جوهر صقلي
Jawhar al-Siqilli - Jawhar al-Siqilli
جوهر الصقلي
(… ـ381هـ/… ـ992م)
جوهر بن عبد الله، قائد شجاع وإداري مخطط، مولى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله (341-365هـ/952-975م) وهو مملوك رومي، كناه المعز بأبي الحسن واشتهر بجوهر الصقلي نسبة إلى صقلية. لم يذكره بهذا الاسم إلا ابن خلدون وبعض من المؤرخين المعاصرين، في حين أشار الكثير من المؤرخين القدامى إليه بجوهر بن عبد الله الكاتب الرومي القائد. اتخذه المعز كاتباً له سنة 341هـ وعظمت منزلته عنده سنة 347هـ وصار في رتبة الوزارة، وعينه قائداً لجيوشه وأرسله في صفر من تلك السنة على رأس جيش للقضاء على عصيان مغربي، فأتم مهمته بنجاح ووصل إلى المحيط الأطلسي وفتح فاس وسجلماسة.
لما استتبت الأمور للمعز، رأى أن يمد نفوذه صوب المشرق، إذ وجد الفرصة سانحة إثر اضطراب الأحوال في مصر، وخاصة بعد وفاة كافور الإخشيدي عام 357هـ /968م وتعاظم الغلاء وتنامي الفتن، فأرسل قائده جوهراً على رأس جيش ضخم زاد عدد أفراده على مئة ألف فارس، عدا من انتظم في صفوفه من جنود المشاة، وزوده بالتعليمات وخرج لوداعه مع حشد كبير من كبار رجالات الدولة.
تحرك الجيش في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 358هـ /969م، ولما وصل الإسكندرية، فتحت له أبوابها ودخلها دون مقاومة تذكر، ولكنه واجه مقاومة من بعض الفئات المتبقية من الإخشيديين والكافوريين والعسكريين حينما توجه نحو الفسطاط فهزمهم جوهر، وتقدَّم على رأس قواته حتى أناخ في الموقع الذي قرر بناء القاهرة فيه، وكان الموقع الجديد يبعد نحو الميلين شمالي الفسطاط القديمة، وباشر أعمال الحفر ليلاً لتشييد قصر كبير اختطه، وأراد جوهر من تخطيط واختيار موقع المدينة الجديدة أن تكون حصناً يضمن له الحماية من هجمات القرامطة، وأدار جوهر السور على القصر والجامع، واحتفر خندقاً من الجهة الشمالية، وبعد أن أنجز مهمته أرسل لسيده المعز يعلمه بالنصر وفتح البلاد ويستحثه على القدوم للمشرق.
بعد أن استقرت لجوهر الأمور، وجه القائد جعفر بن فلاح على رأس جيش إلى الشام لاستعادة السيادة عليها ولإبعاده عن دائرة المنافسة، فدخل دمشق 359هـ، بعد استيلائه على الرملة، وفي ذي القعدة سنة 360هـ، وصل القرامطة إلى دمشق، ذلك أنهم كانوا قد اتفقوا مع ابن طغج الإخشيدي والي دمشق السابق، أن يحمل إليهم كل عام 300 ألف دينار، فلما ملكها جعفر، أدركوا أن المال لن يدفع لهم، فعزموا على قصد الشام، وبلغ خبرهم إلى جعفر فاستهان بهم ولم يحترز منهم مما أدَّى إلى هزيمته ومقتله، فدخلوا دمشق ثم توجهوا بعد ذلك إلى الرملة واستولوا على جميع ما بينهما، وبعد استتباب الأمر لهم قصدوا المسير إلى مصر، ولكن جند جوهر استطاعوا بعد جهد بالغ إجلاءهم عن عين شمس، فرحلوا إلى الشام فتبعهم الجند وواصلهم جوهر بالنجدات حتى أجلوهم عن بعض المدن والقرى، وأقام جوهر مستقلاً بتدبير أمور مصر حتى وصول مولاه سنة 362هـ، فقطع خطبة بني العباس على منابر الديار المصرية وأزال اسمهم من السكة، وأزال الشعار الأسود، وألبس الخطباء الثياب البيض، وجعل يجلس بنفسه كل يوم سبت للمظالم بحضرة الوزير والقاضي وجماعة من أكابر الفقهاء، وشرع في عمارة الجامع الذي عرف بالأزهر فيما بعد، وأنجزه في السابع من رمضان 361هـ، وأمر ببعض الزيادات في الخطبة، وأضاف على الأذان «حي على خير العمل»، واستمر جوهر على علو منزلته وارتفاع درجته حتى سنة 364هـ، حين عزله المعز عن دواوين مصر وجباية أموالها والنظر في أحوالها.
في سنة 365هـ توفي المعز لدين الله، واستخلف من بعده ابنه العزيز بالله، وكان «ألفتكين التركي» قد ملك دمشق سنة 364هـ بناء على طلب أشرافها وشيوخها، فقطع خطبة المعز، وخطب للطائع لله في شعبان، وتجهز المعز وجمع الجند لقتاله فمرض ومات، فأرسل العزيز بالله جوهراً إلى الشام فنزل على دمشق في ذي القعدة سنة 365هـ، وأقام عليها يحارب أهلها، حتى قدم الحسن بن أحمد القرمطي إليها بعد استنجاد ألفتكين به، فتراجع جوهر إلى الرملة والقرمطي وألفتكين في إثره، وبعد جهد بالغ وصل مصر والعزيز يتأهب للخروج إلى الشام، فلما ظفر العزيز بألفتكين صفح عنه وقدّمه، وقرَّب منجوتكين التركي أيضاً، ولم يعد لجوهر ذكر إلا ما أشار إليه المقريزي، من أن العزيز أخرج منجوتكين سنة 381هـ راكباً، والقائد جوهر وغيره من أهل الدولة مشاة في ركابه، توفي جوهر في السنة نفسها.
كان جوهر كثير الإحسان، حسن السيرة، أحبه الناس وتمثل هذا جلياً في تلك العواطف الصادقة التي عبَّر عنها كثير من الشعراء خلال قصائد الرثاء التي نظموها في جوهر، القائد والإنسان.
عبد الله حسين، نجدة خماش
Jawhar al-Siqilli - Jawhar al-Siqilli
جوهر الصقلي
(… ـ381هـ/… ـ992م)
جوهر بن عبد الله، قائد شجاع وإداري مخطط، مولى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله (341-365هـ/952-975م) وهو مملوك رومي، كناه المعز بأبي الحسن واشتهر بجوهر الصقلي نسبة إلى صقلية. لم يذكره بهذا الاسم إلا ابن خلدون وبعض من المؤرخين المعاصرين، في حين أشار الكثير من المؤرخين القدامى إليه بجوهر بن عبد الله الكاتب الرومي القائد. اتخذه المعز كاتباً له سنة 341هـ وعظمت منزلته عنده سنة 347هـ وصار في رتبة الوزارة، وعينه قائداً لجيوشه وأرسله في صفر من تلك السنة على رأس جيش للقضاء على عصيان مغربي، فأتم مهمته بنجاح ووصل إلى المحيط الأطلسي وفتح فاس وسجلماسة.
لما استتبت الأمور للمعز، رأى أن يمد نفوذه صوب المشرق، إذ وجد الفرصة سانحة إثر اضطراب الأحوال في مصر، وخاصة بعد وفاة كافور الإخشيدي عام 357هـ /968م وتعاظم الغلاء وتنامي الفتن، فأرسل قائده جوهراً على رأس جيش ضخم زاد عدد أفراده على مئة ألف فارس، عدا من انتظم في صفوفه من جنود المشاة، وزوده بالتعليمات وخرج لوداعه مع حشد كبير من كبار رجالات الدولة.
تحرك الجيش في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 358هـ /969م، ولما وصل الإسكندرية، فتحت له أبوابها ودخلها دون مقاومة تذكر، ولكنه واجه مقاومة من بعض الفئات المتبقية من الإخشيديين والكافوريين والعسكريين حينما توجه نحو الفسطاط فهزمهم جوهر، وتقدَّم على رأس قواته حتى أناخ في الموقع الذي قرر بناء القاهرة فيه، وكان الموقع الجديد يبعد نحو الميلين شمالي الفسطاط القديمة، وباشر أعمال الحفر ليلاً لتشييد قصر كبير اختطه، وأراد جوهر من تخطيط واختيار موقع المدينة الجديدة أن تكون حصناً يضمن له الحماية من هجمات القرامطة، وأدار جوهر السور على القصر والجامع، واحتفر خندقاً من الجهة الشمالية، وبعد أن أنجز مهمته أرسل لسيده المعز يعلمه بالنصر وفتح البلاد ويستحثه على القدوم للمشرق.
بعد أن استقرت لجوهر الأمور، وجه القائد جعفر بن فلاح على رأس جيش إلى الشام لاستعادة السيادة عليها ولإبعاده عن دائرة المنافسة، فدخل دمشق 359هـ، بعد استيلائه على الرملة، وفي ذي القعدة سنة 360هـ، وصل القرامطة إلى دمشق، ذلك أنهم كانوا قد اتفقوا مع ابن طغج الإخشيدي والي دمشق السابق، أن يحمل إليهم كل عام 300 ألف دينار، فلما ملكها جعفر، أدركوا أن المال لن يدفع لهم، فعزموا على قصد الشام، وبلغ خبرهم إلى جعفر فاستهان بهم ولم يحترز منهم مما أدَّى إلى هزيمته ومقتله، فدخلوا دمشق ثم توجهوا بعد ذلك إلى الرملة واستولوا على جميع ما بينهما، وبعد استتباب الأمر لهم قصدوا المسير إلى مصر، ولكن جند جوهر استطاعوا بعد جهد بالغ إجلاءهم عن عين شمس، فرحلوا إلى الشام فتبعهم الجند وواصلهم جوهر بالنجدات حتى أجلوهم عن بعض المدن والقرى، وأقام جوهر مستقلاً بتدبير أمور مصر حتى وصول مولاه سنة 362هـ، فقطع خطبة بني العباس على منابر الديار المصرية وأزال اسمهم من السكة، وأزال الشعار الأسود، وألبس الخطباء الثياب البيض، وجعل يجلس بنفسه كل يوم سبت للمظالم بحضرة الوزير والقاضي وجماعة من أكابر الفقهاء، وشرع في عمارة الجامع الذي عرف بالأزهر فيما بعد، وأنجزه في السابع من رمضان 361هـ، وأمر ببعض الزيادات في الخطبة، وأضاف على الأذان «حي على خير العمل»، واستمر جوهر على علو منزلته وارتفاع درجته حتى سنة 364هـ، حين عزله المعز عن دواوين مصر وجباية أموالها والنظر في أحوالها.
في سنة 365هـ توفي المعز لدين الله، واستخلف من بعده ابنه العزيز بالله، وكان «ألفتكين التركي» قد ملك دمشق سنة 364هـ بناء على طلب أشرافها وشيوخها، فقطع خطبة المعز، وخطب للطائع لله في شعبان، وتجهز المعز وجمع الجند لقتاله فمرض ومات، فأرسل العزيز بالله جوهراً إلى الشام فنزل على دمشق في ذي القعدة سنة 365هـ، وأقام عليها يحارب أهلها، حتى قدم الحسن بن أحمد القرمطي إليها بعد استنجاد ألفتكين به، فتراجع جوهر إلى الرملة والقرمطي وألفتكين في إثره، وبعد جهد بالغ وصل مصر والعزيز يتأهب للخروج إلى الشام، فلما ظفر العزيز بألفتكين صفح عنه وقدّمه، وقرَّب منجوتكين التركي أيضاً، ولم يعد لجوهر ذكر إلا ما أشار إليه المقريزي، من أن العزيز أخرج منجوتكين سنة 381هـ راكباً، والقائد جوهر وغيره من أهل الدولة مشاة في ركابه، توفي جوهر في السنة نفسها.
كان جوهر كثير الإحسان، حسن السيرة، أحبه الناس وتمثل هذا جلياً في تلك العواطف الصادقة التي عبَّر عنها كثير من الشعراء خلال قصائد الرثاء التي نظموها في جوهر، القائد والإنسان.
عبد الله حسين، نجدة خماش