مظاهره
Demonstration - Manifestation
المظاهرة
المظاهرة demonstration نمط من أنماط السلوك الاجتماعي الجمعي، تعبر من خلاله جماعة من الناس عن موقفها الاجتماعي أو السياسي؛ مما يجعلها واحدة من القنوات التي يعبر من خلالها الأفراد عن رأيهم في قضية تهمهم وتشغل بالهم، عندما تحول دون ذلك الوسائل والطرق التي تقرها المؤسسات الرسمية، وقد يكون موضوع المظاهرة قضية اجتماعية أو سياسية هي موضع جدل بين تيارات متناقضة في المجتمع يحاول كل منها استقطاب الرأي العام، وتوجيهه وفق مبادئ الجماعة وأهدافها، والتي قد تعبر عن رأي تيارات وأحزاب فاعلة في بنية المجتمع.
وأصل التظاهر في اللغة العربية هو التعاون، وظاهره على شيء أي عاونه عليه، وبهذا المعنى تنطوي المظاهرة على معنى التضافر والتضامن، وعندما يشارك الفرد في مظاهرة ما فهو يعاون أفراد الجماعة، ويسعى معهم إلى تحقيق الأهداف التي يتطلعون إليها.
وعلى الرغم من أن المظاهرة ليست هدفاً ـ بذاته ـ بل هي وسيلة لتحقيق أهداف وغايات تختلف بحسب طبيعة تكوينها وأسبابها، وظروف نشوئها، فهي غالباً شكل من أشكال التعبير عن الرأي، وتوضيح المواقف، وقد تكون ذات طابع سياسي عندما تعبر عن موقف سياسي، كالمظاهرات التي يعبر الأفراد من خلالها عن رفضهم لسياسة هذه الدولة أو تلك، أو تأييدهم لقوى اجتماعية سياسية في هذا البلد أو ذاك، وقد تنطوي على بعد اقتصادي كالمطالبة برفع الأجور، أو تخفيض الأسعار، أو توفير الخدمات الأساسية وغيرها…، وقد تكون المظاهرة أيضاً ذات بعد اجتماعي، كالمظاهرات التي تعبر الجماعات من خلالها عن رغبتها في المطالبة بحقوق اجتماعية خاصة بهذه الشريحة الاجتماعية دون غيرها، كالمظاهرات التي تطالب بحقوق المرأة أو الشباب أو العمال أو أي شريحة اجتماعية أخرى.
ويمكن توصيف المظاهرة في أنواع عديدة، منها المظاهرات السلمية التي تلتزم الجماعات المتظاهرة فيها بالقواعد والنظم التي تقرها الدولة، ولا تبدو فيها أي مظاهر للعنف، أو الاعتداء على الآخرين، ولا يقدم الأفراد على إيقاع الأذى بأي من الممتلكات العامة أو الخاصة طوال أدائها، وتقتصر مهمتها على التعبير عن الرأي وإيصاله إلى من له صلة به، وأكثر ما يفعله أفرادها هو التعبير عن مواقفهم بهتافات وتعابير تؤيد موقفاً أو تشجب سياسة.
وهناك من المظاهرات أيضاً ما فيها بعض مظاهر العنف، كأن يعبر أفراد الجماعة عن مواقفهم بأنماط سلوكية تسبب بعض الأذى دون مرحلة الخطورة، ومثالها إقدامهم على الاعتداء على الرموز الثقافية التي تخص جماعات أخرى، كحرق الأعلام (الرايات) السياسية لدولة معادية، أو تمزيق صور بعض الزعماء السياسيين الذين لهم مواقف عدائية، وهذا النوع يرفض الاعتداء على الأشخاص، أو تحطيم الممتلكات المادية؛ مما يجعل هذا النوع من المظاهرات في عداد المظاهرات نصف العنيفة.
وإلى جانب ذلك تنتشر أشكال أخرى من المظاهرات أكثر عنفاً، غالباً ما تظهر في ظروف أكثر تعقيداً، كظروف احتلال دولة لدولة أخرى، حيث يندفع أبناء الدولة الضعيفة (المحتلة) إلى ممارسة أشكال أكثر تطوراً في التعبير عن مواقفهم، فقد يمارسون أعمالاً تؤدي إلى حدوث خسائر مادية لدى الطرف المضاد، كحرق السيارات والإطارات المطاطية، وإثارة الشغب مع احتمال إيقاع الأذى بقوى الشرطة التي تحاول منعهم من التعبير عن رأيهم، وقد ينتشر هذا النوع أيضاً في الدول التي تصل العلاقة بينها وبين القوى المعارضة فيها إلى حد القطيعة، الأمر الذي يدفع هذه القوى إلى ممارسة أعمال هدفها إثارة المشكلات والاضطراب في حدود الدولة.
ومن الملاحظ أن المظاهرات ذات الطابع السياسي بدأت تأخذ مكانها في المجتمع الحديث منذ القرن التاسع عشر الذي تميز بنشأة الحركات السياسية الثورية حين وقفت الجماهير في جانب وحكوماتها الاستبدادية في جانب آخر.
وقد نشطت المظاهرات الشعبية في شتى أنحاء العالم، وتضاعف هذا النشاط بنشوب الصراع بين الدول الأوربية المستعمرة والشعوب التي اتجهت للتخلص من الاستعمار، وفي جميع هذه الحالات كانت المظاهرات السلمية أو الدامية الطريق إلى الثورة الجامحة. والمظاهرات التي عمت بلدان العالم الثالث الداعمة لحركات التحرر الوطني ومنها البلدان العربية خير مثال على طبيعة هذه المظاهرات، ومنها استمرار المظاهرات اليومية تقريباً في فلسطين المحتلة الداعمة للفصائل المسلحة بهدف التحرير والاستقلال .
ويصنف الباحثون في علم النفس الاجتماعي خصائص عديدة للمظاهرة، منها:
- تشابه الاستجابات، حيث يلاحظ أن تعرض المتظاهرين لطارئ يجعل استجاباتهم له متشابهة، فيندفع كل منهم إلى ممارسة السلوك الذي يمارسه غيره من المشاركين.
- وحدة الدافع المثير، إذ يندفع أفراد المظاهرة بتأثير دافع أساسي واحد يتمثل في الرسالة التي تود الجماعة إيصالها إلى الآخرين، وتغيب عن الأذهان أي دوافع أخرى لا تتصل بموضوع المظاهرة اتصالاً مباشراً.
- العاطفة الجارفة، إذ إن قوة المظاهرة غالباً ما ترتبط بقوة العواطف التي تسيطر على أفرادها، حيث تضعف إمكانية المحاكمات العقلية للأشياء، فتأتي استجابات الأفراد بدافع العاطفة القوية بالدرجة الأولى.
- تراجع الذكاء، إن سيطرة العواطف القوية خلال المظاهرة، ووحدة الاتجاهات التي تسيطر خلالها تجعل القدرات العقلية للأفراد في حدها الأدنى، وبالتالي فإن الأفراد الذين يتصفون بدرجات ذكاء مرتفعة في الظروف الطبيعية يصبح مستوى ذكائهم أقل أثناء المظاهرة.
- نهائية الأحكام، إذ لا يوجد حد وسط بين الأشياء في أثناء المظاهرات، فتوصف المواقف بالتطرف، ولا تقبل فيها الحلول الوسط، فإما أن يكون الآخر معك وإما ان يكون عليك، ولا إمكانية للتفاعل مع الآخرين إلا في ضوء مواقفهم أيضاً.
- القابلية للاستهواء، إذ يندفع أفراد المظاهرة إلى قبول أي استجابة يمليها عليهم قائد المظاهرة من دون تفكير نقدي معمق، وتأتي هذه السمة نتاجاً لجملة من الصفات الأخرى التي تصف المظاهرة كتراجع الذكاء، وسيطرة العاطفة، وغيرها.
- ضعف الشعور بالمسؤولية نتيجة المسؤولية المشتركة التي تقع على عاتق المظاهرة بصورة عامة، فالإقدام على أي عمل يسبب أذى مادياً لا يأتي فردياً، وبالتالي فإن المسؤولية تأتي جماعية، وغالباً لا يتحمل أفراد المظاهرة أي مسؤولية قانونية على الأعمال التي يقومون بها؛ ولهذا يسود شعور بضعف المسؤولية عن أفعال المظاهرة.
- قصر فترة الزعامة في المظاهرة، حيث يلاحظ أن الزعامة في المظاهرة هي زعامة مؤقتة، وما إن يستقر زعيم في قيادة المظاهرة لحين من الزمن حتى يظهر قائد آخر ويأخذ بترديد الشعارات، ويستقطب أفراد المظاهرة، ثم سرعان ما يظهر قائد آخر ويستقطب الأفراد مرة أخرى…
وعلى الرغم من أن المجتمع الإنساني يعرف انتشار المظاهرات منذ فترة ليست قصيرة، والتي كانت تظهر على شكل احتجاجات تقدم إلى السلطان أو من يقوم مقامه تدّون فيها المطالب والرغبات، صارت المظاهرات في الوقت الراهن تأخذ في كثير من الأحيان طابعاً دولياً، وتعد القضية العربية اليوم من أكثر القضايا التي تستقطب مشاعر الملايين من الناس في معظم أنحاء العالم، فالمظاهرات التي حدثت في دمشق للتنديد بالرسوم الصحفية المسيئة لشخصية الرسول الكريمr التي نشرتها صحيفة دنماركية، عمت بعد ذلك مدن العالم الإسلامي قاطبة، فتعرضت سفارات عديدة للدنمارك في الدول الإسلامية للحرق وتكسير المحتويات، وطالب المتظاهرون بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدولة التي لا تحترم شخصية الرسول الكريمr، الأمر الذي دفع مجموعة كبيرة من الدول الإسلامية إلى اتخاذ قرارات اقتصادية تمنع استيراد البضائع والمنتجات الاقتصادية من الدنمارك، وبالنظر إلى حجم الأضرار الاقتصادية التي نجمت عن ذلك تسارعت دول أخرى كالنروج وهولندا إلى تقديم اعتذار رسمي من الدول الإسلامية لما حدث فيها من نشر لهذه الرسوم.
كما تعد المظاهرات التي تندد بالاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، وبعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني من أكثر المظاهرات التي تعم مدن العالم، ومختلف مناطقه في الوقت الراهن، فمنذ أن أقدم العدوان الإسرائيلي على شن حربه الواسعة النطاق على الشعب اللبناني والمقاومة الإسلامية في لبنان (تموز/يوليو 2006) انتشرت في معظم الدول الإسلامية مظاهرات احتجاج وتنديد واسعة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، حتى بلغ الأمر أن هذه المظاهرات امتدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ـ التي تعد أكثر الدول تأييداً للعدوان والمشاركة فيه ـ ودول أوربية عديدة مثل بريطانيا وفرنسا والسويد والنروج واليونان، وتركيا بالإضافة إلى انتشار المظاهرات المنددة بالعدوان في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومختلف بقاع العالم، وقد دفعت عدوانية الاحتلال إلى قيام مجموعات مناصرة للسلام في الكيان الصهيوني نفسه بمظاهرات تطالب بوقف الحرب، حيث تجمع المئات منهم للاحتجاج ضد الهجوم العسكري على لبنان، مطالبين بالإفراج الفوري عن الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وقد حملوا لافتات كتب عليها: «نعم للسلام… لا للحرب»، وقد علا صوت المتظاهرين بهتافات تقول: «إن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين أفضل من حفر القبور».
طلال مصطفى
Demonstration - Manifestation
المظاهرة
المظاهرة demonstration نمط من أنماط السلوك الاجتماعي الجمعي، تعبر من خلاله جماعة من الناس عن موقفها الاجتماعي أو السياسي؛ مما يجعلها واحدة من القنوات التي يعبر من خلالها الأفراد عن رأيهم في قضية تهمهم وتشغل بالهم، عندما تحول دون ذلك الوسائل والطرق التي تقرها المؤسسات الرسمية، وقد يكون موضوع المظاهرة قضية اجتماعية أو سياسية هي موضع جدل بين تيارات متناقضة في المجتمع يحاول كل منها استقطاب الرأي العام، وتوجيهه وفق مبادئ الجماعة وأهدافها، والتي قد تعبر عن رأي تيارات وأحزاب فاعلة في بنية المجتمع.
وأصل التظاهر في اللغة العربية هو التعاون، وظاهره على شيء أي عاونه عليه، وبهذا المعنى تنطوي المظاهرة على معنى التضافر والتضامن، وعندما يشارك الفرد في مظاهرة ما فهو يعاون أفراد الجماعة، ويسعى معهم إلى تحقيق الأهداف التي يتطلعون إليها.
وعلى الرغم من أن المظاهرة ليست هدفاً ـ بذاته ـ بل هي وسيلة لتحقيق أهداف وغايات تختلف بحسب طبيعة تكوينها وأسبابها، وظروف نشوئها، فهي غالباً شكل من أشكال التعبير عن الرأي، وتوضيح المواقف، وقد تكون ذات طابع سياسي عندما تعبر عن موقف سياسي، كالمظاهرات التي يعبر الأفراد من خلالها عن رفضهم لسياسة هذه الدولة أو تلك، أو تأييدهم لقوى اجتماعية سياسية في هذا البلد أو ذاك، وقد تنطوي على بعد اقتصادي كالمطالبة برفع الأجور، أو تخفيض الأسعار، أو توفير الخدمات الأساسية وغيرها…، وقد تكون المظاهرة أيضاً ذات بعد اجتماعي، كالمظاهرات التي تعبر الجماعات من خلالها عن رغبتها في المطالبة بحقوق اجتماعية خاصة بهذه الشريحة الاجتماعية دون غيرها، كالمظاهرات التي تطالب بحقوق المرأة أو الشباب أو العمال أو أي شريحة اجتماعية أخرى.
ويمكن توصيف المظاهرة في أنواع عديدة، منها المظاهرات السلمية التي تلتزم الجماعات المتظاهرة فيها بالقواعد والنظم التي تقرها الدولة، ولا تبدو فيها أي مظاهر للعنف، أو الاعتداء على الآخرين، ولا يقدم الأفراد على إيقاع الأذى بأي من الممتلكات العامة أو الخاصة طوال أدائها، وتقتصر مهمتها على التعبير عن الرأي وإيصاله إلى من له صلة به، وأكثر ما يفعله أفرادها هو التعبير عن مواقفهم بهتافات وتعابير تؤيد موقفاً أو تشجب سياسة.
وهناك من المظاهرات أيضاً ما فيها بعض مظاهر العنف، كأن يعبر أفراد الجماعة عن مواقفهم بأنماط سلوكية تسبب بعض الأذى دون مرحلة الخطورة، ومثالها إقدامهم على الاعتداء على الرموز الثقافية التي تخص جماعات أخرى، كحرق الأعلام (الرايات) السياسية لدولة معادية، أو تمزيق صور بعض الزعماء السياسيين الذين لهم مواقف عدائية، وهذا النوع يرفض الاعتداء على الأشخاص، أو تحطيم الممتلكات المادية؛ مما يجعل هذا النوع من المظاهرات في عداد المظاهرات نصف العنيفة.
وإلى جانب ذلك تنتشر أشكال أخرى من المظاهرات أكثر عنفاً، غالباً ما تظهر في ظروف أكثر تعقيداً، كظروف احتلال دولة لدولة أخرى، حيث يندفع أبناء الدولة الضعيفة (المحتلة) إلى ممارسة أشكال أكثر تطوراً في التعبير عن مواقفهم، فقد يمارسون أعمالاً تؤدي إلى حدوث خسائر مادية لدى الطرف المضاد، كحرق السيارات والإطارات المطاطية، وإثارة الشغب مع احتمال إيقاع الأذى بقوى الشرطة التي تحاول منعهم من التعبير عن رأيهم، وقد ينتشر هذا النوع أيضاً في الدول التي تصل العلاقة بينها وبين القوى المعارضة فيها إلى حد القطيعة، الأمر الذي يدفع هذه القوى إلى ممارسة أعمال هدفها إثارة المشكلات والاضطراب في حدود الدولة.
ومن الملاحظ أن المظاهرات ذات الطابع السياسي بدأت تأخذ مكانها في المجتمع الحديث منذ القرن التاسع عشر الذي تميز بنشأة الحركات السياسية الثورية حين وقفت الجماهير في جانب وحكوماتها الاستبدادية في جانب آخر.
وقد نشطت المظاهرات الشعبية في شتى أنحاء العالم، وتضاعف هذا النشاط بنشوب الصراع بين الدول الأوربية المستعمرة والشعوب التي اتجهت للتخلص من الاستعمار، وفي جميع هذه الحالات كانت المظاهرات السلمية أو الدامية الطريق إلى الثورة الجامحة. والمظاهرات التي عمت بلدان العالم الثالث الداعمة لحركات التحرر الوطني ومنها البلدان العربية خير مثال على طبيعة هذه المظاهرات، ومنها استمرار المظاهرات اليومية تقريباً في فلسطين المحتلة الداعمة للفصائل المسلحة بهدف التحرير والاستقلال .
ويصنف الباحثون في علم النفس الاجتماعي خصائص عديدة للمظاهرة، منها:
- تشابه الاستجابات، حيث يلاحظ أن تعرض المتظاهرين لطارئ يجعل استجاباتهم له متشابهة، فيندفع كل منهم إلى ممارسة السلوك الذي يمارسه غيره من المشاركين.
- وحدة الدافع المثير، إذ يندفع أفراد المظاهرة بتأثير دافع أساسي واحد يتمثل في الرسالة التي تود الجماعة إيصالها إلى الآخرين، وتغيب عن الأذهان أي دوافع أخرى لا تتصل بموضوع المظاهرة اتصالاً مباشراً.
- العاطفة الجارفة، إذ إن قوة المظاهرة غالباً ما ترتبط بقوة العواطف التي تسيطر على أفرادها، حيث تضعف إمكانية المحاكمات العقلية للأشياء، فتأتي استجابات الأفراد بدافع العاطفة القوية بالدرجة الأولى.
- تراجع الذكاء، إن سيطرة العواطف القوية خلال المظاهرة، ووحدة الاتجاهات التي تسيطر خلالها تجعل القدرات العقلية للأفراد في حدها الأدنى، وبالتالي فإن الأفراد الذين يتصفون بدرجات ذكاء مرتفعة في الظروف الطبيعية يصبح مستوى ذكائهم أقل أثناء المظاهرة.
- نهائية الأحكام، إذ لا يوجد حد وسط بين الأشياء في أثناء المظاهرات، فتوصف المواقف بالتطرف، ولا تقبل فيها الحلول الوسط، فإما أن يكون الآخر معك وإما ان يكون عليك، ولا إمكانية للتفاعل مع الآخرين إلا في ضوء مواقفهم أيضاً.
- القابلية للاستهواء، إذ يندفع أفراد المظاهرة إلى قبول أي استجابة يمليها عليهم قائد المظاهرة من دون تفكير نقدي معمق، وتأتي هذه السمة نتاجاً لجملة من الصفات الأخرى التي تصف المظاهرة كتراجع الذكاء، وسيطرة العاطفة، وغيرها.
- ضعف الشعور بالمسؤولية نتيجة المسؤولية المشتركة التي تقع على عاتق المظاهرة بصورة عامة، فالإقدام على أي عمل يسبب أذى مادياً لا يأتي فردياً، وبالتالي فإن المسؤولية تأتي جماعية، وغالباً لا يتحمل أفراد المظاهرة أي مسؤولية قانونية على الأعمال التي يقومون بها؛ ولهذا يسود شعور بضعف المسؤولية عن أفعال المظاهرة.
- قصر فترة الزعامة في المظاهرة، حيث يلاحظ أن الزعامة في المظاهرة هي زعامة مؤقتة، وما إن يستقر زعيم في قيادة المظاهرة لحين من الزمن حتى يظهر قائد آخر ويأخذ بترديد الشعارات، ويستقطب أفراد المظاهرة، ثم سرعان ما يظهر قائد آخر ويستقطب الأفراد مرة أخرى…
وعلى الرغم من أن المجتمع الإنساني يعرف انتشار المظاهرات منذ فترة ليست قصيرة، والتي كانت تظهر على شكل احتجاجات تقدم إلى السلطان أو من يقوم مقامه تدّون فيها المطالب والرغبات، صارت المظاهرات في الوقت الراهن تأخذ في كثير من الأحيان طابعاً دولياً، وتعد القضية العربية اليوم من أكثر القضايا التي تستقطب مشاعر الملايين من الناس في معظم أنحاء العالم، فالمظاهرات التي حدثت في دمشق للتنديد بالرسوم الصحفية المسيئة لشخصية الرسول الكريمr التي نشرتها صحيفة دنماركية، عمت بعد ذلك مدن العالم الإسلامي قاطبة، فتعرضت سفارات عديدة للدنمارك في الدول الإسلامية للحرق وتكسير المحتويات، وطالب المتظاهرون بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدولة التي لا تحترم شخصية الرسول الكريمr، الأمر الذي دفع مجموعة كبيرة من الدول الإسلامية إلى اتخاذ قرارات اقتصادية تمنع استيراد البضائع والمنتجات الاقتصادية من الدنمارك، وبالنظر إلى حجم الأضرار الاقتصادية التي نجمت عن ذلك تسارعت دول أخرى كالنروج وهولندا إلى تقديم اعتذار رسمي من الدول الإسلامية لما حدث فيها من نشر لهذه الرسوم.
كما تعد المظاهرات التي تندد بالاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، وبعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني من أكثر المظاهرات التي تعم مدن العالم، ومختلف مناطقه في الوقت الراهن، فمنذ أن أقدم العدوان الإسرائيلي على شن حربه الواسعة النطاق على الشعب اللبناني والمقاومة الإسلامية في لبنان (تموز/يوليو 2006) انتشرت في معظم الدول الإسلامية مظاهرات احتجاج وتنديد واسعة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، حتى بلغ الأمر أن هذه المظاهرات امتدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ـ التي تعد أكثر الدول تأييداً للعدوان والمشاركة فيه ـ ودول أوربية عديدة مثل بريطانيا وفرنسا والسويد والنروج واليونان، وتركيا بالإضافة إلى انتشار المظاهرات المنددة بالعدوان في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومختلف بقاع العالم، وقد دفعت عدوانية الاحتلال إلى قيام مجموعات مناصرة للسلام في الكيان الصهيوني نفسه بمظاهرات تطالب بوقف الحرب، حيث تجمع المئات منهم للاحتجاج ضد الهجوم العسكري على لبنان، مطالبين بالإفراج الفوري عن الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وقد حملوا لافتات كتب عليها: «نعم للسلام… لا للحرب»، وقد علا صوت المتظاهرين بهتافات تقول: «إن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين أفضل من حفر القبور».
طلال مصطفى