الكاتب عند العرب(صفة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكاتب عند العرب(صفة)

    كاتب عند عرب Al-Katib - Al-Kateb
    الكاتب عند العرب



    أُطلقت صفة الكاتب بداية على من يقوم بفعل الكتابة بأنواعها، وقد عرف العرب الكتابة والكُتّاب في العصر الجاهلي، واستخدموها في تقييد عقود التجارة وعهود التحالف. وورد في ذكر الكتابة وصفة الكاتب في القرآن الكريم ]وَلْيَكْتُبْ بينَكُم كَاتِبٌ بالعَدْلِ ولا يَأْبَ كَاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ...&ولا يُضَارَّ كَاتِبٌ ولا شَهِيدٌ...&ولم تَجِدُوا كَاتِباً[ (البقرة 282ـ283). واتخذ رسول اللهr كُتّاباً للوحي ولحوائجه ومراسلته، واتبعه في ذلك الخلفاء الراشدون ـ رضوان الله عليهم ـ وزادت الكتابة في العصر الأموي تلبية لحاجة الدولة التي أقامت الدواوين المختلفة، فكثر الكُتّاب عند الخلفاء الأمويين وولاتهم، ودخل الموالي في عمل الكتابة، وبقيام ديوان الرسائل تكوّنت فئة من المحترفين، وزادت تجربتهم وخبرتهم مع الأيام.

    ظلت صفة الكاتب مقتصرة على من يكتب للدولة كتابة نفعية، غايتها تقييد الوقائع والأفكار وإيصالها إلى الآخرين، وليس المتعة في الإبداع الفني، ولم تدخل الكتابة في نطاق الأدب ـ وإن كانت أساليب الكُتّاب فصيحة بليغة ـ إلى أن شرع الكُتّاب المترسلون في إطالة رسائلهم مستخدمين التعبير الفني الجميل. فظهرت بوادر الكتابة الأدبية على يد سالم الكاتب مولى الخليفة هشام بن عبد الملك وكاتبه. واتضحت السمة الأدبية للكتابة عند الأمم الأخرى، فبرزت الكتابة الفنية الخالصة عند كُتّاب الدواوين، أمثال عبد الله بن المقفع الذي افتتح التأليف الأدبي. ثم انفصلت الكتابة الفنية عن الكتابة الديوانية عند الجاحظ الذي بلغ فيها الغاية، فكتب بأسلوب أدبي يجمع بين المتعة والفائدة في موضوعات مختلفة، واستقر مفهوم الكتابة الأدبية الذي يعني التعبير عن الأفكار والمشاعر بأسلوب جميل ممتع ومؤثر. وبذلك تدرج إطلاق صفة الكاتب من وصف الذي يعرف الكتابة؛ ويقوم بها، إلى مَن يكتب للدولة، وانتهاء بمن يكتب نثراً أو أدباً بديعاً.

    وصارت الكتابة صناعة لها حدودها وسماتها، وعلى من يريد المشاركة فيها أن يمتلك عُدّتها، وقد حرص أهل الكتابة على إيضاح مفهومها وبيان لوازمها، فوضعوا الرسائل والكتب الخاصة بذلك، بدأها عبد الحميد الكاتب برسالته إلى الكُتّاب التي ضمنها وصايا كثيرة لهم. فتحدث عن صنعة الكتابة وآدابها ومؤهلات الكاتب وما يحتاجه لإتقانها، وتوالت بعد ذلك الرسائل، مثل «الرسالة العذراء» لإبراهيم بن محمد المدبر في صنعة الكتابة وصفات الكاتب ورسالة إبراهيم ابن هلال الصابي في هذا الفن، ثم ضُمّنت أسس فن الكتابة ومؤهلات الكاتب في كتب جامعة، مثل «أدب الكاتب» لابن قتيبة و«أدب الكُتّاب» لأبي بكر الصولي و«البرهان في وجوه البيان» لابن وهب الكاتب وصولاً إلى «المثل السائر» لضياء الدين بن الأثير و«التعريف بالمصطلح الشريف» لابن فضل الله العمري و«حُسن التوسل إلى صناعة الترسل» للشهاب محمود و«صُبح الأعشى في صناعة الإنشا» للقلقشندي.

    أوضحت هذه الرسائل والكتب جوانب صنعة الكتابة كلها، وعدة الكاتب وثقافته اللازمة لصنعة الكتابة، فأظهرت أن الكاتب يجب أن يمتلك موهبة الكتابة أولاً، وأن يتحلى بالذكاء. وأن يكتسب الخبرة والدربة من خلال الالتحاق بدواوين الكتابة وملازمة الكُتّاب الكبار، وأن يحصّل ثقافة كبيرة تساعده على إجادة الكتابة، فعليه أن يتقن علوم اللغة والأدب، ويعرف أنواع الخطوط وقوانينها وأدوات الكتابة وأنواعها. وأن يلم بعلوم الدين والتاريخ، ويعرف نظام الدول وألقاب أهلها، وأن يحفظ نصوصاً كثيرة من القرآن الكريم، وأن يلمّ بالحديث الشريف والأشعار والأمثال والأقوال المأثورة وخطب البلغاء ورسائل المتقدمين المشهورة وغير ذلك من منابع المعاني ومستودعات التعبير؛ فضلاً عن حُسن الخُلق والسيرة والسمت والهيئة.

    وهكذا ارتفع مفهوم الكتابة، وعلت مكانة الكاتب، فلم يستحق صفة الكاتب إلا الأديب الموهوب المثقف؛ لذلك قل عدد الكتّاب المرموقين قياساً إلى عدد الشعراء؛ لأن الكاتب عندهم هو الذي يتصرف في ألوان الكتابة، ويكتب في كل موضوع يعرض عليه، فيقنع ويمتع. وهذا الأمر لا يتم إلا عند من جمع الموهبة الأدبية والثقافة الكبيرة والخبرة والتجربة العميقتين في فن الكتابة.

    محمود سالم محمد
يعمل...
X