كالفن (جان) Calvin (Jean-) - Calvin (Jean-)
كالڤن (جان ـ)
(1509 ـ 1564)
جان كالڤن Jean Calvin مصلِح ديني ولاهوتي فرنسي، وأحد أبرز زعماء حركة الإصلاح الديني [ر] Reformation. وهو مؤسس المذهب الكالفيني Calvinism المنتشر في سويسرا وفرنسا. ولد في نويون Noyon بمقاطعة بيكارديا Picardie في شمال شرقي فرنسا، لأسرة كاثوليكية. استوطن في جنيف (سويسرا)، وأراد أن يجعل منها مدينة مثالية، فأسس دولة ذات حكومة دينية جزئياً، أخضع فيها السلطات العلمانية للكنيسة[ر] church، وعمل على تطبيق النظام بطريقة صارمة، فصار «الدكتاتور» الفعلي للمدينة عام 1541. حصل على جنسية مدينة جنيف قبل وفاته بأربع سنوات.
كان أبوه مندوباً كنسياً مكلفاً الإشراف على ممتلكات الكنيسة في نويون، أرسله وهو في الرابعة عشرة من عمره إلى باريس لدراسة اللاهوت[ر] theology، فدرس في كلية المارش Collège de la Marche وتعلم اللاتينية، ثم التحق بكلية مونتيغو Montaigu في باريس (1523ـ1527)، وقيد اسمه بالصيغة اللاتينية يوهانس كالفينوس Ioannis Calvinus، واتصل هناك بأوساط الحركة الإنسانية حول إراسموس[ر] Erasmus، وانكبّ على قراءة كتاب «الأقوال» لبطرس اللومباردي Peter Lombard، وبعض مؤلفات آباء الكنيسة؛ خاصة أوغسطين[ر] Augustine ويوحنا الذهبي الفم. واطلع على كتابات مارتين لوثر[ر]Martin Luther وفيليب ميلانختون[ر] Phillipp Melanchthon، وعلى الرغم من انتشار التعاليم البروتستنتية[ر] Protestantism، بقي مخلصاً للكنيسة الكاثوليكية Catholic.
دفعه والده إلى العزوف عن اللاهوت ودراسة القانون المدني في أورليان Orleans عام 1928، فدرسه، وتشرّب المناهج الحقوقية الجديدة، واكتسب معرفة عميقة بالقانون الروماني، وحصل على درجة «الليسانس» في القانون عام 1532. عاد بعدها إلى باريس لدراسة الأدب الكلاسيكي، وتحول هناك فجأة إلى البروتستنتية عام 1534، فنزل عن امتيازاته الكهنوتية[ر]؛ لينضوي تحت لواء الإصلاح الديني، وصار من أشد أتباع لوثر، وأصبحت حياته في باريس عرضة للخطر، فسافر إلى بازل Basel (سويسرا) عام 1535، حيث عاش تحت اسم مستعار ماريانوس لوكانيوس Marianus Lucanius، وتابع نشاطه فيها، وأنجز كتابه الرئيس «أسس الدين المسيحي» Institutes of the Christian Religion باللاتينية (1536)، وحقق نجاحاً كبيراً بوصفه المتن المعتمد لحركة الإصلاح الديني الفرنسي، دافع فيه عن العقيدة البروتستنتية التي اضطهد الملك فرنسوا الأول ـ ملك فرنسا ـ كثيراً من معتنقيها.
استقرّ في جنيف، وعمل هناك مستشاراً مع غيّوم فاريل Guillaume Farel ء(1486ـ1565) الزعيم الروحي لأنصار حركة الإصلاح الديني، وتعاون معه على تنظيم كنيسة إصلاحية فيها. ثم أصدر أوامر لتنظيم مجتمع جنيف دينياً، وأدخل قواعد متشددة في الدين، فأخضع تنظيم الكنيسة والعبادة والتعليم واعتراف الإيمان لرقابة مجالس المدينة. فثار أهل المدينة عليه، وطرده مجلس المدينة عام 1938. استقر في ستراسبورغ أهم المراكز البروتستنتية الأوربية؛ تلبية لدعوة الإنساني واللاهوتي مارتين بوسر Martin Bucer، حيث أمضى ثلاث سنوات؛ عمل فيها على تعميق معارفه اللاهوتية، وبناء تصوراته الكهنوتية، فوضع طقوساً جديدة liturgy، اعتمدتها فيما بعد كنائس جنيف وفرنسا البروتستنتية. عُيِّن أستاذاً في المدرسة العليا، فعلَّم إنجيل يوحنا ورسائل بولس الرسول[ر] St.Paul، وتمكّن بفضل أهل ستراسبورغ من الاتصال بالبروتستنتية الألمانية، فالتقى ميلانختون عام 1539 في فرانكفورت في المناقشات التي جرت لإعادة توحيد الكنيسة.
وعندما تفاقم الوضع في جنيف، ولحق الكنيسة بعض الخلل والاضطراب، عاد كالڤن إليها عام 1541 بإلحاح من مجلس المدينة؛ ورغبة منه في تحويل جنيف إلى مركز للدعاية البروتستنتية. فصار واعظاً ومعلّماً وراعياً لكنيسة جنيف الإصلاحية، واشتد في الأوامر والنواهي الدينية وتطبيقها حتى بات طاغية مستبداً باسم الدين، تميز بالقسوة والصرامة والتعصب تجاه جميع العقائد الدينية الأخرى، وارتكب جرائم بشعة في حق حرية الضمير عند الأفراد، كان أبرزها أمره بإحراق الطبيب واللاهوتي الإسباني ميشيل سرفيتوس Michael Servetus ء(1511ـ1553) لإنكاره عقيدة التثليث وألوهية المسيح.
ترك كالڤن وراءه نتاجاً ضخماً تعاظم تأثيره وامتد إلى ما وراء جنيف، لتسمى باسمه الكنائس البروتستنتية في أوربا وأمريكا قاطبة. فوضع أول مؤلفاته Commentary on De Clementia عام 1532 وهو شرح لكتاب الفيلسوف والمسرحي الروماني سينيكا[ر] Seneca، كما حرّر رسائل مهمة تتضمن تعليقات حول «العهد القديم» و«العهد الجديد» وعدداً كبيراً من الرسائل والكتيبات الخاصة حول مختلف مظاهر الإصلاح، ومواعظ حول رسائل القديس بولس. ويبقى أهم أعماله على الإطلاق كتابه «أسس الدين المسيحي»، الذي ضمنه رأيه في »الوصايا العشر« وعقيدة الحواريين والعشاء الأخير والطقوس الدينية (مثل التعميد)، وهاجم فيه الطقوس الزائفة، كما أضاف فصلاً عن الحرية المسيحية وسلطة الكنيسة والسلطة المدنية. وامتاز الكتاب بعرضه المنطقي والشمولي لفكر الإصلاح الديني؛ وبكماله الأدبي وتلاحم أفكاره وترتيبها. فترجمه كالڤن إلى الفرنسية، ثمّ أجرى عليه تنقيحات متواصلة ضمّها حصيلة تأملاته وتجاربه؛ ليخرج بصورته المثلى، وهكذا تضخم كتاب عام 1536 حتى صار سفراً في أربعة مجلدات وثمانين فصلاً (1559ـ1560).
نشر كالڤن عام 1539 كتابه «الشروح على رسالة بولس إلى أهل رومية»، وأتبعها بتصانيف مهمة أخرى كمقالة حول «العشاء السري» عام 1541. وإضافة إلى شروحه ومواعظه اليومية كتب كالڤن باللاتينية «الدفاع عن مذهب جبرية الاختيار» ( 1542)، وبالفرنسية «مقالة الذخائر» (1543)، وأتبعهما «الرّد على شيعة الزنادقة الخيالية» (1545)، كما كتب «مقدمات لخلاصة ميلانختون» ولـ«توراة جنيف»، و«تتمة الشروح التوراتية» التي شملت أسفار موسى الخمسة وسفر يشوع والمزامير وسفر الأنبياء والعهد الجديد كله باستثناء رؤيا يوحنا.
وحرّر كالڤن بعض المقالات دفاعاً عن المذهب، فكتب «مقالة الفضائح»(1550) ضدّ الانحرافات الوثنية، و«مقالة في الجبر الأزلي» (1552)، ثم كتب بالفرنسية «الإجماع حول ألوهية يسوع المسيح» (1560). ثم نشر في السنتين الأخيرتين من حياته دروساً حول الأنبياء، وسمح بطباعة مجموعات عدة من المواعظ حول العديد من أسفار التوراة. وقد ترك أكثر من 1300 رسالة وجهها إلى بروتستنتيي فرنسا وأوربا.
توّج عمله في عام 1559 بإنشائه أكاديمية جنيف التي صارت مركزاً للدراسات الإنسانية واللاهوتية للطائفة البروتستنتية الناطقة باللغة الفرنسية، وتولى كالفن فيها تدريس اللاهوت.
تأثر كالڤن بالرواقية[ر] وبالأفلاطونية الجديدة لتأثره بالقديس أوغسطين St.Augustine، وارتكزت أفكاره الفلسفية واللاهوتية على إنكار ثلاثة مذاهب: المؤلهة deism ووحدة الوجود أو الحلول pantheism وحرية الإرادة الإنسانية. وتأثر مذهبه اللاهوتي بتعاليم لوتر وزفينغلي (تْسفينغلي)[ر] Zwingli واستطاع فرض مفهومه عن الإصلاح، وحدد مبادئه بأسلوب واضح: فأكد قدرة الله المطلقة، وشدد على سلطة الكتاب المقدس الوحيدة مرجعيةًً لجميع مسائل الإيمان والعقيدة، وأنكر بعض المبادئ الكاثوليكية كسلطة البابا، وصكوك الغفران.
عمل كالڤن على إعادة تنظيم الكنيسة وتعيين مجلس قائم على شؤونها، وصياغة قانون كنسي جديد، وتقسيم الخدمة الدينية بين كهان أبرشيات ومعلمين وشيوخ كنيسة من المدنيين والشمامسة، وتنظيم عملية الوعظ، وتأكيد حظر الرسامات الأسقفية وتنصيب القساوسة. وسعى لتعميق دور الحياة الروحية وسيادة السلطة الدينية على السلطة المدنية، فصار قانون الدولة المسيحي هو الكتاب المقدس[ر] بعهديه القديم والجديد. وناقش كالڤن المسائل اللاهوتية الأساسية: كمعرفة الله بصفته خالقاً ورباً، والعناية الإلهية ونظرية الخلاص الإلهي وما تنطوي عليه من فكرة الاصطفاء الأزلي، والقضاء والقدر، بمعنى أن الله قدّر الخلاص على بعض البشر، واللعنة على بعضهم الآخر؛ بعلمه وتقديره المسبق. كما ناقش مبادئ الإيمان ومظاهره (التوبة والحياة المسيحية والتبرير والصلاة)، ونظرية التبرير بالإيمان ومزايا الأعمال، والغفران بالنعمة الإلهية، وعبودية الإرادة والخطيئة الأصلية للإنسان، وناقش الطقوس والأسرار المقدسة (التعميد والقربان المقدس)، فطرح صورة أخرى للعشاء الرباني كانت وسطاً بين ما يراه لوثر وزفينغلي، فقال: «إن المسيح لم يتمثل في العشاء رمزاً ولا جسداً، بل كان تمثله روحاً فقط».
وتعدّ مواقف كالڤن السياسية والاجتماعية متمايزة جداً عن مواقف لوثر، فقد أقر أهداف المجتمع المدني، واهتم بإصلاح المؤسسات الاجتماعية والتربية والتعليم العام، وفرض نظماً سلوكية وأخلاقية صارمة على الأفراد. وفي المضمار الاقتصادي؛ شجع كالڤن التجارة والصناعة، ووضع أحكاماً للإقراض الرَبَوي مع بعض الاستثناءات وفقاً لقاعدة العدالة والإنصاف، فأسهم في زعزعة المجتمع والنظام اللذين أرسيت أسسهما في القرون الوسطى، وسوّغ المشروع البورجوازي في عصر التراكم الرأسمالي البدائي.
عرف مذهبه باسم الكالفينية التي كان لها أثر عظيم في سيطرة فكره على الكنيسة المشيخية presbyterianism الاسكتلندية، والكنيسة الأمريكية، والأبرشية الكالفينية Congregationalism في المستعمرات الأمريكية. كما نجحت الكالفينية في تأسيس كنائس لها في بوهيميا ومورافيا وهنغاريا وبولندا. و شهد القرن العشرون محاولة لإحياء فكر كالفان فيما يسمى باللاهوت الطبيعي المحدث على يد كارل بارت Karl Barth ء(1886ـ1968)، وإميل برونَّر Emile Brunner.
سوسن بيطار
كالڤن (جان ـ)
(1509 ـ 1564)
جان كالڤن Jean Calvin مصلِح ديني ولاهوتي فرنسي، وأحد أبرز زعماء حركة الإصلاح الديني [ر] Reformation. وهو مؤسس المذهب الكالفيني Calvinism المنتشر في سويسرا وفرنسا. ولد في نويون Noyon بمقاطعة بيكارديا Picardie في شمال شرقي فرنسا، لأسرة كاثوليكية. استوطن في جنيف (سويسرا)، وأراد أن يجعل منها مدينة مثالية، فأسس دولة ذات حكومة دينية جزئياً، أخضع فيها السلطات العلمانية للكنيسة[ر] church، وعمل على تطبيق النظام بطريقة صارمة، فصار «الدكتاتور» الفعلي للمدينة عام 1541. حصل على جنسية مدينة جنيف قبل وفاته بأربع سنوات.
كان أبوه مندوباً كنسياً مكلفاً الإشراف على ممتلكات الكنيسة في نويون، أرسله وهو في الرابعة عشرة من عمره إلى باريس لدراسة اللاهوت[ر] theology، فدرس في كلية المارش Collège de la Marche وتعلم اللاتينية، ثم التحق بكلية مونتيغو Montaigu في باريس (1523ـ1527)، وقيد اسمه بالصيغة اللاتينية يوهانس كالفينوس Ioannis Calvinus، واتصل هناك بأوساط الحركة الإنسانية حول إراسموس[ر] Erasmus، وانكبّ على قراءة كتاب «الأقوال» لبطرس اللومباردي Peter Lombard، وبعض مؤلفات آباء الكنيسة؛ خاصة أوغسطين[ر] Augustine ويوحنا الذهبي الفم. واطلع على كتابات مارتين لوثر[ر]Martin Luther وفيليب ميلانختون[ر] Phillipp Melanchthon، وعلى الرغم من انتشار التعاليم البروتستنتية[ر] Protestantism، بقي مخلصاً للكنيسة الكاثوليكية Catholic.
دفعه والده إلى العزوف عن اللاهوت ودراسة القانون المدني في أورليان Orleans عام 1928، فدرسه، وتشرّب المناهج الحقوقية الجديدة، واكتسب معرفة عميقة بالقانون الروماني، وحصل على درجة «الليسانس» في القانون عام 1532. عاد بعدها إلى باريس لدراسة الأدب الكلاسيكي، وتحول هناك فجأة إلى البروتستنتية عام 1534، فنزل عن امتيازاته الكهنوتية[ر]؛ لينضوي تحت لواء الإصلاح الديني، وصار من أشد أتباع لوثر، وأصبحت حياته في باريس عرضة للخطر، فسافر إلى بازل Basel (سويسرا) عام 1535، حيث عاش تحت اسم مستعار ماريانوس لوكانيوس Marianus Lucanius، وتابع نشاطه فيها، وأنجز كتابه الرئيس «أسس الدين المسيحي» Institutes of the Christian Religion باللاتينية (1536)، وحقق نجاحاً كبيراً بوصفه المتن المعتمد لحركة الإصلاح الديني الفرنسي، دافع فيه عن العقيدة البروتستنتية التي اضطهد الملك فرنسوا الأول ـ ملك فرنسا ـ كثيراً من معتنقيها.
استقرّ في جنيف، وعمل هناك مستشاراً مع غيّوم فاريل Guillaume Farel ء(1486ـ1565) الزعيم الروحي لأنصار حركة الإصلاح الديني، وتعاون معه على تنظيم كنيسة إصلاحية فيها. ثم أصدر أوامر لتنظيم مجتمع جنيف دينياً، وأدخل قواعد متشددة في الدين، فأخضع تنظيم الكنيسة والعبادة والتعليم واعتراف الإيمان لرقابة مجالس المدينة. فثار أهل المدينة عليه، وطرده مجلس المدينة عام 1938. استقر في ستراسبورغ أهم المراكز البروتستنتية الأوربية؛ تلبية لدعوة الإنساني واللاهوتي مارتين بوسر Martin Bucer، حيث أمضى ثلاث سنوات؛ عمل فيها على تعميق معارفه اللاهوتية، وبناء تصوراته الكهنوتية، فوضع طقوساً جديدة liturgy، اعتمدتها فيما بعد كنائس جنيف وفرنسا البروتستنتية. عُيِّن أستاذاً في المدرسة العليا، فعلَّم إنجيل يوحنا ورسائل بولس الرسول[ر] St.Paul، وتمكّن بفضل أهل ستراسبورغ من الاتصال بالبروتستنتية الألمانية، فالتقى ميلانختون عام 1539 في فرانكفورت في المناقشات التي جرت لإعادة توحيد الكنيسة.
وعندما تفاقم الوضع في جنيف، ولحق الكنيسة بعض الخلل والاضطراب، عاد كالڤن إليها عام 1541 بإلحاح من مجلس المدينة؛ ورغبة منه في تحويل جنيف إلى مركز للدعاية البروتستنتية. فصار واعظاً ومعلّماً وراعياً لكنيسة جنيف الإصلاحية، واشتد في الأوامر والنواهي الدينية وتطبيقها حتى بات طاغية مستبداً باسم الدين، تميز بالقسوة والصرامة والتعصب تجاه جميع العقائد الدينية الأخرى، وارتكب جرائم بشعة في حق حرية الضمير عند الأفراد، كان أبرزها أمره بإحراق الطبيب واللاهوتي الإسباني ميشيل سرفيتوس Michael Servetus ء(1511ـ1553) لإنكاره عقيدة التثليث وألوهية المسيح.
ترك كالڤن وراءه نتاجاً ضخماً تعاظم تأثيره وامتد إلى ما وراء جنيف، لتسمى باسمه الكنائس البروتستنتية في أوربا وأمريكا قاطبة. فوضع أول مؤلفاته Commentary on De Clementia عام 1532 وهو شرح لكتاب الفيلسوف والمسرحي الروماني سينيكا[ر] Seneca، كما حرّر رسائل مهمة تتضمن تعليقات حول «العهد القديم» و«العهد الجديد» وعدداً كبيراً من الرسائل والكتيبات الخاصة حول مختلف مظاهر الإصلاح، ومواعظ حول رسائل القديس بولس. ويبقى أهم أعماله على الإطلاق كتابه «أسس الدين المسيحي»، الذي ضمنه رأيه في »الوصايا العشر« وعقيدة الحواريين والعشاء الأخير والطقوس الدينية (مثل التعميد)، وهاجم فيه الطقوس الزائفة، كما أضاف فصلاً عن الحرية المسيحية وسلطة الكنيسة والسلطة المدنية. وامتاز الكتاب بعرضه المنطقي والشمولي لفكر الإصلاح الديني؛ وبكماله الأدبي وتلاحم أفكاره وترتيبها. فترجمه كالڤن إلى الفرنسية، ثمّ أجرى عليه تنقيحات متواصلة ضمّها حصيلة تأملاته وتجاربه؛ ليخرج بصورته المثلى، وهكذا تضخم كتاب عام 1536 حتى صار سفراً في أربعة مجلدات وثمانين فصلاً (1559ـ1560).
نشر كالڤن عام 1539 كتابه «الشروح على رسالة بولس إلى أهل رومية»، وأتبعها بتصانيف مهمة أخرى كمقالة حول «العشاء السري» عام 1541. وإضافة إلى شروحه ومواعظه اليومية كتب كالڤن باللاتينية «الدفاع عن مذهب جبرية الاختيار» ( 1542)، وبالفرنسية «مقالة الذخائر» (1543)، وأتبعهما «الرّد على شيعة الزنادقة الخيالية» (1545)، كما كتب «مقدمات لخلاصة ميلانختون» ولـ«توراة جنيف»، و«تتمة الشروح التوراتية» التي شملت أسفار موسى الخمسة وسفر يشوع والمزامير وسفر الأنبياء والعهد الجديد كله باستثناء رؤيا يوحنا.
وحرّر كالڤن بعض المقالات دفاعاً عن المذهب، فكتب «مقالة الفضائح»(1550) ضدّ الانحرافات الوثنية، و«مقالة في الجبر الأزلي» (1552)، ثم كتب بالفرنسية «الإجماع حول ألوهية يسوع المسيح» (1560). ثم نشر في السنتين الأخيرتين من حياته دروساً حول الأنبياء، وسمح بطباعة مجموعات عدة من المواعظ حول العديد من أسفار التوراة. وقد ترك أكثر من 1300 رسالة وجهها إلى بروتستنتيي فرنسا وأوربا.
توّج عمله في عام 1559 بإنشائه أكاديمية جنيف التي صارت مركزاً للدراسات الإنسانية واللاهوتية للطائفة البروتستنتية الناطقة باللغة الفرنسية، وتولى كالفن فيها تدريس اللاهوت.
تأثر كالڤن بالرواقية[ر] وبالأفلاطونية الجديدة لتأثره بالقديس أوغسطين St.Augustine، وارتكزت أفكاره الفلسفية واللاهوتية على إنكار ثلاثة مذاهب: المؤلهة deism ووحدة الوجود أو الحلول pantheism وحرية الإرادة الإنسانية. وتأثر مذهبه اللاهوتي بتعاليم لوتر وزفينغلي (تْسفينغلي)[ر] Zwingli واستطاع فرض مفهومه عن الإصلاح، وحدد مبادئه بأسلوب واضح: فأكد قدرة الله المطلقة، وشدد على سلطة الكتاب المقدس الوحيدة مرجعيةًً لجميع مسائل الإيمان والعقيدة، وأنكر بعض المبادئ الكاثوليكية كسلطة البابا، وصكوك الغفران.
عمل كالڤن على إعادة تنظيم الكنيسة وتعيين مجلس قائم على شؤونها، وصياغة قانون كنسي جديد، وتقسيم الخدمة الدينية بين كهان أبرشيات ومعلمين وشيوخ كنيسة من المدنيين والشمامسة، وتنظيم عملية الوعظ، وتأكيد حظر الرسامات الأسقفية وتنصيب القساوسة. وسعى لتعميق دور الحياة الروحية وسيادة السلطة الدينية على السلطة المدنية، فصار قانون الدولة المسيحي هو الكتاب المقدس[ر] بعهديه القديم والجديد. وناقش كالڤن المسائل اللاهوتية الأساسية: كمعرفة الله بصفته خالقاً ورباً، والعناية الإلهية ونظرية الخلاص الإلهي وما تنطوي عليه من فكرة الاصطفاء الأزلي، والقضاء والقدر، بمعنى أن الله قدّر الخلاص على بعض البشر، واللعنة على بعضهم الآخر؛ بعلمه وتقديره المسبق. كما ناقش مبادئ الإيمان ومظاهره (التوبة والحياة المسيحية والتبرير والصلاة)، ونظرية التبرير بالإيمان ومزايا الأعمال، والغفران بالنعمة الإلهية، وعبودية الإرادة والخطيئة الأصلية للإنسان، وناقش الطقوس والأسرار المقدسة (التعميد والقربان المقدس)، فطرح صورة أخرى للعشاء الرباني كانت وسطاً بين ما يراه لوثر وزفينغلي، فقال: «إن المسيح لم يتمثل في العشاء رمزاً ولا جسداً، بل كان تمثله روحاً فقط».
وتعدّ مواقف كالڤن السياسية والاجتماعية متمايزة جداً عن مواقف لوثر، فقد أقر أهداف المجتمع المدني، واهتم بإصلاح المؤسسات الاجتماعية والتربية والتعليم العام، وفرض نظماً سلوكية وأخلاقية صارمة على الأفراد. وفي المضمار الاقتصادي؛ شجع كالڤن التجارة والصناعة، ووضع أحكاماً للإقراض الرَبَوي مع بعض الاستثناءات وفقاً لقاعدة العدالة والإنصاف، فأسهم في زعزعة المجتمع والنظام اللذين أرسيت أسسهما في القرون الوسطى، وسوّغ المشروع البورجوازي في عصر التراكم الرأسمالي البدائي.
عرف مذهبه باسم الكالفينية التي كان لها أثر عظيم في سيطرة فكره على الكنيسة المشيخية presbyterianism الاسكتلندية، والكنيسة الأمريكية، والأبرشية الكالفينية Congregationalism في المستعمرات الأمريكية. كما نجحت الكالفينية في تأسيس كنائس لها في بوهيميا ومورافيا وهنغاريا وبولندا. و شهد القرن العشرون محاولة لإحياء فكر كالفان فيما يسمى باللاهوت الطبيعي المحدث على يد كارل بارت Karl Barth ء(1886ـ1968)، وإميل برونَّر Emile Brunner.
سوسن بيطار