وجد الباحثون دلائل مبكرة على احتمالية تسبب فيروس شائع -ولكن غير مضر- بالداء البطني متعذر العلاج، وذلك بتحريض جهاز المناعة على الانقلاب ضد الغلوتين.
حتى الآن، ركزت الأبحاث العلمية بشكل أساسي على فكرة أن الداء البطني مرضٌ وراثي، ولكن الدراسة الحديثة هذه تقترح أن العدوى المبكرة بفيروس يدعى الفيروس الرَيَوي reovirus)) (أو الفيروس التنفسي المعوي) قد تلعب دورًا في التسبب به أيضًا، ولكن إذا أُثبتت فرضية العدوى، فالخبر السار أنها لن تؤدي فقط إلى خيارات علاج جديدة مطلوبة بشدة، بل وربما إلى لقاح أيضًا.
والداء البطني (Celiac disease) هو حالة مناعية ذاتية يبدأ فيها الجهاز المناعي بمهاجمة بطانة الأمعاء الدقيقة في كل مرة تتعرّض فيها لأقل كمية حتى من الغلوتين، ومع أن الكثيرين ممن لديهم عدم تحمل للغلوتين غير مصابين فعلًا بالداء البطني، تعتبر مشكلة كبيرة لمئات الآلاف من الأشخاص؛ إذ يعاني واحد من كل 122 شخصًا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من الحالة هذه، ويقدّر الباحثون أن 17% فقط من أولئك المصابين قد تم تشخيصهم حقًا.
حاليًا لا يوجد أي علاج أو أساليب معالجة فعالة للحالة، والطريقة الوحيدة للتحكم بها هي عن طريق إيقاف الغلوتين تمامًا؛ ليس عن طريق تجنب الخبز والمعكرونة المصنوعة من القمح فقط، وإنما اختيار مستحضرات خالية من الغلوتين، مثل معجون الأسنان وصلصات الصويا، والعديد من المنتجات المنزلية الأخرى.
وقد وجدت دراسات سابقة رابطًا بين العدوى الفيروسية والداء البطني، ولكنها المرة الأولى التي يستطيع فيها العلماء إثبات هذا الرابط بالتجربة، مظهرين كيفية إمكانية إثارة سلالة بشرية شائعة وغير مضرة من الفيروس الريوي الداءَ البطنيَّ لدى الفئران.
ويجب أن تُكرّر النتائج لدى البشر، لكنها جزء من هيكل نامٍ للدليل يقترح أن الأمراض المناعية الذاتية، مثل الداء البطني والنمط الأول من السكري، لا تنشأ لوحدها، ولكنها تتأثر بوجود عوامل ممرضة خارجية وهذا لا يعني إمكانية تسبب العدوى لوحدها بالمرض، ولكن بالمشاركة مع عوامل جينية، قد تلعب دورًا كان مجهولًا سابقًا في إظهار الحالة، وخصوصًا إذا تزامنت العدوى مع تعرّض الأطفال للغلوتين في غذائهم.
قالت الباحثة الرئيسية بانة جبري (Bana Jabri) من مركز الداء البطني في جامعة شيكاغو:
«تظهر هذه الدراسة بوضوح إمكانية إحداث فيروس ضررًا لجهاز المناعة على الرغم من أنه لاعرضي سريريًا، وفسح المجال للإصابة بخلل مناعي ذاتي، ولداء بطني بالتحديد».
وأضافت: «ولكن سيؤخذ بعين الاعتبار أيضًا كل من الفيروس المعين وجيناته، والتداخل بين الميكروب والمضيف، والحالة الصحية للمضيف».
ويعد الغلوتين بروتينًا غذائيًا يتواجد في العديد من الحبوب العصرية، ويعاني الجسم أثناء هضمه، ما يعني أنه الأكثر ترجيحًا من بين البروتينات الأخرى لإثارة حساسيات أو استجابة المناعية.
ولكن رغم تزايد الإصابة بالداء البطني حتى أربعة أضعاف بين عامي 1990 و2011 في بعض مناطق العالم؛ ما زال العلماء غير مستوعبين تمامًا لكيفية إثارة الجهاز المناعي لبعض الأشخاص لاستجابة التهابية بهذه القوة تجاه الغلوتين، والسبب وراء ذلك، ولمَ أصبح أكثر شيوعًا.
«تعد النتائج بغاية الأهمية، بأخذ تزايد انتشار الحساسيات الغذائية والاضطرابات المناعية الذاتية مؤخرًا بعين الاعتبار، ما يقترح معدِّلًا لاختطار بيئي غير معروف»، هذا ما كتبه كل من أيلينا ف.
فيردو (Elena F. Verdu) وألبيرتو كامينيرو (Alberto Caminero) من جامعة ماك ماستر في كندا، وهما غير مشاركين في البحث العلمي السابق، في مقال رأي مرافق للبحث لدى دورية (Science).
ولمعرفة ما إن كان من الممكن أن يلعب الفيروس الريوي البشري الشائع وغير المضر دورًا في هذا التزايد، أخذت جبري وزملاؤها سلالتين مختلفتين للفيروس الريوي تصيبان البشر، النمط الأول لانغ (T1L) والنمط الثالث ديرينغ (T3D)، واختبروهما على الفئران، وقد وجدوا أن كلا النمطين يستطيعان إثارة استجابات مناعية محصنة -أي تفعيل الجهاز المناعي لمهاجمة أي جسم غريب يجده- ولكن تسبب النمط ((T1L فقط بمهاجمة أجهزة المناعة لدى الفئران للغلوتين، مثيرًا حالة مشابهة للداء البطني.
وبشكل مثير للانتباه، حرض فيروس T1L)) استجابة مناعية معتمدة على جزيء واحد بالتحديد، هو عامل الإنترفيرون المنظم 1 (IRF1)، والذي اكتشفت دراسات سابقة ارتفاع نسبته عن الطبيعي في الأمعاء الدقيقة للأطفال المصابين بالداء البطني، وتتطلب هذه النتائج الإثبات لدى البشر الآن.
كما تقترح أن البشر الذين يصابون بفيروس ((T1L قد يكونون أكثر عرضة لمواجهة استجابة مناعية ضد الغلوتين، حتى وإن لم تظهر أية أعراض جانبية أخرى.
يقول تيرينس ديرمودي (Terence Dermody) وهو أحد الباحثين من كلية الطب في جامعة بطرسبورغ: «ندرس الفيروس الريوي منذ مدة، وتفاجأنا باكتشاف الترابط المحتمل بينه وبين الداء البطني».
وأضاف: «نحن الآن في موقع علينا فيه أن نحدد العوامل الفيروسية المسؤولة عن تحريض الاستجابة المناعية الذاتية بدقة».
وقام الباحثون بعد ذلك بخطوة أبعد، وتفحصوا 73 شخصًا لا يعانون من عدم تحمل للغلوتين، و160 آخرين مصابين بالداء البطني، وأظهروا أن المرضى المصابين بالداء البطني يمتلكون مستويات أعلى من الأجسام المضادة للفيروس الريوي وتعبيرات لجينة (IRF1) من مجموعة الضبط.
وحسب الفريق، يرجح ذلك احتمالية ترك الإصابة بالفيروس الريوي علامةً دائمةً على جهاز المناعة، ما يمهد الطريق لاستجابة مناعية ذاتية لاحقة تجاه الغلوتين، ويفترضون أنه من الأكثر ترجيحًا إصابة الأطفال بالفيروس الريوي أثناء الوقت نفسه الذي يدخل به الغلوتين ضمن غذائهم تقريبًا، وهو ما قد يثير الحالة، ويخططون لاختبار هذه الفكرة في دراسات قادمة.
ويعني إثبات ذلك في دراسات لاحقة، أن لقاحًا بسيطًا قد يكون كافيًا لحماية الأطفال من عدم تحمل الغلوتين لاحقًا في حياتهم.
تقول جبري: «خلال العام الأول من حياة الطفل، يكون الجهاز المناعي ما زال قيد النضج، فبالنسبة لطفل من خلفية جينية معينة، قد تترك إصابة بفيروس معين في ذاك الوقت ندبةً تسبب عواقب بعيدة المدى».
وأضافت: «لذا نصدق أننا بالمزيد من الدراسات، قد نرغب بالتفكير ما إن كان يجب تلقيح الأطفال المعرضين لخطر كبير لتطوّر الداء البطني».