فلسفة السيرة الذاتية وأمير الدعابة (1 - 2)
المصدر:
الحديث عن السيرة الذاتية، حديث ذو شجون، ومتاع للقلوب والأذواق ومستراح للعيون.
وهو جانبٌ مهمٌّ، وركن متمٌّ من جوانب الأدب العربي والغربي على السواء؛ لنبضه بالحياة، واختلاجه بالقوة، وفيضانه بالتجربة، وغنائه بالتربة.
وميزة هذا اللون من الدراسة، وسمة هذا اللون من السياسة، أنه يتغلغل بالقارئ في تاريخ الحضارة، ويَلِجُ بالباحث ولوجاً انسيابياً إلى عمق التجارب الإنسانية، وسحيق المخبآت النفسية.
وهو بعد ذلك طريق صحيح، وسبيل صريح، وميدان فسيح؛ في التعرف النفسي والاجتماعي والأخلاقي إلى كل من كتب فيه. ومهما يقال عن طبيعة الكتابة في السيرة الذاتية فإن الغرب سبقنا بأشواط زمنية، وذلك لاعتبارات خلقية واجتماعية. وليست السير الذاتية في ذلك سواء، فكل منها يعكس شخصية مختلفة، وأفكاراً متباينة، ورؤى متناقضة.
وتحسب أنك جِرمٌ صغير … وفيك انطوى العالم الأكبر
وقد يتيسر للقارئ أن يطلع على سير ذاتية كثيرة، غير أن سيرة كسيرة مارك توين مختلفة جداً، فمنذ اللحظة الأولى التي تمسك بها كتابه يوقعك في حباله، ويقيدك بشراكه، فتمسي رهين سجنه، وأسير محبسه، ومراقباً لغرائبه وناظراً لعجائبه، وهو بذلك يستحوذ على مشاعرك، ويستولي على أحاسيسك، فيكون قريباً من قلبك، وأثيراً من نفسك، فثمة رابطة قوية بينك وبينه تستعصي على النقض والانفصام، ولم لا وهو يحدثك عن تجارب نفسه، وحقائق جسِّه، ودخائل حياته، ودقائق ذاته!
وهو في ذات الوقت الذي يطلعك فيه - أولاً بأول - على حياته ونشأته، يطلعك أيضاً على شيء من حياة أمريكا ونشأتها في بعض ولاياتها، ويصف لك خططها وتقسيماتها والتعليم في جنباتها.