السينمائي خارجا من عباءة أرسطو
متضادات غريبة تظهر في المناسبات السينمائية وتظهر خلالها اجتهادات متسرعة وخروج على منطق ما يجب وما لا يجب.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مهرجان كان يلبي نداء السياسة
كثيراً ما يتساءل السينمائيون في مراحل مبكرة من تكوينهم عن قواعد العمل السينمائي وهنا سوف يسمعون عبارة نزقة خلاصتها أن القاعدة في الفن هي اللاقاعدة.
ومنذ تلك الجدلية الأولى تبدأ علاقة السينمائي مع ما يجوز وما لا يجوز وتلك المساحة التي يتحرك عليها والتي تتسع أحيانا بسعة الإبداع نفسه، ولهذا لم يعرف هذا الإبداع عبر عقود من الزمن كيف يخرج من فضاء الحرية التي يتحرك فيها إلا في أوقات وأزمات محدودة.
فلقرب الشاشات من الناس كانت هنالك أوقات عصيبة استخدمت فيها السينما لأغراض الدعاية وليست الدعاية النازية والشيوعية - السوفيتية بعيدة عن هذا المعنى وصولا إلى بروباغاندا هوليوود وتقديم شهادات سينمائية مزورة عن حروب أميركا وجرائمها في العديد من الساحات من الحرب الباردة وحرب الجواسيس إلى احتلال أفغانستان وتدمير العراق.
وها نحن اليوم أمام مواجهة حربية مشتعلة ما بين الأطلسي من جهة وروسيا ومن معها على الأرض الأوكرانية من جهة أخرى، وهكذا انخرط مهرجان كان السينمائي هذا العام مثلا في تلبية نداء السياسة الفرنسية والأطلسية فكرس لها هذه الدورة، فصار رئيس أوكرانيا يحاضر في افتتاح المهرجان أمام جمهور من السينمائيين قادم من جميع القارات.
واستجابة لإطلالة الرجل الذي كان يعمل ممثلا أصلا، يتم استبعاد المشاركة الروسية في المهرجان والاستعاضة عنها بفيلم “زوجة تشايكوفسكي” للمخرج الروسي المعارض لموسكو كيريل سيريبرينيكوف الذي يعيش في أوروبا. وفي موازاة ذلك الاحتفاء المقصود بالممثل الأميركي توم كروز وفيلمه الأحدث الذي يمجد العسكريتاريا الأميركية الذي حمل عنوان “توب غان” مستعرضا الطيران الحربي الأميركي الفتاك وقدرته على التفوق.
وهكذا ضاعت المعايير والضوابط وما يجوز وما لا يجوز وامتد بازار الخطاب السياسي وصراعات المصالح إلى داخل صالات العرض مع اللعن الدائم لروسيا بوتين التي تمت شيطنتها في كل مكان، ومنعت الأفلام الروسية من العرض وكأنها تحمل أسلحة فتاكة.
لسنا في هذه المساحة بصدد الاستقطاب ومع من وضد من في هذا الصراع الدامي التي كلف اقتصاديات العالم مليارات الدولارات ويكاد يتسبب في تفشي الجوع في أغلب القارات مع ارتفاع علني وسريع في تكلفة المعيشة، وهو ما سوف ينعكس سلبا على مشاهدي الصالات الذين قد ينصرفون عن المشاهدة بسبب الأوضاع المستجدة لاسيما وأن الحرب مشتعلة بين أطراف تريد المضي إلى النهاية في دوامة ذلك الصراع.
في المقابل يحار الناقد المشارك في كان في أمر الاصطفاف مع من وضد من، هل ينساق لدعاية المهرجان لكي يرضى عنه أم ينأى بنفسه عن السياسة وتقلباتها فلا هو أطلسي ولا منحاز لروسيا، وهو حل أفضل في سياق الاستقطاب الذي لا تعرف نهاياته.
لكن في المقابل ووسط منجز نقدي مكتوب باللغة العربية هنالك مسابقات هي أقرب إلى الاستفتاء على أفضل الأفلام العربية، وقد ترشح فيلم “ريش” للمصري عمر الزهيري لجائزة أفضل فيلم عربي، وهنالك على الجانب الآخر نقابة أو اتحاد للنقاد يسمى الفيبرسي أو ما شابه يقال إن مقره في ألمانيا هو الآخر يختار من يشاء من العالم العربي لتمثيله في كان وغيرها، وهي مقاربة أخرى للفلسفة الأرسطية العجيبة والخروج على السائد والمألوف إذ من الطريف أن جمعية أو اتحادا غير عربي يقيّم النقاد العرب فيختار من يريد ويستبعد من يشاء، وإذا سألت كيف ولماذا فلن تجد جوابا سوى السمع والطاعة التي يريدها ذلك الاتحاد.
هي في الواقع متضادات غريبة تظهر جلية في المناسبات السينمائية وتظهر خلالها الاجتهادات المتسرعة والخروج على منطق ما يجب وما لا يجب إلى شكل من أشكال التقليعات التي تضعف المهرجان أكثر مما تقوّيه، وتعطي انطباعا أن كل شيء يجري بلا قاعدة ولا ثوابت أرسطية ولا أرسطية والسينما تتغلغل في السياسة والسياسة تركب ظهر السينما.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
متضادات غريبة تظهر في المناسبات السينمائية وتظهر خلالها اجتهادات متسرعة وخروج على منطق ما يجب وما لا يجب.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مهرجان كان يلبي نداء السياسة
كثيراً ما يتساءل السينمائيون في مراحل مبكرة من تكوينهم عن قواعد العمل السينمائي وهنا سوف يسمعون عبارة نزقة خلاصتها أن القاعدة في الفن هي اللاقاعدة.
ومنذ تلك الجدلية الأولى تبدأ علاقة السينمائي مع ما يجوز وما لا يجوز وتلك المساحة التي يتحرك عليها والتي تتسع أحيانا بسعة الإبداع نفسه، ولهذا لم يعرف هذا الإبداع عبر عقود من الزمن كيف يخرج من فضاء الحرية التي يتحرك فيها إلا في أوقات وأزمات محدودة.
فلقرب الشاشات من الناس كانت هنالك أوقات عصيبة استخدمت فيها السينما لأغراض الدعاية وليست الدعاية النازية والشيوعية - السوفيتية بعيدة عن هذا المعنى وصولا إلى بروباغاندا هوليوود وتقديم شهادات سينمائية مزورة عن حروب أميركا وجرائمها في العديد من الساحات من الحرب الباردة وحرب الجواسيس إلى احتلال أفغانستان وتدمير العراق.
وها نحن اليوم أمام مواجهة حربية مشتعلة ما بين الأطلسي من جهة وروسيا ومن معها على الأرض الأوكرانية من جهة أخرى، وهكذا انخرط مهرجان كان السينمائي هذا العام مثلا في تلبية نداء السياسة الفرنسية والأطلسية فكرس لها هذه الدورة، فصار رئيس أوكرانيا يحاضر في افتتاح المهرجان أمام جمهور من السينمائيين قادم من جميع القارات.
واستجابة لإطلالة الرجل الذي كان يعمل ممثلا أصلا، يتم استبعاد المشاركة الروسية في المهرجان والاستعاضة عنها بفيلم “زوجة تشايكوفسكي” للمخرج الروسي المعارض لموسكو كيريل سيريبرينيكوف الذي يعيش في أوروبا. وفي موازاة ذلك الاحتفاء المقصود بالممثل الأميركي توم كروز وفيلمه الأحدث الذي يمجد العسكريتاريا الأميركية الذي حمل عنوان “توب غان” مستعرضا الطيران الحربي الأميركي الفتاك وقدرته على التفوق.
وهكذا ضاعت المعايير والضوابط وما يجوز وما لا يجوز وامتد بازار الخطاب السياسي وصراعات المصالح إلى داخل صالات العرض مع اللعن الدائم لروسيا بوتين التي تمت شيطنتها في كل مكان، ومنعت الأفلام الروسية من العرض وكأنها تحمل أسلحة فتاكة.
لسنا في هذه المساحة بصدد الاستقطاب ومع من وضد من في هذا الصراع الدامي التي كلف اقتصاديات العالم مليارات الدولارات ويكاد يتسبب في تفشي الجوع في أغلب القارات مع ارتفاع علني وسريع في تكلفة المعيشة، وهو ما سوف ينعكس سلبا على مشاهدي الصالات الذين قد ينصرفون عن المشاهدة بسبب الأوضاع المستجدة لاسيما وأن الحرب مشتعلة بين أطراف تريد المضي إلى النهاية في دوامة ذلك الصراع.
في المقابل يحار الناقد المشارك في كان في أمر الاصطفاف مع من وضد من، هل ينساق لدعاية المهرجان لكي يرضى عنه أم ينأى بنفسه عن السياسة وتقلباتها فلا هو أطلسي ولا منحاز لروسيا، وهو حل أفضل في سياق الاستقطاب الذي لا تعرف نهاياته.
لكن في المقابل ووسط منجز نقدي مكتوب باللغة العربية هنالك مسابقات هي أقرب إلى الاستفتاء على أفضل الأفلام العربية، وقد ترشح فيلم “ريش” للمصري عمر الزهيري لجائزة أفضل فيلم عربي، وهنالك على الجانب الآخر نقابة أو اتحاد للنقاد يسمى الفيبرسي أو ما شابه يقال إن مقره في ألمانيا هو الآخر يختار من يشاء من العالم العربي لتمثيله في كان وغيرها، وهي مقاربة أخرى للفلسفة الأرسطية العجيبة والخروج على السائد والمألوف إذ من الطريف أن جمعية أو اتحادا غير عربي يقيّم النقاد العرب فيختار من يريد ويستبعد من يشاء، وإذا سألت كيف ولماذا فلن تجد جوابا سوى السمع والطاعة التي يريدها ذلك الاتحاد.
هي في الواقع متضادات غريبة تظهر جلية في المناسبات السينمائية وتظهر خلالها الاجتهادات المتسرعة والخروج على منطق ما يجب وما لا يجب إلى شكل من أشكال التقليعات التي تضعف المهرجان أكثر مما تقوّيه، وتعطي انطباعا أن كل شيء يجري بلا قاعدة ولا ثوابت أرسطية ولا أرسطية والسينما تتغلغل في السياسة والسياسة تركب ظهر السينما.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن