المظالم (ولاية ـ)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المظالم (ولاية ـ)

    مظالم (ولايه)

    -

    المظالم (ولاية ـ)

    المظالم لغة جمع مظلمة مصدر ظلم يظلم، اسم لما أخذ بغير حق، والمظلمة ما تطلبه عند الظالم.
    وفي الاصطلاح: الحقوق التي أخذت أو ضيعت ظلماً، وهي باعتبار ما تضاف إليه من الحقوق:
    آ- مظالم تتعلق بحقوق الله تعالى، كالزكوات والكفارات والنذور والحدود والعبادات وارتكاب المحرمات.
    ب- مظالم تتعلق بحقوق العباد كالغصب، وإنكار الودائع والأرزاق والجنايات في النفس والأعراض.
    وقد دعا الشرع الشريف إلى إقامة العدل فيها، ومن هنا نشأ في المجتمع الإسلامي ما يسمى بديوان المظالم أو ولاية المظالم، والقائم عليه: ناظر أو والي أو صاحب المظالم.
    وقد عرف بها الماوردي فقال: «نظر المظالم: قَوْد المتظلمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة» فهي وظيفة تجمع بين سطوة السلطنة وإنصاف القضاء، وتحتاج إلى علوّ يد، وعظيم رهبة تقمع الظالم من الخصمين، وتزجر المعتدي، وتمضي ما عجز القضاة عنه، لهذا يطلب في القائم عليها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع.
    والأصل أن يتولاها الخليفة بنفسه بمقتضى البيعة والولاية العامة، أو من له هذه الولاية، كالحكام والولاة والأمراء والوزراء، ولا يحتاج هؤلاء إلى ممارستها إلا إذا اختير لها من لا ولاية عامة له، فيحتاج حينئذٍ إلى تقليد من صاحب الولاية العام كالخليفة والحكام المفوض لهم ذلك.
    ولم تكن ولاية المظالم معروفة في الصدر الأول للإسلام ولا حاجة إليها حينئذٍ، لأن ظهور الدين وهيمنته على النفوس والقلوب والتعامل العام قاد الجميع إلى التناصف وزجرهم عن الظلم، وكانت المنازعات بينهم تجري في أمور مشتبهة يوضحها القضاء، ثم اختلطت الأمور وظهرت بوادر الفساد، فاحتاج علي رضي الله عنه إلى شيء من الصرامة في السياسة وزيادة التيقظ في الوصول إلى الحق، فكان أول من سلك هذه الطريقة واستقل بها، لكنه لم يفرد لها يوماً محدداً فكان يمارسها ضمن ولايته العامة. ثم تجاهر الناس من بعده بالظلم والتغالب، ولم تكفهم زواجر العظة، فاحتاج الولاة إلى تخصيص يوم معين للظلامات، وكان أول من فعل ذلك عبد الملك بن مروان، ثم زاد جور الولاة وظلم المتسلطين، فندب عمر بن عبد العزيز نفسه للنظر في المظالم، وقد كثرت على أيدي المتسلطين، وحواشي الولاة، فشدد عليهم وأغلظ، وحين روجع في ذلك قال: «كل يوم أتقيه وأخافه دون يوم القيامة لا وقيته».
    ثم جلس من خلفاء بني العباس لهذا الأمر رجال منهم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم المأمون، وآخر من جلس لهذا الأمر المهتدي.
    وكان أهل الجاهلية قد حققوا روح هذا المصطلح سياسة حين عقدوا له حلفاً في مكة قرروا فيه رد المظالم وأن يأخذوا على يد الظالمين، وقد حضره النبيr قبل البعثة. وقال منوهاً عنه: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدْعان حِلْف الفضول، ما لو دُعيت إليه لأجبت، وما أحب أن لي به حُمْرَ النعم».
    وهذا وإن كان فعلاً لأهل الجاهلية فقد صار بحضور r، وبما قاله في تأكيد أمره حكماً شرعياً؛ لهذا استقر الأمر فيما بعد على انفراد المظالم بولاية مستقلة يطلق على صاحبها صاحب المظالم، وقد يختلف اسمه حسب الزمان والمكان، لكنه كان ينظر في كل أمر عجز عنه القضاة، وصار قضاء المظالم ملازماً للدولة الإسلامية طوال التاريخ واستقر على ذلك.
    مجلس النظر في المظالم
    يجتمع في هذا المجلس خمس جهات: الرئيس المسمى والي المظالم أو قاضي المظالم، والحماة والأعوان الذين يعدون قوة للتنفيذ، والقضاة والحكام المعدون للاستشارة والتثبت بما عندهم من الحقوق، والفقهاء ليرجع إليهم فيما أشكل، ثم الكتَّاب لتثبيت ما جرى بين الخصوم، ثم الشهود ليشهدوا على الوقائع والتنفيذ.
    اختصاصات ناظر المظالم
    يختص ناظر المظالم باختصاصات، بعضها استشاري وبعضها إداري، وبعضها قضائي تظهر فيما يأتي:
    أولاً: حالات تعدي الأمراء والولاة على الرعية، ليقوّيهم إذا أنصفوا، ويستبدلهم إذا جاروا.
    ثانياً: حالات جور العمال في جباية الأموال لبيت المال، فإن رفعوا ما أخذوه زيادة إلى بيت المال أمر ناظر المظالم برده، وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه.
    ثالثاً: أعمال كتاب الدواوين باعتبارهم أمناء على بيوت أموال المسلمين، فإن وجد الناظر أنهم قد عدلوا عن حقٍ من دخلٍ أو خرجٍ بزيادة أو نقصان أو تزوير أعاده إلى قوانينه، وأعاد الحق إلى نصابه.
    وهذه الحالات الثلاث يباشرها والي المظالم من دون حاجة إلى طلب من المتظلم.
    رابعاً: تظلم الموظفين من نقص أرزاقهم أو تأخرها عنهم أو إجحاف النظار بهم، فينظر فيما نقص من حقهم أو منعوه من قبل، فإن كان ولاة أمورهم أخذوه لأنفسهم استرجعه منهم، وإلا قضاه من بيت المال.
    خامساً: رد الأموال المغتصبة بغير حق، وهي نوعان:
    أ- أموال اغتصبها الحكام وولاة الجور من أصحابها بغير حق. فإن علم بها والي المظالم أمر بردها، ولو قبل طلب المتظلم، وله أن يقضي هنا بعلمه، وإن لم يعلم بها توقف نظره فيها على تظلم أصحابها، فإن وجد في ديوان السلطنة ما يثبت ملكيتها عمل به، وإلا طلب من المتظلم البينة على ذلك.
    ب- أموال اغتصبها غير الحكام والولاة من ذوي الأيدي القوية، وتصرفوا بها تصرف الملاك، وهذه يتوقف النظر فيها على تظلم أربابها، لكنها لا تنتزع من يد غاصبها إلا باعتراف الغاصب، أو بعلم والي المظالم، أو ببينة تشهد على الغاصب بالغصب، أو تشهد للمتظلم بملكيته أو بتظاهر الأخبار وتواطئها على الملك.
    سادساً:الإشراف على شؤون الأوقاف، سواء العامة كالمساجد،أو الخاصة بأفراد معينين. فيمارس دوره في العامة بالنظارة عليها، وإن لم يكن فيها متظلم، ليجريها على سبيلها، ويمضيها على شروط واقفها، إذا عرفها من دواوين المكلفين بحراسة الأحكام أو من دواوين السلطنة، أو من كتب قديمة يغلب على الظن صحتها.
    وأما الخاصة فنظره عند التنازع فيها موقوف على تظلم أهلها، ولا يصدر حكمه إلا بعد إثباتها بما تثبت به الحقوق عند التنازع فيها.
    سابعاً: تنفيذ ما عجز القضاة عن تنفيذه من أحكام لتعزُّز المحكوم عليه وقوة يده، أو لعلو قدره وعظيم خطره.
    ثامناً: النظر فيما ضعف عن إصلاحه ناظرو الحسبة كمجاهرة الأقوياء بالمنكر، وتعديهم على الطرق العامة فيأخذهم والي المظالم بحق الله تعالى، ويحملهم على موجبه بالأمر.
    تاسعاً: ما يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مراعاة العبادات الظاهرة، كالجمع والأعياد، والحج والجهاد من تقصير فيها، أو إخلال بشروطها، فإن حقوق الله أولى أن تستوفى، وفروضه أحق أن تؤدى.
    عاشراً: إقامة الحق ومقتضاه في النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين، فلا يحكم بينهم إلا بما يحكم به الحكام والقضاة، فربما اشتبه حكم المظالم على الناظرين فيها، فيجورون في أحكامها، ويخرجون إلى الحد الذي لا يسوغ فيها.
    الفرق بين اختصاص المظالم واختصاص القضاء
    1- لنظار المظالم من فضل الهيبة وقوة اليد ما ليس للقضاة في كف الخصوم عن التجاحد، والتناكر للحقوق، ومنع الظلمة من التغالب والتجاذب.
    2- نظر والي المظالم فسح مجالاًَ، وأوسع مقالاً من نظر القاضي فيخرج عن ضيق الوجوب في التحقيق والإثبات والأحكام والتنفيذ إلى سعة الجواز.
    3- يصل والي المظالم إلى ظهور الحق، ومعرفة المبطل من المحق بما له من فضل الإرهاب وكشف الأسباب بالأمارات الدالة وشواهد الأحوال، ما لا يملكه القاضي.
    4- يملك والي المظالم تأديب من ظهر له ظلمه، وتقويم من بان له عدوانه.
    5- لوالي المظالم إذا اشتبهت أمور المتخاصمين و استبهمت حقوقهم استمهال الخصوم، والتأني في ترداد الأطراف ليمعن في الكشف عن حقيقة أحوالهم حتى فيما لو سأله أحد الخصمين الفصل في الحكم، ولا يسوغ للقاضي ذلك ولو طلب أحد الأطراف البت والفصل.
    6- لناظر المظالم رد الخصوم إذا أعضلوا-تعذر التوفيق بينهم-إلى وساطة الأمناء ليفصلوا في التنازع بينهم صلحاً عن تراضٍ، وليس للقاضي ذلك إلا بعد رضا الخصمين بالرد إلى الصلح.
    7- لناظر المظالم أن يفسح في ملازمة الخصمين إذا وضحت أمارات التجاحد، ويأذن في إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفل، لينقاد الخصوم إلى التناصف، ويعدلوا عن التجاحد والتكاذب.
    8- لناظر المظالم أن يسمع شهادات المستورين، وفي القضاء يقتصر القاضي على شهادة المعدلين فقط.
    9- يجوز لناظر المظالم إحلاف الشهود عند ارتيابه بهم إذا بذلوا أيمانهم طوعاً، ويستكثر من عددهم؛ ليزول الشك وينفى عنه الارتياب، وليس ذلك للقاضي.
    10- يجوز لناظر المظالم أن يبدأ باستدعاء الشهود ويسأل عما عندهم في تنازع الخصوم، وعادة القضاة تكليف المدعي إحضار بينته، وسماعها بعد مسألته وطلبه.
    بين اختصاص المظالم والحسبة
    يتفق النظر في المظالم والحسبة في أنهما يعتمدان على الرهبة وقوة الصرامة المختصة بالسلطنة، ولوالي المظالم والمحتسب أن ينظر من تلقاء نفسه وفي حدود اختصاصه لرفع العدوان والإلزام بأحكام الشرع من دون حاجة إلى مدعٍ في ذلك.
    ويختلفان في أن رتبة المظالم أعلى من رتبة الحسبة لأن النظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة، أما النظر في الحسبة فموضوع لما ترفع عنه القضاة، أو لا حاجة لعرضه على القضاء، ويترتب على ذلك:
    أنه يجوز لوالي المظالم أن يوقع (يوجه الخطاب) إلى القضاة وأهل الحسبة، ولا يجوز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم، ويجوز له أن يوقع إلى المحتسب، ولا يجوز للمحتسب أن يوقع إلى واحد منهما.
    ويجوز لوالي المظالم أن ينظر في دعاوى المتخاصمين ويفصل بينهما ويصدر حكماً قضائياً قابلاًَ للتنفيذ، أما والي الحسبة فلا يجوز له أن يصدر حكماً؛ لأنه مختص في الأمور الظاهرة التي لا اختلاف فيها ولا تنازع، ولا تحتاج إلى بينة وإثبات وحجاج.
    محمد هشام برهاني

يعمل...
X