كاليداسا(شاعر ملحمي وكاتب مسرحي)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كاليداسا(شاعر ملحمي وكاتب مسرحي)

    كاليداسا Kalidasa - Kalidasa
    كاليداسا



    (القرن الخامس الميلادي)

    كاليداسا Kãlidãsa، شاعر ملحمي وكاتب مسرحي بارز في أدب البلاط السنسكريتي (كاڤيا Kãvya) في الهند القديمة في مرحلة حكم سلالة غوبتا Gupta ء(320ـ550م). لاتتوافر معلومات دقيقة حول حياته، إذ إنها محاطة بكثير من الحكايات الخرافية وهالات التبجيل، وما يستنتج منها هو أنه براهماني Brahman من أتباع عبادة الإله شيڤا Shiva، وأن مسقط رأسه هو مدينة أُجَّاييني Ujjayini. كان كاليداسا مشهوراً نحو عام 470م، وكان مطلعاً على علم التنجيم Astrology اليوناني الذي انتشر في الهند منذ 350م، ومن ثم يرجح أنه عاش نحو عام 400م في عهد الملك تشاندراغوبتا الثاني Candragupta II.

    بسبب قامته الأدبية الفارعة وشهرته الواسعة، نُسب إليه كثير من الأعمال الأدبية، إلا أن التحليل الأسلوبي العلمي ميَّز بينها وبين أعماله الأصيلة. فإلى جانب بعض الملاحم والقصائد ترك كاليداسا ثلاث مسرحيات بلغت بالأدب السنسكريتي ذروة كماله، من حيث تبلور الشكل الفني وقوة التعبير اللغوي وعمق الأحاسيس ورهافة العلاقة بالطبيعة وسعة الخبرة الحياتية ومعرفة الطبائع البشرية. وقد أوصلها ذلك كله إلى مرتبة العالمية ولاسيما عبر ترجماتها المتعددة إلى معظم لغات العالم. ففي مسرحية «مَلاڤيكا وأغنيميترا» Malavikãgnimitra يقدم الكاتب حكاية الملك الذي يتولّه حباً براقصةٍ شابة تابعة لزوجته الرئيسية، فيصور الصراع بين الواجب والعاطفة، بين ضبط النفس واندفاع الأحاسيس، ويُظهر بدقةِ ملاحظته ورهافتها العلاقات المختلفة بين زوجات الملك المزواج. وما يلفت النظر هنا هو أن كاليداسا قد طوَّر دور المهرج التقليدي Vidusaka إلى شخصية تنبض بالحياة والفكاهة الحكيمة التي لاتعفي الملك من النقد الصريح. أما الخلفية السياسية للمسرحية فهي الصراع على السلطة في نطاق السلالة الحاكمة وحروبها.

    تحمل المسرحية الثانية عنوان «بوروراڤَسْ وأُرڤاشي» Vikramorvasiya، وقد استقى الكاتب حكايتها من مصادر متعددة تعود إلى العصر الڤيدي[ر.ڤيدا] نحو 1000ق.م، لكنه ركّز على صيغة شمالي الهند في «ماتسيا ـ بورانا» Matsya-Purãna، وأعاد صياغتها على نحو معاصر شكلاً ومضموناً. فالملك الأرضي بوروراڤََس يعشق الحورية السماوية أُرْڤاشي التي تبادله المشاعر، مما يدفع رب الأرباب إندرا Indra للموافقة على زواجهما لكنه يشترط عودة الحورية إلى السماء ما إن تقع عينا الملك على طفله منها. بعد مدة من الزمن تدخل الحورية خطأً غابة صغيرة محرَّمة، فتتحول لتوها إلى نبتة متسلقة، فلا يهدأ للملك بال ولا يعرف ليله من نهاره باحثاً في كل مكان وسائلاً البشر والحيوانات والطيور عن حبيبته المختفية، حتى يعثر على الحجر الأسود السحري الذي يساعده على استعادة زوجته، التي تلد له طفلاً وتخفيه عن عينيه. إلا أن الأقدار تجمعه به، فلابد إذاً من النهاية الفاجعة. وفي اللحظات الحرجة يظهر الحكيم نارَدا Nãrada حاملاً رسالة من إندرا تطلب من الملك أن يَنصر الآلهة في حربها ضد الشياطين، فيندفع الملك بكل قواه إلى المعركة وينجح في صد الشر العاتي، فيكافئه إندرا على إخلاصه الأرضي والسماوي باستمرار الحورية أُرْڤاشي إلى جانبه حتى نهاية العمر. تتألف المسرحية من خمسة فصول، جعل كاليداسا رابعها مسرحيةً موسيقية غنائية مصغّرة، محور موضوعها هو ضرورة الانسجام والتناغم بين الإلهي والأرضي كي يعمّ الخير والسعادة.

    أما درة كاليداسا وإحدى لآلئ الأدب العالمي فهي بلاشك مسرحية «شاكونتَلا وخاتم التعارف» الشهيرة بالعنوان المختصر «شاكونتَلا» Sakuntala، وقد ذُكرت حكايتها في ملحمة الهند الكبرى «مهابهاراتا» Mahabharata [ر]. بنى كاليداسا صيغته المسرحية في سبعة فصول، واسطةُ العقد فيها هو الفصل الرابع المتألق بين سحر الخيال وواقعية المشاعر. ففي أثناء رحلة صيد يدخل الملك الشاب دوشيانتا Dusyanta غابةً توجد فيها صومعة للناسك كانْڤا Kanva مع ربيبته شاكونتَلا، وهي ابنة الحكيم ڤيشْڤاميترا Visvãmitra والحورية السماوية مينَكا Menakã. وعندما تنطلق شرارة الحب بين الصبية والملك يعقدان قرانهما ذاتياً اعتماداً على طقس غاندهارا Gandhara من دون شكليات اجتماعية أو دينية. وحالما يُضطر دوشيانتا إلى العودة إلى شؤون مملكته يترك لشاكونتَلا خاتمه، دليلاً على زواجهما. وفي غيابه يشرد ذهن شاكونتَلا عن الواقع محلقاً وراء الحبيب، فتسهو عن تقديم فروض التبجيل للناسك الضيف دورْڤاسَس Durvãsas الذي يلعنها بجعل الملك ينساها حتى يرى الخاتم. ومع ظهور بوادر الحمل تستأذن شاكونتَلا مربّيها وتتوجه نحو قصر الملك، لكنها تفقد خاتمها في النهر من دون أن تتنبه للأمر، مما يؤدي إلى عدم تعرف الملك عليها نتيجة لعنة الناسك الضيف. وفي هذه الحالة من الحزن والمهانة تنتشلها أمها مينَكا إلى السماء حيث تنجب ابن الملك. وبعد بضع سنوات يأتي صياد سمك إلى مليكه بالخاتم الثمين، وحالما يراه دوشيانتا يتذكر شاكونتَلا وزيارتها للقصر، ويبدأ البحث عنها في أثناء معارك عدة يخوضها دفاعاً عن مملكته في وجه الغزاة. وعلى طريق عودته يزور في الجبل المقدس هَماكوتا Hamakuta الناسك ماريتشا Marica، ويرى عنده صبياً يلاعب شبل أسد، ويعرف أنه ابنه، وتنتهي المسرحية بلمّ الشمل السعيد، بعد طول معاناة.

    وفي هذه المسرحية الفريدة تجد إمكانات المسرح السنسكريتي الفنية بوتقة تآلفها المتناغم على صعيد العناصر الملحمية والغنائية والدرامية، عن طريق التبديل المتناوب في الحوار بين الشعر والنثر، والتجاور بين الخيال والواقع وبين المشهدية المؤسْلَبة تراثياً والأخرى الجديدة المعاصرة، وبتسخير البيئة الدرامية لخدمة الهدف الأعلى وهو تجليات الحب بأشكاله كافة. وفي الفصل الرابع الشهير يتوحد الإنسان مع الطبيعة في تعبير شعري بلغ من النقاء والجمال ما بوأه مكانة التاج في أدب البلاط السنسكريتي. وإلى جانب ذلك هناك المشاهد الشعبية وشخصية المهرج الظريف، بما يُغني العمل ويمنحه حيوية حياتية. لقد ترجمت هذه المسرحية إلى لغات كثيرة، بما فيها العربية، واقتُبست للباليه والأوبرا والسينما، بل حتى للعرض الإيمائي، ولاسيما في أوربا والأمريكتين، وشغلت المستشرقين منذ منتصف القرن الثامن عشر في دراسات لغوية وأدبية.

    وعلى صعيد الملحمة الشعرية أبدع كاليداسا الملحمتين المتميزتين من حيث فنية الصيغة الشعرية، وهما «ولادة إله الحرب» Kumãrasambhava التي تتألف من سبعة عشر نشيداً، و«قبيلة راغهو» Raghuvamsa المؤلفة من تسعة عشر نشيداً. تحكي الملحمة الأولى قصة حب أُما Umã ابنة هيمالايا Himalaya للإله شيڤا، واستجابة شيڤا الزاهد لعاطفتها بعد تدخل إله الحب كاما Kama، وتتوج هذه الزيجة بولادة ابنهما قائد الجيوش وإله الحرب. أما الملحمة الثانية فقد خصصها الشاعر لسلالة الإله راما [ر. رامايانا] من قبلِه ومن بعدِه، حتى ظهور علامات انقراض السلالة بخروج آخر ملوكها عن التقاليد الأخلاقية وانغماسه في الملذات. وفي كلتا الملحمتين، كما في قصائده المطولة، يثبت كاليداسا كونه أمير اللغة السنسكريتية والسرد الفني بلا منازع.

    نبيل الحفار
يعمل...
X