شجاعة البدايات
المصدر:
استمعت في حياتي إلى آلاف النصائح ولكن النصيحة التي لا تغيب عن بالي هي «تعلم شيئاً من كل شيء»، على شاطئ الفجيرة هذا الطقس الجميل المائل للبرودة يذكرني بأن الدقائق الأولى لشخص يتأهب للسباحة ليست سهلة، التحضير للنزول في البحر والتعرض للبرد أو لدرجة حرارة مختلفة تماماً عن درجة حرارة الجسد، بداية قاسية لعدة دقائق، ثم يشعر الشخص بعدها بالرضا تدريجياً.
ومع مرور الوقت يتمنى ألّا يخرج من البحر لأن حرارته تناسبت مع حرارة الماء، ولذلك لا يمكن أن نشعر بالرضا عن الماء أو الفرح بالسباحة من دون شجاعة الدقائق الأولى، ولا يمكن أن نجعل الدقائق الأولى في المنتصف ولا في الأخير، ولا بدّ من أن تكون في البداية دائماً. إذاً من هذا المبدأ لا بدّ لنا من شجاعة البداية على نفوسنا لنبدأ.
من الممكن أن تكون القفزة إرادة، حلماً قديماً، غاية، أملاً، أو نية عظيمة في التقرب إلى ما تهفو نفسك له، أو كرهاً للحالة الدائمة من الملل واللاشيء، ولكن لا بدّ من دقائق يومياً نشعر فيها بالبرودة القارسة ونضحي بها ونصبر عليها، لنشعر آخر اليوم أو آخر الحياة بالمعنى أو بالإنجاز.
يركز الإسلام على معنى الصبر على الطاعة وعن المعصية وتهذيب رغبات النفس، وتركز أيضاً الدراسات النفسية على تأجيل اللذة والإشباع والتي بدأت بدراسة مارشميللو لجامعة ستانفورد، إلى ما يسمى اليوم بدراسات Delay of Gratification أو ضبط النفس Self contro وغالبها يربط بين ضبط النفس وتحديها في مواقف كثيرة وتأثير ذلك في الاستقرار النفسي والإنجاز وقلة الاكتئاب على المدى البعيد.
كلنا نميل لما هو آمن وسريع ومريح وعاجل، هل نركض في قاعة المغادرة لو رأينا أنه بقي دقيقتان؟ الناس هنا غالبهم يركضون. ليست الفكرة الركض وعدمه، الفكرة تحمّل الانتظار، تحمل الصبر، أن ننجز أشياء صغيرة ليس عليها العين لتتراكم وتصبح أشياء كبيرة.
مشكلة حقاً أن نرى الإنجاز «فلاشة كاميرا» سريعة يفرح بها الناس لأجلنا ثم نحزن بعدها لاختفائها فنبحث عن «فلاشة» أخرى سريعة، من المهم أن نرى أن العمل مراحل تعقبها مراحل لنصل إلى لحظة الإنجاز في وقتها ونكافئ أنفسنا عليها.
أجدادنا رحمهم الله قالوا في التعلم «لا يستطاع هذا العلم براحة الجسد وأرادوا الصبر وألم التعلم».
الطلب السريع والآمن الخالي من التحدي للذة أو للعلم أو للإنجاز يجعلنا في قلق مستمر وفي طلب مستمر للضوء ولثناء الناس، بينما تأخير اللذة أو الصبر حتى يكون الإنجاز حقيقياً ومتراكماً يورث النفس ثباتاً واستقراراً. لا بد من شجاعة البدايات.