شدتْ العقود القليلة الماضية في منطقتنا تحديداً. وربما في غيرها.تطوراً ملحوظاً في كتابة النصوص الادبية.
مال البعض لتجنيس النصوص سعياً لمأسسةٍ قد تتم إبّان حراك متسارع. شهدنا فيه مصطلح قصيدة الومضة. والقصة القصيرة جداً.
هذان الشكلان تحديداً. جرى التوسع في كتابتهما.باعتبارهما صارا جنسا أدبيا معترفاً به. وله أدواته الخاصة به.
لكن المسألة كما نرى.لا تقف عند قوننة شكل معين.أو الركون الى أصالته بحكم التطوير والتحديث. إنها تتعدى كل هذا لتخلق حالة من التداخل الشكلي أو المعياري. بين الأجناس الأدبية. حتى المستقرة منذ زمن.كالرواية والقصة القصيرة المعروفة.
تداخلٌ أنتجته محدّدات النصوص الحداثية.منذ سوزان برنار وكتابها عن قصيدة الحداثة. أهم هذه المحددات هو الاختزال والتكثيف. هذا العنصر الخطير الذي تم تبنيه من قبل مجلة شعر منذ ستين عاما.لم يكن بالحسبان توقع نتائجه بعد انفلاش وسائل الكتابة ووسائطها. إذ أفضى الى إقصاء الأدبية من الشعر والقصة. وصولاً للرواية في بعض الأحيان. وكان الرهان لدى رواد حداثة الشعر تحديداً.على استقرار وسائل الكتابة والنشر كما هي.
الآن.نشهد نصوصاً تُراوِح بين القصة والشعر والخاطرة. ولا يمكن تغليب شكل منها على آخر في تحديد جنس النص. وكمداخلة اعتراضية.نقول ان طبيعة النشر والتوصيل حقيقة هي التي أفضت الى هذا الحال. النشر في وسائط التواصل الاجتماعي. هذه لا رقيب ولا حسيب عليها.الفضاء واسع ومفتوح. لن نقول ان هذا شر مطلق.ففي الركام الكثيف المنتج.تم بعض التطوير في النوع. وفق قاعدة الكم والكيف جدلياً. لكن المسألة حقيقةً لم تُحل.وما من طريقة لتلافي التداخل الذي قد يقضي على النوع الإجناسي بكل صراحة. نتساءل الآن.اين الخاطرة. واين القصة القصيرة..والقصيرة جدا. ربما كان الجواب الحقيقي انها في كل هذا. حسناً. هل سيفضي ذلك الى انعدام الاسم الاصلي؟.هذا جائز. لكن نتائجه بالفعل غير محسوبة. إلَامَ ستفضي.وهل سيجد احد هذه الانواع استقلاله وتأصيله في خضم التواصل والتخالط المقصود او غير المقصود.بمزج كل منهما بالاخر؟. فالشعر يشكو من الخوطرة.وهذه تشكو من الشعرنة. وكلاهما يشكو من القص الحكائي.
اذا انتقلنا الى الرواية.نجد ان هذا الجنس الادبي قد نجا من شرك الكتابة في الانترنيت.باعتبار النص الروائي طويلاً ولا يتوافق البتة مع طبيعة التصفح السريع في الانترنت.لكن الرواية في العالم. والتي نحت الى تطعيم ذاتها بانواع ادبية وفكرية اخرى.اسوة ببقية الكتابات ربما .او استجابة لنوازع التحديث والتطوير التي يفرضها السوق الاعلامي إذا جاز هذا التعبير. فصارت الرواية حمولة فوق حمولات. انضاف اليها الشعر والفكر والفلسفة والتاريخ. وحتى عناصر التحديث الفني المدرسي. من سيميائية او تجريدية او سريالية..منذ جان جينيه.وصولا الى غارثيا ماركيز وميلان كونديرا وامبرتو ايكو.وغيرهم.
يبدو لنا ان الرواية حقيقة تفقد الآن استقلالها كنص ادبي مستقر. عرفناه في الاعمال الروائية الكلاسيكية العظيمة في الغرب والشرق. وتدور الآن بين القص والمسرحة والفكرنة والتسييس. ولا يجدي القول اننا بصدد انتاج نص عام.فحتى هذا المصطلح.يحمل غموضه في بنيته.تماما كمصطلح الومضة مع مابينهما من فرق. عامٌ يبيح نسف قواعد مستقرة. وحقيقة ليست المشكلة في نسف القواعد.ادبيا او غير ذلك. بل في عدم انتهاج المنهجية.هذه مسالة دقيقة ومهمة. اذ بفعل منهجية عقلنة النصوص. تم التفريق بين القصة القصيرة والرواية. وصار لكل منهما أدواته المختلفة. وكانت حتى عهد هوغو وفلوبير قصةً بالاسم. لكن تشايكوف وموباسان وجيمس جويس. في مرحلة عقلنة النص الادبي. دشنوا ولادة القصة القصيرة التي اعلنت اكتفاءها بزمن محدد. ومكان اكثر تحديدا. محررة نفسها من زمن الرواية الطويل وامكنتها المختلفة والمتباعدة.
اخيرا يمكن القول اننا فعلا بصدد فقدان الهوية في النصوص الادبية. تماما كفقدان الهوية في الانتماء التاريخي والجغرافي والايديولوجي. بعد فقدان العالم توازنه بفعل سباق العولمة والثقافة والمصالح الراسمالية. التي اخضعت الادب والفكر لمقتضياتها.
علم عبد اللطيف