مراجعة «إن شاء الله ولد» : مأساة امرأة في مجتمع ذكوري
في مايو 19, 2023
كان (فرنسا) ـ نسرين سيد أحمد
لم تكن عبارة «إن شاء الله ولد» أشد ألماً ووجعاً من السياق الذي جاءت خلاله في فيلم المخرج الأردني أمجد الرشيد، الذي عرض ضمن أسبوعي المخرجين في مهرجان كان، وهو أول فيلم أردني على الإطلاق يعرض في المهرجان.
يضعنا الفيلم من مستهله وعنوانه أمام معضلة ضخمة، فعلى الرغم من كل محاولات المرأة للحصول على بعض حقوقها، ومساعيها لتقرر مصيرها بنفسها، إلا أنها قد تكتشف في نهاية المطاف أن ملاذها الوحيد ونجاتها وفرصتها للحصول على بعض المتنفس هو أن تنجب ابنا ذكراً. ويا لها من مفارقة أن تكون نجاة المرأة من تسلط وبراثن الذكور هو أن تنجب للمجتمع ذكراً آخر.
كل ما تطمح إليه نوال (منى حوا في أداء متميز) هو أن تبقى في بيتها الذي يؤويها هي وطفلتها بعد وفاة زوجها المفاجئة، لكن الشرع وقوانين الميراث تقف لها بالمرصاد، فشقيق زوجها يطالب بحقه في الميراث، الذي لا يزيد عن الشقة الصغيرة التي تؤوي نوال وابنتها.
يتصدى الفيلم لهذه القضية الشائكة التي كثيراً ما تثير حفيظة المجتمع الذكوري ورجال الدين على حد سواء، ألا وهي قوانين حضانة الأطفال وقوانين الميراث.
كأي زوجة تسعى لتحسن وضعها بالتعاون مع شريك حياتها، وضعت نوال وهي مساعدة منزلية لامرأة مسنة من أسرة ثرية، كل ميراثها من أبيها وكل ما لديها من مصوغات ذهبية لتساهم بها مع زوجها لشراء منزلها الصغير في عمان، ولا إثبات لديها أنها شاركت بكل ما تملك لشراء هذا المنزل، ثم يأتي القدر بغتة فتفقد زوجها، ومن بعده ينقض شقيقه للحصول على ميراثه وفقا للشرع، حتى إن كان ذلك يعني تشريد الأرملة الشابة، أو حرمانها من حضانة طفلتها ووضعها تحت الوصاية الشرعية لعمها.
ينطلق الفيلم من مأساة امرأة شابة فقدت زوجها، وطفلة حرمت من والدها، ولكنه لا يقف عند ذلك طويلاً، فنوال تعمل ويمكنها أن تعيل نفسها وابنتها، ولكن العلة والعائق ليس عجز نوال عن تدبير قوت يومها، ولكن المنظومة المجتمعية التي تعلي الذكور على الإناث، والتي تضيق كل التضييق على المرأة التي لا ذكر لها، سواء كان زوجاً أو أباً أو ابناً. والعلة أيضاً هي قوانين الميراث المستمدة من الشرع، فالرجال بفضل هذه القوانين يسلبون النساء الأرامل أموالهن، دون أن يلتزمن بالإنفاق عليهن أو إعالتهن. بعد موت الزوج، الذي لم يزد وجوده في الفيلم عن بضع دقائق، تأتي إلى منزل نوال مع المعزيات امرأة منتقبة لتفقه نوال في ما يجب أن تقوم به كأرملة في فترة العدة. هذه المرأة المتشحة بالسواد لا تقول كلمة واحدة قد تساهم في إنزال السكينة في قلب المرأة المكلومة أو طفلتها. كل ما تنطق به هو الوعيد والإنذار وإعلام الأرملة أن النور قد ذهب عن بيتها بوفاة زوجها، فكأنما حياة المرأة لا قيمة لها إذا غاب عنها الرجل. نجد أن حديث تلك المرأة المنتقبة مستقى من الدين والشرع، ولكن تطبيق الشرع في المجتمع لا يأتي إلا لمصلحة الرجل.
يبدأ الفيلم بمحاولة نوال استعادة حمالة صدر سقطت من على الغسيل، سقطت فعلقت بسلك كهرباء في الشارع. تحاول نوال استعادة هذه القطعة من الملابس النسائية الحميمية، أو التخلص منها بإلقائها في الشارع دون أن يعرف الجيران أو المارة أنها تخصها، ويمكننا أن نقيس على ذلك أن كل ما يخص المرأة يدخل حيز العيب والحرام والممنوع، رغباتها عار يجب إخفاؤها، ملابسها يجب أن تكون فضفاضة، وحتى ذلك لا يعفيها من عيون الرجال.
يكشف الرشيد أن التضييق على المرأة لا يقتصر على الطبقة العاملة التي تنتمي إليها نوال فقط، بل يمتد إلى الطبقة الثرية المتيسرة، كما أنه لا يقتصر على الأسر المسلمة، بل يمتد أيضاً إلى المسيحيين. ترعى نوال امرأة مسنة من أسرة ثرية مسيحية، ونرى مدى تضييق المجتمع الذكوري على المرأة في تلك الأسرة المسيحية الثرية، فابنة هذه الأسرة تحاول بكل ما في وسعها الحصول على الطلاق أو إجهاض حملها، لأن زوجها يداوم على خيانتها، لكن الكنيسة ترفض منحها ذلك الطلاق.
في مايو 19, 2023
كان (فرنسا) ـ نسرين سيد أحمد
لم تكن عبارة «إن شاء الله ولد» أشد ألماً ووجعاً من السياق الذي جاءت خلاله في فيلم المخرج الأردني أمجد الرشيد، الذي عرض ضمن أسبوعي المخرجين في مهرجان كان، وهو أول فيلم أردني على الإطلاق يعرض في المهرجان.
يضعنا الفيلم من مستهله وعنوانه أمام معضلة ضخمة، فعلى الرغم من كل محاولات المرأة للحصول على بعض حقوقها، ومساعيها لتقرر مصيرها بنفسها، إلا أنها قد تكتشف في نهاية المطاف أن ملاذها الوحيد ونجاتها وفرصتها للحصول على بعض المتنفس هو أن تنجب ابنا ذكراً. ويا لها من مفارقة أن تكون نجاة المرأة من تسلط وبراثن الذكور هو أن تنجب للمجتمع ذكراً آخر.
كل ما تطمح إليه نوال (منى حوا في أداء متميز) هو أن تبقى في بيتها الذي يؤويها هي وطفلتها بعد وفاة زوجها المفاجئة، لكن الشرع وقوانين الميراث تقف لها بالمرصاد، فشقيق زوجها يطالب بحقه في الميراث، الذي لا يزيد عن الشقة الصغيرة التي تؤوي نوال وابنتها.
يتصدى الفيلم لهذه القضية الشائكة التي كثيراً ما تثير حفيظة المجتمع الذكوري ورجال الدين على حد سواء، ألا وهي قوانين حضانة الأطفال وقوانين الميراث.
كأي زوجة تسعى لتحسن وضعها بالتعاون مع شريك حياتها، وضعت نوال وهي مساعدة منزلية لامرأة مسنة من أسرة ثرية، كل ميراثها من أبيها وكل ما لديها من مصوغات ذهبية لتساهم بها مع زوجها لشراء منزلها الصغير في عمان، ولا إثبات لديها أنها شاركت بكل ما تملك لشراء هذا المنزل، ثم يأتي القدر بغتة فتفقد زوجها، ومن بعده ينقض شقيقه للحصول على ميراثه وفقا للشرع، حتى إن كان ذلك يعني تشريد الأرملة الشابة، أو حرمانها من حضانة طفلتها ووضعها تحت الوصاية الشرعية لعمها.
ينطلق الفيلم من مأساة امرأة شابة فقدت زوجها، وطفلة حرمت من والدها، ولكنه لا يقف عند ذلك طويلاً، فنوال تعمل ويمكنها أن تعيل نفسها وابنتها، ولكن العلة والعائق ليس عجز نوال عن تدبير قوت يومها، ولكن المنظومة المجتمعية التي تعلي الذكور على الإناث، والتي تضيق كل التضييق على المرأة التي لا ذكر لها، سواء كان زوجاً أو أباً أو ابناً. والعلة أيضاً هي قوانين الميراث المستمدة من الشرع، فالرجال بفضل هذه القوانين يسلبون النساء الأرامل أموالهن، دون أن يلتزمن بالإنفاق عليهن أو إعالتهن. بعد موت الزوج، الذي لم يزد وجوده في الفيلم عن بضع دقائق، تأتي إلى منزل نوال مع المعزيات امرأة منتقبة لتفقه نوال في ما يجب أن تقوم به كأرملة في فترة العدة. هذه المرأة المتشحة بالسواد لا تقول كلمة واحدة قد تساهم في إنزال السكينة في قلب المرأة المكلومة أو طفلتها. كل ما تنطق به هو الوعيد والإنذار وإعلام الأرملة أن النور قد ذهب عن بيتها بوفاة زوجها، فكأنما حياة المرأة لا قيمة لها إذا غاب عنها الرجل. نجد أن حديث تلك المرأة المنتقبة مستقى من الدين والشرع، ولكن تطبيق الشرع في المجتمع لا يأتي إلا لمصلحة الرجل.
يبدأ الفيلم بمحاولة نوال استعادة حمالة صدر سقطت من على الغسيل، سقطت فعلقت بسلك كهرباء في الشارع. تحاول نوال استعادة هذه القطعة من الملابس النسائية الحميمية، أو التخلص منها بإلقائها في الشارع دون أن يعرف الجيران أو المارة أنها تخصها، ويمكننا أن نقيس على ذلك أن كل ما يخص المرأة يدخل حيز العيب والحرام والممنوع، رغباتها عار يجب إخفاؤها، ملابسها يجب أن تكون فضفاضة، وحتى ذلك لا يعفيها من عيون الرجال.
يكشف الرشيد أن التضييق على المرأة لا يقتصر على الطبقة العاملة التي تنتمي إليها نوال فقط، بل يمتد إلى الطبقة الثرية المتيسرة، كما أنه لا يقتصر على الأسر المسلمة، بل يمتد أيضاً إلى المسيحيين. ترعى نوال امرأة مسنة من أسرة ثرية مسيحية، ونرى مدى تضييق المجتمع الذكوري على المرأة في تلك الأسرة المسيحية الثرية، فابنة هذه الأسرة تحاول بكل ما في وسعها الحصول على الطلاق أو إجهاض حملها، لأن زوجها يداوم على خيانتها، لكن الكنيسة ترفض منحها ذلك الطلاق.