تل العمارنة Amarna

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تل العمارنة Amarna

    عمارنه (تل)

    Amarna - Amarna


    العمارنة (تل ـ)

    تل العمارنة في مصر الوسطى بمحافظة أسيوط على الضفة الشرقية لنهر النيل، على بعد 340كم إلى الجنوب من القاهرة، تنسب إلى قبيلة بني عمران البدوية التي حطت رحالها فيها منذ قرنين. ترتبط شهرتها القديمة كونها عاصمة الدولة المصرية الحديثة في عهد مؤسسها أخناتون الذي حكم مصر بين 1367ـ1350ق.م.

    عندما تولى أمنحوتب الرابع (أخناتون) حكم مصر، سار بأمور الدولة على منوال الماضي، حيث قدّس كل الآلهة المصرية، ولكن بعد أربع سنوات، تفجر الصراع بين الملك وكهنة آمون الأغنياء، وكانت أسبابه اقتصادية ـ سياسية؛ إذ أراد كهنة آمون الأغنياء الاستيلاء على السلطة، ولكن أخناتون صادر أملاكهم وأغلق معابدهم وأمر بعبادة إله واحد هو (آتون) وأمر بإنشاء عاصمة جديدة للحكم، ليحرم كهنة آمون من كل ريع اقتصادي كان سبب قوتهم (نذور ملكية وتجارية وتعدينية)، وقد أطلق على العاصمة اسم «أخت آتون» (أفق آتون) وانتقل إليها بعد سنتين وغيّر اسمه إلى أخناتون أي المفيد لآتون.

    اختار أخناتون مكاناً في مصر الوسطى لم يدنسه الشرك أو عبادة أي آلهة، ثم وضع حدوداً لمدينته الجديدة بأربعة عشر نقشاً منحوتاً على لوحات في الصخر، مقيداً نفسه بقَسَم عظيم بأن لايتعدى حدود هذه المنطقة إلى الأبد. وكانت المدينة تنقسم إلى قسمين رئيسين كأي مدينة مصرية قديمة هما: مدينة الأحياء ومدينة الأموات.

    عاش الملك والوزراء والكهنة والفنانون والعمال في مدينة الأحياء التي كان يخترقها من الشمال إلى الجنوب ثلاثة شوارع رئيسة، تقطعها عمودياً شوارع أخرى تمتد من الشرق إلى الغرب، وضمن هذه التقاطعات أقيمت البيوت السكنية، والمعابد وقصور الملك، إذ اكتُشفت أطلال ثلاثة قصور ملكية مزينة بمناظر طبيعية، نباتية وحيوانية متنوعة. وامتد أكبر هذه القصور مسافة 850 متراً من الشمال إلى الجنوب، وقد كشف عن معظم أجزائه، وهو مسّور بسور مزدوج، وبه ساحة تحيط بها تماثيل الملك والملكة، وكانت تصل القصر الملكي بالمسكن الخاص للملك قنطرة فوق الطريق الملكي. في الشمال من العمارنة قصر آخر ذو طابع فريد كان أشبه بحديقة حيوان. وفي أقصى المدينة من الجنوب اكتشفت أطلال قصر ثالث يتألف من قسمين يقع أكبرهما في الشمال، وكانت تشغله بحيرة كبيرة.

    بدأ الكشف عن آثار العمارنة عام 1891 بإشراف فلندرز بتري F.Petrie جاء بعده لودفيج بوركارت L.Burckhardt الذي عمل من عام 1907 حتى عام 1914، ثم استؤنف الكشف بعد الحرب العالمية الأولى برئاسة بندلبري J.Pendlebury إلى عام 1934.


    اتسمت معظم رسوم المقابر الصخرية في تل العمارنة بوجود قرص الشمس الذي تمتد منه أشعة على شكل أيد تحمل علامة الحياة
    وكشف في المدينة عن المعابد التي أقامها أخناتون، وأهمها معبدان مهدَّمان تفصل بينهما مسافة 300 متر، بني المعبد الكبير من حجارة صغيرة، ويحيط به سور أبعاده نحو 800´300م، يتوسط جداره الغربي مدخل على شكل صرح ذي برجين عاليين من اللبن. يتألف المعبد من ثلاثة أقسام: بيت الأفراح ولقاء آتون والهيكل، وكلها على محور واحد، أما المعبد الثاني (معبد أتون الصغير) فقد بني جنوبي بيت الملك، يحيط به سور، وفيه ثلاثة صروح على محور واحد، هيكله يشبه الهيكل في المعبد الكبير، وكانت في جنوبه مساكن الكهنة والمخازن، ثم البحيرة المقدسة.

    وجدت البعثة الألمانية في الموقع مجموعة كبيرة من تماثيل العائلة المالكة (الملك أخناتون وبناته وبعض الرؤوس لزوجته نفرتيتي، منها رأس الملكة نفرتيتي المشهور في العالم أجمع والموجود اليوم بمتحف برلين).


    رقم من تل العمارنة: رسالة باللغة الأكدية من حاكم بيبلوس رب حدد إلى فرعون مصر
    ومن أهم مكتشفات هذا الموقع هي رُقَم تل العمارنة؛ حيث عثرت امرأة مصرية في عام 1887م على بعض الرُقَم الطينية المكتوبة بالخط المسماري واللغة الأكدية، لم تلق الاهتمام في بادئ الأمر، ثم تبين أنها الرسائل التي بعثها أمراء سورية إلى الملك أخناتون أو إلى أبيه الملك أمنحوتب الثالث، وقد تضمنت طلب المساعدة العسكرية من مصر، أو بياناً للوضع العام في إمارة صاحب الرسالة ومعلومات أخرى، وقد بلغ عددها 377 رسالة، كتبها أمراء جبيل (بيبلوس) وصور وصيدا وقطنا والقدس.

    تقوم مدينة الأموات في القسم الثاني من تل العمارنة، وتضم المقابر الصخرية في الهضاب الواقعة خلف المدينة، وعثر فيها على مجموعتين كبيرتين، إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب، وقد زينت بمناظر تخص أسلوب حياة الملك وعائلته وبيئته وعبادته، ورسوم تمثل الملكة نفرتيتي وأولادها. ويتعذر في أغلب الأحيان الكشف عن الشخص الذي أقيمت له المقبرة، لولا القليل من الكتابة التي تميز الشخص المتوفى وتحدده، وقد رسم فوق المناظر الآنفة الذكر رمز الإله «آتون» (قرص الشمس الذي تمتد منه أشعة على شكل أيدٍ تحمل علامة الحياة)، كما حفلت مقابر العمارنة بنصوص تتناول بالمديح آتون أو الملك ونعمه على صاحب المقبرة وتجسّد المعاني العظيمة التي نادى بها أخناتون، فرحمة آتون لاتخص مصر والمصريين، فهو لم يخلق لهم نيلاً على الأرض فحسب، بل شملت رحمته العالم كله، إذ خلق لغير المصريين نيلاً في السماء ليروي حقولهم، ويستمتع البشر والحيوان والنبات بأشعة آتون فيبصرون ويفرحون.

    قامت في العمارنة مدرسة فنية، استلهمت مبادئها من تعاليم الديانة الأتونية التي استندت إلى الحقيقة والواقع، ودعت إلى «الماعت» أي الصدق في كل شيء، ولذا أدخلت الحياة والحركة على التماثيل والصور والنقوش هكذا بعد أن كان الملك يمثل، سواءً بالرسم أم النحت، بأجمل صورة وأكملها، وشباباً خالياً من العيوب والأمراض، صار الفنان يمثل الملك في عصر العمارنة كما هو في الواقع، بكل عيوبه ونواقصه، وقد ظهر هذا واضحاً في صور أخناتون في جلساته العائلية مع زوجته وبناته، ومن مظاهر هذه المدرسة، الاهتمام بالطبيعة، التي رسمت ليتذكر الناس نعم الإله آتون على البشر.

    سعى حكام سورية إلى التخلص من السيطرة المصرية، كما أدت أطماع الامبراطورية الحثية إلى مناطق النفوذ المصري، يضاف إلى ذلك، أن كهنة آمون، الذين حرّم أخناتون عبادة إلاههم وأغلق معابدهم وصادر أملاكهم، ومنع عنهم النذور المختلفة، ما برحوا يكيدون لأخناتون. وعند نهاية حكمه زار ت الملكة الأم ابنها في عاصمته وأطلعته على أمور المملكة التي تدهورت كثيراً، فسعى إلى مصالحة كهنة آمون بطيبة، ولكنهم رفضوا. ولم يمض وقت طويل حتى مات أخناتون، فخلفه زوج ابنته توت عنخ أتون، الذي هجر العمارنة وعاد إلى طيبة بعد وقت قصير وغير اسمه إلى توت عنخ آمون، وهذا يعني نهاية ديانة أخناتون والعودة إلى ديانة آمون اله طيبة، وهكذا هجرت عاصمة أخناتون إلى أن اكتشفت نحو عام 1887.

    محمود عبد الحميد أحمد، بشير زهدي
يعمل...
X