تمكن باحثون استراليون من تطوير بخاخ إسكات جيني يمكنه تعديل النباتات دون التغير الفعلي في الحمض النووي. هذا يعني أنه بالإمكان جعل المحصول أكثر مقاومة للفيروسات أو الجفاف دون تعديله وراثيًّا. يأمل فريق البحث أنَّ ذلك البخاخ سوف يُستخدم في إنتاج محاصيل جديدةٍ صديقةٍ للبيئة في المستقبل من خلال تمكين المحاصيل من مواجهة الجفاف أو النمو في ظروف أكثر قساوةً دون الاعتماد على الكائنات المعدلة وراثيا (GOMs).
تقول نينا ميتير من فريق البحث من جامعة كوينزلاند: “نحن نعتقد أنه يقدم خطوةً نحو تغيير طرق حماية المحاصيل في بيئةٍ مستدامة.”
تمكن باحثون آخرون من تطوير بخاخٍ مشابهٍ في الماضي، لكن يقول أعضاء الفريق أنَّ البخاخ الجديد الذي تم تطويره لديه القدرة على حماية نباتات التبغ من الفايروس لمدة عشرين يومًا وباستخدامٍ واحد، وهي أطول نتيجةٍ حتى الان.
كيف يعمل هذا البخاخ؟
البخاخ المعروف باسم الطين الحيوي (BioClay) لا يغير من نشاط الحمض النووي للنباتات التي يلمسها. بدلًا من ذلك، فهو يتلاعب بنظام الدفاع الذاتي المستخدم من قبل الخلايا النباتية لمحاربة العدوى الفيروسية وهو قادرٌ على إيقاف التعبير الجيني (Gene expression) بشكلٍ مؤقت. عندما تهاجم الفيروسات الخلايا، تقطع الخلايا بعضًا من أجزاء الحمض النووي الريبوزي (RNA) للفيروس لتنتج قطعًا صغيرةً مزدوجة من الحمض النووي الريبوزي، وتستخدم هذه القطع للتعرف وتحطيم أي حمضٍ نوويٍّ ريبوزي متطابق التسلسل. تعرف هذه العملية باسم تداخل الحمض النووي الريبوزي (RNAi) ومتى تعرفت عملية التداخل الجيني على حمضٍ نوويٍّ ريبوزي فإنها ترتبط به وتحطمه.
على غرار ما درسناه خلال مرحلة المدرسة الثانوية، يتم ترجمة الحمض النووي الريبوزي منقوص الاكسجين (DNA) الى الحمض النووي الريبوزي، بعدها ينتقل الى داخل الخلية ويصنع البروتين. لكن إذا حطم الحمض النووي الريبوزي لا يتم صنع البروتين ويكون الحمض النووي الريبوزي منقوص الاكسجين معطلًا ولا يستطيع تحفيز أي تغييرٍ في النبات.
يمكن للعلماء استغلال عملية تداخل الحمض النووي الريبوزي باستخدام الحمض النووي الريبوزي للجين المراد إسكاته. عندما يقومون بهذا، لا يدخل الفيروس مباشرةً، وهي حيلةٌ تجعل النبات يعتقد أن حمضه النووي الريبوزي عبارةٌ عن فيروس وبالتالي يحفز نظام الدفاع ويوقف التعبير الجيني دون التعديل الفعلي لمتسلسلة الحمض النووي الربيوزي منقوص الاكسجين.
تقول ميتير في بيانٍ صحفي: “بمجرد تطبيق بخاخ (BioClay) يعتقد النبات أنه هوجم من قبل مرضٍ أو آفةٍ حشرية ويستجيب عن طريق حماية نفسه من الآفة المستهدفة أو من المرض. الرشة الواحدة من بخاخ (BioClay) تحمي النبات وبعدها تتحلل تقليصا للمخاطر على البيئة أو صحة الانسان.
في الماضي، كان البخاخ المستخدم الذي يعتمد نفس النهج ولا يدوم استعماله سوى بضعة أيام، لأن الأحماض النووية الريبوزية سريعة التكسر وباهظة الثمن للمزارعين في حال تطلبت العملية إعادة استخدام البخاخ كل بضعة ايام.
لجعل التأثير يستمر لفترةٍ أطول، أخذ الفريق الحمض النووي الريبوزي من نبات التبغ الذي من شأنه عادةً جعل النبات حساسًا للفيروس وربطه بجسيماتٍ نانويةٍ من الطين موجب الشحنة. تُصنع جسيمات الطين النانوية من صفائح معادنَ مكدسةٍ تحمي الحمض النووي الريبوزي سالب الشحنة وتتحطم بشكلٍ تدريجي لتُحرر داخل الخلية، مما يطيل تأثير الإسكات الجيني.
فمثلًا عنا رشِّ حقلٍ بكميةٍ كبيرة، سوف يتكسر الطين بالنهاية محررًا الأحماض النووية الريبوزية التي تم امتصاصها بواسطة النباتات لتطلق عملية تداخل الحمض النووي الريبوزي، ويتم على نحوٍ فعالٍ تعديل النبات من دون التعديل الفعلي في حمضه النووي.
يقول الفريق: “على الرغم من أن البخاخات المبكرة مشابهةٌ لهذا البخاخ، إلا أنها كانت تكلف 100،000 دولار لكل جرام، لكن من الممكن جعلها أقلَّ من 2 دولار لكل جرام. على الرغم من أن الامل هو أن هذا البخاخ سوف يوفر سبلًا لتعديل المحاصيل دون أن يتم تعديلها جوهريا، إلا أن بخاخًا مثل هذا سوف يثير بعض المشاكل. على سبيل المثال، إذا بدأنا باستخدامه طوال الوقت قد تطور النباتات وسائل دفاعٍ طبيعيةٍ ضده. وهنالك أيضًا مشكلة -ليست أساسية -وهي أنَّ النباتات التي لا تحتاج تعديلًا قد يظهر عليها آثارٌ عكسيةٌ محتملة مع استخدام البخاخ.”
ومن المرجح أن يُطرح جدلٌ في المستقبل بخصوص ما نعتبره كائناتٍ معدلةٍ وراثيًّا. وهل يغير البخاخ النباتات بشكلٍ كافٍ ليتم تصنيفها أنها معدلة وراثيا؟ أو هل سوف يكون المزارعون قادرين على اعتبار إسكات النبات الجيني عمليةً طبيعية؟
جون كيلمير من (biotech startup Apse) لم يشارك بالدراسة، ولكنه يعمل على نوعٍ مماثل من البخاخ. لا يبدوا قلقًا بشأن النكسات المحتملة. يقول: إن المزارعين العضويين اتصلوا بي وطلبوا مني استعجال استخدام هذه التكنولوجيا.
سوف يتعين علينا أن ننتظر لنرى كيف ستسير الأمور، لكن البخاخ المعدل سوف يوفر سبلًا لزيادة إنتاجية المحصول عن طريق جعل النباتات أقوى دون العبث بحمضها النووي.