السينمائي آتوم أغويان يعيد اختراع الشرق الأوسط في فضاء المدن الكندية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السينمائي آتوم أغويان يعيد اختراع الشرق الأوسط في فضاء المدن الكندية


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٥٢٤_١٣١٨٣٢.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	45.3 كيلوبايت 
الهوية:	115439 ابراهيم العريس
    يخطئ كثر عادة في نطق اسم المخرج الكندي الأرمني، من أصول مصرية آتوم أغويان جاعلينه توم، مستغربين كيف يمكن أن يكون الاسم الصحيح آتوم – وتعني الذرة -. لكن الرجل سرعان ما يصحح لهم قائلاً إن أباه المصري الذي كان معجباً بالرئيس جمال عبد الناصر مؤيداً لإقامة "السد العالي" فرحاً بحفل افتتاح السد عام 1964 مستبشراً بتحويله مصر إلى دولة نووية، أطلق على وليده الذي ولد يوم الافتتاح نفسه اسمه المبتكر تيمناً بذلك التحويل. ويضيف آغويان المقيم في كندا والعامل فيها منذ سنوات مراهقته، مبتسماً أن تلك التسمية "المتفائلة" تزامنت مع تسمية الرئيس الإندونيسي سوكارنو الذي حضر الافتتاح الشهير إلى جانب عبد الناصر والزعيم السوفياتي خروتشوف، قد جاءته في الوقت نفسه مولودة بدت على الفور قوية الشكيمة. وإذ أخبروه هاتفياً يومها بولادتها طلب أن تسمى "ميغا واتي" تيمناً بقوة السد العالي نفسه.
    حكايات من عندنا
    والحقيقة أن آتوم أغويان إنما روى هاتين الطرفتين قبل دزينة من السنوات ليأتي ذلك خلال حديثه عن واحد من أفلامه كان الأقرب إلى قضايا الشرق الأوسط التي كثيراً ما اهتم بها في سينماه بشكل عام حتى وإن بدا هذا الفيلم ممعناً في الابتعاد الجغرافي عن منطقتنا كما سنرى بعد سطور. والفيلم الذي نتحدث عنه هنا هو "عبادة" الذي تناول موضوعاً لم يكن أول متناوليه، وإن يكن قد تناوله بأسلوبه شديد الخصوصية. والحال أنه عندما يقرأ سينمائي في صحيفة ربما تكون قديمة بعض الشيء، حكاية ذلك "المناضل" الفلسطيني الذي أرسل من لندن ذات يوم حبيبته الإيرلندية الحامل منه بطفلهما الأول، إلى تل أبيب وهي تحمل، من دون أن تدري، حقيبة يد ملئت بمتفجرات يفترض أن تنفجر وتفجر معها طائرة شركة العال الإسرائيلية وهي في الجو، ما الذي قد يفكر فيه من فوره، بخاصة إن كان سينمائياً تعنيه قضايا الشرق الأوسط في شكل أو آخر؟
    وحوش!
    قبل عرض "عبادة" بربع قرن قرأ المخرج الإيطالي الراحل دينو ريزي هذه الحكاية فحولها واحداً من الاسكتشات الأكثر مأسوية ومرارة في فيلم له عنوانه "الوحوش". في هذا الاسكتش قدم ريزي الحكاية كما هي مشدداً على وحشية ذلك المناضل اللئيم الذي أراد أن يضحي بحبيبته والجنين في أحشائها على مذبح أفكاره، بدم بارد، وكاد ينجح لولا اكتشاف أجهزة الاستخبارات للعملية قبل أوانها. نظر ريزي إلى الحكاية في شكل مباشر وصورها من دون أي تسييس. لكن أغويان، نظر إليها في "عبادة" من وجهة نظر مغايرة تماماً: لم يسع إلى التخفيف من وطأة وحشية الحدث، لكنه آثر أن يستخدمه في مجال مغاير تماماً: جعل الحدث نفسه حكاية يبني عليها مراهق كندي أسطورة تتعلق بحياته الشخصية مستخدماً جهاز الكمبيوتر وتقنياته الحديثة لنشر الحكاية التي جعل من نفسه فيها ذلك الجنين وقد صار فتى يافعاً يعيش ذكريات تلك الجريمة التي كاد أبوه يقترفها في حقه وفي حق أمه، إضافة إلى عشرات آخرين من ركاب الطائرة التي كان يفترض استهدافها. صاغ الفتى هنا، إذاً، "حكايته" على هذا النحو، ولكن من دون أن تكون حكاية حياته الحقيقية. أما القاسم المشترك بينه وبين الجنين، فهو تحدرهما معاً من أب فلسطيني الأصل، وأم غربية.
    ذكريات الشخص الآخر
    انطلاقاً من هذا الإطار الذي لا يمكن إلا الإقرار بقوته ودلالته في الإطار الخاص بالفتى المعني، أو في الإطار الأكثر عمومية والمتعلق بجملة من القضايا الشائكة، وغير الشائكة التي يعيشها عالمنا اليوم، صاغ أغويان إذا موضوع فيلمه "عبادة" الذي عرض، للمرة الأولى، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" السينمائي ذات عام. ويومها بدا واضحاً أن هذا الفيلم المركب والشديد الحداثة، والجامع بين تفاصيل السياسة والحياة الداخلية والتنقيب في الذاكرة ومسألة الإرهاب والتفكك العائلي في بوتقة واحدة، يتميز حقاً بإطلالته اللافتة على العلاقة المتوترة بين الإسلام والغرب.
    إذاً من حول حكاية الحياة والذكريات الاستثنائية التي ابتكرها بطله المراهق، حرك أغويان مجموعة من الحكايات والمواقف والشخصيات الأخرى، ذاهباً طوال المئة دقيقة التي يستغرقها عرض الفيلم، إلى خبطة مسرحية تلو الأخرى، راسماً في طريقه علاقات واحتمالات علاقات غير متوقعة، بحيث أن كل خبطة مسرحية جديدة تبدو متضمنة في سلسلة أسئلة يطرحها المتفرج على نفسه خلال دقائق تسبق اكتشافها.
    دوافع خاصة
    فمثلاً، ما إن يبدأ المتفرج في التساؤل حول ما الذي يحرك مدرّسة سيمون (آرسيني خانجيان أدت الدور في شكل رائع) ويجعلها تضحي بوقتها وتصرف المال، كي تطارد حكاية سيمون وتعرف الحقيقة الكامنة وراء اختراعه حكاية حياته، حتى يأتي الجواب من حيث لا يتوقع، مكتشفاً أن المدرسة معنية بالحكاية منذ البداية، بل حتى منذ ما قبل ولادة سيمون. وقبل ذلك حين يستبد بالمتفرج الفضول إذ يعتقد حقاً أن سيمون هو الذي كان جنين عملية الطائرة الفاشلة، يفاجئ السيناريو المتفرج بمعلومات حول مقتل والدي سيمون في حادث سيارة وهو طفل، ما يتنافى تماماً مع صدقية الحكاية التي يرويها. وهنا بالتحديد يستعيد المتفرج بعض لحظات المشاهد الأولى في الفيلم ليتذكر كيف أن كل شيء ضمن إطار الحقيقة والظاهر، هذا الإطار الذي يشكل دائماً واحدة من الخلفيات الأساس التي يبني عليها أغويان جوهر سينماه ككل -، إنما ولد في مخيلة سيمون، حين طلبت منه المدرسة في الصف، كما طلبت طبعاً من رفاقه الآخرين، أن يقرأ حكاية "المناضل" الفلسطيني الحقيقي، ليصوغ منها موضوعاً دراسياً. هنا، وإذ سنعرف أن الأب الحقيقي لسيمون هو فلسطيني أيضاً، سيستحوذ سيمون على الحكاية ويتبناها موزعاً إياها بل مناقشاً إياها بوفرة أيضاً عبر تقنيات الكمبيوتر والإنترنت، أمام محاورين له، يروح كل واحد منهم، إذ يعتقد الحكاية حقيقية، يعطي رأيه فيها وبخاصة في ما "فعله" والد سيمون.
    إن السجال الجماعي هذا، يطاول من ناحية مبدئية حكاية اخترعها سيمون أصلاً، لكنه أي السجال يطاول في الحقيقة قضية صحيحة كل الصحة. صحيحة حتى وإن لم يكن لسيمون أي علاقة بها. وعلى هذا يكون أغويان قد جدد هذه المرة في تعاطيه مع مسألة الحقيقة والمتخيل، الظاهر والباطن، من خلال الدمج المطلق بينهما. أما المدرّسة، التي تراقب هذا كله منذ البداية، فإنها ستتحرك أيضاً انطلاقاً من العلاقة التي يقيمها أغويان بين الحقيقي والمتخيل. إنها تدل على هذه العلاقة، أولاً، انطلاقاً من كونها من يمسك حقيقة ما يحدث... ولكن أيضاً انطلاقاً - وهذا ما نكتشفه لاحقاً - من كونها هي أيضاً جزءاً مما يحدث. فسابين (المدرّسة)، هي أيضاً آتية من الشرق الأوسط نفسه، تحديداً من لبنان الذي بارحته خلال حربه الأهلية إثر إبادة أسرتها على يد إحدى الميليشيات.
    بهذا طبعاً تكتمل الدائرة الشرق أوسطية في الفيلم، لكن اكتمالها ليس مسألة جغرافية فقط. إذ هنا، يحدث في "عبادة" أن الذكريات الشرق أوسطية الحقيقية أمحت تماماً، إن لدى سابين عبر انخراطها في المجتمع الكندي الذي تعيش فيه منذ زمن، أو لدى ما تبقى من أسرة سيمون (جده العنصري وخاله السلبي اللذان يتوليان تربيته بعد مقتل والديه). وما يحل محل تلك الذكريات إنما هو ذكريات أخرى منحولة ابتكرتها مخيلة وكمبيوتر سيمون بدفع من المدرّسة سابين، التي ستدرك هي وسندرك معها كم أن الأمور تبدو وكأنها وقعت في فخ اللعبة التي أطلقتها.
    هموم محلية من منطلق مبتعد
    وهكذا في هذه الحكاية التي لن نوصل تفصيلها هنا إلى نهايته إذ نكتفي بالإشارات التي قدمناها، عرف أغويان، الشرق أوسطي، كيف يدنو في بلاده الكندية البعيدة من موضوع سيقول أنه كثيراً ما أقلقه وشغل باله، ولا سيما في كل مرة يتذكر فيها أصوله البعيدة سواء كانت أرمنية أو مصرية. فعاد إليها في "عبادة" إنما من دون أن يبرح أسلوبه السينمائي الذي أعطاه فرادة لافتة ومن دون أن يبرح عالمه "الجديد" الذي يستخدمه مرصداً يراقب من خلاله أحوال العالم وما يمسه منها بالتحديد. وفي يقيننا أن ما من فيلم مشابه بلغ في تعمقه في نظرته "الشرق أوسطية" ما بلغه هذا الفيلم الذي لم تصوَّر أية لقطة منه على أية حال، في المنطقة التي يغوص في الحديث عنها.
يعمل...
X