جدة التاريخية متحف مفتوح للسائحين من أنحاء العالم
عمليات الترميم حافظت على الجوانب الثقافية والبيئية للمدينة، لتقديمها كـ"وجهة سياحية عالمية".
الخميس 2023/05/25
رحلة عبر الزمن
تحافظ مدينة جدة على مكانتها كواحدة من أهم مدن العالم الإسلامي التاريخية، وتضم المدينة العديد من المعالم الأثرية والحوانيت التراثية والحارات التاريخية، وتعتبر مقصدا للملايين من الزوار من داخل السعودية وخارجها.
جدة (السعودية) - لن تكون مبالغة إذا قيل إن مدينة جدة التاريخية “متحف مفتوح” بكل ما تحمله الكلمتان من معنى. فمع أولى خطوات الزائر بالمدينة التي تعرف محليا في السعودية باسم “البلد”، يشعر بأنه قطع رحلة عبر الزمن، ليجد نفسه بين أزقة ومساجد وبيوت وخانات يرجع تاريخها إلى مئات السنين.
ومع أن بعض المؤرخين يدافعون عن أن تاريخ المدينة يمتد إلى حقبة ما قبل الإسلام، إلا أن الجميع يتفقون على أن جدة شهدت نقطة تحول مع بزوغ الإسلام، وتحديدا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
ونظرا إلى كونها الميناء الأول بالجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر، ضمت المدينة العديد من المعالم الأثرية والحوانيت التراثية والحارات التاريخية.
ووفق بيانات وزارة السياحة السعودية، تشير الدراسات الأثرية إلى وجود السكان في المنطقة المعروفة الآن بجدة منذ أيام العصور الحجرية، إذ وجدت بعض الآثار والكتابات الثمودية بمواقع شرقي المدينة.
وتعود نشأة جدة إلى نحو ثلاثة آلاف سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد بالبحر الأحمر. أما كمدينة، فيرجع بعض المؤرخين تأسيسها إلى قبيلة بني قضاعة العربية التي سكنتها بعد انهيار سد مأرب باليمن عام 115 قبل الميلاد.
وعن سبب تسميتها بجُدة، يذكر ياقوت بن عبدالله الحموي في كتابه “معجم البلدان”، أن جدة بن جرم بن قضاعة وهو أحد مشاهير العرب قبل الإسلام ولد في جدة فسماه أهله باسمها، ثم أخذت المدينة اسمه.
بينما يدافع آخرون عن اسمها جَدة، أي والدة الأب أو الأم، في إشارة إلى أم البشر حواء التي يُقال إنها دفنت في المدينة التي نزلت إليها من الجنة بينما نزل آدم في الهند والتقيا عند جبل عرفة.
أما جِدة فهو النطق الشائع للمدينة على ألسنة أهلها حاليا.
ومع ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، تطورت جدة بشكل كبير لكونها بوابة الحرمين الشريفين من اتجاه البحر وتضاعفت مكانتها عندما قام الخليفة عثمان بن عفان باختيارها عام 647 م لتصبح ميناء رئيسيا لمكة المكرمة.
وجدة تسير على هذه السنّة إلى اليوم، حيث ما زالت تعد المعبر الرئيسي للحجاج القادمين عبر البحر والجو والبر أيضا في أحيان كثيرة.
المدينة العتيقة تضم العديد من المعالم الأثرية والحوانيت التراثية والحارات التاريخية
ووصف الرحالة المقدسي البشاري في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” جدة بأنها “مدينة آمنة، بيوتها مبنية على الطراز الفارسي، ومكتظة بالأثرياء والتجار، وأزقتها مستقيمة”.
وحافظت جدة على مكانتها كواحدة من أهم مدن العالم الإسلامي طوال حكم الأمويين والعباسيين والأيوبيين، والمماليك ثم العثمانيين.
وشهدت المدينة تطورا لافتا في عهد المماليك الذين حرصوا على تشييد سور يحيط بها لحمايتها والحجاج من هجمات البرتغاليين.
وازدادت أهمية جدة مع مرور الزمن حتى أصبحت واحدة من أكبر المدن في الجزيرة العربية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وفي عام 1869 تمّ افتتاح قناة السويس في مصر، ما مثّل بداية مرحلة جديدة لنمو جدة والمناطق المحيطة بها، خاصة مع ظهور السفن البخارية.
وفي العقود التالية، تطورت جدة ومرافقها لتصبح “البلد” أشبه بالمزار السياحي داخلها، وبقي الإقبال عليها كبيرا، لاسيما مع حرص السلطات على ترميم أزقتها ومساجدها وحوانيتها.
ويلفت الأنظار حرص عمليات الترميم أو إعادة البناء على عدم المساس بالجوانب الثقافية والتراثية والبيئية للمدينة، لتقديمها كـ”وجهة سياحية عالمية”.
وفي 21 يونيو 2014 أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) منطقة جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي.
ويزور جدة سنويا الملايين من الأشخاص من داخل المملكة وخارجها لأهداف متنوعة، مثل الحج والعمرة، أو العمل، أو السياحة والترفيه. وتبعد جدة نحو 949 كيلومترا عن العاصمة الرياض، و79 كيلومترا عن مكة المكرمة، و420 كيلومترا عن المدينة المنورة.
وتقسم جدة التاريخية داخل الأسوار إلى 7 مناطق، هي: حارة المظلوم، وحارة الشام، وحارة اليمن، وحارة البحر، والبلد (أقدم أحياء جدة)، وحارة الرويس، وحارة الكرنتينة. ومن خانات جدة التاريخية الشهيرة: خان الهنود، وخان القصبة، وخان الدلالين، وخان العطارين.
وسور جدة، الذي بُني في عهد السلطان المملوكي قنصوه الغوري، يعتبر أيضا من أبرز معالم جدة البارزة، وكانت تتخلله عدة أبراج وأبواب، لكن أزيلت أجزاء كبيرة منه خلال العقود الماضية، وبقي منه جزء مرمم يرحب بالزائرين. ويعد “بيت نصيف” من أهم القصور التاريخية في جدة ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 1872، ويعد من أبرز الشواهد على النمط المعماري للمدينة.
أما “السوق الكبير” فيعد الأبرز من نوعه في جدة، ويتخصص ببيع الأقمشة في محلاته المميزة بأبوابها الخشبية.
وعلى صعيد المساجد، يعد مسجد الشافعي في “حارة المظلوم” الأقدم بالمدينة ويتميز بطراز معماري فريد، ويعتقد أن منارته قد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي.
عمليات الترميم حافظت على الجوانب الثقافية والبيئية للمدينة، لتقديمها كـ"وجهة سياحية عالمية".
الخميس 2023/05/25
رحلة عبر الزمن
تحافظ مدينة جدة على مكانتها كواحدة من أهم مدن العالم الإسلامي التاريخية، وتضم المدينة العديد من المعالم الأثرية والحوانيت التراثية والحارات التاريخية، وتعتبر مقصدا للملايين من الزوار من داخل السعودية وخارجها.
جدة (السعودية) - لن تكون مبالغة إذا قيل إن مدينة جدة التاريخية “متحف مفتوح” بكل ما تحمله الكلمتان من معنى. فمع أولى خطوات الزائر بالمدينة التي تعرف محليا في السعودية باسم “البلد”، يشعر بأنه قطع رحلة عبر الزمن، ليجد نفسه بين أزقة ومساجد وبيوت وخانات يرجع تاريخها إلى مئات السنين.
ومع أن بعض المؤرخين يدافعون عن أن تاريخ المدينة يمتد إلى حقبة ما قبل الإسلام، إلا أن الجميع يتفقون على أن جدة شهدت نقطة تحول مع بزوغ الإسلام، وتحديدا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
ونظرا إلى كونها الميناء الأول بالجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر، ضمت المدينة العديد من المعالم الأثرية والحوانيت التراثية والحارات التاريخية.
ووفق بيانات وزارة السياحة السعودية، تشير الدراسات الأثرية إلى وجود السكان في المنطقة المعروفة الآن بجدة منذ أيام العصور الحجرية، إذ وجدت بعض الآثار والكتابات الثمودية بمواقع شرقي المدينة.
وتعود نشأة جدة إلى نحو ثلاثة آلاف سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد بالبحر الأحمر. أما كمدينة، فيرجع بعض المؤرخين تأسيسها إلى قبيلة بني قضاعة العربية التي سكنتها بعد انهيار سد مأرب باليمن عام 115 قبل الميلاد.
وعن سبب تسميتها بجُدة، يذكر ياقوت بن عبدالله الحموي في كتابه “معجم البلدان”، أن جدة بن جرم بن قضاعة وهو أحد مشاهير العرب قبل الإسلام ولد في جدة فسماه أهله باسمها، ثم أخذت المدينة اسمه.
بينما يدافع آخرون عن اسمها جَدة، أي والدة الأب أو الأم، في إشارة إلى أم البشر حواء التي يُقال إنها دفنت في المدينة التي نزلت إليها من الجنة بينما نزل آدم في الهند والتقيا عند جبل عرفة.
أما جِدة فهو النطق الشائع للمدينة على ألسنة أهلها حاليا.
ومع ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، تطورت جدة بشكل كبير لكونها بوابة الحرمين الشريفين من اتجاه البحر وتضاعفت مكانتها عندما قام الخليفة عثمان بن عفان باختيارها عام 647 م لتصبح ميناء رئيسيا لمكة المكرمة.
وجدة تسير على هذه السنّة إلى اليوم، حيث ما زالت تعد المعبر الرئيسي للحجاج القادمين عبر البحر والجو والبر أيضا في أحيان كثيرة.
المدينة العتيقة تضم العديد من المعالم الأثرية والحوانيت التراثية والحارات التاريخية
ووصف الرحالة المقدسي البشاري في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” جدة بأنها “مدينة آمنة، بيوتها مبنية على الطراز الفارسي، ومكتظة بالأثرياء والتجار، وأزقتها مستقيمة”.
وحافظت جدة على مكانتها كواحدة من أهم مدن العالم الإسلامي طوال حكم الأمويين والعباسيين والأيوبيين، والمماليك ثم العثمانيين.
وشهدت المدينة تطورا لافتا في عهد المماليك الذين حرصوا على تشييد سور يحيط بها لحمايتها والحجاج من هجمات البرتغاليين.
وازدادت أهمية جدة مع مرور الزمن حتى أصبحت واحدة من أكبر المدن في الجزيرة العربية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وفي عام 1869 تمّ افتتاح قناة السويس في مصر، ما مثّل بداية مرحلة جديدة لنمو جدة والمناطق المحيطة بها، خاصة مع ظهور السفن البخارية.
وفي العقود التالية، تطورت جدة ومرافقها لتصبح “البلد” أشبه بالمزار السياحي داخلها، وبقي الإقبال عليها كبيرا، لاسيما مع حرص السلطات على ترميم أزقتها ومساجدها وحوانيتها.
ويلفت الأنظار حرص عمليات الترميم أو إعادة البناء على عدم المساس بالجوانب الثقافية والتراثية والبيئية للمدينة، لتقديمها كـ”وجهة سياحية عالمية”.
وفي 21 يونيو 2014 أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) منطقة جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي.
ويزور جدة سنويا الملايين من الأشخاص من داخل المملكة وخارجها لأهداف متنوعة، مثل الحج والعمرة، أو العمل، أو السياحة والترفيه. وتبعد جدة نحو 949 كيلومترا عن العاصمة الرياض، و79 كيلومترا عن مكة المكرمة، و420 كيلومترا عن المدينة المنورة.
وتقسم جدة التاريخية داخل الأسوار إلى 7 مناطق، هي: حارة المظلوم، وحارة الشام، وحارة اليمن، وحارة البحر، والبلد (أقدم أحياء جدة)، وحارة الرويس، وحارة الكرنتينة. ومن خانات جدة التاريخية الشهيرة: خان الهنود، وخان القصبة، وخان الدلالين، وخان العطارين.
وسور جدة، الذي بُني في عهد السلطان المملوكي قنصوه الغوري، يعتبر أيضا من أبرز معالم جدة البارزة، وكانت تتخلله عدة أبراج وأبواب، لكن أزيلت أجزاء كبيرة منه خلال العقود الماضية، وبقي منه جزء مرمم يرحب بالزائرين. ويعد “بيت نصيف” من أهم القصور التاريخية في جدة ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 1872، ويعد من أبرز الشواهد على النمط المعماري للمدينة.
أما “السوق الكبير” فيعد الأبرز من نوعه في جدة، ويتخصص ببيع الأقمشة في محلاته المميزة بأبوابها الخشبية.
وعلى صعيد المساجد، يعد مسجد الشافعي في “حارة المظلوم” الأقدم بالمدينة ويتميز بطراز معماري فريد، ويعتقد أن منارته قد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي.