كارلايل (توماس) Carlyle (Thomas-) - Carlyle (Thomas-)
كارلايل (توماس ـ)
(1795 ـ 1881)
توماس كارلايل Thomas Carlyle مؤرخ وناقد اجتماعي اسكتلندي، من أبرز كتّاب العصر الڤكتوري في بريطانيا. ولد في بلدة إكلفِكان Ecclefechan لعائلة كبيرة ذات أصول بسيطة. درس في مدرسة البلدة وفي أكاديمية آنان Annan Academy، ثم التحق عام 1809 بجامعة إدنبره Edinburgh. عمل في التعليم في آنان، ثم عاد إلى إدنبره لدراسة القانون فأمضى سنوات قاسية هناك بسبب الصعوبات المادية وشخصيته المعانية المتمردة. بدأ دراسة اللغة الألمانية ومؤلفات الإبداعيين (الرومنسيين) الألمان فترجم ونشر «سنوات تعلم فيلهلم مايستر» Wilhelm Meisters Lehrjahre ء(1824) لغوته. تزوج جين ويلش Jane Welsh بعد قصة حب طويلة، وبالرغم من كثرة أوجه الشبه في شخصيتيهما فقد كان زواجهما عاصفاً، إلا أنه دام حتى وفاتها عام 1865. نشر كثيراً في الصحافة المحلية قبل انتقاله إلى لندن عام 1834 حيث استقر حتى وفاته.
كتب كارلايل في «موسوعة إدنبره» The Edinburgh Encyclopaedia ء(1819ـ1823) مقالات لم تعبر كثيراً عن موهبته التي لم تتبلور إلا بعد دراسته الأدب والفلسفة الألمانية. وقد أسهمت هذه الدراسة في تشكل نظرته الفلسفية الخاصة التي بدأت في الظهور في كتابه «حياة شيلَّر» Life of Schillerء(1825)، وكذلك في مقالاته حول غوته وفيشته Fichte وريشتر Richter، وأيضاً من خلال دراسته الرومنسية الألمانية الحديثة آنذاك التي أكدت الخيال والعاطفة وسمو العقل، وأخذ عن هؤلاء النظرة إلى العالم المادي الخارجي على أنه امتداد لعالم ذاتي داخلي. وضع مقولة كانت حول «الأمر المطلق» categorical imperative في إطار كالڤيني Calvinist يقدس الواجب والعمل، وأيضاً مبدأ «المختارون» The Elect في صيغة علمانية من دون أي تخفيف لحدتها. وتلك هي إحدى مفارقات فكر كارلايل؛ إذ يحاول الحفاظ على المنظومة الدينية ويخرج في الوقت ذاته على تعاليمها، مستبدلاً بـ«الكتاب المقدس» التاريخ الذي عده كشفاً إلهياً.
يعد كتاب «سارتر ريسارُتس» أو «إعادة تفصيل للخياط» Sartor Resartus ء(1833ـ1834) ـ وهو مزيج من الفلسفة الألمانية والسيرة الذاتية ـ أول مؤلفات كارلايل الناضجة وأبرزها. وتتمحور فكرة الكتاب الأساسية حول كون مظاهر العالم الخارجي المادية «ملابس» يلتف بها العالم الروحي، إلا أن هذه الملابس قد بليت وحان وقت تجديدها لتلائم العصر. يعالج الكاتب هذه الفكرة من خلال قصة خيالية حول مخطوطة لكاتب ألماني يدعى تويفلزدروخ Teufelsdrökh (فضلات الشيطان)، وهو أستاذ في جامعة فايسنيشتفو Weissnichtwo (لايدري أين). تقع هذه المخطوطة وعنوانها «تاريخ الملابس وتأثيرها» Clothes, Their History and Influence بين يدي ناشر إنكليزي فيحاول تعرف شخصية المؤلف وفكره، ويزيد الطين بلَّة حين يضع ملاحظاته الشخصية عليها. ويشكل الجزء الثاني من الكتاب سيرة ذاتية مبطنة لكارلايل؛ إذ يروي تويفلزدروخ قصة حبه للصبية بلوماين (بلومينِه) Blumine، التي تمثل في الواقع ماري غوردون Mary Gordon، ورفضها له والكآبة التي تصيبه ورحلته الطويلة عبر هذا العالم ليصل في النهاية إلى القبول والاستسلام لقدره.
كتب كارلايل «الثورة الفرنسية» The French Revolution ء(1839) مرتين، فقد احترقت مخطوطة الكتاب الأولى حين أعطاها لجون ستيوارت مِل J.S.Mill لقراءتها ما جعله يعيد كتابتها من الذاكرة مرة أخرى. ويعد هذا الكتاب أفضل ما كتب كارلايل؛ إذ تخلى فيه عن أسلوب الكتابة التاريخية التقليدي، وأولى جلَّ اهتمامه للحركات الجماهيرية والأسباب المباشرة التي أدت إلى الثورة، من حماقات العائلة المالكة والطبقة الأرستقراطية، إلى معاناة الطبقة المعدمة وحماس الكتاب والمفكرين للإصلاح، وصولاً إلى حكم الإرهاب reign of terror بعد الثورة حتى ظهور نابليون. ومع مناهضة الكاتب فكرة الديمقراطية التي مهدت لها الثورة إلا أنه رأى أن إزالة النظام القديم أمر حتمي، محذراً بذلك من المصير ذاته الذي ينتظر إنكلترا.
قدم كارلايل في مؤلفه «حول الأبطال، عبادة البطل، والبطولي في التاريخ» On Heroes, Hero - Worship, and the Heroic in History ء(1841) أمثلة عمن يعدهم أبطالاً من آلهة وأنبياء وشعراء ورجال دين وأدباء وملوك. وما يميز الأبطال في نظره من غيرهم قدرتهم العقلية التي تمكنهم من اختراق القشور واكتشاف الجوهر. كذلك يضع هؤلاء القِيَمَ التي على الناس العاديين الالتزام بها، ويؤهلهم تفوقهم للريادة تنفيذاً للإرادة الإلهية، حيث يقاربون الألوهة بأنفسهم، وهو يمنح أيضاً الحق للقوة؛ إذ يحق للقوي مالا يحق لغيره. وتظهر هذه الأفكار بصورة أوضح في مؤلفات كارلايل اللاحقة، مثل «الماضي والحاضر» Past and Present ء(1843) و«أوليـڤر كرومويل» Oliver Cromwell ء(1845) و«فريدريك الأكبر»Frederick the Great ء(1858ـ1860)، إذ يقر ضرورة الديمقراطية، وهي الشر الذي لابد منه، إلى أن تعلن إفلاسها.
في حين يؤخذ على مفكرين آخرين معاصرين لكارلايل ـ مثل جوزيف آرتور دي غوبينو Joseph Arthur de Gobineauء(1816ـ1882) ـ مناداتهم بتفوق العرق الآري، ويوصمون بالعنصرية وبالتمهيد للأفكار التي تبنتها النازية يوصف كارلايل بكلمات التبجيل من قبل أبناء جلدته مع أنه نادى بذات الأفكار؛ من دكتاتورية النخبة إلى أرستقراطية الفكر والقوة حيث تحكم طبقة من المفكرين الموهوبين والأبطال الاستثنائيين. هذه الإيديولوجية تمهد بدورها هي الأخرى للحكم الاستبدادي، لفاشية الفكر، وللعنصرية والنازية.
لم يكتب كارلايل في الجزء الأخير من حياته سوى القليل اللافت كما في بضع شذرات في «ذكريات» Reminiscencesء (1866).
طارق علوش
كارلايل (توماس ـ)
(1795 ـ 1881)
توماس كارلايل Thomas Carlyle مؤرخ وناقد اجتماعي اسكتلندي، من أبرز كتّاب العصر الڤكتوري في بريطانيا. ولد في بلدة إكلفِكان Ecclefechan لعائلة كبيرة ذات أصول بسيطة. درس في مدرسة البلدة وفي أكاديمية آنان Annan Academy، ثم التحق عام 1809 بجامعة إدنبره Edinburgh. عمل في التعليم في آنان، ثم عاد إلى إدنبره لدراسة القانون فأمضى سنوات قاسية هناك بسبب الصعوبات المادية وشخصيته المعانية المتمردة. بدأ دراسة اللغة الألمانية ومؤلفات الإبداعيين (الرومنسيين) الألمان فترجم ونشر «سنوات تعلم فيلهلم مايستر» Wilhelm Meisters Lehrjahre ء(1824) لغوته. تزوج جين ويلش Jane Welsh بعد قصة حب طويلة، وبالرغم من كثرة أوجه الشبه في شخصيتيهما فقد كان زواجهما عاصفاً، إلا أنه دام حتى وفاتها عام 1865. نشر كثيراً في الصحافة المحلية قبل انتقاله إلى لندن عام 1834 حيث استقر حتى وفاته.
كتب كارلايل في «موسوعة إدنبره» The Edinburgh Encyclopaedia ء(1819ـ1823) مقالات لم تعبر كثيراً عن موهبته التي لم تتبلور إلا بعد دراسته الأدب والفلسفة الألمانية. وقد أسهمت هذه الدراسة في تشكل نظرته الفلسفية الخاصة التي بدأت في الظهور في كتابه «حياة شيلَّر» Life of Schillerء(1825)، وكذلك في مقالاته حول غوته وفيشته Fichte وريشتر Richter، وأيضاً من خلال دراسته الرومنسية الألمانية الحديثة آنذاك التي أكدت الخيال والعاطفة وسمو العقل، وأخذ عن هؤلاء النظرة إلى العالم المادي الخارجي على أنه امتداد لعالم ذاتي داخلي. وضع مقولة كانت حول «الأمر المطلق» categorical imperative في إطار كالڤيني Calvinist يقدس الواجب والعمل، وأيضاً مبدأ «المختارون» The Elect في صيغة علمانية من دون أي تخفيف لحدتها. وتلك هي إحدى مفارقات فكر كارلايل؛ إذ يحاول الحفاظ على المنظومة الدينية ويخرج في الوقت ذاته على تعاليمها، مستبدلاً بـ«الكتاب المقدس» التاريخ الذي عده كشفاً إلهياً.
يعد كتاب «سارتر ريسارُتس» أو «إعادة تفصيل للخياط» Sartor Resartus ء(1833ـ1834) ـ وهو مزيج من الفلسفة الألمانية والسيرة الذاتية ـ أول مؤلفات كارلايل الناضجة وأبرزها. وتتمحور فكرة الكتاب الأساسية حول كون مظاهر العالم الخارجي المادية «ملابس» يلتف بها العالم الروحي، إلا أن هذه الملابس قد بليت وحان وقت تجديدها لتلائم العصر. يعالج الكاتب هذه الفكرة من خلال قصة خيالية حول مخطوطة لكاتب ألماني يدعى تويفلزدروخ Teufelsdrökh (فضلات الشيطان)، وهو أستاذ في جامعة فايسنيشتفو Weissnichtwo (لايدري أين). تقع هذه المخطوطة وعنوانها «تاريخ الملابس وتأثيرها» Clothes, Their History and Influence بين يدي ناشر إنكليزي فيحاول تعرف شخصية المؤلف وفكره، ويزيد الطين بلَّة حين يضع ملاحظاته الشخصية عليها. ويشكل الجزء الثاني من الكتاب سيرة ذاتية مبطنة لكارلايل؛ إذ يروي تويفلزدروخ قصة حبه للصبية بلوماين (بلومينِه) Blumine، التي تمثل في الواقع ماري غوردون Mary Gordon، ورفضها له والكآبة التي تصيبه ورحلته الطويلة عبر هذا العالم ليصل في النهاية إلى القبول والاستسلام لقدره.
كتب كارلايل «الثورة الفرنسية» The French Revolution ء(1839) مرتين، فقد احترقت مخطوطة الكتاب الأولى حين أعطاها لجون ستيوارت مِل J.S.Mill لقراءتها ما جعله يعيد كتابتها من الذاكرة مرة أخرى. ويعد هذا الكتاب أفضل ما كتب كارلايل؛ إذ تخلى فيه عن أسلوب الكتابة التاريخية التقليدي، وأولى جلَّ اهتمامه للحركات الجماهيرية والأسباب المباشرة التي أدت إلى الثورة، من حماقات العائلة المالكة والطبقة الأرستقراطية، إلى معاناة الطبقة المعدمة وحماس الكتاب والمفكرين للإصلاح، وصولاً إلى حكم الإرهاب reign of terror بعد الثورة حتى ظهور نابليون. ومع مناهضة الكاتب فكرة الديمقراطية التي مهدت لها الثورة إلا أنه رأى أن إزالة النظام القديم أمر حتمي، محذراً بذلك من المصير ذاته الذي ينتظر إنكلترا.
قدم كارلايل في مؤلفه «حول الأبطال، عبادة البطل، والبطولي في التاريخ» On Heroes, Hero - Worship, and the Heroic in History ء(1841) أمثلة عمن يعدهم أبطالاً من آلهة وأنبياء وشعراء ورجال دين وأدباء وملوك. وما يميز الأبطال في نظره من غيرهم قدرتهم العقلية التي تمكنهم من اختراق القشور واكتشاف الجوهر. كذلك يضع هؤلاء القِيَمَ التي على الناس العاديين الالتزام بها، ويؤهلهم تفوقهم للريادة تنفيذاً للإرادة الإلهية، حيث يقاربون الألوهة بأنفسهم، وهو يمنح أيضاً الحق للقوة؛ إذ يحق للقوي مالا يحق لغيره. وتظهر هذه الأفكار بصورة أوضح في مؤلفات كارلايل اللاحقة، مثل «الماضي والحاضر» Past and Present ء(1843) و«أوليـڤر كرومويل» Oliver Cromwell ء(1845) و«فريدريك الأكبر»Frederick the Great ء(1858ـ1860)، إذ يقر ضرورة الديمقراطية، وهي الشر الذي لابد منه، إلى أن تعلن إفلاسها.
في حين يؤخذ على مفكرين آخرين معاصرين لكارلايل ـ مثل جوزيف آرتور دي غوبينو Joseph Arthur de Gobineauء(1816ـ1882) ـ مناداتهم بتفوق العرق الآري، ويوصمون بالعنصرية وبالتمهيد للأفكار التي تبنتها النازية يوصف كارلايل بكلمات التبجيل من قبل أبناء جلدته مع أنه نادى بذات الأفكار؛ من دكتاتورية النخبة إلى أرستقراطية الفكر والقوة حيث تحكم طبقة من المفكرين الموهوبين والأبطال الاستثنائيين. هذه الإيديولوجية تمهد بدورها هي الأخرى للحكم الاستبدادي، لفاشية الفكر، وللعنصرية والنازية.
لم يكتب كارلايل في الجزء الأخير من حياته سوى القليل اللافت كما في بضع شذرات في «ذكريات» Reminiscencesء (1866).
طارق علوش