يُعتبر البولونيوم (Po) من المعادن المشعة شديدة التطاير والندرة. وقبل أن تكتشفه عالمة الفيزياء والكيمياء ماري كوري، كان اليورانيوم والثوريوم العنصرين المشعين الوحيدين المعروفين، وقد سمته كوري بالبولونيوم تبعًا لبولندا، بلدها الأم.
يُعد البولونيوم أحد العناصر قليلة الاستخدام والفائدة للبشر، باستثناء استخدامه لبعض الغايات الخطيرة؛ إذ استُخدِم كمحفز في أول قنبلة ذرية، ويُشتبه باستخدامه في تسميم بعض الوفيات البارزة.
أمّا في الاستعمالات التجارية، فيُستخدم البولونيوم في بعض الأحيان لإزالة الكهرباء الساكنة في الآلات، أو الغبار من أفلام التصوير الفوتوغرافي، كذلك يمكن استخدامه بمثابة مصدر حرارة خفيف الوزن للطاقة الحرارية الكهربائية في الأقمار الصناعية الفضائية.
التصنيف
يقع البولونيوم في المجموعة 16 والدورة 6 من الجدول الدوري للعناصر، ويُصَنَّف كمعدن لأن ناقليته الكهربائية تتناقص كلما ارتفعت درجة حرارته، وفقًا للجمعية الملكية للكيمياء.
هو أثقل المعادن المنتمية لمجموعة (الكالكوجين-(Chalcogens المعروفة أيضًا باسم عائلة الأكسجين، وهي مجموعة من العناصر تكمن جميعها في خامات النحاس. تشمل الكالكوجينات إضافةً للبولونيوم: الأكسجين، والكبريت، والسيلينيوم، والتيلوريوم.
هناك 33 نظيرًا معروفًا (ذرات لنفس العنصر، ولكن بعدد نيوترونات مختلف) من البولونيوم، وجميع هذه النظائر مشعة. عدم الاستقرار الإشعاعي لهذا العنصر هو ما يجعله مرشحًا مناسبًا للاستخدام في القنابل الذرية.
العدد الذري لعنصر البولونيوم
الخصائص الفيزيائية
- العدد الذري (عدد البروتونات في النواة): 84.
- الرمز الذري (في الجدول الدوري للعناصر): Po.
- الوزن الذري (متوسط كتلة الذرة): 209.
- الكثافة: 9.32 غرام لكل سنتيمتر مكعب.
- الحالة في درجة حرارة الغرفة: صلب.
- درجة الانصهار: 489.2 درجة فهرنهايت (254 درجة مئوية)
- درجة الغليان: 1763.6 درجة فهرنهايت (962 درجة مئوية)
- النظير الأكثر شيوعًا هو Po-210، وعمره النصفي 138 يومًا فقط.
عندما اكتشف الزوجان ماري وبيير كوري البولونيوم، كانا يبحثان عن مصدر النشاط الإشعاعي في خامة طبيعية غنية باليورانيوم تدعى البتشبلند أو اليورانينيت. لاحظ الاثنان أن البتشبلند غير المكرر كان أكثر إشعاعية من اليورانيوم المفصول منه، لذا أدركا أن البتشبلند يحتوي عنصرًا مشعًا آخر على الأقل.
اشترى العالمان كميات من البتشبلند كي يتمكنا من فصل مركبات هذه الخامات المعدنية كيميائيًا، وبعد أشهر من العمل الشاق، استطاعا في النهاية عزل العنصر المشع: وهو مادة أكثر إشعاعًا من اليورانيوم بـ 400 مرة، بحسب الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية (IUPAC).
كان استخلاص البولونيوم أمرًا صعبًا نظرًا لكميته الضئيلة للغاية؛ 1 طن من خام اليورانيوم يحتوي على نحو 100 ميكروغرام (0.0001 غرام) فقط من البولونيوم. ومع ذلك، تمكّن العالمان من استخلاص النظير الذي نعرفه الآن باسم البولونيوم-209 (Po-209).
اقرأ أيضًا:
المصادر
يمكن العثور على آثار من البولونيوم-210 (Po-210) في التربة والهواء، على سبيل المثال: ينتج البولونيوم-210 أثناء اضمحلال غاز الرادون -222 الذي ينتج عن تحلل الراديوم، والراديوم ناتج عن تحلل اليورانيوم الذي يكمن في كل الصخور تقريبًا، وفي التربة الناشئة عن الصخور.
يمكن للأشنات امتصاص البولونيوم مباشرةً من الغلاف الجوي، لذا قد يمتلك الأشخاص الذين يتغذون على حيوانات الرنة تركيزات أعلى من البولونيوم في دمائهم، وذلك لأن حيوانات الرنة تتناول الأشنات.
يُعد البولونيوم عنصرًا طبيعيًا نادرًا، فعلى الرغم من تواجده في خامات اليورانيوم، إلا أن استخراجه منها غير اقتصادي، إذ لا يوجد سوى 100 ميكروغرام تقريبًا من البولونيوم في طن واحد (0.9 طن متري) من خام اليورانيوم.
عوضًا عن ذلك، يجري الحصول على البولونيوم بواسطة قذف البزموت-209 (نظير مستقر) بالنيوترونات في مفاعل نووي، وهذا يخلق البزموت-210 المشع، الذي يضمحل ليعطي البولونيوم من خلال عملية تدعى الاضمحلال بيتا، طبقًا للجمعية الملكية للكيمياء.
بحسب اللجنة التنظيمية للطاقة النووية في الولايات المتحدة، فإنّ إنتاج البولونيوم يقدر بنحو 100 غرام (3.5 أونصة) من البولونيوم-210 في جميع أنحاء العالم كل عام.
الاستعمالات التجارية
للبولونيوم استعمالات تجارية قليلة بسبب نشاطه الإشعاعي العالي. تتضمن استخداماته المحدودة إزالة الكهرباء الساكنة في الآلات، وإزالة الغبار من أفلام التصوير الفوتوغرافي. في كلا الاستخدامين، يجب أن يُغلَّف البولونيوم بعناية لحماية المستخدم.
كذلك يُستَخدَم هذا العنصر بمثابة مصدر حرارة خفيف الوزن للطاقة الحرارية الكهربائية في الأقمار الصناعية وغيرها من المركبات الفضائية، ذلك لأن البولونيوم يتحلل بسرعة، وبذلك يطلق كمية كبيرة من الطاقة على هيئة حرارة، فغرام واحد فقط من البولونيوم سيعطي درجة حرارة قدرها 500 درجة مئوية (932 درجة فهرنهايت) خلال اضمحلاله.
اقرأ أيضًا:
استخدامه في القنبلة الذرية
بدأ فيلق مهندسي الجيش خلال منتصف الحرب العالمية الثانية بتنظيم مشروع مانهاتن الهندسي، وهو برنامج بحث وتطوير سري للغاية، مهمته الأساسية إنتاج أول سلاح نووي في العالم.
لم يكن هناك أي سبب يدعو لعزل البولونيوم في شكله النقي أو لإنتاجه بأي كمية كبيرة قبل أربعينيات القرن العشرين، وذلك بسبب عدم وجود استخدام معروف له، وعدم معرفة سوى القليل من المعلومات عنه، لكن بدأ مهندسو المشروع في دراسة البولونيوم ووجدوا أنه عنصر مهم لسلاحهم النووي. وفق مؤسسة التراث الذرية، كان الخليط المكون من البولونيوم والبريليوم -وهو عنصر نادر آخر- بمثابة البادئ للقنبلة.
نُقِل مشروع أبحاث البولونيوم بعد الحرب إلى مختبر موند في مياميسبيرغ في ولاية أوهايو، وهو أول منشأة دائمة للطاقة الذرية لتطوير الأسلحة النووية عند إتمامه عام 1949.
استخدامه في التسميم
البولونيوم سام للبشر، حتى بكميات قليلة جدًا، وقد تكون إيرين جوليو- كوري ابنة ماري كوري أول شخص يموت من التسمم بالبولونيوم، إذ انفجرت كبسولة بولونيوم على مقعد مختبرها عام 1946، الأمر الذي ربما كان السبب في إصابتها بسرطان الدم ووفاتها بعد 10 سنوات.
بالإضافة إلى أن التسمم بالبولونيوم كان سبب وفاة ألكسندر ليتفينينكو، وهو جاسوس روسي سابق كان يعيش في لندن عام 2006 بعد طلبه اللجوء السياسي.
يُشتبه أيضًا أن التسمم بالبولونيوم كان السبب في وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، إذ وجدوا مستويات عالية من البولونيوم 210 على ملابسه، ذلك وفقًا لـ وول ستريت جورنال.
كشفت دراسة أجريت عام 2011 ونُشرِت في مجلة أبحاث النيكوتين والتبغ أن شركات التبغ كانت على دراية بأن السجائر ومنتجات التبغ الأخرى تحتوي على مستويات منخفضة من البولونيوم، ويعتقد مؤلفو الدراسة أنّ النشاط الإشعاعي من البولونيوم في السجائر مسؤول عن 138 حالة وفاة لكل 1000 مدخن خلال فترة 25 سنة.
أظهر بحث آخر أنّ كمية البولونيوم في ضلوع المدخنين هي ضعف ما هو موجود لدى غير المدخنين، ذلك وفقًا لشبكة بيانات السموم التابعة للمعهد الوطني الأمريكي للصحة.