محمد غندور
انطلقت العروض التجارية حول العالم لفيلم الأكشن والإثارة "فاست اكس" (Fast X) للمخرج الفرنسي لويس ليترير، محققة نسبة مشاهدة عالية وإيرادات تجاوزت 318 مليون دولار. نجاح جماهيري ملاحظ وعودة قوية إلى الصالات بعد جائحة كورونا، التي تسببت في سطوة مواقع البث التدقفي على حساب قاعات السينما.
العمل هو الجزء العاشر من السلسلة الشهيرة "سريع وغاضب" (Fast And Furious)، وثمة خيط رفيع يربطه بالقصص السابقة، خيط يكاد أن ينقطع في معظم مراحل الفيلم، لكن لشركة الإنتاج "يونيفيرسال ستوديوز" حسابات أخرى بعيداً من الحبكة والحوارات والسيناريو، والإكثار من المشاهد الحماسية لجذب الجمهور.
بات مشاهد هذه السلسلة يتوقع ما سيراه، فالعمل الذي تدور قصته الأساسية حول المطاردة بالسيارات السريعة والتهرب من الرقابة بمشاهد أسطورية، يعرف أن المطاردات لن تتوقف على السيارات فقط، بل تتخطى ذلك إلى الطائرات والدبابات والمروحيات والصواريخ والغواصات، وكل ما له علاقة بحبس الأنفاس. إضافة إلى أسلحة الدمار الشامل، وخراب المدن طبعاً، التي تعبر بها "السيارات النفاثة".
العمل الجديد
تدور أحداث العمل الجديد حول دومينيك توريتو (فين ديزل) وعائلته الذين يواجهون أخطر عدو لهم على الإطلاق وهو دانتي ريس (جايسون موموا) ابن هيرنان ريس، تاجر المخدرات الذي قضى عليه دوم وفريقه في فيلم Fast Five، يخطط دانتي للانتقام من دوم بعمل هجوم إرهابي في روما والإدلاء بأدلة مزورة تشير إلى تورطه، يضطر دوم إلى التحالف مع شقيقه جاكوب (جون سينا)، لإثبات براءته والتصدي لخصمه، كما يحصل على مساعدة من أصدقائه القدامى مثل شو (جيسون ستاثام).
نشاهد في روما أن المدينة تتحول إلى خراب بمجرد وصول فريق فين ديزل إليها، قنبلة مدمرة تتدحرج في أرجاء المدينة، ويحاول بطل العمل (فين ديزل) من خلال سيارته القوية الوصول إلى القنبلة وتوجيهها، كي لا تدخل الفاتيكان.
صحيح أن المشاهد مؤثرة وقوية وعنيفة ومشغولة بحرفية، لكن المبالغة أمر لا يمكن غض النظر عنه، وكأن المخرج يقول انظروا إلينا نريد أن تصل المبالغة إلى أوجها، للحصول على أكبر قدر من الإعجاب.
المبالغة
ليس مبرراً كل هذه المبالغة وافتعال الأحداث في العمل، والخيط الرفيع الذي تحدثنا عنه سابقاً اختفى مع انطلاقة الفيلم. وكأن العمل يسير في حلبة "فورمولا 1" بسرعة مخيفة لكن بلا غاية، فقط لتصوير مشاهد السرعة. واللافت في الجزء الجديد أن السباقات أو "الصراعات الحديدية" التي شهدناها كانت ثنائية فقط على عكس الأجزاء السابقة، إذ شارك في السباقات والمطاردات عدد كبير من السائقين.
إذاً هي إثارة بلا قضية ولا سيناريو، نفهم في البداية أن الممثل جيسون موموا، يريد الانتقام لمقتل والده، فيستخدم ذكاءه لمعاقبة فين ديزل الذي قتل والده تاجر المخدرات. وإذا ابتعدنا قليلاً عن قلة الحيلة في معالجة المشاهد والحبكة الدرامية، نلاحظ أن أداء الممثل فين ديزل بطل السلسلة، لا يتغير في كل الأعمال السابقة. كلمات قليلة ونظرة ثاقبة صوب المجهول، والخوف الدائم على مصير العائلة.
نظرة باتت محط سخرية لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، حتى في ضحكاته القليلة لا يبدو مختلفاً. أداء رتيب ومكرر ولا جديد في ما يقدمه، وهذا ما يفسر أحياناً استعانة السلسلة الدائمة بعدد كبير من نجوم "هوليوود" وتحديداً أبطال الأكشن كجيسون ستاثام ودوين جونسون وجون سينا وميشيل رودريغز وبري لارسون وتشارليز ثيرون.
موموا
في المقابل يبدو لافتاً جداً دور الشرير الذي قدمه جيسون موموا، الذي عرف كيف يستخدم جنون شخصيته وهدوئها ووزع كل ذلك على المشاهد التي قدمها. بدا موموا حيوياً مليئاً بالرغبة في الانتقام، أظهر ذلك بتعابير وجهه ولغة جسده، وكان عنصراً ممتعاً في العمل ومحافظاً على الفوضى التي قدمها.
بفضل أداء الممثل الأميركي ابتعد العمل ولو للحظات منفصلة عن الرتابة، ففريق فين ديزل الذي كان يجد الحلول دوماً في الأعمال السابقة لم يكن حاضراً بقوة في هذا الجزء، وأخذ موموا على عاتقه التخطيط والتقجير والسرقة ورسم الإثارة. ومن أبرز الملاحظات التي ممكن أن تسجل على هذا العمل تهميش زملاء فين ديزل كأنهم ضيوف شرف، إذ كانوا بعيدين من الأحداث.
من جهة ثانية لا يبدو أن الجزء العاشر الذي يفترض أن يكون أيقونياً كذلك، فالملاحظات عديدة عليه وأهمها أن مشاهد السيارات التي اعتدنا عليها تبدو هنا بلا هوية خاصة بها، كأنها مجمعة مما قدم سابقاً. فالمشهد الأخير في الفيلم ومحاولة اصطياد سيارة فين ديزل عبر مروحيتين قدم سابقاً بمروحية واحدة، فما الجديد الذي قدم؟ لا شيء إطلاقاً.
الهدف كان واضحاً وبقوة: الأولوية لمشاهد الأكشن والسباقات السريعة على حساب القصة والحبكة الدرامية والتجديد، وهذا النهج يبدو متبعاً في آخر ثلاثة أجزاء من السلسلة.
20 سنة مرت على بداية سلسلة "سريع وغاضب" التي قدمت 10 أفلام، وما زالت تستقطب جمهوراً جديداً على رغم عدم تجددها، لكن ثمة أسباب عدة سببت هذا النجاح، منها الكيمياء الموجودة بين الممثلين، ووجود روابط أسرية وعائلية في خلفية العمل، والأهم القتال من أجل هذه الروابط، إضافة إلى السيارات المستعملة، مما يستقطب محبي السرعة والقيادة بسهولة والمبالغة ثمة المبالغة.