المرجئة (فرقة ـ) طائفة دينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المرجئة (فرقة ـ) طائفة دينية

    مرجيه (فرقه)

    Al-Murdjia - Al-Murdjia

    المرجئة (فرقة ـ)

    طائفة دينية ظهرت في العصر الأموي في النصف من القرن الأول الهجري، يُظَنّ أنها تأثرت ببعض العوامل المسيحية، وتقول بالإرجاء، وكان الإرجاء بسيطاً في أول أمره، ثم تفلسف عندما تفلسفت المذاهب الأخرى في العصر العباسي، والإرجاء يأتي على معنيين:
    الأول: بمعنى التأخير فيقال أرجأت كذا أي أخّرته كما في قوله تعالى: )قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ( (الأعراف 111)، أي أمهله، وأخّره، وربما تكون التسمية مأخوذة من قوله تعالى: )وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( (التوبة 106).
    ذلك أنهم يرجئون الحكم على العصاة من المسلمين إلى يوم البعث، ويتحرجون من إدانة أي مسلم مهما كانت ذنوبه، ويمتنعون عن تكفير أي إنسان إذا كان مسلماً ناطقاً بالشهادتين تاركين الفصل في أمره إلى الله وحده.
    والمعنى الثاني للإرجاء: إعطاء الرجاء، تقول: أرجيت فلاناً، أي أنك أعطيته الرجاء؛ لأن المرجئة كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، فهم يعطون المؤمن العاصي الرجاء بثواب الله.
    والمرجئة أصناف أربعة: المرجئة الخالصة، ومرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية (المعتزلة) ومرجئة الجبرية؛ وهذه الفرق الثلاث تلتقي مع المرجئة الخالصة بمقولة الإرجاء فقط، وسائر مقولاتها الأخرى المتعددة تصبّ في المذهب الذي تُنسب إليه، والمرجئة الخالصة هي الوحيدة التي تمثّل فكر المرجئة بجميع مقولاته ومن جميع جوانبه.
    وكان أساس أفكار المرجئة الخالصة ينصب على تحديد معنى الإيمان وما يتبع ذلك، ثم تحديد الكفر وخصائصه، وقد تباينت تصنيفات الفقهاء بشأن المرجئة الخالصة، فقال بعضهم: إنهم بلغوا اثنتي عشرة فرقة، وقال آخرون: بل أقلّ من ذلك، إذ كانوا ستّ فرق أو خمساً. وسبب اختلافهم الأهم كان حول طبيعة الإيمان وعناصره المكونة، وكانوا ثلاثة فروع:
    - فرع قال بالإرجاء في الإيمان وفي حرية إرادة الإنسان في الأعمال، مثل غيلان الدمشقي وأبي شمر ومحمد بن أبي شبيب البصري.
    - وفرع ثان: قال بالإرجاء في الإيمان وبالجبر بالأعمال على مذهب جهم بن صفوان (ت 128هـ/745م) من الجهمية.
    - وفرع ثالث خارج عن الجبر والقدرية.
    والمرجئة الخالصة فرق: اليونسية والعبيدية، والغسانية والثوبانية والتومينية والمريسية وجميعهم سموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان.
    1ـ اليونسية:
    أتباع يونس بن عون النميري الذي زعم أن الإيمان في القلب واللسان؛ وهو المعرفة بالله تعالى، والمحبة بالقلب، والإقرار باللسان أنه واحد ليس كمثله شيء، وترك الاستكبار عليه، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن، وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان، ولا يضرّ تركها حقيقة الإيمان، ولا يعذَّب على ذلك إذا كان الإيمان خالصاً، واليقين صادقاً، والمؤمن يدخل الجنّة بإخلاصه ومحبته لا بعمله وطاعته، إن صدرت عنه معصية؛ فلا تضرّه، وزُعم أن إبليس كان عارفاً بالله وحده غير أنه كفر باستكباره: )وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين( (البقرة34)، وإذا قامت حجة الرسل على الناس فعليهم معرفة ما جاؤوا به في الجملة من الإيمان؛ وليس بالتفصيل، وزعم أن كل خصلة من خصال الإيمان ليست بإيمان ولا بعض إيمان، ومجموعها إيمان.
    2ـ العبيدية:
    أصحاب عبيد المكتئب الذي قال: ما دون الشرك مغفور لا محالة وإن العبد إذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الإثم.
    3ـ الغسانية:
    أصحاب غسان الكوفي المرجئ: زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسولهr والإقرار بما أنزل الله وبما جاء به الرسولr في الجملة دون التفصيل، والإيمان لا يزيد ولا ينقص.
    4ـ التومنيّة:
    أتباع أبي معاذ التومني: الذي زعم أن الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال من تركها، أو ترك خصلة منها كفر، ولا يقال للخصلة الواحدة إيمان ولا بعض إيمان، ومجموع الخصال إيمان، وكل معصية كبيرة أو صغيرة لا يُقال لصاحبها فاسق على الإطلاق، ولكن يقال: فسق وعصى، وتلك الخصال هي المعرفة والتصديق والمحبة والإخلاص والإقرار بما جاء به الرسولr، ومن ترك الصلاة والصيام مستحلاً كفر، ومن تركهما على نية قضائهما لم يكفر.
    5 ـ الثوبانية:
    أتباع أبي ثوبان المرجئ، الذي زعم أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى وبرسله عليهم السلام وبكل ما يجب في العقل فعله وما جاز في العقل ألا يفعل، وأخَّر العمل كله عن الإيمان، ومن القائلين بمقالة أبي ثوبان أبو مروان غيلان بن مروان الدمشقي وآخرون، وكان غيلان يؤمن بالقدر خيره وشره من العبد، وأن الإمامة تصلح في غير قريش، وكل من كان قائماً على الكتاب والسنة مستحق لها.
    6ـ المريسية:
    وهم مرجئة بغداد من أتباع بشر بن غياث المريسي (ت 219هـ) الذي كان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي غير أن أبا يوسف هجره لما أظهر قوله بخلق القرآن.
    وكان بشر يقول: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعاً، وأن الكفر هو الجحد والإنكار كما قال ابن الريوندي، وقال إذا دخل أصحاب الكبائر النار فإنهم سيخرجون منها بعد أن يعذّبوا بذنوبهم، وأما التخليف فمحال؛ وليس بعدل، وكان جمهور كبير من المرجئة يزعمون أن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرّين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بما معهم من الفسق، وجميع المرجئة يقولون: إنه ليس لأحد من الكفار إيمان بالله تعالى، ويكاد المرجئة يجمعون على أن العمل ليس ركناً من أركان الإيمان ولا داخلاً في مفهومه.
    وكما اختلفت المرجئة في الإيمان اختلفت أيضاً في الكفر، ما هو؟ وكانوا فرقاً:
    1- فرقة تزعم أن الكفر خصلة واحدة بالقلب، وهو الجهل بالله.
    2- فرقة تزعم أن الكفر خصال كثيرة، ويكون بالقلب وغير القلب. والجهل بالله كفر وبالقلب يكون، وكذلك البغض لله والاستكبار عليه كفر، والتكذيب بالله وبرسله عليهم السلام في القلب واللسان… وكذلك ترك التوحيد إلى اعتقاد التثنية أو التثليث أو ما هو أكثر كفر.
    3- فرقة تزعم أن الكفر بالله عزّ وجلّ هو التكذيب والجحد له والإنكار باللسان وأنه لا يكون إلا باللسان دون غيره من الجوارح.
    4- فرقة تزعم أن الكفر هو الجحود والإنكار والتغطية، ويكون الكفر بالقلب واللسان.
    5- فرقة قالت بتكفير من ردّ قولهم بالتوحيد والقدر.
    وأكثر المرجئة لا يكفّرون أحداً من المتأوّلين.
    واختلفت المرجئة في المعاصي: هل هي كبائر أم لا على مقالتين:
    1- قال قائلون؛ منهم بشر المريسي: كل ما عصي به الله سبحانه كبيرة.
    2- وقال قائلون: المعاصي على ضربين: كبائر وصغائر.
    وأجمعت المرجئة أن الدار دار إيمان، وحكم أهلها الإيمان إلا من ظهر منه خلاف الإيمان.
    واختلفت في الوعد والوعيد: فمنهم من قال ليس في الوعد استثناء، وفي الوعيد استثناء مضمر.
    ومنهم من قال: إنه ليس في أهل الصلاة وعيد؛ وإنما الوعيد في المشركين، فأما الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين، والله - عزّ وجلّ - لا يخلف وعده، والعفو أولى بالله: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم( (الزمر53). وقالوا: كما لا ينفع مع الشرك عمل؛ كذلك لا ّيضر مع الإيمان عمل، ولا يدخل النار أحد من أهل القبلة.
    واختلفت المرجئة في الكفار:
    1- منهم أصحاب جهم بن صفوان (ت 128هـ/745م) قالوا: إن الجنة والنار تفنيان، ويفنى أهلهما حتى يكون الله موجوداً لا شيء معه كما كان موجوداً لا شيء معه.
    2- ما قاله المسلمون كلّهم إلا جهماً: إن الله يخلّد أهل الجنة في الجنة، ويخلّد الكفّار في النار.
    واختلفت المرجئة في فجّار أهل القبلة؛ منهم من قال: إن من المحال أن يخلّد الله الفجّار من أهل القبلة في النار، ومنهم من قال: إنه جائز أن يدخلهم النار، ويخلّدهم فيها، وجائز ألا يخلّدهم. ومنهم من قال: جائز أن يعذّبهم، وجائز أن يعفو عنهم.
    واختلفت المرجئة في التوحيد:
    1- قال قائلون: منهم بالتوحيد بقول المعتزلة.
    2- قال بعضهم: إن الله جسم، وإن له جمّة، وإنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين مصمت، وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره.
    3- قال آخرون مثل ذلك غير أنه أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما دون ذلك.
    4- وقال بعضهم: هو جسم لا كالأجسام.
    واختلفت المرجئة في الرؤية على مقالتين:
    1- منهم من مال إلى قول المعتزلة، ونفى أن يُرى الباري بالأبصار.
    2- ومنهم من قال: إن الله يُرى بالأبصار في الآخرة.
    واختلفت في القرآن:
    1- قائلون: إنه مخلوق.
    2- قائلون: إنه غير مخلوق.
    3- قائلون بالوقف، وهو كلام الله سبحانه، لا نقول: إنه مخلوق ولا غير مخلوق.
    واختلفت في القدر:
    1- منهم من مال إلى قول المعتزلة في القدر (حرية الإرادة).
    2- منهم من قال بالإثبات للقدر (الجبر).
    واختلفت في أسماء الله وصفاته:
    1- منهم من مال إلى قول المعتزلة في ذلك (نفي الصفات عن ذات الله وتنزيهه).
    2- منهم من قال بغير ذلك.
    وقد وافقت المرجئة أهل السنة ببعض الآراء مثل عدم تكفير أحد من أهل المذاهب الأخرى إلا في حدود معينة، وأن المؤمنين العصاة لا يخلدون في النار، وربما أسهموا في إلانة جانب من تشدد أهل السنة، في حين كان المعتزلة والخوراج متشددين جداً حيال مخالفيهم.
    وقد ازدهرت المرجئة في العصر الأموي، وحظيت برعاية الدولة بسبب نزوع آرائهم إلى المسالمة ، فهي آراء تخدم السياسة ولو من طريق غير مباشر، وتجعل أصحابها محايدين.
    فقد كانوا ينظرون إلى معاوية وصحبه نظرتهم إلى عليt وصحبه، ويرون مهادنة بني أمية صحيحة وخلفاءهم مؤمنين لا يجوز الخروج عليهم وتصح الصلاة وراءهم، وأن غاية ما يفعله أحدهم من الشر أن يرتكب كبيرة ومرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان.
    لا يوجد أدب كثير يصح أن ينسب إلى المرجئة، ربما بسبب ضعف قوة العقل والعاطفة في عقيدتهم المسالمة المحايدة، وكان ثابت بن قُطْنَة أبرز شعرائهم، فضلاً عن أن بعض الشعراء قد تأثروا بهم إلى حد، ومنهم أبو نواس الذي قال:
    يا ربِّ إنْ عظمَتْ ذنوبي كثرةً
    فلقدْ علمْتُ بأنَّ عفوَكَ أعظمُ
    إنْ كانَ لا يرجوكَ إلا محسنٌ
    فبمَنْ يلوذُ ويستجيرُ المجرمُ؟
    أدعوكَ ربِّ كما أمرْتَ تضرُّعاً
    فإذا رددْتَ يدي فمَنْ ذا يرحمُ؟
    ما لي إليكَ وسيلةٌ إلا الرَّجا
    وجميلُ عفوِكَ ثمَّ أنِّي مسلمُ
    يوسف الأمير علي

يعمل...
X