مردوخ (اله)
Marduk - Mardouk
مردوخ (الإله ـ)
مردوخ هو الإله الرئيسي لمدينة بابل منذ أزمنة مبكرة، وقد ورد الدليل على عبادته منذ عصر فجر السلالات، في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد. وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف أصل عبادته يمكن القول إنه يعود إلى التراث الديني المحلي لمدينة إريدو (تلول أبو شهرين حالياً في جنوبي العراق)، حيث كان يعرف هناك باسم أسرلوخي Asarlukhi الذي عدّ ابناً للإله إنكي/أيا Enki/Ea، الإله الرئيسي لتلك المدينة. ومن المحتمل أنه كان أصلاً من آلهة الزراعة. كان اسم مردوخ يكتب بالعلامات الرمزية السومرية logograms التي تقرأ «أمار - أوتو» AMAR-UTU ومعناها باللغة السومرية «عجل الإله الشمس». وفي الأكدية كتب الاسم بصيغة «مار - دوكو» Mar -duku التي اشتق منها اسم «مردوخ» المستعمل في نصوص «العهد القديم» وفي المصادر المتأخرة.
أدى قيام سلالة بابل الأولى في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد إلى تزايد أهمية هذا الإله بالاقتران مع تصاعد نفوذ مدينة بابل، لكن رفع مكانة مردوخ إلى مستوى رئاسة مجمع الآلهة البابلي لم يحدث إلا في العصر البابلي الوسيط، في النصف الثاني للألف الثاني قبل الميلاد، وحينئذٍ حمل اللقب الذي اشتهر به لاحقاً وهو «بيل» Bel الذي يعني في الأكدية «السيد». عدّت المسحاة (وهي المجرفة ذات الرأس المعدني المثلث الشكل) رمزاً للإله مردوخ. وكان الحيوان الخاص به الكائن الأسطوري المركب «مشخش»، وهو الأفعوان - التنين الذي وجدت رسومه على الجدران في بابل، أما الكوكب الذي اقترن بمردوخ فكان المشتري. وقد عدّت الإلهة صربانية Sarpanitu زوجة لمردوخ، وعد نابو - إله مدينة بورسبا- ابناً لهما. وبحسب المعتقدات القديمة، كان هناك مستشاران لمردوخ من الآلهة الصغرى هما إين - نُنداغالاّ En- nundagalla وغاننخيدو Ganunhedu.
وقد اكتشفت عدة أساطير ونصوص دينية وأدبية تدور موضوعاتها حول عبادة الإله مردوخ وأفعاله، وأشهر هذه النصوص الأسطورة التي اشتهرت بعنوان «قصة الخليقة البابلية». في هذه الأسطورة يقوم مردوخ بالقضاء على الآلهة العتيقة ويتولى قيادة الآلهة الجديدة، وينسب إليه فيها خلق أجزاء الكون والكواكب. وهناك أسطورة بابلية ثانية تنسب إليه خلق العالم وتأسيس المدن. وفي أسطورة أخرى يقوم بمحاربة الشياطين التي تسببت في خسوف القمر وينقذه منهم. ومن الأساطير الأخرى أيضاً عن مردوخ، واحدة تروي قيامه بقتل الطائر الأسطوري أنزو الذي سرق «ألواح القدر» من الإله إنليل واستعادة تلك الألواح، وثانية في أسطورة إيرا يبدو مردوخ مجسداً للخير والسلام في مقابل إله الطاعون والوباء إيرا الذي سلط الوباء والأعداء على بابل وجعل مردوخ يرثيها.
يرد اسم مردوخ كثيراً في نصوص التعاويذ؛ إذ كان يستعان به لطرد الأرواح الشريرة والشياطين وِإبطال أثر السحر. ومن أشهر المراسم التي كان لمردوخ علاقة بها احتفالات رأس السنة البابلية التي كانت تستغرق اثني عشر يوماً تتلى في أثنائها قصة الخليقة البابلية، ومن ضمن أحداث تلك الاحتفالات تَعرُّض مردوخ للموت المؤقت واختفاؤه بضعة أيام يأخذ فيها الناس بندبه والحزن عليه حتى يعود إلى مدينته ثانية وتتجدد الأقدار للسنة الجديدة.
وبسبب كون مردوخ رمزاً لاستقلال بابل تعرّض تمثاله للأسر والإبعاد أكثر من مرة، وكانت الأولى عند سقوط بابل في نهاية العصر البابلي القديم (نحو عام 1595ق.م)، لكن الملك الكاشي آغوم كاكريمه Agum Kakrime (نحو عام 1570ق.م) أعاده إلى بابل. وفي المرة الثانية نقل الملك الآشوري توكلتي - نِنورتا Tukklti- Ninurta الأول تمثال مردوخ - في عام 1250 ق.م - إلى آشور حيث بقي هناك مدة 66 عاماً قبل إعادته إلى بابل. وفي عام 1176ق.م قام الملك العيلامي كوتير- ناخنتي Kutir-Nahunte بغزو بابل وأخذ تمثال مردوخ إلى سوسه[ر]. وحين قام ملك إيسين Isin نبوخذ نصر الأول (1126- 1105ق.م) بمهاجمة بلاد عيلام[ر] واستعادة تمثال مردوخ أخذت عبادة هذا الإله بعداً قومياً يتجاوز حدود مدينة بابل. وإلى هذه الحادثة يعزو الباحثون بروز دور مردوخ في ديانة بلاد الرافدين القديمة وانتقالها إلى مرحلة التفريد التي لم ترفض وجود الآلهة الأخرى ولكنها قدمت إلهاً واحداً وهو مردوخ، على سائر الآلهة، ونسبت إليه معظم وظائف الآلهة الكبار، وقد استمرت عبادة مردوخ حتى بعد سقوط بابل في عام 539 ق.م، إذ حافظ عليها الحكام الفرس الأخمينيون وكذلك الحكام السلوقيون من بعدهم.
نائل حنون
Marduk - Mardouk
مردوخ (الإله ـ)
مردوخ هو الإله الرئيسي لمدينة بابل منذ أزمنة مبكرة، وقد ورد الدليل على عبادته منذ عصر فجر السلالات، في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد. وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف أصل عبادته يمكن القول إنه يعود إلى التراث الديني المحلي لمدينة إريدو (تلول أبو شهرين حالياً في جنوبي العراق)، حيث كان يعرف هناك باسم أسرلوخي Asarlukhi الذي عدّ ابناً للإله إنكي/أيا Enki/Ea، الإله الرئيسي لتلك المدينة. ومن المحتمل أنه كان أصلاً من آلهة الزراعة. كان اسم مردوخ يكتب بالعلامات الرمزية السومرية logograms التي تقرأ «أمار - أوتو» AMAR-UTU ومعناها باللغة السومرية «عجل الإله الشمس». وفي الأكدية كتب الاسم بصيغة «مار - دوكو» Mar -duku التي اشتق منها اسم «مردوخ» المستعمل في نصوص «العهد القديم» وفي المصادر المتأخرة.
أدى قيام سلالة بابل الأولى في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد إلى تزايد أهمية هذا الإله بالاقتران مع تصاعد نفوذ مدينة بابل، لكن رفع مكانة مردوخ إلى مستوى رئاسة مجمع الآلهة البابلي لم يحدث إلا في العصر البابلي الوسيط، في النصف الثاني للألف الثاني قبل الميلاد، وحينئذٍ حمل اللقب الذي اشتهر به لاحقاً وهو «بيل» Bel الذي يعني في الأكدية «السيد». عدّت المسحاة (وهي المجرفة ذات الرأس المعدني المثلث الشكل) رمزاً للإله مردوخ. وكان الحيوان الخاص به الكائن الأسطوري المركب «مشخش»، وهو الأفعوان - التنين الذي وجدت رسومه على الجدران في بابل، أما الكوكب الذي اقترن بمردوخ فكان المشتري. وقد عدّت الإلهة صربانية Sarpanitu زوجة لمردوخ، وعد نابو - إله مدينة بورسبا- ابناً لهما. وبحسب المعتقدات القديمة، كان هناك مستشاران لمردوخ من الآلهة الصغرى هما إين - نُنداغالاّ En- nundagalla وغاننخيدو Ganunhedu.
وقد اكتشفت عدة أساطير ونصوص دينية وأدبية تدور موضوعاتها حول عبادة الإله مردوخ وأفعاله، وأشهر هذه النصوص الأسطورة التي اشتهرت بعنوان «قصة الخليقة البابلية». في هذه الأسطورة يقوم مردوخ بالقضاء على الآلهة العتيقة ويتولى قيادة الآلهة الجديدة، وينسب إليه فيها خلق أجزاء الكون والكواكب. وهناك أسطورة بابلية ثانية تنسب إليه خلق العالم وتأسيس المدن. وفي أسطورة أخرى يقوم بمحاربة الشياطين التي تسببت في خسوف القمر وينقذه منهم. ومن الأساطير الأخرى أيضاً عن مردوخ، واحدة تروي قيامه بقتل الطائر الأسطوري أنزو الذي سرق «ألواح القدر» من الإله إنليل واستعادة تلك الألواح، وثانية في أسطورة إيرا يبدو مردوخ مجسداً للخير والسلام في مقابل إله الطاعون والوباء إيرا الذي سلط الوباء والأعداء على بابل وجعل مردوخ يرثيها.
يرد اسم مردوخ كثيراً في نصوص التعاويذ؛ إذ كان يستعان به لطرد الأرواح الشريرة والشياطين وِإبطال أثر السحر. ومن أشهر المراسم التي كان لمردوخ علاقة بها احتفالات رأس السنة البابلية التي كانت تستغرق اثني عشر يوماً تتلى في أثنائها قصة الخليقة البابلية، ومن ضمن أحداث تلك الاحتفالات تَعرُّض مردوخ للموت المؤقت واختفاؤه بضعة أيام يأخذ فيها الناس بندبه والحزن عليه حتى يعود إلى مدينته ثانية وتتجدد الأقدار للسنة الجديدة.
وبسبب كون مردوخ رمزاً لاستقلال بابل تعرّض تمثاله للأسر والإبعاد أكثر من مرة، وكانت الأولى عند سقوط بابل في نهاية العصر البابلي القديم (نحو عام 1595ق.م)، لكن الملك الكاشي آغوم كاكريمه Agum Kakrime (نحو عام 1570ق.م) أعاده إلى بابل. وفي المرة الثانية نقل الملك الآشوري توكلتي - نِنورتا Tukklti- Ninurta الأول تمثال مردوخ - في عام 1250 ق.م - إلى آشور حيث بقي هناك مدة 66 عاماً قبل إعادته إلى بابل. وفي عام 1176ق.م قام الملك العيلامي كوتير- ناخنتي Kutir-Nahunte بغزو بابل وأخذ تمثال مردوخ إلى سوسه[ر]. وحين قام ملك إيسين Isin نبوخذ نصر الأول (1126- 1105ق.م) بمهاجمة بلاد عيلام[ر] واستعادة تمثال مردوخ أخذت عبادة هذا الإله بعداً قومياً يتجاوز حدود مدينة بابل. وإلى هذه الحادثة يعزو الباحثون بروز دور مردوخ في ديانة بلاد الرافدين القديمة وانتقالها إلى مرحلة التفريد التي لم ترفض وجود الآلهة الأخرى ولكنها قدمت إلهاً واحداً وهو مردوخ، على سائر الآلهة، ونسبت إليه معظم وظائف الآلهة الكبار، وقد استمرت عبادة مردوخ حتى بعد سقوط بابل في عام 539 ق.م، إذ حافظ عليها الحكام الفرس الأخمينيون وكذلك الحكام السلوقيون من بعدهم.
نائل حنون