علي عيسي كحال
Ali ibn Issa al-Kahal - Ali ibn Issa al-Kahal
علي بن عيسى الكحال
(…ـ 430هـ/… ـ 951م)
شرف الدين علي بن عيسى، أشـهر الكحّالين العرب على الإطلاق، وأوسعهم تأثيراً في المؤلفين المتأخرين في حقل طب العيون (الكِحالة).
لا يُعْرَفُ عنه أنه مـارس من فروع الطب غير هذا الاختصاص الذي نبغ فيه، بـعد أن استوعب قدراً كبيراً ما عرفته البشرية من مُؤَلَّفات في هذا الفنّ وما دونته أو حفظته مشافهة وصار تراثاً للإنسانية جمعاء. استلهم علي بن عيسى هذا التراث وأحسن تَمَثُّلَ المادة العلمية، وأعاد تصنيفها وتبويبها، واعتمد عليها في كتابة مُؤَلَّفِه الشهير «تذكرة الكحَّالين».
تذكر المصادرُ العربية أنّه عاش في بغداد، وتعلم على أبي الفرج بن الطيّب (ت 435 هـ/ 1043م) وعمل في البيمارسـتان العضدي كحّالاّ وأستاذاّ. وتنسبه جميع المصادر العربية إلى بغداد، وقد اشتهر بلقبه الكحّال إلى درجة أنه إذا قيل «الكحّال» انصرف الذهن إلى عليّ بن عيسى دون سواه.
والمقالات العربية التي نُشـرت حديثاً وحاولت تعرّف انتمائه الديني أو المذهبي ليس لها سند تاريخي. وذكر بروكلمان ونقل عنه سزكين أن عليّ بن عيسى كان نسطورّياً وتحوّل إلى المذهب الملكي، بسـبب خلاف حادّ وقع بينه وبين الكاثوليكوس يوحنا رأس الطائفة النسـطوريّة في بغداد. وتخلط بعض المصادر، كالقفطي، بين هذا الكحّال الشهير وعيسى بن علي؛ تلميذ حنين ابن إسحاق.
لم يكتب علي بن عيسى كتاباً غير «تذكرة الكحّالين»، لكن هذا الكتاب اشـتهر وصار قانوناً لأطباء العين العرب كما يذكر هيرشبرغ Hirschberg(مؤرخ الطب الشهير)، فاتخذوه مصدراً أساسيّاً لهم، ونقل عنه جميع المؤلفين الكبار في طب العين، وأشهرهم الغافقي «محمد بن قسّوم بن أسلم»، والحريري «عبد الله بن قاسم الإشبيلي»، وخليفة ابن أبي المحاسن الحلبي، ويحيى بن أبي الرجاء «صلاح الدين بن يوسـف الحموي»، والشـاذلي «صدقة بن إبراهيم المصري». كما تأثّر به ابن النفيس وتقيّد بأسلوبه في التصنيف.
وقد حرص عـدد كبير من هؤلاء المؤلفين الكبار على نقل فقر من «التذكرة» نقـلاً حرفياً، وذلك لكي يزيّنوا مـادتهم العلمية بعبارات هذا الأسـتاذ الكبير الذي برع فـي وصف أعراضِ الأمراض براعة غدا معها مؤلفاً لا يُشقُّ له غبار.
ويشهد هيرشبرغ بأن عليّ بن عيسى تجاوز في مقدرته كـلّ المؤلفين الذين سـبقوه، كما يشـهد بأن موهبته في التعبير لـم تتوافر لأَيٍّ من المؤلفين الإغريق. يوجز هيرشبرغ حديثه عن علي بن عيسى بقوله إن تاريخ طب العيون لا يعرف قبل علي بن عيسى مؤلفاً من هذا الوزن، ويقرّر ـ وهو العارف بتاريخ الطب ـ أن أوربا لو كانت قد اسـتوعبت ما جاء في التذكرة في الوقت المناسـب لما تأخّر فيها تطوّر طب العيون كلّ هـذه المُدّة، فكتاب علي بن عيسـى صدر في بداية القرن الحادي عشر، وظلّت أوربا عاجزة عن كتابة نظيرٍ له حتى بداية القرن الثامن عشر.
وقد خلص هيرشـبرغ من دراسـة هذا الكتاب إلى تعرُّف أخلاق هذا الطبيب، التي كانت تتّسم بالرأفة تجاه المريض، والحذر في وضع التشخيص، والتأنّي في العمل الجراحي. كما تبيّن له أن عليّ ابن عيسـى المؤلف، يحرص على اسـتيعاب جميع جوانب الموضوع الذي يكتب عنه، ويحسن عرض الآراء المختلفة، ويتشـدّد في طَلَب الكمال في التأليف العلمي، أما علي بن عيسى الإنسان فهو ذلك الرجل المتواضع الذي يقدّر الأسـاتذة ويعطيهم حقَّهم، ويحبّ تلامذته ويسهّل لهم وسائل اكتساب المعرفة ويخشى الله في جميع أعماله.
وقد وصف هيرشبرغ كتاب التذكرة بأنه يمتاز بحسن التصنيف وبراعة العرض ووضوح العبارة، إضافة إلى تفوّقه في الدقة العلمية والمنهجيّة، مع غنى التجربة الشخصية سواء في فن المداواة أو فـي الأعمال الجراحية، ويقرّر هيرشـبرغ أن هذا كلّه ناجمٌ عن خبرة طويلـة في الممارسة العملية والتدريس، إضافة إلى موهبة نادرة اتسمت بالبلاغة وسلاسة الأسلوب.
فعليّ بن عيسى في رأي هيرشبرغ ليس كحّال العرب الأول فحسـب وإنَّما هو واحد من أهم المؤلفين في طب العين عبر التاريخ وأوسعهم نفوذاً.
وقد عرف أصحاب كتب التراجم ومؤرخو الطبّ أهمّيّة هذا الكتاب، فوصفه القفطي بأنه كتاب (متفوّق)، وقـال عنه ابن أبـي أصيبعة «…،لابد لكلّ من يعانـي صناعة الكحل أن يحفظه». ويشهد: «…وقد أقصر الناس عليه دون غيره من سـائر الكتب التي قد أُلِّفت في هذا الفنّ».
رتب علي بن عيسى كتابه «تذكرة الكحالين» في مقدمة وثلاث مقالات، يقول في المقدمة ـ بتواضع العالم ـ إنه استقى مادة الكتاب من كتب الأوئل وإنه أسهم فيه بقسـط متواضع: «…، ولم أُضف فيه شـيئاً ألَّفْتُهُ من تلقاء نفسي سوى أشياء يسيرة شـاهدتها من شيوخ زماننا وبلوتها في أعمال هذه الصناعة…».
ويـذكر هيرشـبرغ أن أهم هؤلاء الأوائل هم جـالينوس وديوسـقوريدوس وبولـص وأريباسيوس وحنين، ويؤكّد تفوّق علي بن عيسى عليهم جميعاً في حقل طب العيون.
المقالة الأولى: وهي مقالة قصيرة تشـتمل على واحد وعشـرين باباً وفيها: حدّ العين (تعريفها) ومنفعتها وطبيعتها، وهي المقالة المخصّصَة لتشـريح العين وفيزيولوجيتها (تركيبها، طبقاتها، رطوباتها، فعلها).
المقالة الثانية: وفيها يسـتعرض المؤلف أمراض العين الظاهرة للحسّ، ويلتزم في ترتيب الأمراض التقسيم التشريحي الصارم، كما فعل حنين بن إسحاق في «المقالات العشر في العين»، فيذكـر أمراض الجفن (وهي عنده 29 مرضاً)، ثم أمراض جهاز الدمع (المأق) ثم أمراض الملتحمة فالقرنية وهكذا.
وفي نهاية هذه المقالة يأتي باب السادّ (الماء النازل في العين)، وهذا الباب الذي صار مصدراً لكلِّ ما كُتِبَ في هذا الموضوع في التراث الطبي العربّي. وهذه المقالة لسريريات أمراض العين، تشتمل في الحقيقة على كلّ العلوم.
النّظرية الضرورية: السببيّات والمرضيات (الإِمراض) والتشخيص والإنذار.
المقالة الثالثة: وهي المخصّصة للأمراض التي لاتقع تحت حس الطبيب الفاحص وهي أمراض الشـبكية والعصب البصري والجسـم الزجـاجي، وفيها أيضاً أبـواب الصداع الناجم عن العين ولحالات سوء الانكسار، من يرى من بعيد ولايرى من قريب مثالاً، وفيها يعرض المؤلف أبواباً مهمة أخرى كالحول والجحوظ وضعف البصر. وتنتهي المقالـة بباب لأدوية العين المفردة مرتب حسـب أسـماء هذه الأدوية ترتيباً هجائياً، ويشتمل على 141 معظمها من الأدوية النباتية.
ويلاحظ هيرشـبرغ أن عدد الأمراض التي أوردها علي بن عيسـى في التذكرة مئـة وثلاثون مرضاً «فيها أربعة وستون ظاهرة للحسّ، أجاد المؤلف وَصْفَها وعَرْضَها»، بينما بلغ عدد الأمراض التي ذكرها سلزوس ثلاثين مرضاً، وما ذكره بولص خمسون مرضاً، وما ذكره ايتيوس واحدً وستون.
وفي أوربا في القرن الثامن عشـر كتب بلنكPLENK أول كتاب مدرسي عصري عام 1776، لم يورد فيه من أمراض العين إلا مئة وعشرين مرضاً.
ولعل الإسـهام الأكبر لعلي بن عيسـى في عالم التأليف هو تقسيم أمراض العين إلى زمرتين: ظاهرة للحس وخفيّة عنه. فالزمرة الأولى هي تلك الأمراض التي يـرى الطبيب علاماتها ويسـتطيع متابعة تطور أعراضها (الظاهرة للحس) أمراض الجزء الأمامي من العين (الملتحمة ـ القرنية ـ القزحية) وأمراض ملحقاتها (الأجفان ـ جهاز الدمع)، والزمرة الثـانية هي تلك التي تخفى على حـسّ الطبيب الفاحص. والحق إن هذه الأمراض ظلّت عصية على المشاهدة والوصف والفهم حتى زمن اختراع منظار قعر العين في العصر الحديث، وهذه الأمراض هي أمراض الجسم الزجاجي والشبكية والمشيمية والعصب البصري.
وقد اتَّبَع جميع المؤلفين العرب هذا التصنيف الذي وضعه علي بن عيسى، ومايزال العالم يَتَّبعه حتى اليوم.
والإسهام الثاني الذي امتاز به علي بن عيسى؛ هو أنه جمعَ كلّ مايتعلق بالمرض الواحد في موضع واحد من الكتاب، فقديماً كـان حنين بن إسـحاق يجعل مقالة لأسـباب أمراض العين، ومقالة ثانية لأعراض هذه الأمراض وعلاماتها، ومقالة أخرى لمعالجة هذه الأمراض. وجـاء علي بن عيسـى لِيُتَوّج جهود الرازي التي سعت إلى جمع أسـباب المرض وأعراضه وعلاماته ومعالجاته في مكان واحد تسهيلاً للدارسين.
وقد عُرف كتاب التذكرة فتُرْجِمَ باكراً إلى الفارسـية ثم إلى التركية أمـا ترجمته اللاتينية ـ التي يعود عهدها إلى العصور الوسطى ـ فقد كانت رديئة. وفي العصر الحديث ترجم مؤرخو الطب التذكرة من جديد إلى اللاتينية ترجمة واضحـة عام 1845 جزئياً وعام 1903 كاملة ـ بانسييه، لكن أهم ترجمات الكتاب هي تلك التـي قام بها J.Lippert, J. Hirschberg إلى الألمانية عام 1904. وفي عام 1936 ترجم «ك. وود» C.Wood التذكرة من الألمانية إلى الإنكليزية.
وقد حقق غوث محيي الدين القادري هذا الكتاب تحقيقاً علمياً ممتازاً عام 1964 ونشره في حيدر آباد.
نشأت الحمارنة
Ali ibn Issa al-Kahal - Ali ibn Issa al-Kahal
علي بن عيسى الكحال
(…ـ 430هـ/… ـ 951م)
شرف الدين علي بن عيسى، أشـهر الكحّالين العرب على الإطلاق، وأوسعهم تأثيراً في المؤلفين المتأخرين في حقل طب العيون (الكِحالة).
لا يُعْرَفُ عنه أنه مـارس من فروع الطب غير هذا الاختصاص الذي نبغ فيه، بـعد أن استوعب قدراً كبيراً ما عرفته البشرية من مُؤَلَّفات في هذا الفنّ وما دونته أو حفظته مشافهة وصار تراثاً للإنسانية جمعاء. استلهم علي بن عيسى هذا التراث وأحسن تَمَثُّلَ المادة العلمية، وأعاد تصنيفها وتبويبها، واعتمد عليها في كتابة مُؤَلَّفِه الشهير «تذكرة الكحَّالين».
تذكر المصادرُ العربية أنّه عاش في بغداد، وتعلم على أبي الفرج بن الطيّب (ت 435 هـ/ 1043م) وعمل في البيمارسـتان العضدي كحّالاّ وأستاذاّ. وتنسبه جميع المصادر العربية إلى بغداد، وقد اشتهر بلقبه الكحّال إلى درجة أنه إذا قيل «الكحّال» انصرف الذهن إلى عليّ بن عيسى دون سواه.
والمقالات العربية التي نُشـرت حديثاً وحاولت تعرّف انتمائه الديني أو المذهبي ليس لها سند تاريخي. وذكر بروكلمان ونقل عنه سزكين أن عليّ بن عيسى كان نسطورّياً وتحوّل إلى المذهب الملكي، بسـبب خلاف حادّ وقع بينه وبين الكاثوليكوس يوحنا رأس الطائفة النسـطوريّة في بغداد. وتخلط بعض المصادر، كالقفطي، بين هذا الكحّال الشهير وعيسى بن علي؛ تلميذ حنين ابن إسحاق.
لم يكتب علي بن عيسى كتاباً غير «تذكرة الكحّالين»، لكن هذا الكتاب اشـتهر وصار قانوناً لأطباء العين العرب كما يذكر هيرشبرغ Hirschberg(مؤرخ الطب الشهير)، فاتخذوه مصدراً أساسيّاً لهم، ونقل عنه جميع المؤلفين الكبار في طب العين، وأشهرهم الغافقي «محمد بن قسّوم بن أسلم»، والحريري «عبد الله بن قاسم الإشبيلي»، وخليفة ابن أبي المحاسن الحلبي، ويحيى بن أبي الرجاء «صلاح الدين بن يوسـف الحموي»، والشـاذلي «صدقة بن إبراهيم المصري». كما تأثّر به ابن النفيس وتقيّد بأسلوبه في التصنيف.
وقد حرص عـدد كبير من هؤلاء المؤلفين الكبار على نقل فقر من «التذكرة» نقـلاً حرفياً، وذلك لكي يزيّنوا مـادتهم العلمية بعبارات هذا الأسـتاذ الكبير الذي برع فـي وصف أعراضِ الأمراض براعة غدا معها مؤلفاً لا يُشقُّ له غبار.
ويشهد هيرشبرغ بأن عليّ بن عيسى تجاوز في مقدرته كـلّ المؤلفين الذين سـبقوه، كما يشـهد بأن موهبته في التعبير لـم تتوافر لأَيٍّ من المؤلفين الإغريق. يوجز هيرشبرغ حديثه عن علي بن عيسى بقوله إن تاريخ طب العيون لا يعرف قبل علي بن عيسى مؤلفاً من هذا الوزن، ويقرّر ـ وهو العارف بتاريخ الطب ـ أن أوربا لو كانت قد اسـتوعبت ما جاء في التذكرة في الوقت المناسـب لما تأخّر فيها تطوّر طب العيون كلّ هـذه المُدّة، فكتاب علي بن عيسـى صدر في بداية القرن الحادي عشر، وظلّت أوربا عاجزة عن كتابة نظيرٍ له حتى بداية القرن الثامن عشر.
وقد خلص هيرشـبرغ من دراسـة هذا الكتاب إلى تعرُّف أخلاق هذا الطبيب، التي كانت تتّسم بالرأفة تجاه المريض، والحذر في وضع التشخيص، والتأنّي في العمل الجراحي. كما تبيّن له أن عليّ ابن عيسـى المؤلف، يحرص على اسـتيعاب جميع جوانب الموضوع الذي يكتب عنه، ويحسن عرض الآراء المختلفة، ويتشـدّد في طَلَب الكمال في التأليف العلمي، أما علي بن عيسى الإنسان فهو ذلك الرجل المتواضع الذي يقدّر الأسـاتذة ويعطيهم حقَّهم، ويحبّ تلامذته ويسهّل لهم وسائل اكتساب المعرفة ويخشى الله في جميع أعماله.
وقد وصف هيرشبرغ كتاب التذكرة بأنه يمتاز بحسن التصنيف وبراعة العرض ووضوح العبارة، إضافة إلى تفوّقه في الدقة العلمية والمنهجيّة، مع غنى التجربة الشخصية سواء في فن المداواة أو فـي الأعمال الجراحية، ويقرّر هيرشـبرغ أن هذا كلّه ناجمٌ عن خبرة طويلـة في الممارسة العملية والتدريس، إضافة إلى موهبة نادرة اتسمت بالبلاغة وسلاسة الأسلوب.
فعليّ بن عيسى في رأي هيرشبرغ ليس كحّال العرب الأول فحسـب وإنَّما هو واحد من أهم المؤلفين في طب العين عبر التاريخ وأوسعهم نفوذاً.
وقد عرف أصحاب كتب التراجم ومؤرخو الطبّ أهمّيّة هذا الكتاب، فوصفه القفطي بأنه كتاب (متفوّق)، وقـال عنه ابن أبـي أصيبعة «…،لابد لكلّ من يعانـي صناعة الكحل أن يحفظه». ويشهد: «…وقد أقصر الناس عليه دون غيره من سـائر الكتب التي قد أُلِّفت في هذا الفنّ».
رتب علي بن عيسى كتابه «تذكرة الكحالين» في مقدمة وثلاث مقالات، يقول في المقدمة ـ بتواضع العالم ـ إنه استقى مادة الكتاب من كتب الأوئل وإنه أسهم فيه بقسـط متواضع: «…، ولم أُضف فيه شـيئاً ألَّفْتُهُ من تلقاء نفسي سوى أشياء يسيرة شـاهدتها من شيوخ زماننا وبلوتها في أعمال هذه الصناعة…».
ويـذكر هيرشـبرغ أن أهم هؤلاء الأوائل هم جـالينوس وديوسـقوريدوس وبولـص وأريباسيوس وحنين، ويؤكّد تفوّق علي بن عيسى عليهم جميعاً في حقل طب العيون.
المقالة الأولى: وهي مقالة قصيرة تشـتمل على واحد وعشـرين باباً وفيها: حدّ العين (تعريفها) ومنفعتها وطبيعتها، وهي المقالة المخصّصَة لتشـريح العين وفيزيولوجيتها (تركيبها، طبقاتها، رطوباتها، فعلها).
المقالة الثانية: وفيها يسـتعرض المؤلف أمراض العين الظاهرة للحسّ، ويلتزم في ترتيب الأمراض التقسيم التشريحي الصارم، كما فعل حنين بن إسحاق في «المقالات العشر في العين»، فيذكـر أمراض الجفن (وهي عنده 29 مرضاً)، ثم أمراض جهاز الدمع (المأق) ثم أمراض الملتحمة فالقرنية وهكذا.
وفي نهاية هذه المقالة يأتي باب السادّ (الماء النازل في العين)، وهذا الباب الذي صار مصدراً لكلِّ ما كُتِبَ في هذا الموضوع في التراث الطبي العربّي. وهذه المقالة لسريريات أمراض العين، تشتمل في الحقيقة على كلّ العلوم.
النّظرية الضرورية: السببيّات والمرضيات (الإِمراض) والتشخيص والإنذار.
المقالة الثالثة: وهي المخصّصة للأمراض التي لاتقع تحت حس الطبيب الفاحص وهي أمراض الشـبكية والعصب البصري والجسـم الزجـاجي، وفيها أيضاً أبـواب الصداع الناجم عن العين ولحالات سوء الانكسار، من يرى من بعيد ولايرى من قريب مثالاً، وفيها يعرض المؤلف أبواباً مهمة أخرى كالحول والجحوظ وضعف البصر. وتنتهي المقالـة بباب لأدوية العين المفردة مرتب حسـب أسـماء هذه الأدوية ترتيباً هجائياً، ويشتمل على 141 معظمها من الأدوية النباتية.
ويلاحظ هيرشـبرغ أن عدد الأمراض التي أوردها علي بن عيسـى في التذكرة مئـة وثلاثون مرضاً «فيها أربعة وستون ظاهرة للحسّ، أجاد المؤلف وَصْفَها وعَرْضَها»، بينما بلغ عدد الأمراض التي ذكرها سلزوس ثلاثين مرضاً، وما ذكره بولص خمسون مرضاً، وما ذكره ايتيوس واحدً وستون.
وفي أوربا في القرن الثامن عشـر كتب بلنكPLENK أول كتاب مدرسي عصري عام 1776، لم يورد فيه من أمراض العين إلا مئة وعشرين مرضاً.
ولعل الإسـهام الأكبر لعلي بن عيسـى في عالم التأليف هو تقسيم أمراض العين إلى زمرتين: ظاهرة للحس وخفيّة عنه. فالزمرة الأولى هي تلك الأمراض التي يـرى الطبيب علاماتها ويسـتطيع متابعة تطور أعراضها (الظاهرة للحس) أمراض الجزء الأمامي من العين (الملتحمة ـ القرنية ـ القزحية) وأمراض ملحقاتها (الأجفان ـ جهاز الدمع)، والزمرة الثـانية هي تلك التي تخفى على حـسّ الطبيب الفاحص. والحق إن هذه الأمراض ظلّت عصية على المشاهدة والوصف والفهم حتى زمن اختراع منظار قعر العين في العصر الحديث، وهذه الأمراض هي أمراض الجسم الزجاجي والشبكية والمشيمية والعصب البصري.
وقد اتَّبَع جميع المؤلفين العرب هذا التصنيف الذي وضعه علي بن عيسى، ومايزال العالم يَتَّبعه حتى اليوم.
والإسهام الثاني الذي امتاز به علي بن عيسى؛ هو أنه جمعَ كلّ مايتعلق بالمرض الواحد في موضع واحد من الكتاب، فقديماً كـان حنين بن إسـحاق يجعل مقالة لأسـباب أمراض العين، ومقالة ثانية لأعراض هذه الأمراض وعلاماتها، ومقالة أخرى لمعالجة هذه الأمراض. وجـاء علي بن عيسـى لِيُتَوّج جهود الرازي التي سعت إلى جمع أسـباب المرض وأعراضه وعلاماته ومعالجاته في مكان واحد تسهيلاً للدارسين.
وقد عُرف كتاب التذكرة فتُرْجِمَ باكراً إلى الفارسـية ثم إلى التركية أمـا ترجمته اللاتينية ـ التي يعود عهدها إلى العصور الوسطى ـ فقد كانت رديئة. وفي العصر الحديث ترجم مؤرخو الطب التذكرة من جديد إلى اللاتينية ترجمة واضحـة عام 1845 جزئياً وعام 1903 كاملة ـ بانسييه، لكن أهم ترجمات الكتاب هي تلك التـي قام بها J.Lippert, J. Hirschberg إلى الألمانية عام 1904. وفي عام 1936 ترجم «ك. وود» C.Wood التذكرة من الألمانية إلى الإنكليزية.
وقد حقق غوث محيي الدين القادري هذا الكتاب تحقيقاً علمياً ممتازاً عام 1964 ونشره في حيدر آباد.
نشأت الحمارنة