سفيان الثوري
(97 ـ 161هـ/716 ـ 778م)
أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري من بني ثور مضري النسب. أمير المؤمنين في الحديث، وسيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، ولد في الكوفة وتوفي في البصرة، أدرك سبعة خلفاء أمويين، وعايش ثلاثة خلفاء عباسيين. عاصر الأئمة مالكاً وأبا حنيفة و الأوزاعي، كما عاصره سميّه المحدث سفيان بن عُيينة. شهد أفول الخلافة الأموية 132هـ وقيام الخلافة العباسية على يد أبي جعفر المنصور.
نشأ في بيت تقوى وعلم وورع، ودونما رغبة منه ـ في البداية ـ توجّه للعلم وتتلمذ وأخذ عن والده سعيد بن مسروق المحدّث الشهير، مُشجعاً من والدته، تضافرت لديه الرغبة والنبوغ المبكر والحافظة الفذة والمواظبة الدؤوبة التي بوأته مكانة مرموقة جعلت مذهبه أحد المذاهب الستة المتبوعة حسب رأي الإمام النووي ولكونه ورعاً، تقياً، زاهداً، أماراً بالمعروف، ونهاءً عن المنكر، فقد نأى بنفسه عن الخلافة وعقابيل التعامل معها، فلم ترهبه مصلبة المنصور التي أعدها لصلبه لعدم تعامله، ولم تفتنه اغراءات المهدي بتوليته القضاء، في حين قبله صديقه شريك النخعي (ت177هـ) راضياً حيث قيل فيهما:
تحرّز سفيان وفرّ بدينه
وأمسى شريكٌ مرصداً للدراهم
كما أن ملاحقة الخلافة وتواريه عن عيونها وعسسها لم تمنعه من الاستمرار في الأخذ والعطاء والإسناد والتفسير. إذ تحرّى أشهر الرواة المشهود لهم بالمصداقية وأخذ عنهم، كالأعمش (ت149هـ) وأبي عبد الله عيسى بن دينار (ت212هـ) وإبراهيم بن عبد الأعلى وأسامة بن زيد والإمام جعفر الصادق وحبيب بن ثابت، وعُدَّ مصدراً موثوقاً لكل من روى عنه مثل ابن حنبل والأوزاعي و ابن باجه والنسائي ووكيع ابن الجراح وعبدالله بن المبارك، ولأن عصره، آنذاك، يمور بالفرق المستحدثة كالمرجئة والرافضة والجهمية وعقائد الديانات القديمة كالزرادشتية والبابكية والصابئة إضافة إلى البدع الأخرى فقد تصدى لها بالحجة والدليل على هدى كتاب الله وسنة رسوله.
تجلت مأثرته في دعوته الحثيثة الصادقة للتقريب بين المذاهب، جمعاً للكلمة ولمّاً للشمل بنبذ الفرقة وتجنب الجدل في المتشابه والخلاف بين الصحابة وذلك في مقولته: «إذا كنت في الشام فاذكر مناقب علي وإذا كنت في الكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعثمان». تميّز زهده العملي الذي قرنه بالدعوة للعلم والعمل واكتساب المال حتى الغنى، لدرء ذل السؤال وقهر الرجال، لكن من دون جشع ومغالاة، موائماً بين القول والفعل وذلك بعمله في التجارة ومرابطته في ثغر عسقلان أربعين يوماً، لأن الإيمان برأيه علم وعمل ومجاهدة وقيم تتمثل في : كلمة حقٍ وقول صدقٍ وجَبْهُ باغٍ، وعدم الانسياق وراء الشهرة والرياسة والمراءاة، والتسلح بالصبر والمثابرة على طلب العلم وتعليمه لمن يحتاج إليه.
أهم مؤلفاته في الحديث، على الرغم من توصيته بغسلها ومحوها: «الجامع الكبيير»، و«الجامع الصغير»، و«الفرائض»، إضافة إلى تفسيره المميز لبعض الآيات القرأنية من سور متفرقة، والتي عثر عليها مؤخراً في مكتبة رامبور بالهند. تُجمع المصادر التي خصته بالدراسة بما فيها «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصبهاني، و«الجرح والتعديل» للحافظ الشيخ أبي بكر الرازي على أنه: إمام المحدّثين وكبير الحفّاظ والمفسرين وعلم من أعلام الدين في عصره.
محمد جدوع
(97 ـ 161هـ/716 ـ 778م)
أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري من بني ثور مضري النسب. أمير المؤمنين في الحديث، وسيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، ولد في الكوفة وتوفي في البصرة، أدرك سبعة خلفاء أمويين، وعايش ثلاثة خلفاء عباسيين. عاصر الأئمة مالكاً وأبا حنيفة و الأوزاعي، كما عاصره سميّه المحدث سفيان بن عُيينة. شهد أفول الخلافة الأموية 132هـ وقيام الخلافة العباسية على يد أبي جعفر المنصور.
نشأ في بيت تقوى وعلم وورع، ودونما رغبة منه ـ في البداية ـ توجّه للعلم وتتلمذ وأخذ عن والده سعيد بن مسروق المحدّث الشهير، مُشجعاً من والدته، تضافرت لديه الرغبة والنبوغ المبكر والحافظة الفذة والمواظبة الدؤوبة التي بوأته مكانة مرموقة جعلت مذهبه أحد المذاهب الستة المتبوعة حسب رأي الإمام النووي ولكونه ورعاً، تقياً، زاهداً، أماراً بالمعروف، ونهاءً عن المنكر، فقد نأى بنفسه عن الخلافة وعقابيل التعامل معها، فلم ترهبه مصلبة المنصور التي أعدها لصلبه لعدم تعامله، ولم تفتنه اغراءات المهدي بتوليته القضاء، في حين قبله صديقه شريك النخعي (ت177هـ) راضياً حيث قيل فيهما:
تحرّز سفيان وفرّ بدينه
وأمسى شريكٌ مرصداً للدراهم
كما أن ملاحقة الخلافة وتواريه عن عيونها وعسسها لم تمنعه من الاستمرار في الأخذ والعطاء والإسناد والتفسير. إذ تحرّى أشهر الرواة المشهود لهم بالمصداقية وأخذ عنهم، كالأعمش (ت149هـ) وأبي عبد الله عيسى بن دينار (ت212هـ) وإبراهيم بن عبد الأعلى وأسامة بن زيد والإمام جعفر الصادق وحبيب بن ثابت، وعُدَّ مصدراً موثوقاً لكل من روى عنه مثل ابن حنبل والأوزاعي و ابن باجه والنسائي ووكيع ابن الجراح وعبدالله بن المبارك، ولأن عصره، آنذاك، يمور بالفرق المستحدثة كالمرجئة والرافضة والجهمية وعقائد الديانات القديمة كالزرادشتية والبابكية والصابئة إضافة إلى البدع الأخرى فقد تصدى لها بالحجة والدليل على هدى كتاب الله وسنة رسوله.
تجلت مأثرته في دعوته الحثيثة الصادقة للتقريب بين المذاهب، جمعاً للكلمة ولمّاً للشمل بنبذ الفرقة وتجنب الجدل في المتشابه والخلاف بين الصحابة وذلك في مقولته: «إذا كنت في الشام فاذكر مناقب علي وإذا كنت في الكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعثمان». تميّز زهده العملي الذي قرنه بالدعوة للعلم والعمل واكتساب المال حتى الغنى، لدرء ذل السؤال وقهر الرجال، لكن من دون جشع ومغالاة، موائماً بين القول والفعل وذلك بعمله في التجارة ومرابطته في ثغر عسقلان أربعين يوماً، لأن الإيمان برأيه علم وعمل ومجاهدة وقيم تتمثل في : كلمة حقٍ وقول صدقٍ وجَبْهُ باغٍ، وعدم الانسياق وراء الشهرة والرياسة والمراءاة، والتسلح بالصبر والمثابرة على طلب العلم وتعليمه لمن يحتاج إليه.
أهم مؤلفاته في الحديث، على الرغم من توصيته بغسلها ومحوها: «الجامع الكبيير»، و«الجامع الصغير»، و«الفرائض»، إضافة إلى تفسيره المميز لبعض الآيات القرأنية من سور متفرقة، والتي عثر عليها مؤخراً في مكتبة رامبور بالهند. تُجمع المصادر التي خصته بالدراسة بما فيها «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصبهاني، و«الجرح والتعديل» للحافظ الشيخ أبي بكر الرازي على أنه: إمام المحدّثين وكبير الحفّاظ والمفسرين وعلم من أعلام الدين في عصره.
محمد جدوع