كامل (يوسف) Kamel (Youssef-) - Kamel (Youssef-)
كامل (يوسف ـ)
(1891ـ 1962)
ولد يوسف كامل في حي القلعة الشعبي بالقاهرة، وانتسب إلى مدرسة الفنون الجميلة العليا (كلية الفنون الجميلة بالقاهرة) منذ تأسيسها عام 1908، وكانت السيدة هدى شعراوي الأولى بين مشجعيه ومقتني أعماله في بداياته. وفي حياته قصة فنية فريدة ومهمة، إذ اتفق مع زميله الفنان راغب عياد، وكان يعمل مدرساً بمدرسة الأقباط على أن يقوم كل منهما بعمل زميله إضافة إلى عمله ويتقاضى راتبه، وأن يتناوبا السفر إلى إيطاليا كل منهما على نفقة الآخر لزيارة متاحفها واستكمال دراسة الفن فيها. وكانت الفكرة جريئة وجديدة تحدث عنها البرلمان المصري عام 1924 وكانت نصراً للفنانين، فأرسلت أول بعثة مصرية لدراسة الفن مؤلفة من يوسف كامل وراغب عياد ومحمد حسن إلى إيطاليا، وأحمد صبري إلى باريس.
أمضى يوسف كامل خمس سنوات في إيطاليا، حيث درس في روما على يد باولو نورشيلا Paulo Norcella، واهتم بتعاليم المدرسة الانطباعية ليتحرر من تعاليم وقيود المدرسة الأكاديمية، وبعد عودته إلى مصر عُيِّن مساعد مدرس بقسم التصوير في مدرسة الفنون التطبيقية، ثم رئيساً للقسم، وأخيراً عميداً للكلية، وبقي ربع قرن في هذا العمل، منها ثلاث سنوات مديراً لمتحف الفن الحديث.
اهتم يوسف كامل بالحارات القديمة في القاهرة وروما، وكانت موضوعات لوحاته أربعة: أحياء القاهرة الشعبية، والأسواق والضواحي حول القاهرة، والطيور والحيوانات، وتصوير الأشخاص (البورتريه).
يوسف كامل: «الأخوات الفلاحات» (باستيل 1948)
تأثر كامل في بداية حياته بالانطباعية الفرنسية والإيطالية وألوان المستشرقين، وحينما تقدمت به السن لم يعد يهتم بالتفاصيل ولا بالجزئيات، وتحول إلى أسلوب اللمحة التي تلتقط السمات الخاصة والظاهرة في الموضوعات التي يرسمها، وإلى تسجيل الحركة أو الوقفة المتميزة للطير أو الحيوان التي توضح ملامحه، ويلونها بضربات فرشاة سريعة جداً، تحاول الإمساك ما أمكن بالظل والنور وبما يمكن أن يعبر عن الموضوع ومضمونه.
ويعد يوسف كامل من أوائل الفنانين في مصر الذين درسوا الاتجاه الانطباعي في أوربا، واطلعوا على تقنياته ومفاهيمه، وعلى طريقة التفكير الجديدة في تأمل الطبيعة وترجمة هذا التأمل إلى علاقات لونية تلخص التشريح وتختزل التفاصيل، وتعتمد لمسات واحدة وعريضة توحي بكل شيء من النظرة الأولى، فجاءت لوحاته انطباعية غامضة عن قرب واضحة عن بعد.
الفرق بين مدرسة مونيه Monet ومانيه Manet الانطباعية وبين يوسف كامل، أن لمسات الأخير لم تكن صغيرة ولا متتابعة بل كانت لمسات عريضة وتحتل مساحات كبيرة، وتتخللها أحياناً بعض الخطوط للإيحاء بحركة الشكل ونسبه وأبعاده وملامحه التشريحية، وقد يكون الشكل من لون المساحة المحيطة به أو من لون آخر، وهذه الميزة في أعمال يوسف كامل قلما تشاهد عند الانطباعيين باستثناء غوغان[ر] Gauguin الذي كان مدرسة قائمة بذاتها في تبسيط الأشكال وإلغاء كثير من التفاصيل، مع أنه كان معاصراً لأساتذة المدرسة الانطباعية الفرنسية.
كان يوسف كامل، حتى في دراساته الأولية السريعة (كروكي croquis)، يُعنى برسم الكتلة الأكبر من جسم الإنسان وإظهار الحجم (الكتلة) في الفراغ بوساطة لمسات من الضوء على المناطق الأبرز والأكثر قرباً من عين المتلقي. ومن الجدير بالذكر أن تأثر كامل بالفنان الفرنسي غوغان واضح في هذه الدراسات الأولية، والتي غالباً ما تكون مرسومة بالمرقم (الباستيل pastel: ألوان طبشورية)، ولكنه كان يُعنى في لوحاته الزيتية برسم بعض التفاصيل ويركز على الأجزاء التي تبرز النسب والأبعاد والحجوم، ويتجلى ذلك في لوحة «فلاحتان وخروف».
وبإمعان النظر في لوحاته الزيتية يُلاحَظ اعتناؤه بعجينة اللون من حيث قوامها العضوي، فحين يصور بعض أجزاء اللوحة التي تحتاج إلى لون ذي عجينة كثيفة وسميكة وكتيمة مثل صوف الخروف في لوحة «فلاحتان وخروف»، يختار كامل اللون مشبعاً بقوام اللون الزيتي وعجينته من دون تمييعه بالتربنتين أو زيت الكتان، في حين أن فستان الفتاة في اللوحة ذاته يكاد يكون شفافاً، وخطوطه واضحة، واللون الأحمر فيه ممدد بزيت الكتان. أما في الوجوه فيُلاحظ اختصاره تفاصيل الملامح واكتفاؤه بوضع لمسات الضوء على أقرب جزء يواجه الشمس، مثل رأس الخد ورأس الأنف وقسم من الجبهة، أما الأيدي والأرجل فهي غائبة في الظل ما عدا بعض اللمسات الفاتحة المضيئة التي توحي بمدى فهمه للتشريح ودقة النسب، وإدراكه لأهمية حركة اليدين والأرجل من حيث المنظور والتشريح والإيهام بالبعد الثالث.
يوسف كامل، فنان يتصيد الحركة الصعبة للنموذج (الموديل)، ويلخص ظل هذه الحركة ونورها، بما يوحي بتفاصيل غير مرئية من جسم الإنسان، ولكنه يدلل عليها بدرجات الفاتح والغامق في بعض المناطق، مثل الفستان الأسود الداكن الذي تلبسه الفلاحة الأكبر سناً، والتي تحتل ثلث مساحة تكوين اللوحة تقريباً.
أما الانسجام اللوني (الهارموني)، فإن يوسف كامل اعتمد في لوحاته أن يكون لكل لوحة جوها اللوني الخاص بها، فكان يرسم بطريقة الألوان المتقاربة من فصيلة واحدة وبدرجات مختلفة، من دون الدخول في التضاد اللوني بين الألوان الحارة والباردة، إلا في الدراسات الأولية التي كان يرسمها بسرعة وعن الطبيعة وفي لحظات حركاتها المتغيرة، ولكنه حينما يرسمها بالألوان الزيتية، حتى وإن كان النموذج أمامه، فإنه يختصر كثيراً من التفاصيل أو يلغيها، ولاسيما إلغاء الخلفية بكل ما فيها من نبات أو عمارة أو أشخاص عابرين ليقتصر اهتمامه كله على المطلوب رسمه من دون غيره.
اضطلع يوسف كامل برسالته كمعلم لأجيال من الفنانين، وأسهم فضلاً عن ذلك بدوره في حركة التصوير المعاصر، وطور ما بدأه الفنانون المستشرقون في تصوير معالم القاهرة القديمة وضواحيها، وظل وفياً للانطباعية لأنه أحب النور والشمس والهواء. وكانت معظم موضوعاته تدور حول الأسواق الريفية والبيوت الصغيرة والطيور والحيوانات الأليفة، يصورها بما وُهِب من دقة الرؤية وصدق الإدراك لدرجات اللون والنور. إن في أعمال يوسف كامل أستاذية في الأداء وبساطة بارعة، ومهارة في التلوين، وصدقاً في التعبير، وكان بين أفراد جيله فناناً نفض عن نفسه التأثيرات الأكاديمية ليبدأ منذ ثلاثينات القرن العشرين بتشكيل أسلوبه الخاص المميز، وليكون مثالاً يحتذى للمجددين من بعده.
غازي الخالدي
كامل (يوسف ـ)
(1891ـ 1962)
ولد يوسف كامل في حي القلعة الشعبي بالقاهرة، وانتسب إلى مدرسة الفنون الجميلة العليا (كلية الفنون الجميلة بالقاهرة) منذ تأسيسها عام 1908، وكانت السيدة هدى شعراوي الأولى بين مشجعيه ومقتني أعماله في بداياته. وفي حياته قصة فنية فريدة ومهمة، إذ اتفق مع زميله الفنان راغب عياد، وكان يعمل مدرساً بمدرسة الأقباط على أن يقوم كل منهما بعمل زميله إضافة إلى عمله ويتقاضى راتبه، وأن يتناوبا السفر إلى إيطاليا كل منهما على نفقة الآخر لزيارة متاحفها واستكمال دراسة الفن فيها. وكانت الفكرة جريئة وجديدة تحدث عنها البرلمان المصري عام 1924 وكانت نصراً للفنانين، فأرسلت أول بعثة مصرية لدراسة الفن مؤلفة من يوسف كامل وراغب عياد ومحمد حسن إلى إيطاليا، وأحمد صبري إلى باريس.
أمضى يوسف كامل خمس سنوات في إيطاليا، حيث درس في روما على يد باولو نورشيلا Paulo Norcella، واهتم بتعاليم المدرسة الانطباعية ليتحرر من تعاليم وقيود المدرسة الأكاديمية، وبعد عودته إلى مصر عُيِّن مساعد مدرس بقسم التصوير في مدرسة الفنون التطبيقية، ثم رئيساً للقسم، وأخيراً عميداً للكلية، وبقي ربع قرن في هذا العمل، منها ثلاث سنوات مديراً لمتحف الفن الحديث.
اهتم يوسف كامل بالحارات القديمة في القاهرة وروما، وكانت موضوعات لوحاته أربعة: أحياء القاهرة الشعبية، والأسواق والضواحي حول القاهرة، والطيور والحيوانات، وتصوير الأشخاص (البورتريه).
يوسف كامل: «الأخوات الفلاحات» (باستيل 1948)
تأثر كامل في بداية حياته بالانطباعية الفرنسية والإيطالية وألوان المستشرقين، وحينما تقدمت به السن لم يعد يهتم بالتفاصيل ولا بالجزئيات، وتحول إلى أسلوب اللمحة التي تلتقط السمات الخاصة والظاهرة في الموضوعات التي يرسمها، وإلى تسجيل الحركة أو الوقفة المتميزة للطير أو الحيوان التي توضح ملامحه، ويلونها بضربات فرشاة سريعة جداً، تحاول الإمساك ما أمكن بالظل والنور وبما يمكن أن يعبر عن الموضوع ومضمونه.
ويعد يوسف كامل من أوائل الفنانين في مصر الذين درسوا الاتجاه الانطباعي في أوربا، واطلعوا على تقنياته ومفاهيمه، وعلى طريقة التفكير الجديدة في تأمل الطبيعة وترجمة هذا التأمل إلى علاقات لونية تلخص التشريح وتختزل التفاصيل، وتعتمد لمسات واحدة وعريضة توحي بكل شيء من النظرة الأولى، فجاءت لوحاته انطباعية غامضة عن قرب واضحة عن بعد.
الفرق بين مدرسة مونيه Monet ومانيه Manet الانطباعية وبين يوسف كامل، أن لمسات الأخير لم تكن صغيرة ولا متتابعة بل كانت لمسات عريضة وتحتل مساحات كبيرة، وتتخللها أحياناً بعض الخطوط للإيحاء بحركة الشكل ونسبه وأبعاده وملامحه التشريحية، وقد يكون الشكل من لون المساحة المحيطة به أو من لون آخر، وهذه الميزة في أعمال يوسف كامل قلما تشاهد عند الانطباعيين باستثناء غوغان[ر] Gauguin الذي كان مدرسة قائمة بذاتها في تبسيط الأشكال وإلغاء كثير من التفاصيل، مع أنه كان معاصراً لأساتذة المدرسة الانطباعية الفرنسية.
كان يوسف كامل، حتى في دراساته الأولية السريعة (كروكي croquis)، يُعنى برسم الكتلة الأكبر من جسم الإنسان وإظهار الحجم (الكتلة) في الفراغ بوساطة لمسات من الضوء على المناطق الأبرز والأكثر قرباً من عين المتلقي. ومن الجدير بالذكر أن تأثر كامل بالفنان الفرنسي غوغان واضح في هذه الدراسات الأولية، والتي غالباً ما تكون مرسومة بالمرقم (الباستيل pastel: ألوان طبشورية)، ولكنه كان يُعنى في لوحاته الزيتية برسم بعض التفاصيل ويركز على الأجزاء التي تبرز النسب والأبعاد والحجوم، ويتجلى ذلك في لوحة «فلاحتان وخروف».
وبإمعان النظر في لوحاته الزيتية يُلاحَظ اعتناؤه بعجينة اللون من حيث قوامها العضوي، فحين يصور بعض أجزاء اللوحة التي تحتاج إلى لون ذي عجينة كثيفة وسميكة وكتيمة مثل صوف الخروف في لوحة «فلاحتان وخروف»، يختار كامل اللون مشبعاً بقوام اللون الزيتي وعجينته من دون تمييعه بالتربنتين أو زيت الكتان، في حين أن فستان الفتاة في اللوحة ذاته يكاد يكون شفافاً، وخطوطه واضحة، واللون الأحمر فيه ممدد بزيت الكتان. أما في الوجوه فيُلاحظ اختصاره تفاصيل الملامح واكتفاؤه بوضع لمسات الضوء على أقرب جزء يواجه الشمس، مثل رأس الخد ورأس الأنف وقسم من الجبهة، أما الأيدي والأرجل فهي غائبة في الظل ما عدا بعض اللمسات الفاتحة المضيئة التي توحي بمدى فهمه للتشريح ودقة النسب، وإدراكه لأهمية حركة اليدين والأرجل من حيث المنظور والتشريح والإيهام بالبعد الثالث.
يوسف كامل، فنان يتصيد الحركة الصعبة للنموذج (الموديل)، ويلخص ظل هذه الحركة ونورها، بما يوحي بتفاصيل غير مرئية من جسم الإنسان، ولكنه يدلل عليها بدرجات الفاتح والغامق في بعض المناطق، مثل الفستان الأسود الداكن الذي تلبسه الفلاحة الأكبر سناً، والتي تحتل ثلث مساحة تكوين اللوحة تقريباً.
أما الانسجام اللوني (الهارموني)، فإن يوسف كامل اعتمد في لوحاته أن يكون لكل لوحة جوها اللوني الخاص بها، فكان يرسم بطريقة الألوان المتقاربة من فصيلة واحدة وبدرجات مختلفة، من دون الدخول في التضاد اللوني بين الألوان الحارة والباردة، إلا في الدراسات الأولية التي كان يرسمها بسرعة وعن الطبيعة وفي لحظات حركاتها المتغيرة، ولكنه حينما يرسمها بالألوان الزيتية، حتى وإن كان النموذج أمامه، فإنه يختصر كثيراً من التفاصيل أو يلغيها، ولاسيما إلغاء الخلفية بكل ما فيها من نبات أو عمارة أو أشخاص عابرين ليقتصر اهتمامه كله على المطلوب رسمه من دون غيره.
اضطلع يوسف كامل برسالته كمعلم لأجيال من الفنانين، وأسهم فضلاً عن ذلك بدوره في حركة التصوير المعاصر، وطور ما بدأه الفنانون المستشرقون في تصوير معالم القاهرة القديمة وضواحيها، وظل وفياً للانطباعية لأنه أحب النور والشمس والهواء. وكانت معظم موضوعاته تدور حول الأسواق الريفية والبيوت الصغيرة والطيور والحيوانات الأليفة، يصورها بما وُهِب من دقة الرؤية وصدق الإدراك لدرجات اللون والنور. إن في أعمال يوسف كامل أستاذية في الأداء وبساطة بارعة، ومهارة في التلوين، وصدقاً في التعبير، وكان بين أفراد جيله فناناً نفض عن نفسه التأثيرات الأكاديمية ليبدأ منذ ثلاثينات القرن العشرين بتشكيل أسلوبه الخاص المميز، وليكون مثالاً يحتذى للمجددين من بعده.
غازي الخالدي