هل سبق لك أن قابلت رجلًا طويل القامة حاد الصوت؟، ألم يبدُ صوته غريبًا؟
إننا نتوقع حدسيًا أن تمتلك الثدييات الكبيرة الحجم أصواتًا جهوريةً منخفضة الحدة، وأن تمتلك الثدييات الصغيرة أصواتًا حادة وعالية. حيوان «المرسال ريشي الذيل» – Acrobates pygmaeus هو حيوان جرابي يزن فقط ما مقداره ثلاثة ملاعق صغيرة من السكر، وكما توقعنا، فإنه يصدر صوت صرير.
وفي المقابل، تجد الأسد الضخم يجوب السهول الأفريقية، مخوفًا لفرائسه بصوته الجهوري القوي. أما بالنسبة للثدييات متوسطة الحجم، مثل «الشيطان التازماني»، فلها أصوات متوسطة النبرة، بالتناسب مع حجمها.
ترتبط شدة تردد الصوت عند الكائن الحي بكتلة الجسم، إذ كلما ازدادت حجم الحيوان، ازداد حجم التجويف في جهازه الصوتي.
على الرغم من أن بعض الحيوانات تخالف هذه القاعدة، «كالقرد العوّاء» وحيوان «الكوالا»، إذ لديها غرف متخصصة بحناجرها تساعدها على إصدار أصوات أقل نبرة، إلا أنه بالنسبة لأغلب الثدييات الأرضية فإن حجمها يتناسب مع نبرة صوتها.
الثدييات البحرية تكسر القاعدة
لكن الأمر ليس بهذه البساطة دائمًا، فقد كشفت أبحاثنا أن الثدييات البحرية لا تُصدر أصواتًا كالتي قد نتوقعها على أساس حجمها.
بينما يُصدر النمر صوت زئير، تُصدر الدلافين والحيتان أصواتًا حادة ورفيعة. إن أكبر الثدييات الأرضية هو الفيل الإفريقي، ويزن حوالي 4000 كغ تقريبًا، ويُصدر ترددات صوتية بشدة 8KHZ في المقابل، يُصدر حوت «الأرنو» ذو المنقار ترددات صوتية شبيهة بأصوات العصافير تبلغ شدتها 11KHZ.
ليست فقط الدلافين والحيتان من تمتلك هذه القدرة، بل وبعض الفقمات أيضًا قادرة على إصدار أصوات غريبة ورائعة تحت الماء.
تنمو فقمات «نمر البحر» لتصل إلى حجم ثور كبير، ومع ذلك فهي تُصدر أصواتًا موسيقيةً تحت الماء شبيهةً بصوت صرصور الحقل، وبدلًا من أن تصدر صوتًا أعمق كلما زاد حجمها كما في أغلب الثدييات، فإن الفقمات الأكبر حجمًا أصواتها أحدُّ نبرةً.
لماذا هذا الاختلاف؟
كشفت الدراسات السابقة أن كتلة الجسم والبيئة التي يعيش فيها الحيوان لها تأثير على نبرة صوته.
ينتقل الصوت بسرعة أكبر في الماء مقارنةً بالهواء، وتواجه الموجات الصوتية تشوهًا أقل وفقدانًا أقل لشدتها، وهذا يعني أن الأصوات عالية التردد قادرة على السفر في الماء أسرع من الهواء، دون تشوه كبير. إن كفاءة الانتشار هذه هي ما يسمح للثدييات البحرية باستخدام نداءات عالية التردد.
بالنسبة لنا كثدييات برية، فليس بإمكاننا التنفس و إصدار أصوات تحت الماء في نفس الوقت؛ بينما تكيفت الثدييات البحرية ليكون جهازها التنفسي أكثر تعقيدًا ليمكّنها من ذلك، إذ يتحرك الهواء ذهابًا و إيابًا بين الرئتين و الأعضاء التنفسية العليا (كالثقب العلوي)، وهذا يعني أنها لا تحتاج للصعود إلى السطح لملء رئتيها بالهواء كي تستطيع استكمال الغناء.
ولكن هناك مشكلة أخرى: عندما تنتقل الموجات الصوتية من وسطٍ لآخر (من الهواء إلى الماء مثلًا)، يتم فقدان جزء كبير من الترددات الصوتية.
لذلك ففي الثدييات المائية، تتماثل كثافة الأنسجة الدهنية حول الحنجرة مع كثافة الماء، مما يُخفِّف من تشتت الصوت نتيجة تغير الوسط الصوتي.
ومن ذلك نستنتج أن حجم الحيوان أو كتلته ليسا مرتبطين بالضرورة مع طبيعة صوته عندما يتعلق الأمر بالثدييات البحرية، لذلك على الأرجح ستسمع صوت الدلفين أقرب إلى صرير الفأر منه إلى زئير الأسد.
البحث منشور في نيو ساوث ويلز أستراليا (UNSW) وشارك فيه: كوبي مارتن، باحث الدراسات العليا في سلوك الحيوان والصوتيات، و تريسي روجرز، أستاذ التطور وعلوم البيئة.