العلِْم (إنسانياً) Science

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العلِْم (إنسانياً) Science

    علم (انسانيا)

    Science - Science


    العِلْم



    معنى العلم

    العلم science هو نشاط إنساني معرفي مضبوط منهجياً، بهدف الكشف عن الصفات والعلاقات والقانونيات التي تخضع لها الظواهر والأشياء والعمليات الجارية في مجالات الوجود المختلفة وتفسيرها والتنبؤ بمستقبلها. والعلم كظاهرة اجتماعية يشير إلى تلك الشروط والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت تاريخياً في نشوئه وتطوره من جهة، وإلى الدور الذي يقوم به اليوم في عملية التطور الاجتماعي، وخاصةً في ظل الثورة العلمية ـ التقانية المعاصرة من جهة ثانية.

    أركان العلم الأساسية

    وتتمثل في ثلاثة:

    ـ الموضوع: بحكم موقعه المميز في هذا الوجود، وسعياً منه للمحافظة على بقائه، يقيم الإنسان علاقة بالطبيعة من جهة، وبالآخرين من بني جنسه من جهة أخرى. وعلاقة الإنسان بالطبيعة والمجتمع أدت إلى ولادة نوعين من المعارف؛ معارف عفوية ومعارف علمية. وقد كوَّنت المعارف العلمية الأساس الذي قامت عليه منظومة العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية التي لم يكن بإمكان أي منهما الارتقاء إلى مصاف العلم لو لم يختص كل واحد منها بموضوع محدد، أي تلك الظواهر والجوانب والمسائل التي تبحث فيها مجموعة من المتخصصين دون سواهم، يميزه من غيره من موضوعات العلوم الأخرى التي تشترك بمجال بحث واحد. فمع أن عالم الاجتماع وعالم النفس، على سبيل المثال، يشتركان في مجال بحث واحد هو «المجتمع»، إلا أنهما يختلفان في موضوعات بحثهما المنحوتة من المجال المذكور. وفي حين يدرس عالم الاجتماع العلاقة المتبادلة بين السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، يهتم عالم النفس بالآليات (بالميكانيزمات) الداخلية للسلوك الفردي. والأمر ذاته ينطبق على العلوم الاجتماعية والطبيعية الأخرى المختلفة.

    ـ المنهج: يعني جملة المبادىء والقواعد والإرشادات التي يجب على الباحث اتباعها بغية الكشف عن العلاقات العامة والجوهرية والضرورية التي تخضع لها الظواهر موضوع الدراسة. فإذا كان الموضوع هو الشرط اللازم لقيام علم من العلوم، فإن المنهج هو الشرط الكافي لذلك، إذ من دونه يستحيل توليد المعرفة العلمية؛ فالموضوع والمنهج مرتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، يصعب معه تصور واحد دون الآخر. هذه الحقيقة تؤكد أهمية المنهجية ودورها الحاسم في قيام هذا العلم أو ذاك وتطوره، لكنها لا تعني، تاريخياً ومنطقياً، بأي حال من الأحوال أسبقية المنهج قياساً للموضوع، كما يحلو لبعضهم أمثال فردريك نيتشهF.Nietzsche، الفيلسوف الألماني، تأكيده في قوله: «ليس انتصار العلم هو ما يميز قرننا التاسع عشر، بل انتصار المنهج العلمي على العلم».

    ـ الوظائف (الأهداف): للعلم وظائف متعددة يأتي في طليعتها الاكتشاف، أي اختبار وتقرير لعلاقات قائمة بين خصائص معينة في ظواهر الوجود المختلفة، لم تكن معلومة قبل إجراء البحث العلمي. والتفسير[ر]، أي جملة الأساليب الرامية إلى الكشف عن سبب كون هذه الظاهرة على ما هي عليه بدلاً من أن تكون شيئاً آخر. والتنبؤ[ر]، أي القدرة على توقع ما قد يحدث إذا توافرت الظروف والأسباب المؤدية إلى نتائج محددة. والضبط والتحكم، أي السيطرة على الظواهر والأحداث والوقائع وتوجيهها التوجيه المطلوب بما يخدم الإنسان. والجدير بالذكر أن الوظيفة الثالثة للعلم المتعلقة بالتنبؤ لا تتحقق بالدرجة نفسها من الدقة في جميع مجالات العلم، ففي العلوم الطبيعية عادة ما تكون التنبؤات العلمية أكثر دقة منها في العلوم الاجتماعية، لا بل إن المشكلة الحقيقية للعلوم الاجتماعية تكمن في ضعف قدرتها على التنبؤ قياساً على العلوم الطبيعية. ويعود السبب الأساسي في ضعف قدرة العلوم الاجتماعية على التنبؤ إلى خصوصية المجتمع وظواهره التي هي مجال بحث هذه العلوم، فخلافاً للظاهرة الطبيعية، لا يمكن للظاهرة الاجتماعية أن تنشأ وتتطور وتؤثر من دون وجود الإنسان ونشاطه الهادف والواعي، الأمر الذي يعوق العلوم الاجتماعية عن التنبؤ بنجاح يوازي نجاح التنبؤ في العلوم الطبيعية.

    تصنيف العلوم

    إن البحث في العلم وأركانه لايستقيم من دون إعمال النظر بإشكالية تصنيف العلوم التي ترتبط أشد الارتباط بمفهوم العلم، فتصنيف العلوم لايفيد في إحصاء المعرفة البشرية وفي وصف صلة المعارف وارتباطها ببعضها فحسب، بل في الكشف عن مستوى تطور هذه المعارف وتمايزها وفي البيئة الفكرية والثقافية التي تحتضنها أيضاً.

    وأرسطو[ر]، على سبيل المثال، يصنف علوم عصره القديم إلى علوم نظرية (علم ما بعد الطبيعة أو الفلسفة الأولى، العلم الرياضي، العلم الطبيعي) للاطلاع، وغايتها مجرد المعرفة، وعلوم شعرية (الفن والشعر والبلاغة) للإبداع وغايتها إشباع الروح، وعلوم عملية (الاقتصاد والسياسة) للانتفاع، وغايتها المعرفة لأجل تدبير الأفعال الإنسانية.

    وفي العصر الوسيط حاول العديد من أعلام الفلسفة العربية الإسلامية، القيام بتصنيف علوم عصرهم وفقاً لمعايير ومبادئ خاصة، فالفارابي[ر]، على سبيل المثال، يعتمد في تصنيفه للعلوم على موقف الإنسان المعرفي من موضوعات العلوم المختلفة؛ إذ يرى أن هنالك صنفاً من الموضوعات تطلب المعرفة فيها لذاتها، فهذا النوع من الموضوعات هو الذي يؤلف المادة الدرسية للعلوم النظرية. أما الصنف الثاني من الموضوعات، فهي، برأي الفارابي، تلك التي تطلب من أجل المنفعة المتوخاة من تحصيلها، وهذا النوع من الموضوعات تبحث فيه العلوم العملية. وقد رأى الفارابي أن العلوم العملية تابعة للعلوم النظرية وخادمة لها، لذلك تأتي في المرتبة الثانية بعد العلوم النظرية.

    وللتطور الهائل الذي شهدته العلوم في العصر الحديث، فقد باتت التصنيفات السابقة عاجزة عن استيعاب العلوم الجديدة، الأمر الذي دفع الباحثين في تصنيفات العلوم إلى الاجتهاد في هذا المجال، فكان التصنيف الشهير الذي قدمه أوغست كونتA.Comte، عالم الاجتماع الفرنسي، فقد راح يصنّف العلوم بحسب أهميتها التدريجية على النحو الآتي: الرياضيات، الفلك، الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا، علم الاجتماع. وهدف هذه العلوم، برأيه، هو مساعدة الإنسان على اكتشاف قوانين الطبيعة والكون لكي يسخّرها لنفسه.

    واليوم، بسبب ظهور علوم نوعية جديدة، صار تصنيف «كونت» قديماً؛ لعدم قدرته على استيعاب هذه العلوم، الأمر الذي يتطلب تفكيراً جديداً في عملية تقسيم العلوم.

    ولعل الأساس أو المبدأ الذي يمكن أن تتم وفقه عملية تصنيف العلوم هو المجال (الطبيعة، المجتمع، الفكر) الذي ينتمي إليه هذا العلم أو ذاك، وليس الموضوع (جانب من جوانب المجال) أو المنهج، أو أي شيء آخر،حيث يمكن تصنيف العلوم بحسب مجال بحثها إلى علوم طبيعية (فيزياء، كيمياء) وعلوم اجتماعية (علم اجتماع، علم نفس) وعلوم رمزية (فلسفة العلم، الإبستيمولوجيا).

    الثورة العلمية

    العلم بوصفه نشاطاً معرفياً مقيد ببرامج ثقافية مصوغة تاريخياً، تكوّن الأساس والأرضية التي يتحرك فوقها هذا النشاط أفقياً أو عمودياً؛ والحركة الأفقية للنشاط المعرفي تعني هضم المعلومات السابقة وإنتاجها إنتاجاً كميّاً، أما الحركة العمودية للنشاط المعرفي، فتعني التحول من حالة النمو الهائل في المعارف إلى حالة كيفية جديدة يطلق عليها الثورة العلمية.

    ويتفق معظم الدراسين على أن القرن الخامس عشر، يعد نقطة انطلاق عصر النهضة العلمية التي توجت في القرنين السادس عشر والسابع عشر بالثورة العلمية التي أسهمت في تغيير جذري لكل مرافق الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.

    وقد تبدت نوعية التحول وشموليته في تسارع وتيرة الإنتاج العلمي، وإيجاد حلول علمية لأسئلة طالما استعصت على الدارسين حول حركة الأجسام وسر انتظام حركة الأجرام السماوية وطبيعة الضوء والمد والجزر، وإعادة سبك المعارف العلمية القائمة التي أنجزها الإغريق والمسلمون خصوصاً، وفي انتشار المعرفة العلمية لدى فئات كثيرة من المواطنين، ولاسيما العاملين في النشاط الاقتصادي والتقني والفني والسياسي، مما جعل القرارات والإنجازات في مجالات الحياة المختلفة تتأثر بنتائج العلوم المختلفة التي بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تشهد تطوراً نوعياً سريعاً لم تعهده من قبل. وقد عبّر هنري بوانكاريه H.Poincaré، الفيلسوف الفرنسي، عن هذا التطور الهائل والسريع للعلوم عندما قال: «تولد النظريات العلمية في اليوم الأول، تصبح موضة في اليوم الثاني، تصير كلاسيكية في اليوم الثالث، في اليوم الرابع تصير متخلفة، وفي اليوم الخامس تصبح منسية».

    إنجازات العلم في القرن العشرين

    تفخر البشرية بإنجازها للثورة العلمية التي كانت أساساً لثورات علمية متلاحقة شهدها القرن العشرون الذي تفجرت فيه ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وثورة الهندسة الوراثية، وثورة علوم الإنسان، والذي أبقى الآفاق مفتوحة أمام ثورات علمية أخرى جديدة سيشهدها القرن الحادي والعشرون.

    وبفضل «ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات» وصل الإنسان في القرن العشرين إلى القمر، وتمكن من تحقيق قفزات علمية وتكنولوجية ومخترعات نوعية هائلة، فكان المذياع والتلفاز والحاسب والإنترنت والطائرة وغيرها من وسائل الاتصال والمواصلات التي قلَّصت المسافات، وجعلت العالم قرية واحدة صغيرة. وفي القرن العشرين أيضاً، عصر الذرة وإنتاج الطاقة النووية التي قدمت بديلاً أساسياً للطاقة الناجمة عن الفحم والنفط. ومن جهة أخرى، أحدثت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي شهدها القرن العشرون طفرة هائلة فى أساليب الإنتاج والخدمات، وأوجدت مجالات جديدة للتنافس والتطور، وأسهمت بصورة أساسية في الإسراع بمعدلات التنمية والتقدم والرفاهية فى معظم أنحاء العالم.

    ولعل أهم الثورات العلمية التي شهدها القرن العشرون وأخطرها تلك التي يطلق عليها «ثورة الهندسة الوراثية» والتي تهدف إلى هندسة الطاقم الوراثي للكائنات الحية بتوجيهه إلى أداء وظائف محددة، وبفضل هذه الثورة تم اكتشاف تركيب الحمض النووي بالخلايا الحية وغيرها، مما غيَّر أفكاراً قديمة، وحلَّ مشكلات علمية كانت مستعصية، وأجاب على تساؤلات ظلت قروناً تبحث عن إجابات ذات مصداقية، فأصبح الكون والعالم كتاباً مفتوحاً لم يُطلع عليه بعد كلياً. وتعد الهندسة الوراثية وتطبيقات التكنولوجيا الحيوية علامة مميزة على مدى تقدم الشعوب، لما تتطلبه من امكانات علمية عالية وأبحاث متطورة وتجارب معملية وحقلية تستغرق سنوات عديدة وتخضع لتقييم دقيق من عدة جهات مختصة، كما تخضع لقواعد وارشادات وقوانين صارمة حرصاً على سلامة الإنسان والحيوان والبيئة.

    إضافة إلى ذلك، عرف القرن العشرون ثورة أخرى لاتقل أهمية عن الثورات التي ذكرت، وهي الثورة التي حصلت في مجال العلوم الاجتماعية، والتي يطلق عليها عادة تسمية «ثورة علوم الإنسان» التي يعد سيغموند فرويد[ر] S.Freud ، الطبيب والسيكولوجي النمساوي أبرز روادها، والتي رفعت درجة المعرفة بالإنسان إلى حدود بعيدة لم تكن معلومة في القرون السابقة. وقد تأثر غاستون باشلار[ر] G.Bachelard، فيلسوف العلم الفرنسي، بالثورة العلمية التي تمت في العلوم الاجتماعية خاصة، إلى حد أنه عدَّ التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية جزءاً من مهمات فيلسوف العلم، إذ يقول: «إن كل تقويم في سلم المعرفة الموضوعية لابد له من إفساح المجال أمام تحليل نفساني».

    أهمية العلم والبحث العلمي في وقتنا الحاضر

    قبل نحو ألفي عام عدّ أفلاطون[ر] العلم مرادفاً للفضيلة، وقبل نحو ستة قرون أشار ابن خلدون[ر] في مقدمته إلى أهمية العلم في بناء الحضارات والعمران وتنوع الصنائع وجدلية العلاقة بينهما، وقبل نحو نصف قرن من اليوم قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإصلاح هياكلها العلمية ومؤسساتها التعليمية والتربوية بعد نجاح السوڤييت عام 1957م بإطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء.

    كل ذلك يشير إلى أهمية العلم والمكانة البارزة التي احتلها عبر العصور، وخاصة العصر الحالي، الذي يوصف بأنه عصر العلم والعلماء، فالمعارف العلمية اليوم لم تبق سجينة الجامعات والمعاهد العلمية، بل أصبحت متداولة في مختلف الأوساط؛ إنها تنفذ، بأسلوب أو بآخر، إلى قلب حياة الإنسان اليومية لتحدد تصوره للعالم، وتوجه تعامله مع الأشياء. وأكثر من ذلك، فإن المعرفة العلمية أصبحت تعد نموذجاً للحقيقة، كما أصبح نعت «علمي» مرادفا لنعت «حقيقي».

    يؤكد ذلك كله أن آفاق تقدم الشعوب، ومن ضمنها الشعب العربي، ومستقبلها مرتبط ارتباطاً عضوياً بمدى اهتمامها بالعلم والبحث العلمي وبمدى توفيرها مناخاً مناسباً من الحرية والحركة والفرص والإمكانات اللازمة لإبداع علمائها وأدائهم رسالتهم المقدسة نحو ذاتهم ومجتمعاتهم، إذ بات من المعلوم أن من لايمتلك العلم يعيش على الهامش ويستحق الشفقة.

    يوسف بريك
يعمل...
X