***جنون الابداع وهاجس الكتابة وتشضي الذات***
الإبداع عامة يروم المتعة بإرسال خطاب مشفر في حلة شكلية تدعو المتلقي لتذوقها بقراءة استكشافية لمواطن الجمال فيها مما يجعل المبدع أمام مبادرة تقوم على البحث عن سبل جمالية تجلب المتلقي وتدخله في فضاء المنتوج الابداعي ، مبادرة تضع الذات المبدعة أمام رهان صعب يتدحرج بين ما يختلج في دواخله من أحساسيس ،وما يروج في فكره من أفكار ،وما تحتويه ذاكرته من رصيد معرفي ونقدي يؤطر رؤيته للابداع ليختار بوعي او بتلقائية شكل إنتاجه .
إن اللحظات التي تسبق هذا الإختيار، لحظات عسيرة في
أغلب الأحيان تكون فيها الذات المبدعة متأهبة، تمتلكها الرغبة الجامحة في إفراغ شحنتها التي تكون حارقة ، مفعمة بالحركة في دواخل المبدع الذي يبحث لها عن وعاء جمالي يعبر عنها وينقلها للمتلقي، هذا الوعاء الجمالي قذ يكون بالكلمة أو باللون أو باللحن او بالحركة او باي شكل تعبيري آخر.
-1"-جنون "الابداع
الخيال هو نظرة خاصة لواقع تشكله الذات المبدعة، وترسم ملامحه بإعادة تركيب الواقع الفعلي بطريقة فنية تروم اثارة دهشة المتلقي، فيكون المبدع أتناء الكتابةفي عالم يحاول الانفلات من وطئة واقع مفروض الى عالم متخيل خاص به ، لكي يدفع بالقارئ المرتقب قبوله والدخول في فضاءاته ،إنه "جنون "يكتنف الكاتب /المبدع أثناء الكتابة، جنون اللحظة التي يبدأ فيها المبدع رسم عوالم نصه الإبداعي .
المخيلة هي مصدر الإبداع والخلق، والمزود الاساسي للمبدع بالمادة الخام لانتاجه ،والمحفز الأهم في ابتكار النص ، وهي التي تمكن المبدع بمد نصه بكل ما يضمن له الوصول الى المتلقي ،وكلما كان مخيال المبدع فسيحا مرتفعا عن رتابة الواقع ،كلما استطاع انتاجه الوصول الى المتلقي .
-2-هاجس الكتابة
الرغبة في الكتابة تسيطر على الذات المبدعة ،فالانتهاء من كتابة نص هو بداية للتفكير في كتابة نص آخر ،فكرة الكتابة لا تغادر الذات المبدعة ، إنه إذمان يصبح هاجسا مؤرقا للكاتب .إن هوس الكتابة يكون حاضرا باستمرار ،فالمبدع يكتب نصوصه شفويا في حديث داخلي مع النفس ،ويغتنم الفرص التي تسمح له بهذه الكتابة الشفوية ،ويستلذها لأنها تحرك مخيلته ، وتمكنه من بناء مشروع نصه الجديد، وهو بذلك يزاول الكتابة في حركاته وسكناته ، وفي مواقف ووضعيات ومناسبات يكون فيها بعيدا عن طقوس الكتابة .
مرحلة التحرير هي مرحلة تشرف على الإنتهاء من الكتابة ،هي المرحلة الأخيرة أو ماقبل الأخيرة على أكثر تقدير ،اما الرغبة في الكتابة فهي هاجس مستمر مع استمرار حياة المبدع، ومن الصعب طردها.
-3-تشضي الذات المبدعة
الشعور بالرضى عن النفس واطمئنان المبدع لإنتاجه يكون نسبيا، لأن اللغة لا تطاوعه في التعبير عن كل ما يروج في مخياله، ولا تترجم كما يريد كل أحاسيسه، ولا تكون مخلصة بالكامل لتنقل عمق هذه الأحاسيس والتصورات، فهو يكتفي بما يستحضره من كلمات أثناء الكتابة ، بل تأتي العبارات بتلقائية تجعله ينساق أ مام تدفقها أحيانا ، أو يغيب هذا التدفق ليتوقف ويعيد المحاولة من جديد أو يؤجل الكتابة .إن النص قطعة من ذات الكاتب بكل ما يحيط بهذه الذات من واقع، وبكل ما تحمله من آمال وأحلام ،لكن الإحساس بالجدوى من إنتاج نص إبداعي يجعل الذات المبدعة تتقادفها مشاعر دفينة حول قيمة ما كتبت ،وهذا الشعور هو ما يدفع بالمبدع للبحث عن ذاته باستمرار ،وتجديد تجاريبه الإبداعية وتنويعها ،عله يصل إلى تحقيق الرضى عن النفس ،وهو مطمح صعب المنال عند المبدع الحقيقي.
*********محمد بوعمران /مراكش*********