق والشام، فكان جده حيّوس من أعيان دمشق، وعلى قدر من الوجاهة والعلم والثراء.
وُلد ابن حيّوس في دمشق، ونشأ في نعمة ويُسر، فتلقى مبادئ علوم الدين واللغة من أهله، وحفظ القرآن الكريم، وأخذ الحديث والفقه عن خاله القاضي ابن الجندي الغساني، وعن علماء دمشق وأدبائها، فحصّل ثقافة كبيرة من معارف عصره، وروى عنه بعض أهل العلم، وكُلّف الإشراف على الفرائض والتزويجات.
عاش في عصر مضطرب، تعصف به الفِتن والثورات، كانت فيه بلاد الشام تابعة للدولة الفاطمية، تعارضها بين وقت وآخر حركات محلية، تقودها عصبيات عربية تنزع إلى الاستقلال عنها، حتى خرجت عن سيطرة الدولة الفاطمية، فكان ابن حيّوس ينتقل بين حاضرة وأخرى، فأقام في القاهرة وطرابلس الشام قبل أن يستقر أخيراً في حلب، واتصل في حياته بقادة الدولة الفاطمية وأمراء بلاد الشام، فنال القبول عندهم لشرفه وعلمه وجودة مدحه، وقدّموه على شعراء عصره الذين حسدوه على مكانته عند أهل الدولة وكثرة عطائهم له، وظهر في شعره أنه كان يناصر الدولة الفاطمية، وينافح عن عقيدتها عندما كان على صلة بخلفائها وقادتها، حتى إذا استقر في حلب انقطع إلى أصحابها «بني مِرْداس» فمدحهم وعاش في ظلالهم إلى أن توفي.
كان ابن حيّوس من فحول شعراء زمانه ومجيديهم، وعُدّ شاعر بلاد الشام بعد أبي العلاء المعري، أُعجب معاصروه بشعره، وردّدوه لفصاحته ومتانته وانسجامه، ومجيئه على سوية واحدة، وخلوّه من التفاوت والاختلاف، ولإحياء طريقة أعلام الشعر العباسي كأبي تمام والبحتري، فأشادوا به واعتنوا بديوانه واختاروا منه، وقد لزمه الشاعر المشهور ابن الخياط الدمشقي، وأخذ عنه طريقته الشعرية.
حوى ديوان ابن حيوس معظم أغراض الشعر المعروفة وموضوعاته مثل الغزل والوصف والرثاء، وله شعر في تذكر دمشق والحنين إليها بعد مغادرتها، لكن المدح هو فنه الشعري الأول الذي أجاده وبرع فيه وحلّق، فأمّن له القبول والإكرام أينما حل على اختلاف مشارب أصحاب البلاد وتوجهاتهم، حتى أثرى وأثّل.
اتسم شعره بالقوة والجزالة مع التدفق والإطالة، جمع بين الميل إلى الإغراب والجنوح نحو الصنعة البديعية باعتدال ومن غير إفراط في أحدهما، وأكثر فيه التصوير والتشبيه وتوليد المعاني وابتكارها، وعمد إلى المقابلة والتقسيم واستخدام الجناس في انسجام ظاهر بين هذه المكونات.
ويغلب على شعره التأمل وطول التفكير في بناء المعاني وتركيب الصور، والتأني في إخراجه بعد المراجعة والتهذيب مع شيء من المبالغة لتصل المعاني إلى حدودها القصوى.
من شعره قوله في قصيدة مدح:
رغبت بنفسي أن أكون مُصاحباً
أناساً إذا قِيدوا إلى الضيم أصحبوا
فجاورت مَلكاً تستهل يمينه
ندًى حين يرضى أو ردًى حين يغضب
تدور كؤوس الحمد حيناً فينتشي
وطوراً تصِلُّ المرهفات فيطرب
خلائق كالماء الزلال وتحتها
من العزم والإقدام نار تلهب
فهل لك فيمن لا يشينك قُربه
ويُعرب إن أثنى عليك ويُغرب
إذا صاغ مدحاً خِلته من مزينة
وتحسبه من عُذرة حين ينسب
قوافٍ هي الخمر الحلال وكأسها
لساني ولكن بالمسامع تُشرب
محمود سالم محمد
Mohammad ibn Sultan (Ibn Hayous-) - Mohammad ibn Sultan (Ibn Hayous-)
محمد بن سلطان (ابن حَيُّوس ـ)
(349 ـ 473هـ/1003ـ 1081م)
محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس الغَنَوي الدمشقي، الأمير أبو الفِتْيان مصطفى الدولة، الأديب الشاعر المشهور، دُعي بالأمير لأن أباه كان من أمراء العرب، يرجع نسبه إلى قبيلة «غَنِي بن أَعْصر» النجدية التي نزح بعضها إلى العراق والشام، فكان جده حيّوس من أعيان دمشق، وعلى قدر من الوجاهة والعلم والثراء.
وُلد ابن حيّوس في دمشق، ونشأ في نعمة ويُسر، فتلقى مبادئ علوم الدين واللغة من أهله، وحفظ القرآن الكريم، وأخذ الحديث والفقه عن خاله القاضي ابن الجندي الغساني، وعن علماء دمشق وأدبائها، فحصّل ثقافة كبيرة من معارف عصره، وروى عنه بعض أهل العلم، وكُلّف الإشراف على الفرائض والتزويجات.
عاش في عصر مضطرب، تعصف به الفِتن والثورات، كانت فيه بلاد الشام تابعة للدولة الفاطمية، تعارضها بين وقت وآخر حركات محلية، تقودها عصبيات عربية تنزع إلى الاستقلال عنها، حتى خرجت عن سيطرة الدولة الفاطمية، فكان ابن حيّوس ينتقل بين حاضرة وأخرى، فأقام في القاهرة وطرابلس الشام قبل أن يستقر أخيراً في حلب، واتصل في حياته بقادة الدولة الفاطمية وأمراء بلاد الشام، فنال القبول عندهم لشرفه وعلمه وجودة مدحه، وقدّموه على شعراء عصره الذين حسدوه على مكانته عند أهل الدولة وكثرة عطائهم له، وظهر في شعره أنه كان يناصر الدولة الفاطمية، وينافح عن عقيدتها عندما كان على صلة بخلفائها وقادتها، حتى إذا استقر في حلب انقطع إلى أصحابها «بني مِرْداس» فمدحهم وعاش في ظلالهم إلى أن توفي.
كان ابن حيّوس من فحول شعراء زمانه ومجيديهم، وعُدّ شاعر بلاد الشام بعد أبي العلاء المعري، أُعجب معاصروه بشعره، وردّدوه لفصاحته ومتانته وانسجامه، ومجيئه على سوية واحدة، وخلوّه من التفاوت والاختلاف، ولإحياء طريقة أعلام الشعر العباسي كأبي تمام والبحتري، فأشادوا به واعتنوا بديوانه واختاروا منه، وقد لزمه الشاعر المشهور ابن الخياط الدمشقي، وأخذ عنه طريقته الشعرية.
حوى ديوان ابن حيوس معظم أغراض الشعر المعروفة وموضوعاته مثل الغزل والوصف والرثاء، وله شعر في تذكر دمشق والحنين إليها بعد مغادرتها، لكن المدح هو فنه الشعري الأول الذي أجاده وبرع فيه وحلّق، فأمّن له القبول والإكرام أينما حل على اختلاف مشارب أصحاب البلاد وتوجهاتهم، حتى أثرى وأثّل.
اتسم شعره بالقوة والجزالة مع التدفق والإطالة، جمع بين الميل إلى الإغراب والجنوح نحو الصنعة البديعية باعتدال ومن غير إفراط في أحدهما، وأكثر فيه التصوير والتشبيه وتوليد المعاني وابتكارها، وعمد إلى المقابلة والتقسيم واستخدام الجناس في انسجام ظاهر بين هذه المكونات.
ويغلب على شعره التأمل وطول التفكير في بناء المعاني وتركيب الصور، والتأني في إخراجه بعد المراجعة والتهذيب مع شيء من المبالغة لتصل المعاني إلى حدودها القصوى.
من شعره قوله في قصيدة مدح:
رغبت بنفسي أن أكون مُصاحباً
أناساً إذا قِيدوا إلى الضيم أصحبوا
فجاورت مَلكاً تستهل يمينه
ندًى حين يرضى أو ردًى حين يغضب
تدور كؤوس الحمد حيناً فينتشي
وطوراً تصِلُّ المرهفات فيطرب
خلائق كالماء الزلال وتحتها
من العزم والإقدام نار تلهب
فهل لك فيمن لا يشينك قُربه
ويُعرب إن أثنى عليك ويُغرب
إذا صاغ مدحاً خِلته من مزينة
وتحسبه من عُذرة حين ينسب
قوافٍ هي الخمر الحلال وكأسها
لساني ولكن بالمسامع تُشرب
محمود سالم محمد