افلاطون
Plato - Platon
أفلاطون
(428 ـ 347 ق.م)
أفلاطون Plato أو Platon فيلسوف يوناني، ولد في أثينة وتوفي فيها عن عمر يناهز الثمانين عاماً، ينتمي إلى أسرة أرستقراطية، إذ يتحدر أبوه أرسطون من كودرس، آخر ملوك أثينة، وتنتسب أمه فريقتيونة إلى الحكيم سولون، وتضم أسرتها الأرستقراطية بعضاً من رجالات أثينة وأعيانها، منهم أخوها خرميدس Charmdes وابن عمها أقريطياس Critias، وهما من الأعضاء الثلاثين في حكومة الأقلية (الأوليغارشية) التي حكمت أثينة (404- 403ق.م) في شباب أفلاطون. ويعد أفلاطون من أشهر فلاسفة اليونان القديمة، إلى جانب معلمه سقراط[ر] وتلميذه أرسطو[ر]، وممن تركوا أثراً عميقاً في تاريخ الفلسفة وفي تاريخ الفكر السياسي.
وأفلاطون هو مؤسس «الأكاديمية» التي ابتناها في أحد أطراف أثينة عام 387ق.م معبداً لربات الشعر، وقد عرفت بهذا الاسم لإطلالها على حديقة البطل أكاديموس. وأقام فيها أفلاطون يعلم الناس على طريقة أستاذه سقراط ولا يطلب من أحد أجراً. واصطفى من بين تلاميذه ثمانية وعشرين تلميذاً كان يذهب بهم في بعض الأحيان إلى منزله، وفيهم أرسطو. ومع أن «الليسية» الأرسطية نافست الأكاديمية، فقد ظلت الأكاديمية، مركزاً للتدريس والتأليف من دون انقطاع حتى أغلقها الامبراطور جوستنيان عام 529 للميلاد.
سيطر التيار الأفلاطوني على الفكر المسيحي، بدءاً من القديس أوغسطين[ر] الذي اعتنق المسيحية في القرن الخامس للميلاد بعد أن قرأ مؤلفات أفلاطون. واستمر هذا التيار الأفلاطوني، عبر حلقة كامبردج حتى القرن التاسع عشر من دون أن يتنكر للعقائد المسيحية. ذلك أن الطروحات الأساسية للفكر الأفلاطوني تؤكد روحانية النفس وتعالي القيم الأخلاقية. وقد صمدت هذه الأفكار حتى ظهور فلسفات ماركس ونيتشه وفرويد التي رأت أن في المفاهيم الأفلاطونية أوهاماً مضلِّلة.
حياته وعصره
كانت أثينة و«الدول ـ المدن» التي تجاورها في حال حروب وفوضى دائمة قادت أثينة إلى الانحطاط. إذ توالت هزائم أثينة في نزاعاتها مع إسبرطة وحلفائها. ويرجع بعض المؤرخين هذا الانحطاط إلى التضخم السكاني الذي تزامن مع الرخاء والديمقراطية لعصر بركلس Precles فقد تهافت على أثينة غرباء من كل مكان، وفيهم السفسطائيون (المعلمون)، وغيرهم، حتى تجاوز عدد سكان المدينة وضواحيها (الداخلة في قوام دولتها) نحو 200ألف نسمة. في حين أن أفلاطون وأرسطو كانا يقدران العدد المثالي لسكان هذه الدولة ـ المدينة بنحو 15ألف نسمة، ذلك أن المدينة وضواحيها تقع في منطقة جبلية محدودة الموارد، تعتمد على الحرف اليدوية والتجارة. وقد تعاظم دور العبيد في الخدمة المنزلية حتى صارت الأسر الأرستقراطية الحاكمة أقلية بالنسبة إلى الغرباء.
عاش أفلاطون انحطاط أثينة وانكسار شوكتها إثر هزيمتها البحرية في صقلية عام 413ق.م. ومع أنها حققت بعض الانتصارات البحرية العارضة فقد انتهت هذه الحرب باستسلام أثينة للقائد الإسبرطي ليساندر Lysandre الذي فرض عليها نظام حكم الأقلية (الأوليغارشي).
كان أفلاطون يميل في الفلسفة، قبل أن يصحب سقراط إلى رأي هيرقليطس. وأخذ في أول أمره يتعلم الشعر واللغة إلى أن حضر يوماً حديثاً لسقراط يقدح فيه صناعة الشعر، فأعجبه ما سمع منه ولزمه خمس سنين. ولما سقط حكم الأقلية وحل محله النظام الديمقراطي في أثينة تم توجيه تهمة إفساد الشبان إلى سقراط، وحوكم في جلسات عامة، وأصدر المحلفون حكمهم عليه بالإعدام سنة 399ق.م، فانسحب تلاميذ سقراط الذين أذهلهم الحكم إلى مدينة ميغاره Megare، جنوب أثينة، وابتعد أفلاطون عن وطنه مدة طويلة طلباً للعلم في أماكن أخرى، ويقال إنه زار مصر في أثناء ذلك. والأرجح أنه زار جنوبي إيطالية وصقلية. ومن المؤكد أن أفلاطون كان يبحث عن أصحاب فيثاغورس، وخاصة أرخيتاس التارنتي Archytas، وهو عالم رياضيات وقائد عسكري حظي بإعجاب أفلاطون الشديد، ومثّل لديه صورة الفيلسوف الملك. وقد تعرف بفضله إلى ديون Dion حليف الطاغية ديونيسوس Dionysos الأكبر، وبدأ من ثمّ بالتردد إلى بلاط هذا الحاكم الصقلي الشاب. إلا أن النفوذ الذي بدأ أفلاطون يمارسه على هذا الملك المستبد لم يرق له طويلاً. وطرد أفلاطون من سرقوسة (سرقسطة)؛ وبعد رحلة محفوفة بالأخطار في البحر وقع أفلاطون أسيراً وبيع مع العبيد، ولكن أبيقيرس وهو من أصدقائه حرره لقاء مبلغ من المال، واستطاع أفلاطون أن يعود إلى أثينة عام 387ق.م ليؤسس الأكاديمية؛ فكانت أول جامعة تضع برنامجاً لتأهيل رجال الدولة وتكوينهم تكويناً عقلياً منظماً. وقد حاول أفلاطون في أكاديميته أن يستدرك بالتربية ما فاته بالسياسة.
وبعد موت الطاغية ديونيسوس دعاه صديقه «ديون» لزيارة صقلية مرة ثانية، للإشراف على تربية ديونيسوس الأصغر آملاً أن يتبنى هذا الحاكم أفكار أفلاطون ويحقق حلمه في أن يكون الملك فيلسوفاً. غير أن عودته بعد عشرين سنة لم تثمر كثيراً. فقد نشأ خلاف بين الحاكم الجديد «ديون» اضطر الأخير بنتيجته إلى الهرب من صقلية. ورجع أفلاطون خائباً إلى أثينة، إلا أنه عاد إلى صقلية للمرة الثالثة بدعوة من ديونيسوس الأصغر نفسه نحو سنة 361ق.م. وظل سنة يتابع تدريس الأمير، ثم انقلب إلى أثينة بعد إخفاقه في التوفيق بين الأمير وصديقهما المشترك «ديون» وإخفاقه في تحقيق ما كان يصبو إليه. ومنذ عام 360ق.م وحتى وفاته ظل أفلاطون يدِّرس في الأكاديمية. وفي عام 357 نجح «ديون» في تولي السلطة في صقلية إلا أنه قتل عام 354ق.م وبموته فقد أفلاطون نهائياً الأمل بتحقيق حلمه في أن يكون الحاكم ملكاً وفيلسوفاً في آن معاً.
مؤلفاته
غلب على مؤلفات أفلاطون طابع «المحاورة» الذي ورثه عن أستاذه سقراط. ويسهل تعرف أسلوبه التربوي في محاوراته الزاخرة بجميع الآراء والمناقشات التي كانت تدور في أثناء الدروس. وقد زخرت هذه المؤلفات بصورة نابضة من جميع فروع المعرفة، واشتملت على الدروس الحية التي كان يحضرها تلاميذه من جميع الطبقات والأنحاء إضافة إلى عرض شامل للتراث الفكري اليوناني من هوميروس إلى سقراط.
يجمع مؤرخو الفلسفة على أن مؤلفات أفلاطون وصلت كاملة. وأسهمت بعض الكتب والرسائل المنحولة في تضخيم عددها. إلا أن النقاد والباحثين ميزوا الأصيل منها وصنفوها بحسب مراحل تأليفها. وسميت مصنفات الشباب بـ«المحاورات السقراطية»، لأنها تظهر آراء سقراط وتدافع عنها، وتطرح أسئلة حول مفاهيم أساسية وتتركها معلقة، ومن أشهرها «احتجاج سقراط» وهو دفاعه أمام المحكمة قبل موته، و«هيباس الأصغر» وهي حوار يدور حول العلاقة بين العلم والعمل، و«بروتاغوراس» أو السفسطائي وتدور حول الفضيلة. ومن أهم خصائص هذه المرحلة نقد آراء السفسطائيين خصوم سقراط ومعاصريه. أما «محاورات الكهولة» فتنسب إلى ما بعد عودته من جنوبي إيطالية وإنشاء الأكاديمية. وتتصف ببروز الأفكار الفيثاغورية. ومن أشهرها «المأدبة» وموضوعها الحب الذي كان أفلاطون سباقاً إلى تناوله تناولاً فلسفياً. ومحاورة «فيدون» التي تعالج موضوع خلود النفس بعد الموت. وقد أتم أفلاطون تأليف كتابه في «السياسة» (الجمهورية) الذي كتب في أوقات متباعدة في هذه المرحلة، وفيه تظهر معالم المدينة الفاضلة. أما محاورة «بارمنيدس» فيعرض فيها نظرية المُثُل. وأما «محاورات الشيخوخة» فيغلب عليها الطابع المستقل لأفكار أفلاطون، ويبرز تفوقه في الجدل، فهو يحاول تشخيص حالة السفسطائي ويميل إلى تصنيف المعاني في أنواع وأجناس، ويعرج على معنى الوجود. ومن أشهر محاورات هذه المرحلة «طيماوس» وفيها يتناول موضوع الطبيعة ونشأة الكون والخالق. وأما آخر ما كتب أفلاطون فهو «النواميس» أو «القوانين» ويتألف من اثنتي عشرة مقالة يشرّع فيها للمجتمع.
المعرفة
يعد أفلاطون فيلسوف المعرفة، فقد لخص آراء سقراط في رده على السفسطائيين.
وهذا يعني أنه تعلم من أستاذه الفروق الفلسفية الأولى بين المعرفة الآنية المتغيرة القائمة على الحس والمعرفة التي تستقر في العقل بعد تجريدها من صور المحسوسات. وأضاف أفلاطون