الكارولنجيون أسرة حجاب القصور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكارولنجيون أسرة حجاب القصور

    كارولنجيون Carlovingians - Carolingiens
    الكارولنجيون

    (752 ـ 987م)



    أسس الملك الميروفنجي Mérovingiens كلوفيس[ر] Clovis دولة الفرنجة (تحوير لفظي في العربية نسبة إلى Frank التي صارت France) في غربي أوربا في العصور الوسطى وقد حكم غاليا Gallia (فرنسا) بين سنتي 481ـ511م، وبعد موته حكم أولاده وأحفاده حتى سنة 752م.

    يقسم تاريخ مملكة الفرنجة في عهد الأسرة الميروفنجية إلى دورين هما:

    ـ دور القوة والتوسع (511ـ639م)، ودور الضعف وسيطرة حجّاب القصور (639ـ752م)، وفيه تجزأت دولة الفرنجة إلى ممالك عدة متصارعة فيما بينها هي نيستريا Neustrie وأوسترازيا Austrasie وبرغنديا Bourgogne، وضعفت سلطة الملك كثيراً، وصار حاجب القصر (رئيس البلاط الملكي) هو الحاكم الفعلي في كل مملكة، ونشب الصراع بين حجّاب القصور في الممالك الثلاث، وأخيراً انتصر حاجب قصر أوسترازيا المدعو بيبن الثاني Pépin II وصار السيد الوحيد والحاكم الفعلي للبلاد، وظل يشغل حجابة القصر حتى سنة 714م.

    وهكذا فإن أصل الكارولنجيين Carolingiens يعود إلى أسرة حجاب القصور، وبالتحديد إلى بيبن الثاني. وقد خلفه بعد وفاته ابنه شارل مارتل Charles Martel، الذي ارتبط اسمه بمعركة بواتييه Poitiers (بلاط الشهداء) التي انتصر فيها على المسلمين عام 114هـ/732م.

    وصولهم إلى الحكم: بعد موت شارل مارتل عام 741م، اقتسم ولداه كارلومان Carloman وبيبن القصير le Bref حجابة القصر، ثم نزل كارلومان إلى أخيه بيبن عن حجابة القصر، فحكم وحده البلاد كلها. وهنا أخذ بيبن القصير يعمل من أجل تنحية الأسرة الميروفنجية عن العرش، فعقد اجتماعاً في مدينة سواسون Soissons عام 751م، حضره أنصاره من كبار النبلاء ورجال الدين، أعلن فيه نفسه ملكاً على الفرنجة، وكي يجعل تتويجه شرعياً أرسل رسالة إلى بابا روما يطلب منه الموافقة رسمياً على تتويجه، وكان رد البابا إيجابياً لأنه كان بحاجة إلى مساعدة بيبن ضد اللومبارديين Lombardiens الذين كانوا يتوسعون في الأملاك البابوية.

    وهكذا تم عزل آخر ملك ميروفنجي شيلديريك الثالث Childéric III سنة 752م، وبذلك انتقلت السلطة الملكية إلى الأسرة الكارولينجية، أسرة حجاب القصور.

    ممالكهم وسياساتهم

    غدت مملكة الفرنجة في عهد الملك بيبن القصير أعظم قوة سياسية في غربي أوربا، فقد امتد نفوذه خارج حدود مملكته، وكانت أول أعماله بعد توليه الملك هي محاربة اللومبارديين (في شمالي ايطاليا) نزولاً عند رغبة البابا، وهكذا صار الملك اللومباردي خاضعاً له، والبابا حليفاً له، كما أن الامبراطور البيزنطي كان على علاقة ودية معه، وكذلك الخليفة العباسي المنصور.

    وبعد موت بيبن القصير سنة 768م، صار ابنه شارلمان[ر] Charlemagne ملكاً وحيداً على المملكة الفرنجية، وتبعت له لومبارديا التي أعلن نفسه ملكاً عليها سنة 773م. وأخضع بافاريا(جنوبي ألمانيا) وضمها إلى مملكته، كما ضم أراضي الآفار Avars المجاورة، وقام بإخضاع سكسونياSaxonie (شمالي غاليا) بعد حروب طويلة الأمد، استغرقت اثنين وثلاثين عاماً، ونشر فيها الديانة المسيحية، وكذلك فعل مع فريزيا Friesland (شمال غربي غاليا) وضمها إلى دولته. كما احتل منطقة شمال شرقي إسبانيا، وأسس فيها ثغراً دعي بالثغر الإسباني، أضاف إليه جزر سردينيا وكورسيكا والباليار.

    وفي سنة 800 م توج شارلمان امبراطوراً على يد البابا ليون الثالث Leon III في كنيسة روما، وبتتويجه انقسم العالم المسيحي إلى إمبراطورتين هما:

    ــ الامبراطورية الفرنجية الكارولنجية في الغرب وعاصمتها إكس لاشابل Aix-la-Chapelle (آخن Aachen الألمانية حالياً) في غاليا آنذاك.

    ـ الامبراطورية البيزنطية في الشرق وعاصمتها القسطنطينية.

    عاشت امبراطورية شارلمان معه طوال حياته، ولما توفي سنة 814م، لم يتمكن ابنه الامبراطور لويس التقي Louis le Pieux ء(814ـ840) من المحافظة عليها، إذ قسمها بين أولاده جرياً على عادة الفرنجة، مما أفضى إلى نشوب الفتنة والتصارع بين الأخوة فيما بعد، ونتجت من ذلك حروب أهلية استمرت حتى سنة 843م، حين عقد الأخوة معاهدة فردان Verdun التي نصّت على تقسيم الامبراطورية على نحو يرضي الجميع، وهكذا تفتت امبراطورية شارلمان الموحدة إلى ثلاث دول مستقلة هي: فرنسا وإيطاليا وألمانيا.

    ومع ذلك استمر الصراع على النفوذ بين هذه الدول من جهة، وداخل الدولة الواحدة بين الملك والأمراء الإقطاعيين من جهة أخرى. وفي فرنسا تعاقب على الحكم ملوك ضعاف من البيت الكارولنجي حتى سنة 984، فقد توفي آخر ملك كارولنجي وهو لويس الخامس من دون وريث، وانتقل الحكم في فرنسا من الأسرة الكارولنجية إلى الأسرة الكابية Capétiens، بعد حكم دام أكثر من قرنين من الزمان.

    الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية

    تلمّس المؤرخون بوادر ظهور النظام الإقطاعي في الغرب الأوربي في العصر الكارولنجي، والتي بدأت منذ أيام شارل مارتل، وتدل النظم السياسية والاقتصادية ـ الاجتماعية في الامبراطورية الفرنجية على أن امبراطورية شارلمان كانت دولة إقطاعية.

    فقد تألف المجتمع في العصر الكارولنجي من ثلاث طبقات: طبقة رجال الدين، وطبقة النبلاء، وطبقة الفلاحين. وقد تمتع رجال الدين بإقطاعات كبيرة جعلت منهم طبقة ثرية ذات امتيازات كثيرة، أما طبقة النبلاء فهي نسبة ضئيلة في المجتمع، وكان الملك يقف على رأس هؤلاء النبلاء في الهرم الإقطاعي، وعاش هؤلاء النبلاء في القلاع والحصون التي أقاموها في إقطاعاتهم لأسباب دفاعية. أما طبقة الفلاحين فكانت القاعدة التي قام عليها هرم المجتمع الإقطاعي، ذلك أن هذا المجتمع اعتمد اعتماداً كلياً على الفلاح في المأكل والمشرب والملبس، وكانت هذه الطبقة التي صنعت الخبز لعالم العصور الوسطى موضع احتقار النبلاء في المجتمع، وقد عاش الفلاحون بقسميهم (الأحرار والأقنان) في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية.

    أما الأوضاع الاقتصادية في العصر الكارولنجي، فقد عاش المجتمع معتمداً على الاقتصاد الزراعي، ومن أهم خصائص ذلك الاقتصاد الضيعة التي تكفي نفسها بنفسها من المنتوجات الزراعية والمصنوعات المحلية. وقد اهتم شارلمان بالزراعة، ونهض بها حتى أصبحت ضياعه مزارع نموذجية تفيض بالخيرات.

    أما الصناعة فكانت مراكزها الأساسية في الأديرة التي اشتهرت بإنتاج أفضل المصنوعات المعدنية والجلدية والخشبية وغيرها، كما انتشرت الصناعة في الضياع والقرى، حيث بدأت تظهر بذور نظام النقابات، لتنظيم مصالح أفراد الحرفة الواحدة.

    كذلك بدت جهود شارلمان واضحة في ميدان التجارة، إذ اهتم بتنظيم التجارة الداخلية والخارجية وتشجيعها، فضلاً عن عنايته بالطرق التجارية وحمايتها.

    وفي ظل اقتصاد يعتمد على الضيعة، تعذر تلمّس آثار الحياة المدينية، فإذا كان المقصود بالمدينة موضعاً يمارس سكانه التجارة والصناعة، وتُطبّق فيه القوانين والنظم الخاصة، فإنه يمكن القول: ليس هناك مدن في العصر الكارولنجي، أما إذا كان المقصود بالمدينة مركزاً للإدارة أو حصناً للدفاع، فقد كانت هناك مدن عديدة من هذا النوع آنذاك، أما بعد وفاة شارلمان فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية بسبب الفتن والحروب الأهلية.

    الحياة الفكرية والفنية

    إن قيام الدولة الكارولنجية في أواسط القرن الثامن، كوّن نقطة تحول كبيرة ليس فقط في التاريخ السياسي والاقتصادي للغرب الأوربي فحسب، وإنما في التاريخ الثقافي والفكري أيضا، وهذا ما دعي بالنهضة الكارولنجية، ذلك أن شارلمان بذل جهوداً كبيرة للقيام بنهضة علمية شاملة من أجل رفع المستوى العلمي والثقافي لشعبه بكل فئاته، وكذلك من أجل دعم حركة التبشير ومساندتها. كما قام شارلمان باستدعاء عدد كبير من أشهر علماء عصره إلى عاصمته، فقد استقدم من إيطاليا النحوي بطرس البيزاوي Pierre de Pise، والمؤرخ بولس الشماس، ومن إسبانيا الشاعر والأديب تيودولف Theodolf، ومن إنكلترا المفكر واللاهوتي والنحوي ألكوين Alcuin، فكانوا عوناً كبيراً له في دعم نهضته العلمية.

    كما شملت النهضة الحضارية التي أعدّها شارلمان، دعم الحياة الفنية بكل مظاهرها، فقد شجع الموسيقيين والمهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين وصنّاع العاج والصياغ وغيرهم. وجمع لهم الآثار الفنية القديمة ليستلهموا منها أعمالهم.

    كما اهتم بالعمارة الدينية والمدنية، وانتشرت المباني الكارولنجية في غاليا وألمانيا وشمالي إيطاليا على الطراز الرومانسي. وأشهر الكنائس الكارولنجية كاتدرائية مدينة إكس لاشابل التي شيّدها شارلمان قرب قصره، ونقل لها الرخام من روما، ودفن فيها بعد وفاته. وأكثر شارلمان من بناء القصور الرائعة، التي جاءت آية في الإبداع الفني وكان قصره أبدع تلك القصور.

    وعلى الرغم من محاربته تقديس الصور والأيقونات، فقد أوصى رجال الدين بزخرفة سقوف الكنائس وجدرانها الداخلية برسومات تمثل حياة السيد المسيح، وصور الشهداء والقديسين.

    كما عرف العصر الكارولنجي فن صياغة المعادن الثمينة من ذهب وفضة، وغير الثمينة كالبرونز، وقد صُنع تمثال من البرونز يمثل شارلمان وهو ممتط صهوة جواده (موجود في متحف اللوفر بباريس) كما اهتم شارلمان بفن الكتابة الذي أسهم ألكوين في نهضته، وكذلك اهتم كل من بيبن القصير وشارلمان بفن الموسيقى الدينية والتراتيل بحسب متطلبات ذلك العصر.

    مكانتهم في التاريخ الأوربي

    احتل الكارولنجيون مكانة عالية في التاريخ الأوربي بما قدموه من أعمال جليلة، فقد كتبوا تاريخ أوربا في حقبة من حقب العصور الوسطى المظلمة؛ فغدا شارل مارتل في نظر العالم الأوربي بطل المسيحية الأول الذي حمى غربي أوربا من المسلمين. واقترن اسم شارلمان بالنهضة الكارولنجية التي شملت مختلف نواحي الحياة.

    وفاء جوني
يعمل...
X