ابن سـعيد المغـربي
(610 ـ 685 هـ/1213 ـ 1286م)
أبو الحسن، نور الدين، علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العَنْسي المُدلجي المغربي الأندلسي، من ذرية الصحابي الجليل عمار بن ياسر، ولذلك يقال له أيضاً: العَمّاري. نحوي، لغوي، مؤرخ، رحالة، من الشعراء والأخباريين، والعلماء بالأدب.
ولد في غرناطة بالأندلس. وقيل: في قلعة «يَحْصُب» قرب غرناطة، وفي غرناطة نشأ ودرس واشتهر، حتى كان واسطة عقد بيته، ودرّة قومه.
قرأ النحو على أعلام إشبيلية كأبي علي الشَّلَوْبِين، وأبي الحسن الدبّـاج، وأبي الحسن بـن عصفـور، والأعلم البطَلْيَوْسي، وغيرهم.
وممن روى عن ابن سعيد: الشرف الدمياطي.
خرج ابن سعيد من بلدته غرناطة وقام برحلة علمية طويلة، حيث جال في المغرب العربي، وأقام بتونس مدّة، ثم جاب أنحاء المشرق فزار مدن مصر، والعراق، وبلاد الشام ولاسيما دمشق وبغداد والقاهرة وحلب وغيرها من مراكز الحضارة والثقافة والفكر والأدب حتى لقب بالرحالة، ولقي لفيفاً من العلماء في تلك البلاد، وكان يلقى الإكرام والإجلال حيثما حل وأقام. وفي كتبه، التي صنفها، كثير من الإشارات إلى من اجتمع بهم من أهل العلم والأدب، وفي أي مكان أو بلدة كان لقاؤه إياهم، وقد هيأت له هذه الرحلات في أرجاء المشرق، مدة طويلة من حياته، شهرةً ومعرفة مباشرة، وأعجب به المشارقة، وزادت مكانته بتنوع مواهبه.
ففي مصر ـ وكان قدومه إليها مع والده سنة 639هـ ـ لقي لفيفاً من العلماء والأدباء كالإمام زهير الحجازي، والشاعر أبي الحسين الجزار، وبهاء الدين زهير، وابن مطروح، والمؤرخ كمال الدين بن العديم رسول صاحب حلب. ولم يلبث والده موسى بن محمد أن توفي بالاسكندرية سنة 640هـ، وكان على ابن سعيد أن يتمم رحلته ورحلة حياته وحده.
وحين قدم إلى حلب اتصل بصاحبها الناصر صلاح الدين يوسف (634ـ658هـ)، وقامت بينهما صداقة قوية، «وانثالت عليه الدنيا والخِلَع الملوكية والتواقيع بالأرزاق، ما لا يوصف».
ثم تحول إلى دمشق، ودخل مجلس السلطان ابن الملك الصالح اسماعيل، كما دخل بغداد. ثم رجع أخيراً إلى تونس واتصل بخدمة صاحبها الأمير عبد الله المستنصر فنال الدرجة الرفيعة من الحظوة لديه.
كان من الذكاء والبراعة وحضور البديهة على قدر كبير، بحيث اجتذبته مجالس الكبراء والعلماء والأدباء، معززاً مكرّماً. وهذا ما أتاح له طولَ الإقامة في مدن المشرق كالقاهرة وحلب، وأفاد من ذلك علماً كثيراً وثقافة واسعة ومالاً كثيراً.
وفي تونس ـ حيث حطّ رحاله أخيراً ـ كانت وفاته على أرجح الأقوال، وهو الذي عليه جمهرة من ترجموا له، وقيل كانت وفاته بدمشق في الحادي عشر من شعبان 673هـ.
وأخباره كثيرة، ولاسيما رحلاته، وله شعر رقيق فيه جزالة وفصاحة، أورد مقطوعاتٍ منه ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» ومنها قوله متغزلاً:
أتى عاطلَ الجيد يومَ النوى
وقد حان موعـدُنا للفـراقِ
فقلّـدتـه بلآلـي الدمـوع
ووشّحتـه بنطـاق العنـاق
وقوله:
أسكانَ مصرٍ، جاور النيلُ أرضكم
فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعـر
وكان بتلك الأرض سحرٌ، وما بقي
سوى أثرٍ يبدو على النظم والنثر
أما كتب ابن سعيد المغربي فقد زادت على العشرين، طبع بعضها، وبعضها الآخر لا يزال مخطوطاً، كما فُقد بعضها الآخر.
فمن كتبه المطبوعة: «المُغرب في حُلى المَغْرِب»، وهذا الكتاب يضم تراجم للأعلام من الأدباء والشعراء والكتّاب والعلماء والرؤساء، والحكّام والقضاة وغيرهم، ويذكر أطرافاً من أخبارهم ونقولاً من آثارهم، وقد اشترك في تأليفه على مدى مئة وخمس عشرة سنة، ستة مصنفين أندلسيين، آخرهم ابن سعيد المغربي الذي ألّف أجزاءه لصديقه ابن العديم بحلب. ويضم كتاب «المغرب» كلّه خمسة عشر جزءاً، منها ستة للأندلس، وستة لمصر، وثلاثة لبلاد المغرب:
أما قسم الأندلس فقد نشر شوقي ضيف ما وصل إلينا منه في جزأين، وطبع مرتين (1955و1964م) وفقد باقي هذا القسم من الكتاب.
وأما أقسام مصر فقد نشر سفْر منها في القاهرة 1953م بتحقيق زكي محمد حسن وشوقي ضيف، وسيدة الكاشف، وعنوان هذا الجزء المنشور «الاغتباط في حُلى مدينة الفُسطاط».
ثم نشر حسين نصار سفراً آخر من أقسام مصر في القاهرة 1970م وعنوانه «النجوم الزاهرة في حُلى حضرة القاهرة».
أما الأجزاء الخاصة بالمغرب فلم يطبع منها شيء. ومن كتبه أيضاً: «الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة»، وقد انتهى ابن سعيد من تأليفه سنة 657هـ وترجم فيه لمن عاشوا في القرن الهجري السابع، وقد حققه إبراهيم الأبياري، و«رايات المبرّزين وغايات المميّزين» ويتألف من قسمين كبيرين، أولهما في أهل الأندلس، والثاني في أهل المغرب، وجزيرة صقلية. وهو اختيارات شعرية خالصة مع إلماعات يسيرة جداً توضح شيئاً من شخصية المختار له من الأعلام، رجـالاً ونسـاءً، في القرنيـن الخامس والسادس. وقد نشر ثلاث مرات (1942م، 1973م،1987م ).
ومن كتبه الأخرى: «نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب»، و«ملوك الشعر»، و«الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد» (وهو في تاريخ بيته وبلده)، و«الشهب الثاقبة في الإنصاف بين المشارقة والمغاربة»، و«النفحة المسكية في الرحلة المكّية»، و«الرّ زمة»: ويقال إن هذا الكتاب يشتمل على حِمْل بعير من رُزَم الكراريس، لا يعلم ما فيه من الفوائد الأدبية والأخبارية إلا الله عز وجل.
محمود فاخوري
(610 ـ 685 هـ/1213 ـ 1286م)
أبو الحسن، نور الدين، علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العَنْسي المُدلجي المغربي الأندلسي، من ذرية الصحابي الجليل عمار بن ياسر، ولذلك يقال له أيضاً: العَمّاري. نحوي، لغوي، مؤرخ، رحالة، من الشعراء والأخباريين، والعلماء بالأدب.
ولد في غرناطة بالأندلس. وقيل: في قلعة «يَحْصُب» قرب غرناطة، وفي غرناطة نشأ ودرس واشتهر، حتى كان واسطة عقد بيته، ودرّة قومه.
قرأ النحو على أعلام إشبيلية كأبي علي الشَّلَوْبِين، وأبي الحسن الدبّـاج، وأبي الحسن بـن عصفـور، والأعلم البطَلْيَوْسي، وغيرهم.
وممن روى عن ابن سعيد: الشرف الدمياطي.
خرج ابن سعيد من بلدته غرناطة وقام برحلة علمية طويلة، حيث جال في المغرب العربي، وأقام بتونس مدّة، ثم جاب أنحاء المشرق فزار مدن مصر، والعراق، وبلاد الشام ولاسيما دمشق وبغداد والقاهرة وحلب وغيرها من مراكز الحضارة والثقافة والفكر والأدب حتى لقب بالرحالة، ولقي لفيفاً من العلماء في تلك البلاد، وكان يلقى الإكرام والإجلال حيثما حل وأقام. وفي كتبه، التي صنفها، كثير من الإشارات إلى من اجتمع بهم من أهل العلم والأدب، وفي أي مكان أو بلدة كان لقاؤه إياهم، وقد هيأت له هذه الرحلات في أرجاء المشرق، مدة طويلة من حياته، شهرةً ومعرفة مباشرة، وأعجب به المشارقة، وزادت مكانته بتنوع مواهبه.
ففي مصر ـ وكان قدومه إليها مع والده سنة 639هـ ـ لقي لفيفاً من العلماء والأدباء كالإمام زهير الحجازي، والشاعر أبي الحسين الجزار، وبهاء الدين زهير، وابن مطروح، والمؤرخ كمال الدين بن العديم رسول صاحب حلب. ولم يلبث والده موسى بن محمد أن توفي بالاسكندرية سنة 640هـ، وكان على ابن سعيد أن يتمم رحلته ورحلة حياته وحده.
وحين قدم إلى حلب اتصل بصاحبها الناصر صلاح الدين يوسف (634ـ658هـ)، وقامت بينهما صداقة قوية، «وانثالت عليه الدنيا والخِلَع الملوكية والتواقيع بالأرزاق، ما لا يوصف».
ثم تحول إلى دمشق، ودخل مجلس السلطان ابن الملك الصالح اسماعيل، كما دخل بغداد. ثم رجع أخيراً إلى تونس واتصل بخدمة صاحبها الأمير عبد الله المستنصر فنال الدرجة الرفيعة من الحظوة لديه.
كان من الذكاء والبراعة وحضور البديهة على قدر كبير، بحيث اجتذبته مجالس الكبراء والعلماء والأدباء، معززاً مكرّماً. وهذا ما أتاح له طولَ الإقامة في مدن المشرق كالقاهرة وحلب، وأفاد من ذلك علماً كثيراً وثقافة واسعة ومالاً كثيراً.
وفي تونس ـ حيث حطّ رحاله أخيراً ـ كانت وفاته على أرجح الأقوال، وهو الذي عليه جمهرة من ترجموا له، وقيل كانت وفاته بدمشق في الحادي عشر من شعبان 673هـ.
وأخباره كثيرة، ولاسيما رحلاته، وله شعر رقيق فيه جزالة وفصاحة، أورد مقطوعاتٍ منه ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» ومنها قوله متغزلاً:
أتى عاطلَ الجيد يومَ النوى
وقد حان موعـدُنا للفـراقِ
فقلّـدتـه بلآلـي الدمـوع
ووشّحتـه بنطـاق العنـاق
وقوله:
أسكانَ مصرٍ، جاور النيلُ أرضكم
فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعـر
وكان بتلك الأرض سحرٌ، وما بقي
سوى أثرٍ يبدو على النظم والنثر
أما كتب ابن سعيد المغربي فقد زادت على العشرين، طبع بعضها، وبعضها الآخر لا يزال مخطوطاً، كما فُقد بعضها الآخر.
فمن كتبه المطبوعة: «المُغرب في حُلى المَغْرِب»، وهذا الكتاب يضم تراجم للأعلام من الأدباء والشعراء والكتّاب والعلماء والرؤساء، والحكّام والقضاة وغيرهم، ويذكر أطرافاً من أخبارهم ونقولاً من آثارهم، وقد اشترك في تأليفه على مدى مئة وخمس عشرة سنة، ستة مصنفين أندلسيين، آخرهم ابن سعيد المغربي الذي ألّف أجزاءه لصديقه ابن العديم بحلب. ويضم كتاب «المغرب» كلّه خمسة عشر جزءاً، منها ستة للأندلس، وستة لمصر، وثلاثة لبلاد المغرب:
أما قسم الأندلس فقد نشر شوقي ضيف ما وصل إلينا منه في جزأين، وطبع مرتين (1955و1964م) وفقد باقي هذا القسم من الكتاب.
وأما أقسام مصر فقد نشر سفْر منها في القاهرة 1953م بتحقيق زكي محمد حسن وشوقي ضيف، وسيدة الكاشف، وعنوان هذا الجزء المنشور «الاغتباط في حُلى مدينة الفُسطاط».
ثم نشر حسين نصار سفراً آخر من أقسام مصر في القاهرة 1970م وعنوانه «النجوم الزاهرة في حُلى حضرة القاهرة».
أما الأجزاء الخاصة بالمغرب فلم يطبع منها شيء. ومن كتبه أيضاً: «الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة»، وقد انتهى ابن سعيد من تأليفه سنة 657هـ وترجم فيه لمن عاشوا في القرن الهجري السابع، وقد حققه إبراهيم الأبياري، و«رايات المبرّزين وغايات المميّزين» ويتألف من قسمين كبيرين، أولهما في أهل الأندلس، والثاني في أهل المغرب، وجزيرة صقلية. وهو اختيارات شعرية خالصة مع إلماعات يسيرة جداً توضح شيئاً من شخصية المختار له من الأعلام، رجـالاً ونسـاءً، في القرنيـن الخامس والسادس. وقد نشر ثلاث مرات (1942م، 1973م،1987م ).
ومن كتبه الأخرى: «نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب»، و«ملوك الشعر»، و«الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد» (وهو في تاريخ بيته وبلده)، و«الشهب الثاقبة في الإنصاف بين المشارقة والمغاربة»، و«النفحة المسكية في الرحلة المكّية»، و«الرّ زمة»: ويقال إن هذا الكتاب يشتمل على حِمْل بعير من رُزَم الكراريس، لا يعلم ما فيه من الفوائد الأدبية والأخبارية إلا الله عز وجل.
محمود فاخوري