المعلم والمعاون ..!!
في الثلاثينات من القرن الماضي ، وفي أول ظهور للسيارة في بلدة اعزاز ، كان الأهالي يدعونها ( الماكينه ) فيراقبونها وهي تسير في الشارع دون أن يجرَّها بغلٌ أو ثور أو حصان ، فيعتقدون أنها فتنةٌ من فتن آخر الزمان ، ويجزم البعض بأن من يحرِّكها هو الشيطان !!
لكن أحد شباب البلدة ويدعى ( أحمد حمدو داديخي ) كان له رأيٌ مخالف ، فقد أحبّ هذه الماكينة وبات يحلم باقتنائها وقيادتها . وحين لمسَ والده ( الحاج حمدو ) رغبة ولده الجامحة بذلك نزل إلى مدينة حلب واشترى له سيارة ( تكسي ) وجلب معها أحد معلمي قيادة السيارات صديقه المدعو ( محمود فلاحه ) وأسكنه في البلدة ليقوم بتعليم ( أحمد ) القيادة ، ولقَّبه الأهالي فيما بعد ( محمود الشوفير ) الذي درَّب ( أحمد ) على القيادة فأخضعه إلى دورة معاون ، وبعد فترة من الجهد المتواصل تعلَّم أحمد ، وأتقن العناية بشؤون السيارة ، وأصبح يقودها بكل ثقة ومهاره ، وقام بتعليم أشقائه ( يوسف وحسن ومحمد ) فأخضعهم إلى دورة ( معاون ) وعلَّمهم أن على السائق ان يراقب حاجة السيارة من الماء والزيت والوقود بشكل دائم ومستمر . وأصبح ( احمد ) سائقاً يستعمل السيارة في نقل الركاب بين بلدة اعزاز ومدينة كلس التركية حين لم تكن هناك من حدود بعد ، فكان اول سائق في بلدة أعزاز .
.................................................. ............
وننتقل إلى قصة اخرى من قصص الآليات وقيادتها ، ففي الخمسينات من القرن الماضي كانت حراثة الأرض في الحقول تعتمد على المحراث القديم ( الفدّان ) الذي يجرّه ثور او بغل او حصان ، وكان الفدان ينتج خطاً واحداً في كل مشوار ، فيظل في ارض صغيرة يفلح طوال النهار ، شاهد ( شحّود ) وهو أحد مزارعي البلدة الأثرياء في إحدى المجلات صوراً للجرار الزراعي الآلي ، وقرأ أنه يحرث اربعة خطوط في كل مشوار فأُعجب بمزاياه ونزل الى مدينة حلب واشترى جراراً وجلب معه مهندساً ميكانيكياً من الشركة ليعلمه قيادته ، وبعد فترة من الزمن أتمَّ المهندس مهمته وعلَّم ( شحّود ) القيادة وأوصاه بالعناية بالجرار ومراقبة زيت المحرك والماء والوقود كل يوم .
في اليوم التالي خرج شحّود ( يتمشور ) بالجرار في شوارع البلدة ، ثم ذهب إلى الحقل وبدأ بفلاحة الأرض وسط حضور جماهيريّ لافت ، أتوا ليشاهدوا الجرار وهو ينتج أربعة خطوط فلاحة في آن واحد ،فلا ثورٌ ولا بغلٌ ولا كديش ، ولا ( ديه ) و لا ( داه ) ولا ( هيش )!! بل سكة حديدية ( كلفاتور ) تجرف التراب والكدر والحشيش ، وعبَّروا عن إعجابهم ودهشتهم لسرعة هذه الآلة في فلاحة الأرض .
وفجأة توقف الجرار عن العمل دون سابق انذار ، حرَّك ( شحّود ) المقود ( الدركسيون ) وضرب مارش بلا طائل ،طلب من عماله دفع الجرار عسى ان يعود الى العمل لكن الجرار ظل رابضاً في مكانه ( لا من تمّو ولا من كمّو ) !!. حاول تذكر كلام المهندس وما املى عليه من توصيات ، لكنه نسي التعليمات ، وانمحت من ذهنه المعلومات ، انمقت الرجل وخجل أمام الحاضرين فنزل عن الجرار وذهب من فوره إلى مدينة حلب وأحضر المهندس الميكانيكي .
قام المهندس بفحص الجرار ثم ابتسم وقال له : أصلحك الله يا رجل !! هل رأيت في حياتك جراراً يسير بلا وقود ؟!! ألم انبهك بأنه ينبغي عليك تفقد الوقود كل يوم ؟ فضحك ( شحّود) حتى استلقى على قفاه وقال للمهندس : هل هذه هي المشكلة فقط ؟ انقطع قلبي يا رجل ، ظننت أن الجرار ( خرب ) !! فابتسم المهندس وقال له : يا حبيبي هذه المصلحة تحتاج إلى ممارسة و( هز اكتاف ) ، وما زال يلزمك الكثير من ( الدعك ) حتى تصبح سائق جرار ، ورغم ما اعطيته لك من تعليمات كان ينبغي أن تخضع إلى دورة معاون ، وليس في هذا الأمر ما يُضير ، فكل سائق ماهر كان في البداية معاوناً ، وكلّ معلمٍ كان في بدايته أجير !!
بدر الدين تلجبيني