مراجعة «اختطاف» | القصة الدامية لتوحيد إيطاليا كدولة علمانية
كان (فرنسا) ـ خاص «سينماتوغراف»
التعصب الديني والسياسي، وإساءة استخدام السلطة، والتلاعب العاطفي والابتزاز، موضوعات فتنت المخرج الإيطالي المخضرم ماركو بيلوتشيو، وبشكل عام تركز أعماله السينمائية على الأرواح التي تُقتل أو تُشوه أو دُمرت في خدمة قضية ما، وفيلمه الجديد « Kidnapped ـ اختطاف» الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته الـ 76، ليس استثناءً لما قدمه لفترة طويلة من الزمن فهو الآن في عمر الـ 83 عامًا.
يحمل الفيلم الجديد الرقم (الحادي والثلاثين) في مسيرة بيلوتشيو المهنية الغزيرة والتي بدأت في سن 24 عاماً مع الدراما الرائعةFists in the Pocket ، ربما لا تكون أعظم أعماله، لكن فيلموغرافيا هذا المخرج مليئة بأعمال لا تُنسى.
تدور أحداث فيلم «اختطاف» التاريخي عام 1858، حول قصة حزينة لإدغاردو مورتارا البالغ من العمر 6 سنوات (الذي يلعب دوره إينا سالا، ثم ليوناردو مالتيز)، وهو أحد الأطفال الثمانية لمورتارا (فاوستو روسو أليسي) وزوجته «ماريانا» (باربرا رونشي)، وهما زوجان يهوديان يعيشان بشكل مريح مع البرجوازية البولونية، وتنتهي هذه الراحة عندما يقوم الكاهن المحلي والمحقق فيليتي (فابريزيو جيفوني) بإخراج إدغاردو الصغير بعيدًا، موضحًا أن الطفل قد عمدته سراً خادمة الأسرة، مما جعله كاثوليكيًا تلقائيًا، ولا يمكن للكاثوليك، وفقًا لعقيدة الكنيسة في ذلك الوقت، أن يُربوا على يد من ينتمون إلى ديانة مختلفة، والطريقة الوحيدة لاستعادته هي تحول الزوجين إلى الكاثوليكية، وهو ما يرفضان القيام به.
يخفي «اختطاف» رسالة قاتمة ومثيرة داخل الأزياء القديمة الجميلة والقطع الثابتة الفخمة، وهذه الطبيعة المزدوجة تخدم الفيلم بشكل جيد، الذي اعتمد على نص كتبه بيلوتشيو وسوزانا نيكشياريلي، اللذان استلهما كتابًا عن القضية من دانييل سكاليز، حيث يتبع السيناريو رحلة إدغاردو الطويلة والمؤلمة في الفاتيكان مع الأولاد اليهود الآخرين الذين أجبروا على التعليم المسيحي والتحول إلى كاثوليك مطيعين.
ومن خلال الموسيقى التصويرية الأوركسترالية الممتعة وطريقة إنتاج الفيلم من خلال المدرسة القديمة، يشعر المشاهد رغم تقليديه ما يراه أنه أمام قضية رائعة، حاول ستيفن سبيلبرغ تقديمها قبل بضع سنوات لكنه فشل في ايجاد الطفل المناسب الذي يقوم ببطولة هذا العمل، ومع أجواء الفاتيكان وظهور البابا المحتج والمتلسط يلعب دوره باولو بييروبون (ممثل مسرحي موهوب لم يظهر في السينما بشكل كافٍ)، يتغير الفيلم تماماً.
يحاول والد إدغاردو تسوية الأمور والتحاور مع السلطات الكاثوليكية، والعمل مع المجتمع اليهودي المحلي لتعبئة الأصدقاء والمؤيدين وتغطية الصحف. لكن القادة اليهود الرومان، يطلبون من الأب ترك القضية معهم لأنهم يعرفون كيفية التعامل مع البابا، ولكن يتبين لهم أن التعامل مع البابا يعني الإذلال التام.
تذكرنا تداخلات الكنيسة والسلطات السياسية، بالتعصب الديني العام في مختلف البلدان اليوم والعبء الثقيل للعنف والقمع الذي يستتبعه. ولكن، كما هو الحال دائمًا، يهتم بيلوتشيو بديناميكيات الأسرة كجسم اجتماعي يمكن أن تهاجمه السلطات وتؤثر عليه، وتصبح شخصية الأب سمة متكررة في الفيلم الذي يجعل البابا هو الأب الذي يحل محل الأب البيولوجي.
هناك بعض اللحظات التي لا تُنسى، حيث يصور الفيلم الارتباك الذي شعر به إدغاردو وهو مجبر على عبادة إله مختلف، وفي مشهد مبالغ فيه إلى حد ما، يتسلق الصبي تمثالًا عملاقًا ليسوع لإزالة المسامير الحديدية من ذراعيه وقدميه، على أمل إنقاذ معبوده الجديد. وتكشف مشاهد أخرى عن نفاق كنيسة تقوم أساسًا بغسل دماغ الشباب الإيطالي، وتعليمهم التقوى بينما تقوم بتعذيبهم نفسياً في نفس الوقت.
جلبت هذه الفضيحة إدانة عالمية للفاتيكان والبابا بيوس التاسع - الذي رفض التراجع عما حدث، وهناك نظرية، تم التلاعب بها في الفيلم، مفادها أن قضية مورتارا الدامية عجلت في توحيد إيطاليا والدعوة لتأسيس روما كعاصمة لدولة علمانية.
http://cinematographwebsite.com/
كان (فرنسا) ـ خاص «سينماتوغراف»
التعصب الديني والسياسي، وإساءة استخدام السلطة، والتلاعب العاطفي والابتزاز، موضوعات فتنت المخرج الإيطالي المخضرم ماركو بيلوتشيو، وبشكل عام تركز أعماله السينمائية على الأرواح التي تُقتل أو تُشوه أو دُمرت في خدمة قضية ما، وفيلمه الجديد « Kidnapped ـ اختطاف» الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته الـ 76، ليس استثناءً لما قدمه لفترة طويلة من الزمن فهو الآن في عمر الـ 83 عامًا.
يحمل الفيلم الجديد الرقم (الحادي والثلاثين) في مسيرة بيلوتشيو المهنية الغزيرة والتي بدأت في سن 24 عاماً مع الدراما الرائعةFists in the Pocket ، ربما لا تكون أعظم أعماله، لكن فيلموغرافيا هذا المخرج مليئة بأعمال لا تُنسى.
تدور أحداث فيلم «اختطاف» التاريخي عام 1858، حول قصة حزينة لإدغاردو مورتارا البالغ من العمر 6 سنوات (الذي يلعب دوره إينا سالا، ثم ليوناردو مالتيز)، وهو أحد الأطفال الثمانية لمورتارا (فاوستو روسو أليسي) وزوجته «ماريانا» (باربرا رونشي)، وهما زوجان يهوديان يعيشان بشكل مريح مع البرجوازية البولونية، وتنتهي هذه الراحة عندما يقوم الكاهن المحلي والمحقق فيليتي (فابريزيو جيفوني) بإخراج إدغاردو الصغير بعيدًا، موضحًا أن الطفل قد عمدته سراً خادمة الأسرة، مما جعله كاثوليكيًا تلقائيًا، ولا يمكن للكاثوليك، وفقًا لعقيدة الكنيسة في ذلك الوقت، أن يُربوا على يد من ينتمون إلى ديانة مختلفة، والطريقة الوحيدة لاستعادته هي تحول الزوجين إلى الكاثوليكية، وهو ما يرفضان القيام به.
يخفي «اختطاف» رسالة قاتمة ومثيرة داخل الأزياء القديمة الجميلة والقطع الثابتة الفخمة، وهذه الطبيعة المزدوجة تخدم الفيلم بشكل جيد، الذي اعتمد على نص كتبه بيلوتشيو وسوزانا نيكشياريلي، اللذان استلهما كتابًا عن القضية من دانييل سكاليز، حيث يتبع السيناريو رحلة إدغاردو الطويلة والمؤلمة في الفاتيكان مع الأولاد اليهود الآخرين الذين أجبروا على التعليم المسيحي والتحول إلى كاثوليك مطيعين.
ومن خلال الموسيقى التصويرية الأوركسترالية الممتعة وطريقة إنتاج الفيلم من خلال المدرسة القديمة، يشعر المشاهد رغم تقليديه ما يراه أنه أمام قضية رائعة، حاول ستيفن سبيلبرغ تقديمها قبل بضع سنوات لكنه فشل في ايجاد الطفل المناسب الذي يقوم ببطولة هذا العمل، ومع أجواء الفاتيكان وظهور البابا المحتج والمتلسط يلعب دوره باولو بييروبون (ممثل مسرحي موهوب لم يظهر في السينما بشكل كافٍ)، يتغير الفيلم تماماً.
يحاول والد إدغاردو تسوية الأمور والتحاور مع السلطات الكاثوليكية، والعمل مع المجتمع اليهودي المحلي لتعبئة الأصدقاء والمؤيدين وتغطية الصحف. لكن القادة اليهود الرومان، يطلبون من الأب ترك القضية معهم لأنهم يعرفون كيفية التعامل مع البابا، ولكن يتبين لهم أن التعامل مع البابا يعني الإذلال التام.
تذكرنا تداخلات الكنيسة والسلطات السياسية، بالتعصب الديني العام في مختلف البلدان اليوم والعبء الثقيل للعنف والقمع الذي يستتبعه. ولكن، كما هو الحال دائمًا، يهتم بيلوتشيو بديناميكيات الأسرة كجسم اجتماعي يمكن أن تهاجمه السلطات وتؤثر عليه، وتصبح شخصية الأب سمة متكررة في الفيلم الذي يجعل البابا هو الأب الذي يحل محل الأب البيولوجي.
هناك بعض اللحظات التي لا تُنسى، حيث يصور الفيلم الارتباك الذي شعر به إدغاردو وهو مجبر على عبادة إله مختلف، وفي مشهد مبالغ فيه إلى حد ما، يتسلق الصبي تمثالًا عملاقًا ليسوع لإزالة المسامير الحديدية من ذراعيه وقدميه، على أمل إنقاذ معبوده الجديد. وتكشف مشاهد أخرى عن نفاق كنيسة تقوم أساسًا بغسل دماغ الشباب الإيطالي، وتعليمهم التقوى بينما تقوم بتعذيبهم نفسياً في نفس الوقت.
جلبت هذه الفضيحة إدانة عالمية للفاتيكان والبابا بيوس التاسع - الذي رفض التراجع عما حدث، وهناك نظرية، تم التلاعب بها في الفيلم، مفادها أن قضية مورتارا الدامية عجلت في توحيد إيطاليا والدعوة لتأسيس روما كعاصمة لدولة علمانية.
http://cinematographwebsite.com/